
يعود الوجود اليهوديّ في سورية تاريخيًّا إلى ما قبل الفتح العربيّ الإسلاميّ، فمنذ الرومان كانت تعيش في مدن سوريّة منها دمشق وحلب أقلّيّة يهوديّة امتدّ وجودها حتّى التاريخ الحديث…
“لم نكن نعيش في حالة سجن، غير أنّنا أردنا معرفة ما يحدث في العالم الخارجيّ”. يقول الحاخام يوسف حمرا في زيارته قبل أيّام إلى دمشق قادمًا من أميركا، مبرّرًا أسباب مغادرته وعائلته سورية مطلع تسعينيّات القرن الماضي. كان الرئيس السوريّ الأسبق حافظ الأسد، قد فرض منذ مطلع سبعينيّات القرن العشرين قيودًا على ما تبقّى بعد نكبة عام 48 من يهود دمشق وحلب، تمنّعهم من مغادرة سوريّة، وتلزمهم البقاء فيها، كي لا يغادروها، وتحديدًا إلى فلسطين، كما فرض عليهم قيودًا أخرى متّصلة بحرّيّة تصرفهم بأملاكهم ومصالحهم التجاريّة في سورية. وذلك إلى أن كان مؤتمر مدريد في مطلع التسعينيّات، حيث رفع الأسد الأب تلك القيود، ممّا أتاح لمن أراد من يهود سورية مغادرتها، وكان من بينهم حاخام كنيس حيّ جوبر الدمشقيّ يوسف حمرا وعائلته وآخرين من يهود العاصمة السوريّة.
قليلة هي الكتب والدراسات الّتي تناولت يهود سورية وتاريخهم فيها بالعربيّة على الأقلّ، وذلك على خلاف يهود العراق الّذين امتلأت رفوف المكتبات العربيّة والعبريّة عنهم وعن تاريخهم في العاصمة العراقيّة بغداد، بحكم تعدادهم فيها الّذي وصل قبيل النكبة عام 1948 إلى نحو أكثر من 120 ألف يهوديّ في بغداد وحدها، فضلًا عن ثقل دورهم التجاريّ – الاقتصاديّ والثقافيّ في المدينة، معطوفًا على ذلك اهتمام يهود العراق بعد نقلهم منه إلى الدولة العبريّة بهويّتهم العراقيّة – العربيّة حيث أثارها بعضهم بحمولة نقديّة واحتجاجيّة على الصهيونيّة الّتي وجدوا فيها اليد الّتي وقفت خلف نزعهم من هويّتهم وتاريخهم وسياقهم الحضاريّ العربيّ – الإسلاميّ.
يعود الوجود اليهوديّ في سورية تاريخيًّا إلى ما قبل الفتح العربيّ الإسلاميّ، فمنذ الرومان كانت تعيش في مدن سوريّة منها دمشق وحلب أقلّيّة يهوديّة امتدّ وجودها حتّى التاريخ الحديث، وأطلق عليهم تسمية “اليهود المستعربين”، في إشارة إلى عمق هويّتهم العربيّة في سورية. بينما الفئة الأخرى من اليهود في سورية أطلق عليهم “اليهود السفارديم”، وهم الّذين نزلوا سورية وبلاد الشام عمومًا في القرن السادس عشر، في ظلّ الدولة العثمانيّة، بعد طردهم من شبه الجزيرة الآيبيريّة في إسبانيا والبرتغال. وقد أتاحت لهم الدولة العثمانيّة التوطّن في مدن شاميّة، منها فلسطينيّة مثل طبريّا وصفد، فضلًا عن دمشق. بينما الفئة الثالثة من يهود سورية سمّوا بـ “الأشكناز” أو “الأوروبّيّون” الّذين قدّموا إلى سورية في القرن الثامن عشر، نزل معظمهم مدينة حلب التجاريّة، لأنّ معظمهم كانوا تجّارًا قادمين من إيطاليا. وفي سنة 1847، لجأت عشرات العائلات اليهوديّة إلى سورية وتحديدًا إلى العاصمة دمشق قادمة من الجزائر برفقة عبد القادر الجزائريّ هربًا من بطش وملاحقات سبطات الاستعمار الفرنسيّ.
