
المسار …
رجا الخالدي: الوضع الراهن يتطلب تدخّلات فورية ومتكاملة أبرزها دعم التنمية المحلية والدعم الدولي وإطلاق برامج طوارئ موجهة لدعم صغار المزارعين والعمال
شاهر سعد: نحن في الحركة النقابية متخوفون من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تنعكس مباشرة على الواقع المعيشي للأسر الفلسطينية
د. محمود أبو صوي: حرية التنقل من الحريات الأساسية اللصيقة بالإنسان ولا يجوز مصادرتها أو تقييدها بلا مبرر قانوني واضح وقوي
أيهم أبو غوش: منع العمال الفلسطينيين من التوجه إلى أعمالهم في الداخل يحرم السوق الفلسطينية من سيولة نقدية شهرية تقدر بنحو 1.5 مليار شيكل
حازم القواسمي: الكثير من العائلات لم تعد قادرة على الحصول على قوتها بسبب البطالة غير المسبوقة وطول مدة إغلاق سوق العمل الإسرائيلية
إغلاق الحواجز والبوابات التي نصبها جيش الاحتلال على مداخل مدن وقرى مخيمات الضفة الغربية بات الإجراء الأول والأسهل الذي يبادر إليه هذا الجيش، سواء أكانت هناك حرب أم لم تكن، إلا أن إغلاقها يبدو في زمن الحرب أكثر من مبرر، بل ضرورة أمنية وعسكرية بالنسبة لصناع القرار في دولة الاحتلال، سواء حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، أم الحرب مع إيران التي بادرت إليها دولة الاحتلال قبل أيام.
لا إحصاءات دقيقة حول عدد البوابات التي تغلق بها قوات الاحتلال مداخل المدن والقرى والمخيمات، وإن تحدث البعض عن ألف بوابة، ولا عدد ثابتاً للحواجز التي يقيمها جنود الاحتلال على الطرقات -بعضها ثابت والبعض الآخر “طيار”- لكن الواضح والثابت أن أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة يحاصَرون في بيوتهم ويُمنعون من التحرك من قرية إلى أخرى أو مدينة إلى أخرى وحتى داخل القرية والمدينة الواحدة، فتتحول الضفة إلى سلسلة من السجون التي تصادر حرية الإنسان وتشل عجلة الاقتصاد المرهقة أصلاً.
كتاب ومحللون ومختصون تحدثوا لـ”ے” أكدوا أن أغلاق الضفة، سواء داخلياً أم مع الخارج أو مناطق 48، وتكبيل حرية الإنسان الفلسطيني، مخالف للمواثيق الدولية وقوانين حقوق الإنسان، مشددين على أن حرية التنقل من الحريات الأساسية اللصيقة بالإنسان، ولا يجوز مصادرتها أو تقييدها بلا مبرر قانوني واضح وقوي.
وقالوا إن الكثير من العائلات لم تعد قادرة على الحصول على قوتها بسبب البطالة غير المسبوقة وطول مدة إغلاق سوق العمل الإسرائيلية، مؤكدين أن الوضع الراهن يتطلب تدخّلات فورية ومتكاملة، أبرزها دعم التنمية المحلية والدعم الدولي وإطلاق برامج طوارئ موجهة لدعم صغار المزارعين والعمال.
تصاعد سياسات الإغلاق وفرض الحواجز والبوابات
وقال الباحث الاقتصادي رجا الخالدي مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) إن الضفة الغربية تشهد منذ سنوات تصاعداً في سياسات الإغلاق وفرض الحواجز والبوابات والمكعبات الإسمنتية التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مختلف مناطق الضفة الغربية، خاصة على مداخل ومخارج المدن وعلى الطرق الموصلة بين التجمعات الفلسطينية.
وأشار الخالدي إلى أن الاجراءات الإسرائيلية هذه تهدف إلى تقييد الحركة والتنقل؛ فضلاً عن المعابر التي تفصل بين الضفة الغربية ومناطق 48 في الداخل المحتل والقدس المحتل. لتتحول هذه الحواجز أداة رئيسية في الهيمنة وفرض السيادة على كافة مناحي حياة الفلسطينيين، بالإضافة إلى تشكيل ضغط اقتصادي كبير على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي باتت الأن مرهونة بفتح أو إغلاق تلك الحواجز.
وتطرق الخالدي الى المستجدات الاقتصادية في ظل الإغلاق الشامل على الضفة الغربية. وقال إن المستجد الأول يتعلق بالنظام المصرفي الفلسطيني فقد هدد الجانب الإسرائيلي في 10 يونيو بإلغاء الإعفاء القانوني الذي كانت تعتمد عليه المصارف الإسرائيلية لمعالجة العملات بالشيكل مع البنوك الفلسطينية، مما يهدد البنوك الفلسطينية من النظام المالي الإسرائيلي، حيث يمر ما يقارب 53 مليار شيكل (15.2 مليار دولار) سنوياً عبر هذا النظام، ويشكل اختفاؤه خطراً على تمويل الخدمات الأساسية مثل الغذاء والوقود والكهرباء.
