
الجبهة الديمقراطية – المكتب الصحفي:
مؤتمر نيويورك لـ«حماية حل الدولتين» ودفتر الشروط الفرنسية لإقامة الدول
معتصم حماد
عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ كثيرون يترقبون إنعقاد «مؤتمر نيويورك» لـ«حماية حل الدولتين» برعاية من العربية السعودية وفرنسا، وبكلمة إفتتاح من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
كثرت التوقعات والتباينات حول ما سوف ينتج عن المؤتمر.
• فالبعض، وهو الأكثر تفاؤلاً، توقع أن يشكل مقدمة لمؤتمر دولي، يعقد في القريب العاجل، ترعاه الأمم المتحدة وعبر مجلس أمنها، تولد تحت رعايته الدولة الفلسطينية العضو في الأمم المتحدة، في تجاوز لموقف الولايات المتحدة، ولأطراف أخرى، تربط بين قيام الدولة وبين مفاوضات ثنائية فلسطينية – إسرائيلية، لا تبدو مؤشرات إنعقادها واضحة.
• والبعض الآخر يتوقع أن تعترف بالدولة الفلسطينية، الدول المشاركة في المؤتمر، وبخاصة فرنسا التي أوحت أكثر من مرة أنها تتطلع للإعتراف بدولة فلسطين.
• والبعض الثالث يتوقع أن يكون من نتائج المؤتمر نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، مرة أخرى في تجاوز، غير مفهوم، للفيتو الأميركي.
• أما أهم التوقعات وأكثرها تفاؤلاً، فذلك الذي يقول بأن المؤتمر سيشكل محطة، تعترف بها إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وينتج عنه حل جذري للصراع في المنطقة، تعترف عبره الدول العربية بدولة إسرائيل، بموجب «مبادرة السلام العربية»، ويتم التطبيع العربي الإسرائيلي، أي أن هذا المؤتمر سيشكل محطة تاريخية لإعادة «هندسة الشرق الأوسط».
ولا غرابة في ظل هذه التوقعات، أن يكون رهان رام الله على المؤتمر رهاناً كبيراً، خاصة في ظل حالة العجز التي تعيشها السلطة الفلسطينية في التأثير في المسار السياسي للقضية الفلسطينية، فلا هي في قطاع غزة تشكل عاملاً مؤثراً، لذلك تدعو حماس لتسليم الأسرى إلى إسرائيل مجاناً وتسليم سلاحها، والإنسحاب من الميدان السياسي، وتوكيل القضية إلى م. ت. ف، بإعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو نداء، كما يبدو، لا يلقى تجاوباً، بما في ذلك من الحالة العربية، التي رسمت لمستقبل القطاع بعد نهاية الحرب، موقعاً للسلطة الفلسطينية يأتي متأخراً، وفي ظل إشتراطات والتباسات سياسية.
أما دورها في الضفة الغربية، حيث من المفترض أن تكون هي ساحة نفوذها، فإنها تقف مما يجري في شمال الضفة (مدناً ومخيمات) موقف المتفرج، رغم فداحة ما يشهده الوضع من أعمال عدوانية وتخريبية على يد قوات الاحتلال، وخطط توسع الاحتلال والإستيطان ومشاريع الضم وتوسيع مساحة دولة الإحتلال، وفرض القوانين الإسرائيلية على معظم المنطقة (ج). مقابل هذا، لا تملك السلطة الفلسطينية أية قدرة على الحركة، سوى ما تصدره من بيانات ودعوات للمؤسسات الدولية للتدخل.
يدور هذا في الضفة الغربية، في الوقت الذي يعترف به المحللون أن الضفة الغربية هي المسرح الرئيس والحقيقي للمشروع الصهيوني، وأن أكثرهم لا يستبعد أن يحل به على يد الإحتلال، ما حل بالقطاع.
أما القدس المحتلة ودون أن ندخل في التفاصيل، وهي خطيرة، تبدو السلطة الفلسطينية عاجزة عن التدخل بها، ودرء مخاطر الإحتلال، بما في ذلك ضم المستوطنات المحيطة بالمدينة إليها، وإستباحة منطقة (E1)، والفصل بين شمال الضفة وغربها، ويصبح التواصل بين المنطقتين عملاً عسيراً، له شروطه الإسرائيلية التعجيزية.