لاحقًا في مطلع القرن التاسع عشر، ومع سياسة التنظيمات الإصلاحيّة الّتي اتّبعتها الدولة العثمانيّة، صار لليهود الأوروبّيّين في حلب كبير تأثير وأثر على يهود المدينة وسورية عمومًا، لناحية تعريفهم لأنفسهم وهويّتهم الحضاريّة، إذ بدأ اليهود السفارديم في حلب يعيدون تعريف أنفسهم على أنّهم يهود أوروبّيّون – غربيّون كي يحظوا بامتياز الحماية الأجنبيّة الّذي منحته السلطنة العثمانيّة للتجّار الأجانب، وذلك أسوة بالتجّار اليهود الأوروبّيّين. وتعتبر هذه المرحلة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اللحظة الفارقة في تحوّلات يهود مدينة حلب وسورية عمومًا على مستوى الهويّة والانتماء، الأمر الّذي مهّد لبعضهم التصالح مع الصهيونيّة لاحقًا.
كان معظم يهود مدينة حلب يعدّون من أبناء الطبقة الوسطى فيها بحكم أعمالهم الّتي ارتبطت بالتجارة والحرف، بينما في دمشق انقسم يهودها طبقيًّا بين طبقة ثريّة فاحشة الثراء، وأخرى فقيرة شبه معدمة، وذلك مردّه أيضًا إلى طبيعة الأعمال الّتي زاولها يهود دمشق، حيث امتهن أثرياء اليهوديّ الصرافة والأعمال الماليّة إلى حدّ احتكارهم لها على مستوى العاصمة دمشق، خصوصًا أنّ مسلمي المدينة قد تجنّبوا الأعمال الماليّة والصرافة تفاديًا للربا المحرّم إسلاميًّا. الأمر الّذي أدّى إلى استفراد اليهود في هذا المجال، ليصبحوا أكبر أثرياء دمشق كلّها، لا الطائفة اليهوديّة فقط، ومن أشهر العائلات اليهوديّة المتنفّذة في دمشق كانت عائلتا “فارحي وهراري” اللّتين وصل بهما ثراؤهما إلى حدّ إقراض الإدارة الحكوميّة في العاصمة السوريّة في مطلع القرن العشرين، وقبل ذلك كان يعهد إلى بعض أثرياء العائلتين تمويل محمل الحجّ من الشام إلى الحجاز بإشراف السلطنة العثمانيّة، كما تملك بعض يهود دمشق مساحات واسعة من أراضي ريف دمشق إلى حدّ ملكوا فيه الغوطة بعد أن نهبوا فلّاحيها عبر سياسة إقراض لم يتمكّن الفلّاحون من تسديد فوائدها الماليّة الباهظة بحسب ما يروي يوسف نعيسة في دراسته “يهود دمشق”.
وفي بحثه بعنوان “التحوّلات البنيويّة ليهود سوريا في القرن التاسع عشر”، يشير الباحث حسن الخطيب إلى ثراء بعض يهود دمشق الفاحش وقصورهم الّتي غدت مضرب مثل في سورية وبلاد الشام وحتّى لدى الرحّالة الأوروبّيّين في القرنين الثامن والتاسع عشر، منها قصور آل فارحي وقصر شمعايا، وقصر آل عنبر، وبيت شطاح وبيت الجليلاتي وبيت لزبونا، وكان قصر مراد فارحي في دمشق على يحتوي مكتبة يهوديّة ضخمة، كما امتلك روفائيل فارحي قصرًا في دمشق وصفه بعض المستشرقين بأنّه أشبه بقرية صغيرة، حيث كان يسكن فيه أكثر من سبعين شخصًا، وفيه مكتبة عبريّة ضخمة. وللتذكير، فإنّ عائلة فارحي اشتهرت في عالم الأعمال الماليّة والصيرفة وإدارة الخزينة، فرّخت فيه أسماء من أبنائها عرفوا على مستوى بلاد الشام منذ مراحل مبكّرة من التاريخ العثمانيّ، من بينهم شحاتة فارحي الّذي كان صرّافًا ذا نفوذ كبير في ولايتي دمشق وصيدا في عهد ظاهر العمر أواسط القرن الثامن عشر. وخلف شحاته ولداه رافائيل وجوزيف فارحي، وشاركهما النفوذ ابن عمّهما سلمون فارحي، بينما ابن شحاتة الثالث “حاييم فارحي” فكان الأشهر من بين أبنائه بعد أن استدعاه والي دمشق وصيدا أحمد باشا الجزّار إلى مقرّه في عكّا سنة 1790م، وأوكل إليه أمر الصيرفة حتّى عام 1804م، إلى نقم عليه الجزّار في آخر أيّامه، فأمر هذا الأخير بجدع أنف حاييم فارحي، وسمل عينه اليسرى وحبسه، إلّا أنّ موت الجزّار قد خلّص حاييم من السجن الّذي فرّ إلى إسطنبول ليكون له بعدها دور في تثبيت وتعيين سليمان باشا سنة 1805م واليًا على صيدا من عكّا خلفًا للجزّار، وقد وصل نفوذ حاييم فارحي في عكّا إلى ما هو أبعد من إدارة الخزينة والشؤون الماليّة، ليتحكّم بالشؤون السياسيّة والإداريّة للولاية كذلك، إلى أن تمّ التخلّص منه، بعد أن أمر الوالي في عكّا عبداللّه باشا بإعدامه سنة 1820م.