الضغوطات النقدية والخسائر الفورية
وتابع: أما المستجد الثاني فيتعلق بالضغوطات النقدية والخسائر الفورية، فالقرارات المالية التي يصدرها وزير المالية سموتريتش ستؤدي الى ظهور اقتصاد نقدي وظلامي في الضفة الغربية، وهذا يتزامن مع ما تواجهه السلطة الفلسطينية من تأخر دفع رواتب الموظفين، مما سيؤدي إلى نمو في السوق السوداء.
وأكد الخالدي أن المستجد الثالث يتعلق بأموال المقاصة، حيث يقدر متوسط حجب أموال المقاصة بحوالي 300 مليون شيكل شهرياً، أي ما يعادل 40% من إيرادات السلطة الفلسطينية، ويبلغ إجمالي الأموال المقتطعة خلال الحرب أكثر من 800 مليون شيكل، ويبلغ حتى الآن على مدار العام حوالي 2 مليار شيكل.
المستجد الرابع، وفق الخالدي، الانكماش الاقتصادي المستمر. وقال: حسب توقعات سلطة النقد الفلسطينية التي تشير الى انكماش في النمو الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة بنحو 1.8% في أوائل عام 2023 مع تراجع في نصيب الفرد إلى 4344 دولار سنوياً، يضاف لذلك انخفاض الناتج المحلي الحقيقي في الضفة الغربية بنسبة 26% في عام 2024.
وأضاف: وأخيراً التضخم، مشيرا بهذا الخصوص إلى أن نسبة التضخم ارتفعت الى 5.9% في عام 2023 بالتزامن مع تراجع قيمة الشيكل، وارتفاع في أسعار الواردات.
المخاطر المستقبلية لاستمرار الإغلاق
ونوه الخالدي إلى المخاطر المستقبلية لاستمرار الإغلاق، والتي جاءت على النحو التالي: أولاً، إن معدلات البطالة مرشحة للارتفاع إلى 30%-35% في الضفة في حال استمرار الإغلاق الشامل، بالاستناد لتقديرات سابقه للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ثانياً، تآكل بيئة الاستثمار بسبب غياب الاستقرار الاقتصادي، وتعطل المشاريع. ثالثاً، تفكك سلاسل الإنتاج الزراعي والصناعي. رابعاً، تهديد الأمن الغذائي المحلي وارتفاع أسعار المنتجات الأساسية. خامساً، زيادة احتمالية الهجرة الداخلية من القرى المهمشة، وهجرة خارجية للعقول الشابة.
وأكد الخالدي أن الوضع الراهن يتطلب تدخّلات فورية ومتكاملة على أكثر من مستوى، من أبرزها:
• دعم التنمية المحلية عبر تشجيع الإنتاج المحلي والاقتصاد المنزلي والتكافلي.
• الدعم الدولي للضغط من أجل رفع القيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع.
• إعادة بناء سلاسل الإمداد من خلال إنشاء مراكز توزيع لامركزية لضمان استمرارية التوريد.
• استهداف الفئات المتضررة من خلال إطلاق برامج طوارئ موجهة لدعم صغار المزارعين والعمال غير الرسميين.
تعزيز الصمود الاقتصادي عبر تطوير أدوات تمويل مرنة، ودعم المشاريع الصغيرة.
حكومة الاحتلال تشن حرباً اقتصادية على الفلسطينيين
من جانبه، قال الأمين العام لاتحاد عمال فلسطين شاهر سعد إن الإغلاق المفروض على المحافظات الشمالية والذي يشمل التنقلات والطرق بين المدن والبلدات والقرى، يؤثر تأثيراً كبيراً على الحركة الاقتصادية الفلسطينية، وهي حرب تشنها حكومة الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني مع ازدياد الخنق الاقتصادي.
وأشار إلى أن الحديث عن عمال عددهم 80 ألف عامل بالضفة الغربية تقدر خسائرهم اليومية بـ 10 ملايين شيكل، يضاف إليها الإغلاقات المستمرة .
وأوضح أن هناك أكثر من 1000 بوابة حديدية وحاجز عسكري لقوات الاحتلال تمنع أو تعيق تنقل المواطنين بين مدن وقرى وبلدات المحافظات الشمالية، فعلى سبيل المثال الطريق بين بيت فوريك ونابلس تأخذ عشرة دقائق، ومع وجود الحاجز أصبحت تأخذ ساعتين إلى ثلاث ساعات، بسبب الإجراءات التعسفية من تفتيش واعتقال.
