دوليعربي

استطلاع لـ”إيكونوميست”: السوريون متفائلون ويثقون بالشرع وعلى الدول الغربية رفع العقوبات ومساعدته

المسار الاخباري : دعت مجلة “إيكونوميست” في افتتاحيتها الدول الغربية إلى رفع العقوبات عن سوريا من أجل منح البلاد فرصة لإعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة. واستندت المجلة على استطلاع أجرته ووجدت أن السوريين يثقون بالقيادة الجديدة للرئيس أحمد الشرع، وإذا كان هذا هو الحال، فيجب على الغرب الثقة به. وقالت إن السوريين ربما غُفر لهم الإيمان بالوهم. فبعد أربعة أشهر من نهاية حكم بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، وبعد خمسة عقود من الحكم الإستبدادي، فقد خلف وراءه اقتصادا منها وسياسة عرضة للتقلب والاشتعال. مذكرة أن المئات وربما أكثر قتلوا في مواجهات طائفية في الشهر الماضي. إلا أن المجلة قامت بإجراء استطلاع في الأيام التي سبقت العنف في آذار/مارس وتقترح أن السوريين لا يزالون متفائلين. وهو ما يمثل فرصة لأحمد الشرع، الرئيس الانتقالي الذي قاد فصيله عملية الإطاحة بالأسد وللدول الغربية لمساعدة سوريا، ويجب عليهم تفويتها.

وتقول المجلة: “تظهر نتائج استطلاعنا، وهو استطلاع رأي عام شامل نادر يجرى في البلاد، صورة إيجابية جدا، فقد عبر 70% من السوريين من جميع أنحاء البلاد ومن مختلف الطوائف العرقية والدينية عن تفاؤلهم بالمستقبل. ويشعر حوالي 80% منهم بحرية أكبر مما كانوا عليه في عهد الأسد. كما أن نسبة مماثلة لديها نظرة إيجابية للشرع. ويقول ثلثهم إن الوضع الأمني قد تحسن رغم الاشتباكات”.

تظهر نتائج استطلاع رأي نادر يجرى في البلاد، صورة إيجابية جدا، فقد عبر 70% من السوريين من جميع أنحاء البلاد ومن مختلف الطوائف العرقية والدينية عن تفاؤلهم بالمستقبل. ويشعر حوالي 80% منهم بحرية أكبر مما كانوا عليه في عهد الأسد

وتدعو المجلة القارئ والمهتم على حد سواء لقراءة هذه الأرقام بحذر، وبخاصة في بلد يعاني من صدمة وبتجربة قليلة في ممارسة حقه بحرية التعبير، لكنها تقترح أنه على الرغم من الانقسامات العميقة، لا سيما بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية التي كانت تسيطر سابقا، لا يزال السوريون يثقون بالشرع في سعيه لإعادة بناء البلاد. فمنذ توليه الرئاسة المؤقتة أواخر كانون الثاني/يناير، اتخذ بعض الخطوات لتحقيق توقعاتهم. ففي نهاية الأسبوع، أوفى بوعد تأخره بتعيين حكومة مؤقتة. ويهيمن على هذه الحكومة السيد الشرع، وتفتقر إلى رئيس وزراء، لكن قيادتها تضم الآن أعضاء من الأقليات وتكنوقراطا وامرأة.

وتعلق المجلة أن هذا التطور مرحب به، وبخاصة إن منح الوزراء سلطة حقيقية في مناصبهم. فقد تبدد الحكومة الجديدة المخاوف بشأن ميل الشرع إلى مركزة السلطة. كما ينبغي على الشرع استغلال هذا الدعم لإكمال توحيد الجماعات المسلحة المتفرقة في سوريا لمنع اندلاع عنف طائفي جديد. ومع ذلك، يبقى التحدي الرئيسي الذي يواجه الرئيس هو إنعاش الاقتصاد السوري المنهار. ويظهر الإستطلاع مدى إلحاح هذه المهمة، حيث قال 58% من المشاركين إن الاقتصاد إما راكد أو متدهور منذ توليه السلطة بعد سقوط الأسد.فلم تدفع حكومة الشرع رواتب معظم موظفي الخدمة المدنية منذ توليه السلطة في دمشق في كانون الأول/ديسمبر، نظرا لشح السيولة النقدية. وإذا لم تتحسن الأمور قريبا، فمن غير المرجح أن تستمر شعبيته.

وتعتقد المجلة أن العقبة الرئيسية أو واحدة من أكبر العقبات هي العقوبات الغربية على سوريا التي لم يتم رفعها بعد. وقد قصد من العقوبات،عزل الأسد، ولكنها باتت الآن عقبة في محاولات الحكومة الجديدة إعادة ربط سوريا بالاقتصاد العالمي. فهي تمنع استثمار الشركات الأجنبية لإعادة الإعمار وتحد من وصول سوريا إلى النظام المصرفي العالمي، مما يجعل من شبه المستحيل حصول البلاد على مستحقاتها من السلع التي تصدرها. وقد اضطرت سوريا إلى شراء النفط الروسي المنقول بحرا بموجب العقوبات الأمريكية. وبدون استثمارات أجنبية كافية وعائدات تصدير كافية، لن يتمكن الشرع من البدء في إحياء البلاد.