توزّع يهود دمشق على أحياء سكنيّة خاصّة بهم شأن باقي الطوائف الأخرى، وتركّز سكنهم داخل أسوار دمشق القديمة في الجزء الشرقيّ، الّذي أطلق عليه اسم حارة أو محلّة اليهود وفي بعض الأحيان كان يطلق على حيّهم اسم الـ “ثلاج” بحسب ما يروي يوسف نعيسة في دراسته عن يهود دمشق. وكانت حارة اليهود الدمشقيّة، تقسّم إلى أزقّة وأحياء صغيرة داخل الحيّ الكبير، مثل “محلّة تحت القناطر” و”محلّة الخراب” و”حيّ السامرة” بالقرب من برج الروس في الناحية الشماليّة من دمشق ضمن أسوارها. وفي دمشق وجد طريق كان يطلق عليه “درب السامريّ” فيه كان كنيس خاصّ باليهود السامريّين المستعربين، وكذلك حارة “القرّائين” في محلّة الزيتون قرب السور القديم في الناحية الشماليّة من المدينة، وقد حلّ محلّهم في ذلك الحيّ المسيحيّون الكاثوليك بعد عام 1832م.
لم تطاول أحداث دمشق الطائفيّة الّتي اندلعت عام 1860 اليهود، فقد طاولت المسيحيّين في المدينة، بينما ظلّ اليهود بمنأى عنها، دون أن يتعرّض لهم أحد، ولم يسجّل أن تعرّض يهود دمشق وسورية عمومًا لأيّ اعتداء ذات طابع دينيّ – طائفيّ على مدار تاريخهم فيها، على الرغم من استياء أهالي دمشق وقرى ريفها تاريخيًّا من جشع وابتزاز الصيرفة اليهود لهم الّذين شكوا منهما غير مرّة للولاة العثمانيّين في المدينة. كانت كلّ محاولات تأليب مسلمي المدينة على يهودها، مدفوعة بأيد خارجيّة مع تفاقم النفوذ الأجنبيّ – الأوروبّيّ في بلاد الشام العثمانيّة منذ مطلع القرن التاسع عشر، خصوصًا فرنسا الّتي طرحت نفسها كدولة راعية وحامية لحقوق المسيحيّين الكاثوليك. ومن أشهر محاولات التأجيج الطائفيّ الّذي سعت إليه فرنسا ضدّ يهود دمشق كان في عام 1840م، عندما اتّهمت فرنسا يهود دمشق باختطاف القسّيس توما الكبّوشي، وخادمه المسلم إبراهيم عمارة، وقتلهما لاستخدام دم القسّيس في طقوس العبادة اليهوديّة وفق الأسطورة الشعبيّة الّتي كانت رائجة عن استخدام يهود سورية لدم رجال دين أو أطفال من طوائف أخرى في طقوس عيد الفصح الدينيّة. كان توما الكبوشي كاثوليكيًّا، ومن هنا طالب الفرنسيّون بعقاب قادة الطائفة اليهوديّة بدمشق، وللمفارقة أنّ أهالي مدينة دمشق مسلمون ومسيحيّون لم يهتمّوا لتهمة فرنسا لليهود، بينما نقل التهمة إلى مدينة أزمير التركيّة عبر الصحف الفرنسيّة، أدّى تأجيج مشاعر أهالي أزمير ضدّ اليهود في مدينتهم.
