أهم الاخبار

المجتمع الإسرائيلي بغالبيّته مع مقولة “عدم وجود أبرياء في غزة”

المسار …

لطالما اعتقدنا أن السياسة والصحافة في إسرائيل مطابقتان للواقع، وهما تعبير صادق عن طبيعة الحالة الاستعمارية أو المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي. ولم نكن بحاجة لأحداث السابع من أكتوبر وحرب الإبادة المتواصلة على غزة لتأكيد ذلك، وإنْ كانت هذه الحرب قد كشفت عوراتٍ دأب قباطنة الصهيونية على مدى عقود على سترها، حفاظًا على مظهر الدولة “اليهودية الديمقراطية” التي تمظهرت فيها إسرائيل، واكتسبت شرعيتها الدولية من خلالها.

ومعروف أن الأب المؤسس للدولة اليهودية ولفكرة الترانسفير والتطهير العرقي، دافيد بن غوريون، أمر بتهجير سكان اللد والرملة بإشارة من يده أعطاها للجنرال يتسحاق رابين، الذي نفّذ أمر التهجير، وأبى أن ينطقها صراحة لكي لا تُسجّل عليه. بينما اجتهد المؤرخون، الجدد وغير الجدد، من فلسطينيين وعرب ويهود، كثيرًا لربط فعل التطهير العرقي الذي جرى تطبيقه بشكل واسع على الأرض، بتصريحات وخطابات وخطط نظرية مسبقة.

هذا ناهيك عن أن الأحزاب والحركات الإسرائيلية التي تبنّت هذه الفكرة بعد قيام الدولة، مثل حزبي كهانا وغاندي، ظلت على هامش السياسة الإسرائيلية، وبعضها جرى إخراجه عن القانون. هذا في حين تتصدّر تلك التيارات وهذه الأفكار المشهد السياسي اليوم، وتتموضع في قلب الإجماع الإسرائيلي، ليس في مستوى الأحزاب والنخب السياسية فقط، بل في مستوى المجتمع الإسرائيلي نفسه؛ حيث أظهر استطلاع أخير للرأي تأييد 82% لتهجير سكان غزة، و56% لتهجير فلسطينيي الداخل.

لقد أماطت هذه الحرب اللثام عن الوجه الحقيقي لإسرائيل ككيان استعماري ومجتمع استيطاني، لا يمكن معه الرهان على معارضة سياسية أو صحافة أو رأي عام جماهيري، على غرار ما حدث في أميركا خلال حرب فيتنام، أو في فرنسا خلال حرب التحرير الجزائرية، والتي، بالرغم من كونها دولًا استعمارية، فإنها لا تتشكّل من مجتمعات مستوطنين ما زالوا يستفيدون من الحالة الاستعمارية في إبادة ومحو السكان الأصليين.

ولعلّ تنكّر المجتمع الإسرائيلي، كمجتمع، للحالة الإنسانية التي يتسبب فيها أبناؤه من جنود وطيارين لسكان قطاع غزة ـ من قصف وقتل وتدمير وتجويع ـ وعدم إبداء أدنى تعاطف إنساني مع أطفاله ونسائه وشيوخه، لا يشكّل فقط غيابًا لأي ضغط محتمل على القيادتين العسكرية والسياسية، بل يوفّر الأرضية الداعمة لمواصلة حرب الإبادة.

ومن المفارقة أن الانقسام في الشارع الإسرائيلي يتمحور بين من يدعو إلى وقف الحرب مؤقتًا لتحرير الأسرى الإسرائيليين، ومن ثم استكمالها، وبين من يدعو لاستكمالها حتى بثمن قتل الرهائن، وهو الرأي الغالب.

ومثلما كشف استطلاع “الترانسفير” عن تأييد الشارع الإسرائيلي المطلق لما تقوم به القيادة السياسية من إبادة جماعية وجرائم حرب، يكشف استطلاع أجراه معهد “أكورد” في الجامعة العبرية ـ ونشرت نتائجه صحيفة “هآرتس” ـ عن تأييد واسع للتغطية الصحفية الإسرائيلية التي تعتمد التعتيم الكامل على المعاناة الإنسانية لسكان غزة، وعمليات القصف والقتل وتدمير البيوت وتهجير الناس وتجويعهم، التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة. حيث اعتبر 64% من الإسرائيليين هذه التغطية “متوازنة”، ولا ضرورة لعرض صورة أشمل عن حالة الناس هناك.

والأنكى من ذلك أن غالبية الإسرائيليين (41%) غير راضين عن تغطية قناتي الإجماع الإسرائيلي (12 و13)، ويرون أنها تميل لصالح السكان في غزة، بينما يرى 37% منهم أنها تقوم بتغطية متوازنة، وفقط 21% يرون أنها تميل ضد السكان في غزة.

علمًا أن استطلاعًا أجراه معهد “مولاد” بالتعاون مع جامعة “سيتي” في لندن، أظهر أن القناة 12 لم تُغطِّ، في النصف الأول من الحرب، مقتل المدنيين في غزة بتاتًا.

وتنكشف الطبيعة الاستيطانية العنصرية المتأصلة في المجتمع الإسرائيلي من خلال تأييد 64% منه لمقولة “عدم وجود أبرياء في غزة”، وهي نسبة ترتفع إلى 87% في صفوف مؤيدي الائتلاف الحكومي، وإلى 70% في صفوف مؤيدي أحزاب المركز من المعارضة.