وتعلق المجلة أن لأمريكا وأوروبا أسبابها للحذر من تمويل الشرع، نظرا لماضيه كجهادي ذي جذور في تنظيم القاعدة. وهذا الموقف يقلل من مخاطر عدم فعل شيء أو التقاعس. وكما ذكرت المجلة في أكثر من مناسبة فإن هذا التردد خاطئ. وأكدت على أنه إذا استمر الاقتصاد السوري في التدهور، فإن المتطرفين ومن لديهم مصلحة في خلق الفوضى هم المستفيدون الوحيدون، وسيندلع العنف حتما من جديد. ويمكن تقديم الإغاثة بطريقة تسمح بإعادة فرض العقوبات، إذا ما راودت الشرع يوما ما فكرة تحويل سوريا إلى دولة جهادية. مع ذلك، يبدو أن السوريين يصدقون حاليا بأنه لا يخطط لمثل هذا الأمر. وبالمحصلة تقول المجلة إن على الغرب رفع العقوبات، ومنح السوريين الذين طالت معاناتهم أكثر من اللازم، فرصة لإعادة بناء بلدهم ومجتمعاتهم المدمرة.

على الغرب رفع العقوبات، ومنح السوريين الذين طالت معاناتهم أكثر من اللازم، فرصة لإعادة بناء بلدهم ومجتمعاتهم المدمرة.

وتعتقد المجلة أن الاستطلاع العام الرائد الذي نظمته في سوريا يؤكد حالة التفاؤل العامة بين السوريين في ظل الحكم الجديد، وهذا لا ينفي عدم وجود خلافات طائفية. لكن الشرع الذي أعلن عن حكومته في 29 آذار/مارس باعتبارها “إعلان إرادتنا المشتركة لبناء دولة جديدة”، بدت كذلك بالفعل. فالحكومة التي أحضرها معه إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر بعد إطاحته ببشار الأسد، كانت تتألف بالكامل من مجموعة من الإسلاميين السنة والجهاديين السابقين.

أما في الحكومة الجديدة، فلا يزال الموالون له من أيام الحرب الأهلية يشغلون المناصب العليا. لكن “التكنوقراط حلوا محل الظلاميين على حد” وصف المجلة، وهناك وزير من كل أقلية سورية: علوي، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد، ومسيحية، ودرزي، وكردي. وتضيف المجلة أن الأشهر المقبلة ستظهر ما إن كانت خطة الشرع للبلد تعبر عن تعددية بالفعل كما يوحي تشكيل الحكومة.

وبحسبها لا تزال الأقليات غير السنية وغير العربية في سوريا، على وجه الخصوص، قلقة بشأن ماضيه الجهادي وميله إلى مركزة السلطة في يده.

وتذكر أنه في الشهر الماضي، قتل المئات وربما أكثر، في أعمال عنف طائفية في الساحل. ولا يعترف الأكراد الذين يحكمون شمال شرق سوريا بالحكومة الجديدة.

ومع ذلك، تشير نتائج استطلاع الرأي الناد، الذي أُجري لصالح مجلة “إيكونوميست” في آذار/مارس إلى استمرار التفاؤل الواسع النطاق بشأن قدرة الشرع على إعادة إعمار سوريا. ووجد الاستطلاع، الذي شمل 1،500 سوريا من جميع محافظات البلاد والجماعات الطائفية، أن 81٪ يوافقون على حكم الشرع، فيما تقول نسبة 22٪ فقط إن ماضيه كزعيم لتنظيم القاعدة يجب أن يجعله غير مؤهل للقيادة.

ويقول عدد كبير إنهم يشعرون أن نظامه الجديد أكثر أمانا وحرية وأقل طائفية من نظام الأسد.

ويشعر حوالي 70٪ بالتفاؤل بشأن الاتجاه العام للبلاد. وتعتبر محافظة هي إدلب أكثر المناطق التي تشعر بالبهجة. وباعتبارها منطقة نفوذ الشرع السابقة، حيث أعرب 99 من أصل 100 مشارك عن تفاؤلهم.

وإلى جانب دمشق، فإن العاصمة طرطوس، وهي محافظة مختلطة دينيا حيث شهدت حوادث قتل أعداد كبيرة من العلويين الشهر الماضي، هي الأكثر حزنا.

وحتى هناك، قالت نسبة 49٪ إنهم متفائلون، بينما أعرب 23٪ عن تشاؤمهم.

وترى المجلة أن إمكانية إجراء الاستطلاع من الأساس علامة جيدة في منطقة كان المستبدون العرب عادة يحظرون استطلاعات الرأي المستقلة. ومع ذلك، لم تكن الظروف مثالية.

فقد كان على منظمي الاستطلاعات العمل في الأماكن العامة. ونظرا لصعوبة استخدام أساليب مثل الاتصال العشوائي للحصول على عينة تمثيلية من السوريين، فقد تواصلوا مع الناس حتى حصلوا على عدد محدد مسبقا من الردود من الرجال والنساء في كل محافظة من محافظات البلاد الأربع عشرة.

