افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 16/6/2025
ثلاث ملاحظات حول الحرب التي بدأت للتو
بقلم: اوري بار يوسف
يجب الامل بان المؤرخين الذين سيكتبون عن حرب “شعب الأسود” سيجدون أن الخلل الوحيد فيها هو الاسم الذي اعطي لها. ولكن استنادا الى التجربة فيما يتعلق بالطريقة التي تدير فيها إسرائيل حروبها فانه من المرجح الافتراض أن الامر لن يكون هكذا. لذلك، رغم انه ما زال من السابق لاوانه استخلاص الدروس من الحرب التي ما زالت في المراحل الأولى، يجدر تقديم عدة ملاحظات تطرح علامات استفهام فيما يتعلق بالاجماع الذي يظهر في النقاشات الانفعالية في وسائل الاعلام. وهاكم بعض هذه الملاحظات.
الملاحظة الأولى تتعلق بقرار شن الحرب، بالذات في التوقيت الحالي. عند اندلاع الحرب اعلن رئيس الأركان بأنه “لقد حان الوقت. نحن وصلنا الى نقطة اللاعودة. محظور علينا انتظار وقت آخر للعمل. لا يوجد امامنا أي خيار آخر”. من الواضح انه محظور على رئيس الأركان التحفظ علنا على قرار رئيس الحكومة شن الحرب بالذات في هذا الوقت، الذي فيه مشكلاته الداخلية تقترب من نقطة الغليان. ولكن من المرجح الافتراض بأنه هو ورؤساء أجهزة الاستخبارات يعرفون جيدا تقدير الولايات المتحدة، الذي التعبير الأخير عنه تم تقديمه في تقرير الاستخبارات لوزارة الدفاع قبل شهرين. حسب هذا التقدير فان ايران ستواصل التركيز على تحسين قدرتها في مجال الصواريخ والمسيرات وتطوير القدرة النووية، لكن القيادة في ايران لم تقرر كما يبدو “استئناف المشروع النووي من العام 2003 لتطوير السلاح النووي”. كل ذلك “رغم انه في نيسان 2025 هدد موظفون إيرانيون بإعادة فحص العقيدة النووية القائمة اذا تمت مهاجمة المنشآت النووية”.
بكلمات أخرى، فانه رغم ان الاجماع في قمة الهرم السياسية والأمنية في إسرائيل يعكس الاعتقاد بان حد السيف اصبح على العنق، فان تقدير الحليفة الاستراتيجية لنا يقول بان الامر ليس كذلك، وانه يمكن أن المبادرة الى الحرب من قبل إسرائيل بالذات ستقرب ايران من الحصول على القنبلة. الأيام ستخبرنا بذلك، لكن يجب علينا التذكر بانه يمكن ان الرغبة الطبيعية في اخراج الخطط والقدرات، التي بنيت على مدى السنين، الى حيز التنفيذ، خاصة على خلفية عار 7 أكتوبر، الذي يظهر في كل مرة من جديد في تحقيقات الحرب، كان له دور في التوقيت. يمكن الافتراض انه عندما ستبدأ الأمور في التبلور، التي دائما تتشوش، فانه سيتبين أن الاتفاق على ضرورة شن الحرب لم يكن كاسح كما هو معروض الآن.
الملاحظة الثانية تتعلق بالثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل بسبب المبادرة العسكرية لها. الصور من ساحات الدمار بعد إصابة الصواريخ القاسية، لكن يجدر التذكر بان التقديرات السابقة في حرب 7 أكتوبر كانت ان حزب الله سيطلق حوالي 50 ألف صاروخ في غضون بضعة أسابيع، وأنه سينتج حوالي 150 ساحة دمار في اليوم. القدرة البالستية لإيران أقل بكثير. وبهذا المعنى فان تهديد ايران البالستي صغير نسبيا مقارنة مع التنبؤات السوداء التي سبقت تدمير جزء كبير من ترسانة صواريخ حزب الله.
حتى الآن يجب التذكر بانه حتى بعد النجاح المثير للانطباع في الساحة الشمالية، فقد بقي لدى حزب الله على الأقل 20 في المئة من الصواريخ. في الواقع حرية عمله محدودة جدا، لكن القدرة – بضعة آلاف من الصواريخ الثقيلة على الأقل – ما زالت موجودة. كلما استمرت الحرب وتقلص مخزون الصواريخ الإيرانية فانه سيزداد الضغط على حزب الله للانضمام الى الحرب. واذا فعل ذلك، خاصة في الوضع الذي فيه القدرة الدفاعية لإسرائيل ستصل هي أيضا الى الاشباع، فان الضرر يمكن أن يكون كبيرا.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالفجوة بين بدء الحرب وآلية انهاءها. الحرب الآن بدأت، هكذا يبدو، بصورة مثيرة للانطباع، وذلك نتيجة جهد استمر لسنوات والذي اثمر عدد غير قليل من الإنجازات في الساعات الأولى للحرب. هذا غير مفاجيء، هذا تقليد. الخداع التخطيطي والعملياتي تم التعبير عنه في السابق بانزال كتيبة المظليين في عمق شبه جزيرة سيناء عند شن الحرب في 1956؛ في عملية “موكيد” لتدمير سلاح الجو المصري في 1967؛ في تدمير مخزون الصواريخ الثقيلة (“وزن نسبي”) في حرب لبنان الثانية في 2006؛ في عملية البيجرات وتصفية قادة حزب الله في 2024.
الأسلوب الذي بدأت به الحرب هو خاص بالمستوى الأمني. الطريقة التي تنتهي فيها الحرب هي خاصة بالمستوى السياسي. ومثلما عرفت إسرائيل كيف تشن الحرب بشكل جيد، هكذا في الكثير من المعارك في السابق، فوت المستوى السياسي فرص انهاءها بما سماه كلاوزوفيتش “نقطة الذروة للنصر”، وهي المرحلة التي الى حينها الحرب تجري بشكل جيد، وبعدها الجهد العسكري يبدأ في أن يكلف ثمن باهظ اكثر فاكثر. الامر لا يقتضي أن نكون ضليعين بالتاريخ البعيد. الطريقة التي تدار فيها الحرب في غزة الآن، منذ عشرين شهر تقريبا على بدايتها، هي تعبير جيد على ذلك.
ان إضاعة “نقطة الذروة للنصر” هي تقريبا دائما نتيجة للتوق الى تحقيق إنجازات أخرى، بعد أن تحقق مع عملية الاكل التي كانت في البداية الناجحة، جاءت أيضا الشهية. في ظروف أخرى ربما كان يمكن الاعتماد على أعضاء الكابنت الأمني. الامر ليس هكذا الآن. على رأسه يقف المسؤول الأول عن الفشل في 7 أكتوبر، والأعضاء الاخرين فيه ليسوا نموذج للاعتدال والتفكير المنطقي على المدى البعيد. يوجد لإيران في المقابل جبهة داخلية استراتيجية قوية وقدرة على المواصلة، التي وجدت تعبيرها في الحرب مع العراق في الثمانينيات. فقد رفضت انهاء الحرب رغم الثمن الباهظ الذي دفعته مقابل ذلك.
في الواقع هذه ليست ايران في حينه، لكن من الواضح ان المس بكرامة قيادة النظام في طهران وخوف الإيرانيين من ان أي تنازل من قبلهم سيعتبر كتعبير عن الضعف، ستصعب على إسرائيل انهاء الحرب بالشروط التي ترغب فيها. لذلك فانه يجدر الآن البدء في مناقشة آلية الانهاء. لأنه اذا لم نفعل ذلك فان ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش واصدقاءهم يمكن أن يقودونا الى غايتهم، “الحرب الأبدية”.
——————————————
هآرتس 16/6/2025
إسرائيل تصمم وجه الشرق الأوسط دون مراعاة المشكلة الفلسطينية
بقلم: جاكي خوري
الحرب التي قامت إسرائيل بشنها ضد ايران في نهاية الأسبوع الماضي تشكل حسب رأي الجميع انعطافة تاريخية. إسرائيل، بتشجيع نشط من الولايات المتحدة، تستمر في تشكيل الشرق الأوسط حسب احتياجاتها الأمنية ومصالحها الجيوسياسية. ولكن خلال العملية الدراماتيكية لتشكيل وجه المنطقة يوجد مجهول واحد وهو الشعب الفلسطيني.
هجوم إسرائيل في ايران، مع كل نتائجه في الساحة الداخلية والإقليمية والدولية، دفع الى الهامش، وحتى اخرج من جدول الاعمال، الإعلامي – السياسي، الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وبدرجة كبيرة أيضا كارثة المخطوفين الإنسانية. حتى لو كانوا في إسرائيل ما زالوا يرددون شعار “نحن لم ننس المخطوفين”.
