فلسطينيانتهاكات الاحتلال

السيطرة على “محور موراغ”… إعادة تشكيل الواقع الأمني في غزة

المسار الاخباري: منذ تجدد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 12 مارس/ آذار الماضي، يعمل جيش الاحتلال خلال عملياته العسكرية على خلق واقع ميداني جديد، لا سيما في ما يتعلق بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطلع الشهر الحالي، فرض محور “فيلادلفي 2” أو “محور موراغ” لفصل مدينة خانيونس عن مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، بعد محور صلاح الدين (فيلادلفي) على الحدود بين القطاع ومصر.

وأعلن جيش الاحتلال، في بيان أمس السبت، تمكن قواته، من فرقتَي 36 ولواء المدرعات 188، من السيطرة الكاملة على “محور موراغ” وتطويق مدينة رفح من الجهات كافة، إلى جانب مأسسة المحور وإتمام السيطرة عليه. ويعد “محور موراغ” الذي أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى مستوطنة إسرائيلية كانت موجودة قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، أحد الممرات الحيوية في جنوبي القطاع. ويمتد من البحر غرباً حتى شارع صلاح الدين شرقاً، وصولاً إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين القطاع والأراضي المحتلة، تحديداً عند معبر “صوفا” سابقاً (أغلقته إسرائيل عام 2008).

فرض “محور موراغ”

يبدو أن الاحتلال يرغب في السيطرة على هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 12 كيلومتراً من أجل فصل مدينة رفح، البوابة الخارجية للقطاع المرتبطة بالأراضي المصرية، عن باقي مناطق القطاع، وتحديداً وسطه وشماله. ويعتبر هذا المحور من الخطط الحديثة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، إذ لم يسبق أن أعلن عنه خلال الفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى يناير/ كانون الثاني 2025، أي الفترة الأولى من الحرب التي توقفت لنحو 60 يوماً مع إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، في 19 يناير الماضي، قبل رفض حكومة نتنياهو الدخول في المرحلة الثانية والثالثة من الاتفاق (تفضيان إلى وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع والشروع بإعادة الإعمار).

في حال فرض الاحتلال “محور موراغ” على غرار ما جرى في “نتساريم” سابقاً (الذي يفصل القطاع إلى نصفين) أو “خطة الجنرالات” (الرامية إلى تهجير السكان الغزيين واستهداف مَن يرفضون الإخلاء) شمالي القطاع، فإن إجمالي المساحة التي سيقتطعها الاحتلال وستدخل ضمن ما يعرف بالمنطقة العازلة تقدر بـ74 كيلومتراً مربعاً من إجمالي مساحة القطاع البالغة 360 كيلومتراً مربعاً. أما ميدانياً، فتغيب حتى اللحظة الاشتباكات أو المواجهات العسكرية العنيفة التي كانت تدور في مناطق التوغل البري بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، فيما يبدو تغييراً في التكتيك العسكري للأذرع العسكرية في غزة.

يبدو أن “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لـ”حماس”، تتجنب إلى حد هذه اللحظة الاشتباك في ظل التقدم المتدرج والبطيء لجيش الاحتلال داخل القطاع وتحديداً المناطق الشرقية منه، فيما يظهر أن المقاومة ما تزال تمنح طاولة المفاوضات فرصة للوصول إلى اتفاق خلال الفترة المقبلة. أما جيش الاحتلال، فلا يزال بدرجة أساسية يركز على عمليات القصف الجوي والمدفعي إلى جانب محاولة خلق المحور الجديد وجعله أمراً واقعاً خلال الفترة المقبلة، غير أن فرصة بقائه قد تكون مشابهة لما جرى مع محور نتساريم وسط القطاع سابقاً. فقد انسحب الاحتلال من “نتساريم” في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وفكك مواقعه العسكرية، فيه قبل إعادة احتلاله جزئياً بعد استئناف الحرب.