إلى جانب ذلك، وهذا هو الأهم، فإن السلطة الفلسطينية لم تشر أو تؤكد أنها تملك «رؤية» للحل مع إسرائيل، سوف تتقدم بها إلى «مؤتمر نيويورك»، إلا إذا إفترضنا أن مخرجات الدورة 32 للمجلس المركزي هي الرؤية ويمكن وصفها، بكل ثقة، أنها «رؤية» فاسدة، لا ترتقي إلى أهمية ومستوى القضية وخطورتها.
* * *
لم تكشف العربية السعودية، وهي الراعي العربي الكبير للمؤتمر، عن أية تفاصيل، علماً أنها كانت رعت مؤتمراً سابقاً في نيويورك، على هامش الدورة العامة للأمم المتحدة، حضره حوالي 50 ممثلاً دولياً، خرجت عنه توصيات وقرارات، من بينها القفز عن المستوطنات، حين دعا إلى دولة ذات إقليم «متصل»، وهو تعبير يفترض أن إقليم الدولة الفلسطينية سوف يكون مقطع الأوصال، تفصل بين أجزائه مستوطنات، وطرق إلتفافية، وجسور، ومعابر، ومواقع عسكرية إسرائيلية، لا يمكن عبورها، بالنسبة للفلسطينيين، إلا وفق إجراءات «أمنية»، إسرائيلية من وظائفها أن تعقد حركة الفلسطينيين، وأن تعصف بالوحدة المركزية للدولة الفلسطينية.
بالمقابل، أفصحت فرنسا، عشية المؤتمر، عن بعض ملامح الدولة الفلسطينية التي سيدعو لها المؤتمر.
ففي 3/6 الجاري، قامت مستشارة الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط، على رأس وفد، بزيارة إلى إسرائيل، التقت خلالها صفاً واسعاً من كبار المسؤولين الإسرائيليين سبق زيارتها هذه، إشتباك كلامي بين الرئيس ماكرون وبين وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس معلقاً، على قول ماكرون أن بلاده تتطلع للإعتراف بالدولة الفلسطينية، رداً عليه، أن إسرائيل سوف ترمي ورقة الإعتراف هذه في سلة المهملات، في إهانة تلقاها ماكرون.
الدبلوماسية الفرنسية حملت إلى حكومة نتنياهو رسالة تطمين، ومحاولة لرأب الصداع بين ماكرون وكاتس.
أكدت الدبلوماسية الفرنسية أن بلادها سوف تطرح في المؤتمر شروطها لإقامة الدولة الفلسطينية، وهي: سحب سلاح حماس في قطاع غزة، وتسليم الأسرى الإسرائيليين إلى تل أبيب، وإخراج قيادة حماس من القطاع، وأن لا يكون لها أي دور في رسم ملامح «اليوم التالي» للقطاع.
هو شرط يلتقي مع شروط نتنياهو من جهة، ويلتقي مع خطاب الرئيس عباس في الدورة 32 للمجلس المركزي من جهة أخرى، وهو شرط كرره الكثيرون من الموالين للسلطة الفلسطينية.
• «اليوم التالي» لقطاع غزة يقوم على إدارة مؤقتة، مختلطة، من عربية + غربية + أعضاء فلسطينيين، من غير المحسوبين على الفصائل الفلسطينية.
الفترة المؤقتة غير محدودة، وهي رهن بإنجاز هذه «الإدارة المؤقتة» مهماتها، بما يعيد هندسة أوضاع القطاع، سياسياً وجغرافياً، وسكانياً.
وهو شرط توافق عليه إسرائيل، ولا تعترض عليه السلطة الفلسطينية، إذ هي تعتبره «حالة مؤقتة»، تتولى هي من بعدها إدارة شؤون القطاع.
هل طمأنت الدبلوماسية الفرنسية حكومة إسرائيل بشأن القطاع ومستقبله؟، ربما وربما لا، فلقد عودتنا إسرائيل على سياسة تقوم على فرض الشروط، وعند الاستجابة لها من قبل الطرف الآخر، تتلوها شروط جديدة، في عملية تقوم على مناورات تمدد المفاوضات إلى ما لا نهاية، بحيث تصبح المفاوضات هدفاً لتمييع الوضع وليست وسيلة للوصول إلى حل، ولعل تجربة «إتفاق أوسلو» ومفاوضاته، التي لم تصل حتى الآن إلى «الحل الدائم»، وما زالت معلقة، بينما تطبق إسرائيل الحل للخلاص من جانب واحد.