عمليا، الحديث لا يدور فقط عن اهمال الوضع في غزة، بل عن اقصاء كل القضية الفلسطينية واهمالها وكأنها غابت عن الحوار. وكأنها كفت عن ان تكون قضية جوهرية، خطيرة ومشتعلة. في الغرب، مثلما في مؤتمر باريس الأخير، يواصلون بث الدعم اللفظي للحل السياسي. خطابات موصى بها ودعم لحل الدولتين، لكن لا توجد أي نتيجة على الأرض. الفلسطينيون يحصلون على تفهم وتعاطف وحتى اعتراف. ولكن على الأرض اهتمام الفلسطيني في غزة يتلخص في البقاء على قيد الحياة، المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية يقلق بشان إمكانية الوجود في الوقت الذي فيه تقوم إسرائيل باقتطاع الحدود وتخلق خريطة جديدة لمناطق النفوذ وتفضل عقيدة التقاء المصالح مع الدول العربية المعتدلة من خلال تجاوز “القضية الفلسطينية”.
في مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ما زالوا يرددون نفس الجملة منذ عقود: “لن يكون استقرار في الشرق الأوسط بدون حل القضية الفلسطينية”. في إسرائيل يوجد من سحرتهم خلال سنين صيغة مختلفة، تقول بانه لن يكون حل للمشروع النووي الإيراني بدون حل سياسي مع الفلسطينيين (يتسهار مقابل بوشهر). الان يتبين ان إسرائيل الجديدة لبنيامين نتنياهو تتبنى صيغة مختلفة: يتسهار تتوسع وبوشهر يتم تدميرها. الفلسطينيون عالقون بدون امل أو افق. لينتظروا. لا أحد مستعجل. يوجد المزيد من الوقت فلماذا العجلة؟.
بالتحديد هنا مهم قول الحقيقة: حتى لو حققت إسرائيل نتيجة عسكرية مبهرة امام ايران والعالم سعى الى تسوية حقيقية واختفت حبة البطاطا الساخنة التي تسمى “المشروع النووي الإيراني”، واذا تم التوصل الى اتفاق مع رجل القاعدة وداعش السابق أبو محمد الجيلاني، أو باسمه الجديد، سيادة الرئيس السوري احمد الشرع، وحتى لو ازدهرت الحدود الشمالية بدون تهديد حزب الله، وحتى لو أن السعودية دفعت قدما بالتطبيع، فان كل ذلك لن يخفي الفيل الموجود في الغرفة ولن يغير الوضع الديمغرافي بين البحر والنهر. أيضا هذا المستقبل يضع امام دولة إسرائيل خيارين. الأول هو استمرار الاحتلال وتعميق الابرتهايد والقمع والاقصاء والتمييز، التي ستربي جيل اخر من الفلسطينيين اليائسين والأكثر خطرا حتى الانفجار القادم. الثاني هو النظر الى المرآة ومواجهة بصدق سؤال بعد ايران البعيدة ماذا مع الجيران الذين امامنا؟.
الحقيقة هي أنه ربما تنتصر إسرائيل مرة أخرى في المعارك، وتسحق اكبر الأعداء وتقوم بقطع رأس الاخطبوط الإيراني واذرعه، كما عبر عن ذلك اكثر من مرة رئيس الحكومة، حتى بثمن مئات القتلى والمصابين الإسرائيليين، من اليهود والعرب. ولكن حتى الآن هي تخسر في الحرب من اجل صورتها ومستقبلها. الحرب الحالية تسعى الى الوصول الى شرق أوسط يعاد تشكيله، بدون الفلسطينيين. ولكن أيضا بدون حل. هذا أيضا ليس استقرار، بل فقط هدوء وهمي، الذي سينفجر مرة أخرى في المستقبل، مع ايران أو بدونها.
——————————————
هآرتس 16/6/2025
الحرب لا تقاس بالضربة الافتتاحية، يجب العمل على انهائها والتوصل الى حل
بقلم: يوسي ميلمان
الفرح كان سابق لاوانه. منذ اللحظة التي سقطت فيها الصواريخ الإيرانية الأولى مساء يوم السبت في رمات غان وفي مركز تل ابيب، كما يبدو بهدف المس بوزارة الدفاع، فان النشوة المؤقتة التي استمرت لنصف يوم تقريبا تحولت الى خوف وقلق. الادراك بأنه لا توجد حروب سهلة يسود في أوساط الجمهور الإسرائيلي الذي على الاغلب يتحمس، وحتى يهتاج، من إنجازات الضربات الافتتاحية في العمليات اللامعة في قطاع غزة وفي لبنان الآن في ايران، فقط من اجل ان يعرف بعد ذلك بان النجاح الاستراتيجي يقاس بالنهاية.
في هذه الاثناء عدد القتلى في الجبهة الداخلية يزداد، وهناك حوالي 200 مصاب، وعشرات المباني تضررت أو تم تدميرها.
سيكون هناك من يعزون انفسهم بحقيقة ان الضربات التي يوقعها سلاح الجو بايران هي اكثر قسوة. سلاح الجو وشعبة الاستخبارات والموساد حقا تظهر البطولة والتصميم وقدرة مثيرة للانطباع عندما تفعل الاعاجيب الاستخبارية والتكنولوجية غير المسبوقة. الاستخبارات وسلاح الجو تثبت مرة أخرى بان يدهم تتفوق في هذه المستويات إزاء التدني الإيراني. ولكن مثلما لا يتم حسم الحروب باحصاء خسائر العدو بالارواح والممتلكات، شاهدنا ذلك في فيتنام وفي أوكرانيا وأيضا في قطاع غزة وفي لبنان، فانه لا يمكن تطبيق ذلك على الحرب ضد ايران.
النظام المتعصب في الجمهورية الإسلامية والذي يرتكز الى آلاف سنوات التاريخ الفارسي المجيد، اثبت الصمود والتصميم على تحمل الضربات وليس الاستسلام. في نهاية العام 1979 شن رئيس العراق صدام حسين هجوم مفاجيء على ايران الضعيفة والمفككة، التي تم فيها اسقاط حكم الشاه على يد رجال الدين بقيادة آية الله الخميني. صدام حسين تصرف على فرض انه سيهزم ايران في غضون أيام أو أسابيع، ولكن بسرعة تبين أنه مخطيء. الخميني رفض الاستسلام وحشد الشعب لمحاربة العدو السني، الامر الذي استمر لثماني سنوات وجبى مليون ضحية في الطرفين.
رغم ان طهران كانت مكشوفة وبدون دفاعات جوية وتعرضت لعشرات آلاف القذائف والصواريخ وهجمات سلاح الجو العراقي، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي، إلا أنها صمدت. بالمناسبة، احد دروس هذه الحرب كان أنه يجب عليها التزود بالصواريخ.
يبدو ان إسرائيل بدأت في تغيير التكتيك العملياتي خشية من أن تطول الحرب وتصبح حرب استنزاف لسنوات طويلة، التي مشكوك في أن يكون هناك احتمالية للانتصار فيها. لذلك فانها بدأت بالتدريج بمهاجمة اهداف في مجال الطاقة في ايران، الذي يوفر معظم مداخيلها. في هذه العملية تكمن أيضا اخطار، لأنها يمكن ان تؤدي الى ارتفاع أسعار النفط، الذي سجل من الآن واحدث ازمة عالمية. الصين هي المستوردة الأكبر للنفط الإيراني، وهي من شانها ان تدخل الى مرجل الشرق الأوسط وربما تضطر الى التفاوض مع الولايات المتحدة، الامر الذي سيكون على حساب مصالح إسرائيل.
وسيلة أخرى، تامل إسرائيل في ان تحدث انعطافة، هي ازدياد الهجمات على التجمعات السكانية، بالأساس في طهران، على امل خلق تاثير الدومينو. الجيش الإسرائيلي طلب من سكان طهران الذين يسكنون قرب القواعد والمخازن العسكرية الى الاخلاء. هذه المقاربة تمت تجربتها في السابق بدون نجاح كبير في لبنان وفي قطاع غزة، على امل أن يستخدم الجمهور الضغط على القيادة من اجل الاستسلام أو التنازل. وحتى لو كان هناك إنجازات مؤقتة، فمشكوك فيه ان يؤثر هذا الامر على دولة عدد سكانها 100 مليون نسمة، ومساحتها اكبر بثمانين ضعف من مساحة إسرائيل.
محظور ان تصل إسرائيل الى حرب استنزاف سيصعب عليها الصمود فيها. الجمهور في إسرائيل وبحق يظهر التصميم والمناعة وهو مستعد لتحمل اطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية، لكن محظور على القيادة الأمنية والسياسية استغلال مناعة الجبهة الداخلية الى ما لا نهاية. على إسرائيل السعي الى انهاء الحرب والاكتفاء بالإنجازات المبهرة التي حققتها حتى الان وان تحرك بواسطة الرئيس الأمريكي عملية تؤدي الى تسوية مع ايران.