حارات ومحلّات عرفت باسمهم في العاصمة دمشق، قصور وأراض وحدائق، وكنس وأوقاف ودور عبادة خاصّة بهم، مرافق ودكاكين تجاريّة وماليّة ملكوها، مارسوا من خلالها دورًا استغلاليًّا بشعًا، دفعت إلى الشكوى منهم إلى حدّ قول أحد شعراء المدينة فيهم:
يهود هذا الزمان قد بلغوا
غاية آمالهم وقد ملكوا
المال منهم والجاه عندهم
ومنهم المستشار والملك
يا أهل ذا العصر قد نصحتكم
تهوّدوا فقد تهوّد الفلك….
لم يكن ليهود سورية الحضور الّذي كان ليهود العراق، من حيث العدد على الأقلّ. غير أنّ اليهود في سورية كانوا قد توزّعوا تاريخيًّا فيها على مدينتي دمشق وحلب بشكل أساس. وفي مدن أخرى بشكل أقلّ مثل حماة ودرعا وإدلب والقامشلي كذلك، وقلّما تواجدوا في الأرياف السوريّة. ففي مدينة دمشق وصل تعدادهم حتّى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بحسب يوسف نعيسة في دراسته عن يهود دمشق إلى نحو يتراوح ما بين 10 و 15 ألف يهوديّ، حيث لم تكن وقتها إحصاءات دقيقة عن تعداد سكّان المدينة الّتي كان رجالها يرفضون إحصاء نسائهم. بينما في مدينة حلب، وصل تعداد يهودها بحسب الباحث حسن الخطيب في بحثه “التحوّلات البنيويّة ليهود سوريا في القرن التاسع عشر” إلى نحو 10 آلاف يهوديّ من نفس المرحلة. غير أنّ التقارير العبريّة – الإسرائيليّة تورّد بأنّ عدد اليهود في سورية في مطلع القرن العشرين، كان قد وصل إلى نحو 100 ألف يهوديّ فيها، وهذا الرقم مبالغ فيه بالتأكيد. إذ ليس من إحصاءات سوريّة ولا دراسات ودلائل تثبته، كما تضخّم الرواية الصهيونيّة في تقاريرها من عدد يهود سورية قبل النكبة في محاولة من الصهيونيّة للموازاة والمساواة ما بين “نكبة” يهود الدول العربيّة ونكبة الفلسطينيّين في الاقتلاع والتهجير. مع العلم أنّ الصهيونيّة منذ ما قبل عام 1948، هي من عملت ووقفت خلف ترحيل اليهود العرب من أوطانهم العربيّة إلى الدولة العبريّة في فلسطين.
غادر اليهود سورية قبل النكبة وخلالها، وعلى أثرها كذلك، إلى فلسطين وبعضهم إلى الولايات المتّحدة والمكسيك بشكل أساس. وبحسب تقارير عبريّة، فقد غادر بعد النكبة عام 1948 ما يقارب الخمسة آلاف يهوديّ سورية، إلى أن وصل حافظ الأسد سدّة الحكم، ومنع خروجهم منها، لتنقطع بعدها أخبار وأحوال يهود سورية في ظلّ حكمه. فضلًا عن أنّ بعض اليهود في مدينتي دمشق وحلب، قد رفضوا من تلقاء أنفسهم ترك مدينتيهم، بحكم أنّهم رأوا بأنفسهم يهود سوريّين من أبناء سوريّة لا صلة لهم بالصهيونيّة وإسرائيل. وبعد رفع قيود منع مغادرتهم البلاد مطلع التسعينيّات بدأت هجرة من تبقّى منهم إلى خارج سوريا، في هجرة صامتة إلى الولايات المتّحدة وإسرائيل. بحسب تقرير أميركي يعود إلى عام 2015، انخفض عدد يهود مدينة دمشق في ذلك العام إلى عشرين يهوديًّا فقط، وفي الأسابيع الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد وقبيل زيارة الوفد اليهوديّ الأميركي إلى دمشق كان تعدادهم في هذا الأخيرة قد انخفض إلى 7 أشخاص فقط، مات منهم امرأتان يهوديّتان مسنّتان قبل أيّام معدودة من زيارة الوفد.