مزيد من الضغط

يرى الباحث في الشأن العسكري، رامي أبو زبيدة، أن قرار الاحتلال بالسيطرة على “محور موراغ” بعد أكثر من عام ونصف العام على الحرب المتواصلة “يأتي في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الأمني والسياسي في القطاع”. ويوضح في حديث لـ”العربي الجديد” أن “واحداً من الأهداف الإسرائيلية هو ممارسة المزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية من أجل تقليص قدراتها ودفعها إلى تقديم تنازلات أكبر في مفاوضات صفقة التبادل”. هذا المحور يُعد، وفق أبو زبيدة، نقطة “استراتيجية حيوية، كونه يربط بين مدينتي رفح وخانيونس، ما يمنح الاحتلال قدرة أكبر على مراقبة التحركات، وفرض السيطرة، وتقويض أي استعدادات ميدانية للمقاومة”.

رامي أبو زبيدة: الاحتلال يسعى لتقويض نفوذ المقاومة وقدرتها على التحرك

يضيف أن “قرار السيطرة على المحور لا ينفصل عن سياق التصعيد المستمر، كما يرتبط بدوافع داخلية إسرائيلية”، مبيّناً أن “دولة الاحتلال تسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تعيد رسم الخريطة الجغرافية والسكانية لقطاع غزة، تحديداً من خلال عزل جنوبي القطاع عن شماليّه ووسطه”. ويشدد أبو زبيدة على أن إنشاء “محور موراغ” يحمل دلالات خطيرة “أبرزها سعي الاحتلال إلى تقسيم القطاع إلى مناطق منفصلة، بما يعيق حركة الفلسطينيين ويضعف التواصل الجغرافي والاجتماعي”. يأتي ذلك “في الوقت الذي يُقوّض فيه نفوذ المقاومة وقدرتها على التحرك، ويمنح الاحتلال أدوات أكثر فاعلية للسيطرة والتعامل مع الجغرافيا الميدانية في القطاع”.

من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، لـ”العربي الجديد”، إن الاحتلال ينظر إلى “محور موراغ” باعتباره “ورقة قوة ميدانية”، مضيفاً أن “ذلك ما عبّرت عنه تصريحات متعددة صدرت عن رئيس هيئة الأركان (إيال زامير) ووزير الأمن (يسرائيل كاتس) وحتى نتنياهو، الذي ربط التقدم الميداني الإسرائيلي بتعثر المفاوضات”. ويضيف القرا أن “ما يجري اليوم مشابه إلى ما جرى في محور نتساريم سابقاً، إذ اضطر الاحتلال خلال مراحل الصفقة إلى الانسحاب شبه الكامل من هذا المحور، ولم يعد إليه إلا جزئياً، في شطره الشرقي، وهو يتحرك فيه حالياً بهدف تعزيز السيطرة والضغط الميداني”.

إياد القرا: تحاول المقاومة سحب ذراع الاحتلال تدريجياً من القطاع بدل خوض معركة مفتوحة

وبرأي القرا “يسعى الاحتلال إلى فرض وقائع على الأرض ليكسب أوراقاً تفاوضية إضافية، ويُلوّح باستخدام السيطرة الميدانية كأداة لانتزاع تنازلات من المقاومة التي تتعامل بحذر شديد مع التصعيد الميداني”. ويرى أن المقاومة “تعتمد على استراتيجية مركّبة في هذه المرحلة”، لافتاً إلى أنه منذ اتفاق وقف إطلاق النار وما تلاه من تفاهمات، تلتزم المقاومة بعدم الاشتباك المباشر مع قوات الاحتلال في المناطق الحدودية الشرقية أو القريبة من الحدود المصرية، حيث تبقى المسافة الفاصلة نحو 700 متر أو أكثر. ووفقاً للقرا فإن هذا السلوك قد يكون محاولة من المقاومة “لسحب ذراع الاحتلال تدريجياً من القطاع”، أو ربما يعكس تحوّلاً استراتيجياً في طريقة إدارتها للمواجهة، إذ لا تسعى في هذه المرحلة إلى معركة شاملة ومفتوحة. ويبيّن أن الاحتلال” يمارس ضغطاً مركّباً على أكثر من مستوى، إذ يتحرك ميدانياً بحذر لاعتبارات ترتبط بإعطاء مساحة زمنية إضافية لجهود التفاوض، وتجنّب الدخول في مواجهة مباشرة وشاملة مع المقاومة”.