الاتفاق يجب ان يكون حل وسط، يقلص قدرة ايران النووية، لكن، يجب الاعتراف، لن يؤدي الى تفكيك مطلق لهذه القدرة، كما يطلب رئيس الحكومة نتنياهو. في الواقع الرئيس الأمريكي يطلب من ايران وقف بشكل مطلق تخصيب اليورانيوم وإخراج المادة التي راكمتها في السابق (التي تكفي لعشر قنابل اذا قامت بتخصيب اليورانيوم خلال بضعة أيام من مستوى 60 في المئة الى 90 في المئة). ولكن اصبح من المعروف الآن بأن تصريحاته مرنة ومتغيرة.
مصدر رفيع في الموساد، طلب عدم ذكر اسمه، وهو لا يكثر من الظهور في الاستوديوهات، قال لي: “الحرب تقاس استنادا الى نهايتها، وليس حسب الضربة الافتتاحية الناجحة. وبالتأكيد عندما يدور الحديث عن اعلان حرب شاملة كما فعلت إسرائيل بالفعل. آمل ان يكون اتفاق على انهاء العملية مع الولايات المتحدة، لأنه خلافا لإسرائيل، في العالم بعد الحرب توجد مفاوضات”. نفس المصدر عبر عن الخوف من ان إسرائيل أيضا يمكن ان تجد نفسها في وضع يتعين عليها فيه في المفاوضات أن “تدفع ثمن مؤلم وقاسي”. ربما المصدر قصد الطلبات التي ربما ستطرح ويطلب منها التنازل عن جزء من قدرتها النووية. وكبديل عن ذلك اذا استمرت الحرب فان إسرائيل من شدة اليأس يمكن أن تفحص استخدام السلاح الاستراتيجي، مثلما كانت أصوات طرحت ذلك عشية حرب الأيام الستة في أيار 1967، أو في العقد الأخير، عندما دعا البروفيسور بني موريس الى قصف ايران بالسلاح النووي.
——————————————
هآرتس 16/6/2025
إسرائيل تهاجم، لكن في نظر ايران وترامب الاتفاق النووي هو الحل
بقلم: تسفي برئيل
أعضاء القيادة العسكرية العليا في ايران، الذين تولوا بصورة مستعجلة مناصبهم بعد تصفية عدد من قادة النخبة، يحاولون ملاءمة الخطط الجاهزة مع التطورات التي تمليها الحرب، لكن ايران لم تتنازل عن القناة الدبلوماسية. بتوجيه من المرشد الأعلى علي خامنئي، يدير وزير الخارجية عباس عراقجي الجبهة الدبلوماسية لوقف الحرب وتشكيل تحالف دولي يضغط على إسرائيل من اجل وقف ما اصبح يسمى “حرب المدن”، وهو مفهوم معروف جيدا في ايران من أيام الحرب مع العراق.
ايران لا تريد أن تمتد مواجهتها مع إسرائيل الى دول مجاورة الا اذا فرض عليها الوضع ذلك… ردنا هو الدفاع عن النفس وهو امر مشروع تماما، والهجمات على إسرائيل ستنتهي عندنا ستوقف إسرائيل حملتها العسكرية ضد الجمهورية الإسلامية”، هكذا طرح امس موقف ايران في اللقاء مع دبلوماسيين غربيين. توجد مسافة كبيرة تفصل الان بين الخطاب المتغطرس للقيادة في ايران، العسكرية والسياسية، التي هددت في السابق بتدمير مؤكد لإسرائيل اذا هاجمت ايران، وبين الصياغة المهذبة لعراقجي.
الخط الجديد يمثل ايران كدولة مستعدة للتعاون والتوصل الى حل دبلوماسي، بالاساس كدولة تمت مهاجمتها بدون أي استفزاز من قبلها. في نفس الوقت عراقجي لا يخفي التهديد الذي تخشى منه دول المنطقة، بالأساس دول الخليج، الامر الذي سيؤثر بشلك دراماتيكي على الدول الأوروبية والاقتصاد العالمي. “من اجل المخرج الدبلوماسي الذي يتمثل بوقف اطلاق النار فان ايران مستعدة لأي اتفاق يستهدف ضمان انه لن يكون لها سلاح نووي. ولكن نحن لن نقبل باتفاق سيحرم ايران من حقها النووي”، قال عراقجي في نفس اللقاء. “الحق النووي” هو اللغم الذي منع حتى الآن التوقيع على الاتفاق النووي لأن ايران تقول بان تخصيب اليورانيوم في أراضيها هو بند أساسي في حقوقها القانونية على اعتبار أنها وقعت على اتفاق منع انتشار السلاح النووي وعلى الاتفاق النووي. ومن حقوقها السيادية لكونها دولة يحق لها تطوير صناعة نووية “للأغراض المدنية”.
لكن اذا كانت هذه القضية في بداية جولة المحادثات بين ايران والولايات المتحدة مختلف عليها أيضا داخل البيت الأبيض، فانه بعد ذلك أوضح ترامب بان ايران لن يسمح لها بتخصيب اليورانيوم في أراضيها. ربما ان الصياغة الغامضة التي استخدمها عراقجي تستهدف بث استعداد ايران للتنازل عن هذا البند، ولكنه أيضا أشار الى ان ايران مستعدة لأن تطرح على البعثة الامريكية ردها في دولة المحادثات في يوم الجمعة، التي كان مخطط لعقدها أمس في سلطنة عمان وتم تاجيلها بسبب الحرب، لكنه لم يتم الغاءها.
الموقف الذي بحسبه احتمالية بلورة بسرعة اتفاق نووي ما زالت قائمة وسارية المفعول، وقد تم التعبير عنه أيضا في اقوال ترامب. بعد ان حذر ايران من مهاجمة قوات واهداف للولايات المتحدة، أضاف: “نحن يمكننا بسهولة بلورة اتفاق بين ايران وإسرائيل وانهاء هذه المواجهة”. من المثير ان ترامب يتحدث عن اتفاق “بين إسرائيل وايران” وليس بينه وبين ايران. هذا كما يبدو ليس خطأ. يبدو ان الولايات المتحدة وايران توجدان على نفس الصعيد من الاتفاق والتفاهم. وبموجبه الاتفاق النووي يعني وقف القتال. المعنى هو انه اذا وقعت ايران فان ترامب “سيهتم” بان تحترم إسرائيل اتفاقه، أيضا اذا اعلن بنيامين نتنياهو عندها بان إسرائيل لن تكون ملزمة به وهي ستعمل لوحدها “حتى باظافرها” من اجل الدفاع عن نفسها.
اذا فسرت ايران اقوال ترامب كالتزام بالاتفاق وكضمانة لوجوده فان ذلك في هذه اللحظة “الذخر” السياسي الأهم الذي يوجد لديها، اذا ارادت تطبيقه. اقوال عراقجي في اليوم الثالث للحرب، بعد الضربات الثقيلة التي تكبدتها بلاده، تدل على الأقل على ان الرؤية الأساسية لخامنئي الذي صادق على المفاوضات حول الاتفاق النووي، لم تتغير. رغم قول ايران الذي بحسبه الولايات المتحدة عرفت ونسقت، “توجد لدينا دلائل على انها ساعدت في الهجوم الإسرائيلي”، فانه لا يوجد حسب اقوال عراقجي أي مناص من القناة الدبلوماسية. يمكن التقدير بأن ايران متاثرة أيضا من الفجوة في تحديد اهداف الحرب بين إسرائيل، التي تعلن بشكل علني عن نيتها اسقاط النظام كضمان وحيد لانهاء المشروع النووي، وبين ترامب الذي ما زال يتمسك بإمكانية التوقيع على اتفاق جيد مع النظام القائم. ما تم نشره بأن ترامب استخدم الفيتو على خطة إسرائيل لاغتيال خامنئي تعكس أيضا الفجوة في مواقف واشنطن والقدس فيما يتعلق بمستقبل النظام في ايران. وليس يقل من ذلك الفرق في تحديد هدف الحرب، بكونها رافعة لاتفاق نووي، حسب ترامب، أو قناة لاجتثاث التهديد الايراني من جذوره.
في هذه الاثناء ايران يمكن ان تكون راضية من ان موقف ترامب مقبول أيضا على الجارات العربية، السعودية، اتحاد الامارات وبالطبع قطر، الشريكة في حقل الغاز الأكبر في العالم، الذي تضرر بسبب الهجمات الإسرائيلية. وتنضم اليها الثلاث دول أوروبية، التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي، المانيا، فرنسا وبريطانيا، التي بدأت أمس في اجراء محادثات كثيفة مع ايران من اجل بلورة صيغة متفق عليها للاتفاق.