وفي المناطق العلوية على الساحل، واجهوا مقاتلين سنة في حالة غضب. أما المناطق الحضرية، وخاصة دمشق، حيث يبدو أن الشكوك هي الأعلى، فهي ممثلة تمثيلا ناقصا في الاستطلاع.

وللتغلب على بعض التحيزات في البيانات، أعادت “إيكونوميست” تصنيف العينة حسب المنطقة الجغرافية والفئة العمرية والهوية ككردي أو علوي، وفقا لأفضل التقسيمات المتاحة لنسب هاتين المجموعتين في السكان.

ولم يكن للتعديلات سوى تأثير متواضع على النتائج. ومن الصعب تفسير الخوف الكامن لدى المشاركين من التعبير عن آرائهم السياسية بعد عقود من الدكتاتورية القمعية.

يقول محمد شيخ أيوب، مدير شركة حلول استشارات الشرق الأوسط، التي أجرت الاستطلاع: “في سوريا، لدينا عادة تقليدية تتمثل في الخضوع للسلطة”. ومع ذلك، قدم المشاركون مواقف نقدية من الشرع لا سيما تلك المتعلقة بالاقتصاد. وتعتقد نسبة تقترب من 60% أن الظروف الاقتصادية لم تتحسن أو ساءت في عهده. وتحظى قراراته بإعادة تقييم الرسوم الجمركية على الواردات والسماح بصرف الدولار دون قيود بدعم شعبي. إلا أن معظم رواتب الحكومة لم تدفع منذ توليه السلطة. كما أن السيولة النقدية شحيحة.

ويعارض معظم السوريين بشدة سياسة الشرع في دمج المقاتلين الأجانب في جيشه الجديد، حيث ترى نسبة 60% من المشاركين أنه يجب ترحيلهم بدلا من ذلك.

كما لا يوجد توافق حول كيفية معاقبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم في ظل النظام السابق.

ويقول أيوب: “يجب على الإدارة المؤقتة أن تعتبر هذا التفاؤل مقترضا لا مشترى”. ويضيف: “إن منع تلاشيه يتطلب إحراز تقدم ملموس في الاقتصاد، والحوار الوطني، والعدالة الانتقالية”.

وربما كان من غير المستغرب، في بلد خرج من عقود من استبداد الأقليات، أن يكشف الاستطلاع عن فجوة عميقة بين الأغلبية السنية والأقليات السورية، وخاصة العلويين، الذين كان الكثير منهم موالين للأسد فنسبة 6% فقط من السنة عبروا عن تشاؤم من المستقبل، مقارنة بـ 40% من العلويين.

وتشعر المجتمعات الكردية والدرزية والمسيحية بأنها أفقر وأقل حرية وأمانا من العرب السنة.

وكشف استطلاع المجلة عن خلافات بشأن النظام القانوني، وهو مؤشر مهم على التوجه المستقبلي للبلاد. ويفضل أكثر من 90% من السنة إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية، التي سادت في سوريا منذ أكثر من قرن إما كليا أو جزئيا. بينما تفضل نسبة 7% منهم فقط نظاما قانونيا علمانيا بالكامل. أما بين الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين، فتبدو النتائج معكوسة، فتفضل نسبة 86% من الدروز والمسيحيين و73% من الأكراد تقريبا نظاما قانونيا علمانيا. كما أن تأييد تطبيق الشريعة الإسلامية الكاملة أقل بين النساء، حيث بلغت نسبة المؤيدين 29%، مقارنة بالرجال الذين بلغت نسبتهم 40%. ويؤيد أكثر من ثلاثة أرباع المُستطلعة آراؤهم مساواة المرأة في الحقوق.

يعطي السوريون زعيمهم الجديد أحمد الشرع فرصة، والأمر متروك له لاستخدامها بحكمة.

وبعيدا عن الخلافات في المسائل الداخلية إلا أن هناك موقفا سوريا واحدا بشأن التعامل مع إسرائيل التي استولت منذ سقوط الأسد على مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي السورية، خارج الأراضي التي تحتلها بالفعل في مرتفعات الجولان، ودمرت الترسانة العسكرية السورية.

ومع ذلك، لا يرغب السوريون في القتال. وبحسب الاستطلاع فإن ثلثي المشاركين يفضلون الحلول الدبلوماسية لمواجهة إسرائيل، بينما تفضل نسبة 10% فقط الكفاح المسلح.

وبالمحصلة، تؤكد المجلة على أنه رغم الانقسامات الطائفية، فإن السوريين متفائلون بشكل مفاجئ. باستثناء العلويين، الذين يريد ثلاثة أرباعهم إجراء انتخابات في غضون عام، فإن معظمهم ليسوا في عجلة من أمرهم لاستبدال السيد الشرع. ويعطي السوريون زعيمهم الجديد فرصة، والأمر متروك له لاستخدامها بحكمة.