الزيارة مؤخّرًا
يعود الحاخام اليهوديّ يوسف حمرا وهو ابن الـ 77 عامًا وبرفقته ولده هنري من الولايات المتّحدة الأسبوع الماضي إلى دمشق الّتي اعتبروها “مدينتهم” وإلى كنيس صلاتهم في حيّ جوبر الدمشقيّ، وذلك بعد نحو أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا على مغادرتهم سورية. ومن بين مرافقي الحاخام في وفده الموفد رسميًّا إلى دمشق كان أيضًا الحاخام “آشر لوباتين” ابن الـ 60 عامًا، وقد عرف هذا الأخير في مواقفه الداعمة للصهيونيّة من الولايات المتّحدة الأميركية. وهذا يشغل الحاخام لوباتين عدّة مواقع إداريّة في تنظيم شؤون يهود الولايات المتّحدة، من بينها إدارة مجتمع “شجرة الحياة” (عيتس حاييم) اليهوديّة في ولاية ميشيغن، ولوباتين مختصّ في الدراسات الإسلاميّة كذلك، حاصل على اللقب الأوّل من جامعة بوسطن الأميركية، وحصل على اللقب الثالث “دكتوراه” من جامعة أكسفورد بعد أن قدّم أطروحته عن “الأصوليّة الإسلاميّة تجاه اليهود”.
لم تكن زيارة الوفد اليهوديّ إلى العاصمة الدمشقيّة الأخيرة، مبادرة فرديّة – عفويّة من قبل بعض يهود سورية المهاجرين منها، إنّما جاءت كزيارة رسميّة لجماعة موفدة بصورة رسميّة ومنظّمة ما بين القيادة الجديدة في دمشق بالتنسيق مع منظّمة الطوارئ السوريّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بحسب تقرير إسرائيليّ نشر على موقع “واي نت” الإسرائيليّ في يوم 19 شباط الماضي بالعبريّة بعنوان: بعد ثلاثين عامًا: حاخام وابنه يعودون إلى كنيسهم في وسط دمشق”.
ليست هذه الزيارة بريئة من سياقها السياسيّ المتّصل بسورية الجديدة أو سورية الشرع إن صحّ التعبير ما بعد سقوط نظام السوريّ، حيث تثابر القيادة الجديدة في العاصمة السوريّة دمشق على رفع العقوبات عن سورية، بالتالي في مداومة على إثبات حسن نيّة وسيرة سورية الجديدة مع العالم من أجل المضيّ قدمًا نحو تعافيها اقتصاديًّا وسياسيًّا. ومع أنّ سلوك القيادة الجديدة في دمشق يمكن فهمه وتفهّمه بعيدًا عن لغة المناكفات والمزاودات، إلّا أنّ في مزاج سورية الجديدة قيادة وشعبًا ما بعد الأسد، ما يشي بأبعد ممّا هو سلوكًا برغماتيًّا متّصلا برفع العقوبات وفكّ حالة العزلة عن سورية، نحو نفس تصالحيّ مبطّن، كان قد نطق على ألسنة بعض مسؤولي القيادة الجديدة غير مرّة في الأسابيع الماضية منذ تسلّمهم دمشق. خصوصًا ليس في ظلّ تفادي قيادة دمشق الجديدة الحديث عن توغّل الاحتلال الإسرائيليّ في الجولان – كان الرئيس الشرع قد عبّر في المؤتمر الأخير عن رفضه لتصريحات نتنياهو المتعلّقة بالتمدّد داخل الأعراض السوريّة -، بل في الصمت الشعبيّ السوريّ إزاء ما يحدث في الجولان علينا تحسّس رؤوسنا؛ ممّا صارت عليه سورية الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف سورية المثقلة بجراحها وهمومها بعد ما مرّت به في العقد والنصف عقد الأخيرين.
المصدر: عرب 48