تدخل أوروبا اصبح مهم بسبب التهديد باستخدام بند الانسحاب من الاتفاق، الذي يسمح لأي دولة من الدول الموقعة عليه بالتوجه الى مجلس الامن والمطالبة بإعادة فرض العقوبات التي تم رفعها عن ايران اذا تم خرق جوهري للاتفاق من قبلها. هذا البند اصبح سوط يلوح به فوق رأس ايران، لأن استخدامه لا يخضع الى الفيتو من أعضاء مجلس الامن، ومن شانه أيضا ان يقضم بشكل كبير التعهد الذي يشمله الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، حيث أن الاتفاق الأمريكي – الإيراني يمكن أن يلغي العقوبات الامريكية، لكنه يبقي ايران تخضع لنظام العقوبات الدولية، الذي سيلزم أيضا الولايات المتحدة. التهديد الأوروبي يستند الى الاقوال التي بحسبها ايران لا تعرض للخطر إسرائيل فقط، بل أيضا تعرضها هي نفسها للخطر، لذلك فانه يجب عليها الاهتمام بمصالحها. ولكن ادعاء أوروبا لا يخلو من اعتبارات الكرامة والمنافسة. هذه الدول التي عملت، بدون نجاح، على مساعدة ايران على تجاوز العقوبات التي فرضها ترامب عليها عندما انسحب من الاتفاق النووي، والتي رفضت طلبه تفعيل بند خرق الاتفاق، توترت عندما بدأت المفاوضات الجديدة، وفجأة ظهرت مثل السور الحصين، وفي الولايات المتحدة تم تفسير ذلك كـ “عقاب على سياسة الرئيس في مسألة الجمارك”.
الحرب بين إسرائيل وايران تدفع الآن الدول الأوروبية الى تبني الاتفاق الذي طرحه ترامب، وهي تحاول اقناع بالموافقة عليه. صحيح أن موقف الدول الأوروبية لا يعتبر في إسرائيل له وزن، ليس فقط في قضية النووي الإيراني، ولكن تحالف أوروبي، عربي وامريكي، يمكن أن يتبين أنه عائق كبير جدا حتى بالنسبة لإسرائيل. على أي حال، هو من شانه ان يفعل جدول زمني مضغوط لن يتساوق مع خططها. هذه الخطوات ستلزم إسرائيل بفحص مواصلة خطواتها إزاء احتمالية أن تبلور ايران وواشنطن في القريب تفاهمات، التي بحسبها سيتعين على إسرائيل وقف اطلاق النار.
——————————————-
معاريف 16/6/2025
الجبهة الداخلية ليست جاهزة والاقتصاد لن يصمد، اتفاق امريكا وايران سيرتب الوضع
بقلم: اسحق بريك
أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق بان هجوما عسكريا أمريكيا على منشآت النووي الإيرانية لن يكفي ولهذا فثمة حاجة أيضا للوصول الى اتفاقات. مراقبون ترسلهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليفحصوا بان الإيرانيين لا يخرقون الاتفاق الذي وقع بين الولايات المتحدة وايران في عهد الرئيس أوباما، ادعوا بان ليس بوسع الولايات المتحدة أن تحيد قدرة التنمية النووية لإيران بهجوم عسكري فقط وذلك لان هناك مواقع توجد نحو الف متر تحت الأرض وكل ما يتحقق هو تعليق معين، ولكن ليس تصفية تامة للقدرات النووية. وعليه، فانه بدون اتفاق سياسي يمكن لإيران ان تصل الى قنبلة نووية. في ايدي ايران توجد منذ الان مادة مشعة لانتاج عشر قنابل نووية، وهناك خبراء يدعون بان لديها أيضا بضع قنابل نووية اشترتها من كوريا الشمالية او من الباكستان.
ردا على الهجوم الإسرائيلي قال مصدر إيراني لـ “نيويورك تايمز” ان ايران بلورت خطة رد على هجوم إسرائيلي تتضمن هجوما مضادا بمئات الصواريخ الباليستية على مراكز سكانية، على بنى تحتية امنية وعلى مراكز التحكم والسيطرة. إضافة الى ذلك اطلق مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف قولا استثنائيا عن قدرات الصواريخ الإيرانية: “هذا تهديد وجودي لا يقل عن التهديد النووي”. وحذر ويتكوف سناتورات جمهوريين كبار من أن ايران من شأنها أن ترد على هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية بهجمة صواريخ واسعة تتغلب على منظومات الدفاع الإسرائيلية وتلحق ضررا واصابات على نطاق واسع. وحسب تقديرات الاستخبارات الامريكية، لدى ايران نحو الفي صاروخ باليستي مع رؤوس متفجرة قادرة على أن تحمل طنا من المواد المتفجرة ويمكنها أن تصل الى كل ارجاء إسرائيل.
هدف ايران هو ان يفوق عدد صواريخها عدد صواريخ الاعتراض الإسرائيلية. الخطة الإيرانية هي مواصلة اطلاق الصواريخ الباليستية حتى بعد ان تنفد صواريخ حيتس الاعتراضية لإسرائيل، وحتى المساعدة الامريكية لا تكفي، وعندها ستجد إسرائيل نفسها تحت وابل من الصواريخ الباليستية مع رؤوس متفجرة حتى طن، دون قدرة دفاعية كافية.
ليس على مدى الزمن
وعلى حد قول مصادر رفيعة المستوى في الولايات المتحدة، فان واشنطن تشارك لوجستيا بالعملية وتعطي معلومات استخبارية لإسرائيل على سبيل المساعدة لها. شبكة “سي.بي.اس” انضمت الى التقارير و “مصادر مطلعة على التفاصيل” قالت للشبكة ان إدارة الرئيس ترامب تساعد إسرائيل في الهجوم على ايران، دون ان تتصدره.
رغم النجاح المبهر جدا لسلاح الجو في هجومه في ايران، والذي لاسفي الشديد لم يؤدي الى تصفية القدرة النووية وإنتاج القنابل، فان لهذا الهجوم أهمية كبيرة جدا في عنصر الردع تجاه دول معادية أخرى أيضا.
ينبغي أن نأخذ بالحسبان بانه بقدر ما تطول الحرب سنرى دمارا شديدا أكثر فأكثر للبنى التحتية وللبيوت في مركز البلاد، مثلما رأينا ونرى في غلاف غزة وفي بلدات حدود الشمال كنتيجة لحرب السيوف الحديدية. إضافة الى ذلك لا يمكن لإسرائيل أن تواصل الحرب بمدى زمني طويل بسبب شلل النشاط الاقتصادي في الدولة والانقطاع عن العالم في مجالات الطيران، التجارة والاعمال – انقطاع من شأنه أن يؤدي الى انهيار اقتصادي يمس بشدة بالقدرة على مواصلة تحريك عجلات الحرب.
نحن نرى الفجوة الواسعة التي بين الاستعداد على مدى السنين، الجاهزية والتميز للاعمال الهجومية لسلاح الجو، وبين الإهمال المجرم لسنوات في اعداد الجبهة الداخلية للحرب، الموضوع الذي حذرت منه كثيرا امام أصحاب القرار. شكلت في الماضي خمسة طواقم من الخبراء، احد المواضيع المركزية التي عملت عليها هو عدم جاهزية الجبهة الداخلية للحرب. أوصينا بحلول رفعت الى المستوى السياسي والمستوى العسكري. على مدى سنوات طويلة لم ينصت أصحاب القرار في إسرائيل ولم يفهموا بان الحروب تغيرت وان الجبهة الداخلية ستكون مركز الحرب، بخلاف الماضي، حين دارت الحروب الى الجبهات أساسا. موقف المستوى السياسي والمستوى العسكري من اعداد الجبهة الداخلية للحرب تعبر عنه جيدا صورة “القرود الثلاثة” التي ترمز الى اللامبالاة، تجاهل المشاكل وانعدام الاستعداد للتدخل عندما تكون حاجة لذلك.
لعبة الولايات المتحدة
يثور فيّ التخوف من أن ترامب اجرى مناورة على إسرائيل في اتفاقه مع الحوثيين. فالاتفاق يقضي بان تتوقف اعمال القصف الامريكية على الحوثيين شريطة أن يتوقف الحوثيون عن هجماتهم على السفن الامريكية. لم يستبعد ترامب في الاتفاق مع الحوثيين استمرار اطلاق الصواريخ أو المسيرات على إسرائيل وضرب السفن الإسرائيلية. فالرئيس الأمريكي يرى بشكل شبه مطلق مصلحة الولايات المتحدة ولا يحب حسابا لاحد آخر. “طالما تشكل إسرائيل ذخرا بالنسبة له فانه سيساعدها. في اللحظة التي يفكر فيها بان إسرائيل ضعيفة وانها عبء يزعجه في تحقيق أهدافه، فانه سيدير لها ظهر المجن. ترامب هو رجل اعمال فكره يتركز على الربح والخسارة، على الجدوى فقط.