القسم الثاني من الرسالة لطمأنة إسرائيل حوى التالي:
1) شروط فرنسية من أجل إصلاح النظام السياسي الفلسطيني القائم على حكم الفرد، ودون مؤسسات منتخبة.
2) إصلاح أوضاع المؤسسات الأمنية لتنقيتها من أية عناصر مشكوك في إلتزامها الإستحقاقات الأمنية المطلوبة من السلطة، خاصة صون أمن إسرائيل.
3) إعادة النظر ببرامج التعليم لتنسجم مع «حل الدولتين»، ما يتوجب إعادة صياغة كتب التاريخ والجغرافيا، والتربية الوطنية، والتربية الدينية، وتنقيتها من كل ما هو مغاير للسلام، وبما يضمن صياغة شخصية وطنية فلسطينية جديدة، لا تؤمن المقاومة بما هي عنف وإرهاب، بل تؤمن بالمقاومة السلمية، وسيلة لتحقيق أهدافها الوطنية.
وهذه الشروط وغيرها، وردت كما هو مدون في لائحة الإشتراطات «الإصلاحية» التي قدمها إلى السلطة الفلسطينية، مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان.
بعد ذلك إنتقلت المستشارة الفرنسية إلى رام الله، حيث إلتقت وفداً فلسطينياً برئاسة حسين الشيخ، نائب رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس دولة فلسطين.
وكالة «وفا» الفلسطينية نقلت بتقرير مطول ما قاله الشيخ للمستشارة الفرنسية، لكنها أغفلت ما نقلته المستشارة الفرنسية إلى الوفد الفلسطيني، خلافاً لما جاء في تقارير «رويترز» عن الزيارة الفرنسية لإسرائيل.
* * *
الفرنسيون كشفوا أوراقهم، ووضعوا دفتر شروطهم لإقامة الدولة الفلسطينية، مؤكدين أن «مؤتمر نيويورك» لن يعترف بالدولة الفلسطينية، وأنه سيضع إطاراً، بمراحل متعددة طويلة الأمد، للوصول إلى «حل الدولتين»، وهو رهن بإنضاج ما يراه الفرنسيون ظروفاً مؤاتية، للوصول إلى حل في المنطقة.
وبالتالي، دعا الفرنسيون الذين رفعوا سقف توقعاتهم أن يخفضوها، وأن المؤتمر لن يضع «حل الدولتين» على جدول الأعمال، بل هو سيضع الشروط الواجب على السلطة الفلسطينية تلبيتها، لقيام الدولة الفلسطينية، وهذه رحلة طويلة على السلطة الفلسطينية أن تقطعها تحت رقابة أميركية – أوروبية (فرنسية إلى حد كبير)، للوصول إلى «الدولة» كما يرسمها الطرفان المذكوران آنفاً، أي بموجب دفتر شروط فرنسي تمت صياغته في الولايات المتحدة.
الأمر الوحيد الذي صدر عن السلطة الفلسطينية هو رسالة من الرئيس عباس، تم الكشف عنها إلى الرئيس ماكرون يعلمه فيها موافقة السلطة الفلسطينية على شروط فرنسا بشأن سحب سلاح حماس، وإبعادها عن لعب أي دور في مستقبل القطاع.
إشارة غير مطمئنة للحالة الفلسطينية التي تدعو إلى وحدة الصف لمواجهات التوقعات الكبرى في القطاع كما في الضفة بما فيها القدس.
ماذا عن باقي دفتر الشروط الفرنسية المتعلقة بأسس قيام الدولة الفلسطينية وهويتها الوطنية، وإلى أي مدى سيستجيب لشروط الغرب، بما في ذلك إعادة صياغة الهوية الفلسطينية وإعادة صياغة نتائج القضية الوطنية، والحقوق الوطنية المشروعة، وطبيعة الدولة التي ستولد وفقاً لهذه الشروط؟
أسئلة كبرى، لا نتمنى أن تكون مخرجات الدورة 32 من المجلس المركزي هي واحدة منها ■