وعللت الخارجية الفرنسية في بيان لها هذا الموقف بأنّ “إسرائيل ليست عضواً في محكمة الجنايات”، وأن “نتنياهو والمسؤولين الآخرين يتمتعون بحصانات الدول غير الأعضاء ويجب أن تؤخذ في الاعتبار إذا طلبت منها المحكمة الجنائية الدولية اعتقالهم واستسلامهم”.
وكشفت مصادر فرنسية أن هذه الخطوة جاءت تلبية لشرط “إسرائيلي” للموافقة على مشاركة فرنسا كعضو في لجنة المراقبة الدولية لتطبيق القرار 1701 بين لبنان و”إسرائيل”، بعد أن رفضت “تل أبيب” هذا الأمر بداية، على خلفية مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المعارض للعدوان البري على لبنان.
وقد استمر رفض “إسرائيل” أيّ دور لفرنسا في هذه اللجنة حتى قبل 48 ساعة من الإعلان عن وقف إطلاق النار، وقد حصل التغيير بالموقف “الإسرائيلي” في اتصال هاتفي أجراه ماكرون بنتنياهو بعد ظهر الاثنين الماضي، وفيه تم الإبلاغ عن الشرط “الاسرائيلي” بشأن محكمة الجنايات.
المؤكد أن ماكرون اتخذ قراره دون العودة إلى رئيس حكومته ميشال بارنييه، فمن الواضح أن بارنييه لم يكن ظهر 26 تشرين الثاني/نوفمبر أي بعد 24 ساعة على الاتصال بين ماكرون ونتنياهو، على علم بقرار رئيسه، عندما أعلن أمام النواب الفرنسيين في الجمعية الوطنية: أن بلاده ستطبق التزاماتها بموجب القانون الدولي بصرامة فيما يتعلق بمذكرات توقيف نتنياهو وغالانت ولا يتعين علينا التعليق على هذا القرار”.
ووضعت فرنسا نفسها، عبر قرارها غير المبرر من وجهة نظر قانونية، في مواجهة القوانين الدولية، فبحسب نظام روما الأساسي الذي أنشأ محكمة الجنايات، فإن الدول الأعضاء ملزمة بتطبيق قرارات المحكمة حتى ولو كانت بحق شخصيات من دول غير عضو، وتقول المــادة (89) البند الأول: على الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض والتقديم وفقاً لأحكام هذا الباب وللإجراءات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية.
كما يشير قانون روما الأساسي إلى مسؤولية واضحة لهذه الدول في حال عدم تطبيق مذكرة التوقيف، وفي هذه الحالة فرنسا، إذ يقول البند السابع من المادة 87 / من نظام روما: “في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرار بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن الدولي”.
رفض فرنسا تطبيق قرار المحكمة الجنائية الدولية يضع المؤسسات القانونية الدولية في وضع معقد للغاية، لأن تبريرات فرنسا لا قيمة لها من وجهة نظر قانونية، خصوصاً وأننا فعلاً أمام حالة مماثلة مع الوضع الروسي، والمتحدث باسم الجنائية الدولية فادي العبد الله كان قد حسم الأمر عندما طرح السؤال في الحالة الروسية مؤكداً: إن القرار ملزم رغم عدم عضوية روسيا (إسرائيل في الحالة الحالية) في نظام روما”.
كرة من اللهب رمتها فرنسا، سيكون لها تداعيات على المستوى الوطني، إذ يتوقع صدور ردات فعل رافضة لهذه الخطوة من قبل أحزاب فرنسية ومنظمات حقوقية ومرجعيات قانونية فرنسية، والأسوأ على مستوى القضاء الدولي الذي وضعته باريس التي كانت تقدم نفسها على أنها المدافعة التاريخية عن المؤسسات الدولية وعن تطبيق العدالة ومبدأ المساءلة ومحاسبة مجرمي الحرب.