فهل من المتعذر ان يكون ترامب، الذي لا يريد التورط في حرب مع ايران، حرب يمكنها أن تؤدي الى تصعيد إقليمي شامل بمشاركة أصدقاء ايران، روسيا، الصين وحتى كوريا الشمالية، قرر الا تتدخل الولايات المتحدة في الهجوم الى جانب إسرائيل وان تساعدها فقط في الدفاع وفي الاعمال اللوجستية كصديقة شريطة الا يوجه الرد الإيراني ضد قواعد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ترامب كفيل بان يقول لنفسه “فليعلب الفتيان امامي. ايران تتلقى ضربة قاسية من إسرائيل، لعلها تجلبها الى اتفاق نووي جديد، وإسرائيل هي الأخرى تتلقى ضربة فيما تخرج الولايات المتحدة دون أذى.
اخشى أن يحصل لنا ما حصل لنا مرات عديدة في الماضي: نشوة كبيرة في بداية الطريق من النجاحات وفي سياق الطريق، الوصول الى ارض الواقع. يوجد طريق واحد فقط لتسوية الوضع مع ايران: اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة وايران. حان الوقت لان يخرج ترامب لديه من جيبيه ويساعد إسرائيل في الهجوم أيضا وبذلك يدفع الى الأمان ويسرع الاتفاق مع الإيرانيين.
——————————————
يديعوت احرونوت 16/6/2025
لا بد من اتفاق سياسي للوصول الى إنجازات في هذه الحرب
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
بعد اكثر من 20 شهرا بعد 7 أكتوبر يبدو أن هذه ليست معركة 7 ساحات بل جملة حروب تختلف شدتها ويوجد بينها ارتباط. الناجحة بينها حتى الان، كانت ضد حزب الله، وقد غيرت دراماتيكيا الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في ظل إزالة تهديد جسيم وقديم. الأكثر مرارة بينها – التي تبرز فيها فجوة بين الأهداف والواقع – هي في غزة، الساحة التي بدأ كل شيء منها. في الوسط توجد حروب بقوى متدنية نسبيا او بصعوبة في تعريف العدو والاهداف، وعلى رأسها اليمن، الضفة وسوريا.
لقد بدأت إسرائيل المعركة ضد ايران بمفاجأة استراتيجية وبانجازات دراماتيكية، لكن مطلوب الان الفحص لكيفية تحقيق النجاح في لبنان والامتناع عن تكرار أخطاء المعركة في غزة. أولا، يجب الحفاظ على الوضوح بالنسبة للاهداف الاستراتيجية وللاستخدام الزائد للشعارات الساحرة، مثل “تقويض حماس” – التي عمليا صعب تحقيقها.
في السياق الإيراني من المهم فحص شعار “تدمير البرنامج النووي”، الذي أوضح رئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي وخبراء كثيرون في الايام الأخيرة انه غير قابل للتحقق بمعركة عسكرية فقط، وسيستوجب اتفاقا سياسيا أيضا. اما التمسك الاعمى بالهدف من شأنه أن يدفع نحو حرب استنزاف بلا اطار زمني واضح، حيال قوة عظمى إقليمية خطيرة.
درس يكثر طرحه في الخطاب الإسرائيلي، لكنه يبدو أنه لا يطبق بكامله، هو الحاجة للحذر من النشوة. فقد بدأت المعركة الحالية بأداء مبهر على مستوى تاريخي وعلى رأسها “قطع رأس” قمة المنظومة الأمنية في طهران. لكن هنا، الطريق من شأنه أن يكون قصيرا الى التباهي الذاتي.
في هذا السياق من المهم ان نفهم عميقا طبيعة العدو. عداء مرير تجاه التعالي، الإهانة والتهديدات الوجودية من جانب جهات خارجية مغروس عميقا في الوعي الجماعي الإيراني، سواء في أوساط أناس النظام ام في أوساط المعارضين له. الى جانب الصبر والقدرة على إدارة معركة طويلة (كما ثبت في الحرب ضد العراق في الأعوام 1980 – 1988)، فان ايران بخلاف حزب الله وحماس، لا تتطلع فقط لان تثبت “صمودا” في ظل امتصاص ضربات بلا نهاية بل ان تطرح تماثلا في ضوء الضربات التي تمتصها، وبالتالي معقول ان توجه جهودها للبنى التحتية القومية، للمنظومات الأمنية الاستراتيجية ولكبار مسؤولي الحكم.
درس آخر هو الحاجة للامتناع عن الاخيلة بشأن هندسة واقع ووعي العدو. في غزة يجد الامر تعبيره في آلية المساعدات الجديدة التي أقيمت (وفي ظل الحرب ضد ايران، يبدو أنه بدأ “يتراجع”)، تسليح العصابات، او الدفع قدما بمشاريع نزع الراديكالية عن الفلسطينيين. في الحالة الإيرانية نوصي بالتركيز على الغاية الأساس – البرنامج النووي – وعدم تبذير الطاقة والانتباه على أماني وآمال لم تتحقق حتى اليوم، وإثارة الشعب الإيراني ضد النظام الإسلامي.
في المرحلة الحالية، إسرائيل ملزمة بان تمتنع عن التشتت او الانجرار الى تصعيد غير مخطط له ولحرب استنزاف، والتركيز على عدة اهداف: بداية ذي بدء، فهم عمق الضربة التي الحقت بالبرنامج النووي، سبب الأسباب للمعركة وبالطبع تعميق الضربة له؛ ثانيا – تجنيد ناجع وذكي لواشنطن لغرض استكمال المهمة، سواء من خلال خطوات عسكرية ام من خلال دفع ايران الى اتفاق في الموضوع النووي؛ وثالثا – تثبيت فهم أو حتى دعم إقليمي ودولي في المعركة (حتى وان كان صمتا)، الامر الذي لن يكون ممكنا تحقيقه اذا ما تصاعدت المواجهة، من خلال هز سوق النفط مثلا. الامر يستوجب ليس فقط تعلم الدروس من الحرب في غزة بل يحتمل يكون انهاءً سريعا لها لا يسمح باستنفاد اقصى للانجازات حيال ايران.
وكلمة ختامية عن الخطاب الإسرائيلي، ذاك الذي يجسد كل الوقت ما هي نتيجة عدم التحقيق المعمق لقصورات 7 أكتوبر والمفهوم الذي على أساسه نشأت. فضلا عن الهزء القديم لكل من يطرح مطلب طرح استراتيجية مرتبة – والذي يظهر في الغالب من جانب من انهاروا في 7 أكتوبر وواصلوا الخطأ في اثناء الحرب – تتضح محاولة لصد طرح تساؤلات صحية وشرعية لا تتناقض والتأييد لمجرد المعركة، فما بالك تستدعي الوهن. العكس هو الصحيح. الامر كفيل بان يحسن المعركة. الجمهور الذي امتنع عن الأسئلة عشية 7 أكتوبر ملزم بان يبدي الرأي والقيادة ملزمة بان تبدي الانصات. “شعب كاللبؤة” يستحق أجوبة واثباتات على أن مواضع الخلل في الماضي تعلمتها واصلحتها القيادة، التي لم تتغير منذ 7 أكتوبر.
——————————————
هآرتس ذي ماركر 16/6/2025
بعد يومين من الهجمات، حجم ضرر الصواريخ يكاد يصل الى مليار شيكل
بقلم: ميراف ارلوزوروف وناتي توكر
بعد حجم الضرر الكبير في مواقع سقوط الصواريخ فان الدولة من شانها تعويض المواطنين بمبالغ غير مسبوقة حتى الآن مقابل الاضرار المباشرة. حجم الاضرار بعد يومين فقط على الهجمات يكاد يصل الى مليار شيكل. من سيتحمل هذه التكلفة هو صندوق التعويضات.
في الحالة التي ستستمر فيها المعركة ضد ايران لفترة طويلة فانهم في وزارة المالية ينوون تطبيق مرة أخرى برامج التعويض والمساعدة أيضا عن الاضرار غير المباشرة مثل المس بالمصالح التجارية، والتكلفة التي يمكن أن تقفز اكثر. في موازاة ذلك بيع عدد اكبر من بوالص التامين على المحتويات في يوم واحد مقارنة مع سنة واحدة.
صندوق التعويضات هو صندوق يعمل خارج ميزانية الدولة. ويمول بواسطة جزء من مداخيل الضرائب على الأراضي. قبل فترة صغيرة على بداية حرب السيوف الحديدية كان في الصندوق 18 مليار شيكل تقريبا، ومنذ 7 أكتوبر انفق الصندوق حوالي 20.5 مليار شيكل مقابل تعويضات للمواطنين.
حتى الآن في وزارة المالية يقولون انه في صندوق التعويضات لمواطني الدولة يوجد 9.5 مليار شيكل، واذا استمرت الحرب لفترة طويلة فان وزارة المالية ستضطر الى إيجاد مصادر تمويل أخرى من اجل تمويل المساعدات المدنية والتعويضات، الامر الذي يمكن ان يستدعي زيادة العجز.
اضرار غير مسبوقة
التعويضات عن معركة عسكرية بهذا الحجم تنقسم الى الضرر المباشر والضرر غير المباشر. حسب الصور من الميدان فان الضرر المباشر الذي وقع الان نتيجة اضرار مباشرة للصواريخ القادمة من ايران يبدو مرتفع مقارنة مع الاضرار التي وقعت من ضربات الصواريخ من غزة ولبنان واليمن، وفي الجولتين القصيرتين امام ايران. في هذه الاثناء الضرر الذي وقع في اليومين الاولين للحرب تم تقديره بمئات ملايين الشواقل.
حتى قبل المعركة الحالية امام ايران فان 2.5 مليار شيكل من التعويضات التي دفعها الصندوق كانت مقابل الضرر المباشر، لكن على خلفية الاضرار الشديدة في المباني والممتلكات فربما ان النفقات على الضرر المباشر سترتفع بشكل كبير. رجال صندوق التعويضات يوجدون في مناطق سقوط الصواريخ ويحاولون قياس الضرر من اجل إعطاء المساعدة للمدنيين الذين تضرروا. في هذه المرحلة لا يوجد تقييم دقيق للاضرار، لكن من الواضح انها استثنائية مقارنة مع الحروب السابقة.
الثلاثة آلاف صاروخ التي اطلقتها حماس في بداية حرب 7 أكتوبر أدت الى تدمير بضعة مباني، في المقابل، في اليومين الأخيرين منذ بداية الحرب مع ايران، هناك كما يبدو اكثر من 10 مبان لا يوجد أي خلاف مهني فيما يتعلق بالحاجة الى هدمها. مظهر المباني المدمرة يذكر بمشاهد الدمار في غزة. إعادة بناء هذه المباني التي دمرت حتى الآن تقدر بعشرات ملايين الشواقل.
نتيجة الاضرار الكبيرة فان نحو 600 عائلة تم اخلاءها من بيوتها. السلطات المحلية تهتم باسكانها على المدى القصير في الفنادق. الوضع الصعب في فرع الفنادق يسهل هذه المهمة: لا يوجد نقص في الغرف الشاغرة في منطقة المركز، رغم أن الكثير من السياح الذين وصلوا من اجل الاحتفال باسبوع المثليين لم ينجحوا في مغادرة البلاد. بعد ذلك من تم اخلاءهم سيستأجرون الشقق. مبلغ استئجار الشقة يمكن أن يكون مشابه للبيت الذي تضرر. واجرة الشقة سيمولها صندوق ضريبة الأملاك.
لا يوجد خلاف بخصوص الحاجة الى اخلاء سكان من بيوتهم المدمرة. بخصوص الإصابات بسبب الارتدادات هذا يرتبط بدرجة الضرر. الشقة التي كل نوافذها تحطمت يبدو أنه سيتم اخلاءها. من جهة أخرى، اذا تم انتزاع النوافذ في غرفة واحدة أو شرفة فيبدو أنهم سيحاولون إبقاء العائلة في بيتها – لا يمكن اخلاء مدن المركز.
التكلفة الأعلى يمكن أن تكون للتعويض غير المباشر. في وزارة المالية قالوا امس ان النية هي منح مساعدة مدنية واسعة حسب الحاجة. حسب مصادر في الوزارة فانه اذا كانت حاجة فسيتم بلورة برنامج مساعدات وغلاف اقتصادي لمواطني الدولة.
مع ذلك، حتى الآن لا توجد خطة مساعدات سارية المفعول، ووزارة المالية ستضطر الى المرور بعملية تشريع أو تعديل في الكنيست من اجل السماح بدفع التعويضات. في السابق جهات أبحاث وجهات سياسية وجهت انتقاد شديد لان إسرائيل لا تقوم بتفعيل برنامج مساعدات مدنية تلقائية في سيناريوهات الطوارئ، وهناك عدم يقين كبير.
المس الفوري بالمصالح التجارية يتعلق بالذين نشاطاتهم محدودة بسبب منع التجمع، القاعات وحدائق المناسبات والمطاعم والنشاطات الثقافية. في الدوائر الاوسع الضرر يمكن ان يصل الى مصالح تجارية كثيرة بسبب تقليل النشاطات التجارية. قضية أخرى يمكن أن تطرح على جدول الاعمال وهي اذا استمرت المعركة لوقت طويل، فهل الدولة ستتدخل بطريقة معينة في سوق العمل وتعمل مثلما في السابق بواسطة تمويل دفعات الاجازة بدون راتب، أو أنها ستعوض المشغلين بطريقة أخرى.
——————————————
يديعوت أحرونوت 16/6/2025
في ظل حكومة فشلت في تحقيق كل وعد جوهري فان الشك مطلوب
بقلم: عيناب شيف
ظاهرة صمت المعارضة والاعلام النقدي في الأيام الأولى من الحرب ليست اختراعا إسرائيلية وهي أيضا لم تولد بين ليلة الخميس والجمعة. لكن الحرب التي بدأت بهجوم تاريخي في ايران هي حدث شاذ حتى على هذا المستوى: حكومة مسؤولة عن قصور 7 أكتوبر وترفض اخذ أي مسؤولية عنه (من إقامة لجنة تحقيق رسمية وحتى الاستقالة)، تسحق القطاع الخادم (بالعمل النشط على “قانون التجنيد”) والتكافل الأساس (بالنسبة لموضوع المخطوفين) ومنذ اشهر طويلة لا تحظى بالأغلبية
في أي استطلاع يجرى خارج فقاعة الاعلام المؤيد للحكم، تشن حرب ضد قوة عظمة قديمة من 90 مليون انسان وانسانة، تضع أهدافا القدرة على تحقيقها موضع خلاف في افضل الأحوال وتتمسك بكلمات مثل “سيناريو المرجعية” كي يكون ممكنا ربما القول في النهاية للعائلات المدمرة والجمهور المفزوع فان هذا كان يستحق.
ورغم كل هذا، ولم نتحدث بعد عن رئيس وزراء يوجد في منتصف شهادته في محاكمة جنائية وقال في الماضي ان “رئيس وزراء غارق حتى الرقبة بالتحقيقات ليس له تفويض أخلاقي وجماهيري لان يقرر أمورا بهذا القدر من المصيرية لدولة إسرائيل” – يوجد احتمال اكبر لتخمين الرقم الذي يفوز في اليانصيب من إيجاد أصوات في التيار المركزي السياسي والإعلامي، تطالب بتفسيرات معللة بالاسئلة المستعجلة والواجب: هل بالفعل لم يكن مفر، غير أنه عندما تكون إسرائيل متورطة في جبهة لم تحسمها (وفقا لاعتراف المستوى السياسي والعسكري) منذ سنتين تقريبا؟ ما هو الهدف (تدمير النووي كله/تغيير النظام/ تراجع عن المشروع/منوط باليوم)؟ وهل توجد وسائل لتحقيقه اذا لم ينضم الحلفاء الى الهجوم؟ كم من الوقت يمكن للدولة (الاقتصاد، التعليم الجهاز الصحي، المجتمع، سواء العمل) التي منذ خمس سنوات تنجر بين حالات طوارئ عالمية (كورونا) ومحلية (حملات في غزة، حرب 7 أكتوبر والان حرب مع ايران) ان تجرجر حربا كهذه؟ هل كجزء من تخطيط الحرب لم تبنى فقط الخرائط الاستخبارية وقدرات الحوامات بل وأيضا خطط الوزارات المختلفة لوضع يمكنه أن يتواصل لاسابيع وربما ايضا لاشهر؟.
بخلاف ما يفهم من كل أنواع التغريدات والمغامرات من شخصيات “الاحتجاج” مع ارتباط هزيل بالحقائق وبدون العلاج النفسي المناسب، هذه الأسئلة موضوعية، عديمة ذرة من الانهزامية وهي بالتأكيد لا تستخف بالتهديد النووي الإيراني ولا بالقدرات التي تبديها إسرائيل. ما العمل حين تكون هذه لا تزال هي الحكومة ذاتها التي فشلت حتى الان في كل وعد جوهري منها، من معالجة “الحوكمة” عبر غلاء المعيشة وحتى “على مسافة خطوة عن النصر”، مع كابنت يشغله في قسمه الأكبر محبو اشعال حرائق ومتطرفون. في هذه الحالة فان الشك مطلوب ليس بعد 72 ساعة من بداية الحملة، مهما كانت ناجحة وهامة بل بعد 72 ثانية. بدلا من هذا تحصل على معارضة التوقعات منها على أي حال كانت بارتفاع عشب الحديقة وبث يتراوح في غالبيته الساحقة ساعات على ساعات، بين نشوة معتدة، ثرثرة جهاز الامن وفصل تام بين الأسى والألم الذي لحق بالسكان الذين تضرروا وبين المصاعب الجوهرية التي تنشأ عن الصور الخطيرة التي تأتي من مركز البلاد. حتى التاريخ القريب الذي يدل على أن إسرائيل تعرف كيف تدخل الى الحروب لكنها تميل لان تنسى كيف تخرج منها (بل وحتى حيال أعداء اصغر بكثير)، لا تلمس اطراف الشك السليم. هو كالمعتاد سيأتي فقط في مرحلة الحرقة وحتى هذا لم يمنعها من أن تقول “قلت لكم”.
——————————————
هآرتس 16/6/2025
مستغلة انشغال العالم.. إسرائيل ترفع من وتيرة الإبادة قتلاً وتجويعاً في غزة لتسريع الترانسفير
بقلم: أسرة التحرير
قتل في قطاع غزة أول أمس 65 فلسطينياً وأصيب 315، حسب تقارير وزارة الصحة. مشكوك بأن أحداً منهم اطلع على إعلان الجيش الإسرائيلي إيران ساحة القتال الأساس، وغزة ساحة ثانوية.
لم يطرأ تغيير في مصير المخطوفين العالقين في الأنفاق أيضاً. عائلاتهم التي تقلق على مصيرهم من أكثر من ثمانية أشهر، ما كان يمكنها أن تستمد مواساة من تغيير التركيز العسكري. العكس هو الصحيح؛ هي تفهم بأن هذا التصريح دحر موضوع أعزائها إلى أسفل سلم الأولويات الوطني والعالمي. قد نجد تذكيراً بذلك في سطر النهاية المعروف الذي تكرر في بيان الناطق العسكري: على أمل إعادة المخطوفين بأسرع وقت ممكن” – سطر يذكر بأمنية أكثر مما يذكر بهدف حرب.
رغم اعتبارها إيران ساحة مركزية في القتال لا تبرر لها ترك المخطوفين لمصيرهم، من جهة، أو تحرير إضافي للجام العسكري في قطاع غزة، من جهة أخرى. منذ أشهر طويلة، أصبح قطاع غزة مجالاً سائباً: قتل مدنيين بلا تمييز، من نساء وأطفال ورضع؛ وتجويع جماعي طويل؛ ومساعدات إنسانية جزئية، أحياناً تسلب وتنهب وأحياناً لا تصل على الإطلاق. الآن، حين ينتقل التركيز العالمي والإسرائيلي إلى المواجهة مع إيران، يزداد خطر الاحتدام.
ثمة شهادات لسكان مخيمات اللاجئين جباليا والمغازي تشير إلى تصعيد واضح في غزة حتى بعد الهجوم في إيران. بزعمهم، فتحت نار مكثفة نحو مواطنين اقتربوا من نقاط توزيع الغذاء. “الجيش أطلق النار بلا تمييز على الناس الذين حضروا بحثاً عن الطعام”، شهد أحد السكان، “حتى الحوامات أطلقت النار على الجموع”. وأضافت إلى تكثيف القصف في جنوب القطاع، وأساساً في منطقة خان يونس. أطلق سلاح البحرية ناراً إضافية نحو مخيم اللاجئين الشاطئ، وأصيب فيها نساء وأطفال. بينما يتابع الرئيس الأمريكي ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف عن كثب التطورات حيال إيران، وبينما يدخل سكان إسرائيل إلى الملاجئ ويتصدون لمشاهد الدمار، يبدو أن النظر أشيح تماماً عن المكان الذي تتواصل فيه الكارثة منذ أشهر: قطاع غزة. مشاهد الدمار في “بات يام” و”رمات غان” كانت غير مسبوقة في السياق الإسرائيلي، لكن هذا هو ما يراه سكان القطاع كل يوم.
إن إشاحة النظر خطيرة. محظور أن تشكل إيران ستار دخان تتحقق من خلفه أفكار الترحيل والتطهير العرقي من جانب من يجلسون حول طاولة الحكومة. إسرائيل ملزمة بمنع مزيد من التدهور، ووقف القتال في القطاع، وإعادة المخطوفين. كان هذا صحيحاً قبل الهجوم في إيران، وصحيح بأضعاف الآن.
——————————————
عن “N12” 16/6/2025
الحرب مع إيران ستكون مختلفة عن كل ما عرفته إسرائيل
بقلم: راز تسيمت
يبشّر الهجوم الاستباقي الإسرائيلي على إيران بنقطة تحوُّل في المعركة بين الدولتين وبداية مرحلة جديدة ذات طابع خطير وغير مسبوق في الصراع بينهما. لقد غيّرت الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة، التي شنّتها إيران ضد إسرائيل في نيسان وتشرين الأول 2024، قواعد اللعبة بين البلدين، بعد أعوام فضّل فيها الطرفان العمل ضد بعضهما بشكل غير مباشر. فعملت إيران ضد إسرائيل، في الأساس، من خلال تنفيذ عمليات “إرهابية” واستخدام الوكلاء، بينما فضّلت إسرائيل التحرك من خلال نشاطات سرية.
يمكن العثور على بوادر التغيير في الصراع الاستراتيجي بين الدولتين في العقد الأخير، من خلال المواجهة المباشرة التي دارت في سورية. فالحملة الإسرائيلية ضد البرنامج النووي، وتعزيز الوجود الإيراني وتأسيس بنى تحتية عسكرية قرب حدود إسرائيل، وتورُّط إيران في “الإرهاب” ضد إسرائيليين ويهود في الخارج، وتوسيع النشاط الإسرائيلي ضد إيران ليشمل ساحات ومجالات إضافية، بما في ذلك الساحة البحرية والفضاء السيبراني، وتطبيق مبدأ “رأس الأفعى”، ومفاده ضرورة ضرب إيران في عقر دارها، أمور كلها حوّلت الصراع الإسرائيلي – الإيراني، الذي يستند في جوهره إلى العداء الأيديولوجي للدولة اليهودية، إلى معركة مباشرة بين إسرائيل وإيران.
وعلى الرغم من أنه من الواجب توخّي الحذر بشأن إصدار أحكام قاطعة في هذه المرحلة المبكرة من المعركة، فإنه يمكن طرح بعض الاستنتاجات الأولية:
ضربة فعالة لمنظومة القيادة والسيطرة والمنشآت النووية
أظهرت إسرائيل قدرة مثيرة للإعجاب (وإن لم تكن مفاجئة في ضوء خبرة العام الأخير) في الضربة الافتتاحية الأولى، مع التركيز على تصفية جزء من القيادة الأمنية الإيرانية، ويمكن التقدير بحذر أن البنى التحتية النووية، بما في ذلك مواقع التخصيب وعدد من كبار علماء الذرة، تعرّضت لأضرار جسيمة.
ردّ إيراني عنيف، لكنه متدرج
من المتوقع أن يكون الردّ الإيراني قاسياً، بحسب تهديد المرشد الأعلى لإيران الخامنئي، سواء من حيث الكم، أو النوع. ومع ذلك، من المرجح في هذه المرحلة أن تركّز طهران ردها في اتجاه إسرائيل، على الرغم من توجيهها الاتهام أيضاً إلى الولايات المتحدة. ويمكن الافتراض بحذر أن النظام الإيراني، على الأقل في هذه المرحلة، لا يرغب في جرّ الولايات المتحدة إلى ساحة المعركة.
ومع ذلك، من غير الواضح إذا ما كانت واشنطن ستتمكن من البقاء خارج المعركة فترة طويلة، وفي حال تدخُّلها، ستزداد حدة المعضلة أمام القيادة الإيرانية بشأن كيفية التعامل مع المصالح الأميركية (وربما الخليجية أيضاً) في المنطقة.
إيران ليست “حزب الله”
قد تصعّب الضربة التي استهدفت قدرات القيادة والسيطرة، إلى حد ما، قدرة إيران على الرد، ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن إيران ليست “حزب الله”، ومن المؤكد أنها ليست “حماس”. فالجمهورية الإسلامية، التي تبعد مسافة شاسعة عن إسرائيل، وتفوق مساحة أراضيها مساحة لبنان بأكثر من 150 ضعفاً، تتميز بدرجة عالية من الازدواجية المؤسساتية (الجيش في مقابل الحرس الثوري؛ وزارة الاستخبارات في مقابل جهاز استخبارات الحرس الثوري، وميليشيات الباسيج في مقابل قوات الأمن الداخلي، وما إلى ذلك)، وبهامش كبير من التكرار المؤسساتي الذي يتيح وجود بدائل وبدلاء من دون قيود كبيرة، وقد تجلى ذلك فعلاً في تعيين خلفاء لكلٍّ من رئيس الأركان العامة باقري وقائد الحرس الثوري سلامي.
استقرار النظام
إن الطموح إلى إسقاط النظام الإيراني من خلال توجيه ضربة، مهما كانت قاسية، إلى جزء من النخبة الأمنية والعسكرية، هو طموح غير واقعي، فالنخبة السياسية والأمنية في إيران واسعة، ومتماسكة، وملتزمة بالحفاظ على بقاء النظام.
أمّا ردة فعل الجمهور الإيراني الذي لا يدعم، في أغلبيته، النظام، فهو أقلّ قابلية للتنبؤ، ومع ذلك، فإن إسقاط النظام من خلال ضغط شعبي يتطلب تغييراً دراماتيكياً في ميزان القوى بين النظام ومؤيّديه من جهة، ومعارضيه من جهة أُخرى، حيث لم يُبدِ سوى أقلية من هؤلاء المعارضين، حتى الآن، استعداداً لاتخاذ خطوات فعلية لإسقاطه.
فالتقارير التي تتحدث عن استهداف مناطق سكنية وسقوط قتلى مدنيين وأضرار بالبنى التحتية، قد تؤدي، على الأقل في المدى القصير، إلى ما يُعرف بـ”الالتفاف حول العلم”. وسيكون التغيير ممكناً فقط في حال شعر الجمهور الإيراني بوجود فرصة حقيقية لإحداث تغيير سياسي، و/أو في حال ظهور مؤشرات إلى تصدّعات داخل قمة هرم السلطة السياسية/ الأمنية.
إعادة تأهيل البرنامج النووي
من المبكر الحديث عن قدرة إيران على إعادة تأهيل برنامجها النووي، لأن ذلك يعتمد أساساً على حجم الضرر الذي لحِق بمواقعها النووية، وعلى القدرات المتبقية لديها.
لن تتنازل إيران عن قدراتها النووية (المتبقية) طوعاً، ولن تتخلى عن مساعيها لإعادة بناء برنامجها النووي، وربما حتى التقدم به إذا توفرت لها القدرة، وهذه المرة، مع شرعية داخلية ودولية، من وجهة نظرها، ومع ذلك، فإن قدرتها على تحقيق ذلك مرهونة بحجم الضرر الذي تكبّدته، وبمدى تصميم إسرائيل (وربما أيضاً الولايات المتحدة) على إحباط جهودها في إعادة التأهيل.
“استراتيجية الخروج” – لا حلول سحرية
إن التدمير الكامل للبرنامج النووي الإيراني ليس واقعياً، ولذلك، عند نهاية المعركة، سيكون من الضروري ضمان منع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، سواء من خلال حملة طويلة الأمد للحفاظ على الإنجاز، باستخدام وسائل عسكرية مباشرة وسرية، أو دبلوماسية، أو من خلال مسار سياسي مكمّل بقيادة الولايات المتحدة.
في المحصّلة، نحن في مرحلة شديدة الخطورة وغير قابلة للتنبؤ ضمن معركة قد تكون طويلة وصعبة، وستكون تداعياتها واسعة ومؤثرة، ليس فقط على مستقبل إيران، بل على مستقبل المنطقة بأسرها.
في هذه اللحظة، يوضع على المحك عزم إسرائيل على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكن مع الحرص على تجنُّب إطالة أمد المواجهة، بقدر الإمكان، أو انجرارها إلى معركة إقليمية شاملة، وذلك بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة.
——————————————
إسرائيل اليوم 16/6/2025
القضاء على النظام الإيراني
بقلم: إيال زيسر
تماماً مثلما حدث في حرب “الأيام الستة” في مثل هذا الشهر، قبل 58 عاماً، كان الجميع يدرك أن الحرب مع إيران تقترب، وأول مَن أدرك ذلك قادة إيران أنفسهم الذين وعدوا بأنهم مستعدون لصدّ أيّ هجوم إسرائيلي بردٍّ قوي سيؤدي إلى تدمير إسرائيل، التي كانت وما زالت الهدف الرئيسي لنظام الملالي منذ استيلائه على السلطة، قبل أكثر من 40 عاماً.
ومع ذلك، نجحت إسرائيل في المفاجأة، ووجّهت ضربة استباقية قاسية ضد قدرات إيران، وقضت على عدد كبير من قادة الجيش والحرس الثوري من الذين شاركوا في الهجمات ضد إسرائيل في العامين الماضيَين. وبهذا، حصلت إسرائيل على ميزة استهلالية حاسمة في المواجهة المنتظرة مع إيران في الأيام المقبلة. تماماً مثلما جرى في عملية “موكيد” التي استهلت بها إسرائيل حرب “الأيام الستة”، والتي دمرت خلالها القوات الجوية لجميع الدول العربية، ما منحها التفوق الجوي والنصر في المعركة.
في 7 تشرين الأول، دفعت إيران بأذرعها في المنطقة ضد إسرائيل: من “حماس” في غزة، مروراً بـ”حزب الله” في لبنان، وانتهاءً بالحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، في محاولةٍ للإطاحة بإسرائيل. لكن المحاولة الإيرانية فشلت فشلاً ذريعاً. لقد انهزم وكلاء إيران في غزة ولبنان، وطُردت إيران من سورية. وكان لإسرائيل اليد الطولى في جولات المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، وضبط النفس الإسرائيلي هو الذي منع توجيه ضربات ساحقة إلى إيران.
وهكذا، تدخل إيران في مواجهة مع إسرائيل، وهي أضعف وأكثر هشاشةً من أيّ وقت مضى، لكن ما زال من المبكر القول، إن “النمر الإيراني” هو مجرد نمر من ورق. وكما تبيّن مع “حزب الله” لاحقاً، فإن إيران دولة كبيرة تضم عشرات الملايين من السكان، وبنَت ترسانة من الصواريخ والمسيّرات خلال 4 عقود، من دون عوائق، لذلك، ستكون المواجهة معها صعبة وطويلة.
تُظهر العملية الإسرائيلية أن الولايات المتحدة لم تتخلّ عن المنطقة بعد، وأن العملية جرت بموافقة واشنطن ودعمها. وهي تعيد الأمل بإقامة حلف دفاعي إقليمي، بعد أن بات واضحاً لدول الخليج، أكثر من أيّ وقت مضى، مَن الذي يمكن الاعتماد عليه في وقت الشدة.
أمام النظام الإيراني أيام صعبة، فإيران ضعيفة عسكرياً، وتعاني جرّاء عزلة إقليمية ودولية. ومن المرجح أن نشهد في المدى القصير تعبئة جماهيرية مع النظام الإيراني، لكن في المدى الطويل، لا شك في أن ما يحدث هو بمثابة مسمار جديد في نعش النظام الذي أثبت مرة أُخرى أنه لا يستطيع الدفاع عن إيران، وأن سياسته لا تجلب سوى الكوارث.
خلال الربع قرن الأخير، إيران هي التي دفعت المنطقة نحو حمّام دم من “الإرهاب والعنف” من خلال سياسات “عدوانية”، وبناء شبكة من الأذرع في شتى أنحاء الشرق الأوسط لمحاربة إسرائيل، وبذلك، ساهمت في زعزعة استقرار العالم العربي برمته، في لبنان وغزة وسورية والعراق واليمن ودول الخليج.
إن الضربة التي تعرّضت لها أذرع إيران أعادت الاستقرار إلى لبنان وسورية، لكن طبعاً، هذا ليس كافياً. فما يجري هو امتحان لإسرائيل ودول المنطقة، وخصوصاً الولايات المتحدة. كان يمكن أن تكون الضربة التي وجّهتها إسرائيل، وحدها، ضربة قاتلة للنظام الإيراني، لو انضمت الولايات المتحدة إلينا، لكن من المحتمل أن تجبر الردود الإيرانية الولايات المتحدة على الانضمام إلى المعركة. يجب أن يكون هدف هذه المعركة، التي فرضتها إيران على المنطقة والعالم، واضحاً: ليس فقط منع تخصيب اليورانيوم، أو القضاء على البرنامج النووي، بل القضاء على النظام الإيراني، وهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
—————–انتهت النشرة—————–