ولفت سعد إلى أن 40 ألف عامل يعملون داخل الاراضي المحتلة بشكل غير قانوني، يتنقل منهم على الأقل 10 آلاف عامل يومياً من بيوتهم إلى أماكن عملهم وبالعكس.
الزراعة تلقت ضربة في الصميم
وأوضح أن هناك العديد من القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر ومنها الزراعة التي تلقت ضربة في الصميم في بعض المنتوجات الزراعية الموسمية التي باتت تحت طائلة الإتلاف لعدم قدرتها على الوصول إلى السوق الفلسطينية، مما يساهم على المدى البعيد في تدمير هذا القطاع بنيويا وهو من القطاعات الحيوية التي تسهم في مفهوم الأمن الغذائي في السلة الغذائية الفلسطينية.
وحذر سعد من أن قطاع النقل لا يواجه فقط الإغلاقات، بل يتعرض أيضًا لابتزاز يتعلق بالوقود والمحروقات، التي باتت تشكل الشريان الحيوي لعمل هذا القطاع، ما سيؤدي إلى تقليص الخدمات فيه، ويُفسح المجال لمزيد من الاستغلال.
وأشار سعد إلى القطاع العام في سوق العمل الفلسطيني في عمليات البيع والشراء التي باتت هذه الأسواق خلال منع التجول الدائم وبالتالي شل الحركة الاقتصادية في الأسواق الفلسطينية، فلا رواتب للموظفين ولا دخل لعمال الداخل المحتل، الأمر الذي ينعكس سلباً على اقتصاد الضفة الغربية.
وقال: “عندما لا تكون هناك حركة تجارية في الأسواق فإن العديد من أصحاب العمل قاموا بإنهاء خدمات عمال لديهم لضعف الحركة في سوق العمل الفلسطينية، مما سينعكس على قطاع التجارة المتبقي والمشغل للأيدي العاملة.
ضرورة إشراك كل أطراف المجتمع في خطة طوارئ
وأعرب سعد عن تخوف الحركة النقابية المستمر من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تنعكس مباشرة على الواقع الاقتصادي للأسر الفلسطينية، بالانكشاف المباشر، مما يهدد السلم الأهلي داخل المجتمع الفلسطيني، ويفقدنا كحركة نقابية السيطرة على هذا الواقع مع تزايد هذه الحاجات.
وحذر سعد من التبعات الخطيرة الناجمة عن الواقع المعيشي. وقال: ليس باستطاعة الكل تحمل هذه الخسائر وعدم العمل، كما وتؤثر الإغلاقات بشكل غير مباشر على أسعار المنتجات والسلع التي باتت ترتفع يوماً بعد يوم .
وتابع سعد: “يضاف لكل ما سبق عمال الضفة الغربية الذين يدخلون الى الداخل المحتل، ويعودون يومياً وتتم إعاقة تنقلهم بسبب الحواجز أو حتى بملاحقتهم على جدار الفصل. وهنا نتحدث عن 40 ألف عامل يعملون اليوم في إسرائيل بطريقة غير قانونية منهم ما لا يقل عن 10 آلاف عامل يتنقلون يومياً.
ووجه سعد رسالة إلى الحكومة الفلسطينية لإشراك كل أطراف المجتمع في خطة طوارئ تسعى بها الى الصمود ضمن الإمكانيات المتاحة المحدودة ضمن خطة الجغرافيا المغلقة، وهذه منهجية سابقة للشعب الفلسطيني بمرحلة عام 1967 في التصدي للاحتلال من أجل الصمود والبقاء ضمن الموارد المحدودة .
وختم سعد بالقول: نحن كاتحاد بكل كوادرنا مستعدون للاندماج بكل اللجان على المستوى الوطني والمجتمعي للمساهمة في وضع خطط لهذا الهجوم من الاحتلال لمحو القضية الفلسطينية من على الخارطة، ولا يمكن تحقق العدالة في توزيع الموارد المحدودة لفئات المجتمع الهشة بدون إشراك الحركة النقابية.
شلّ الحياة اليومية في الضفة الغربية
بدوره أكد الأكاديمي والمحامي د. محمود أبو صوي المختص في القانون العام، أنه في ظل الوضع الراهن، وخاصة بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، اتجهت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض طوق أمني مشدد، وصل إلى حد الإغلاقات الشاملة لبعض المناطق في الضفة الغربية من خلال استخدام البوابات الحديدية والكتل الإسمنتية، إضافة إلى إغلاقات جزئية وتضييق الخناق على المواطنين من خلال التفتيش الدقيق على الحواجز العسكرية وخلق أزمات مرورية خانقة، خصوصًا فيما يتعلق بالتنقل بين المحافظات، أو حتى داخل المحافظة الواحدة والقرى والأحياء المحيطة بها؛ ما أدى بطبيعة الحال إلى تعطيل حركة السكان ومنع العديد من المواطنين من الوصول إلى أماكن عملهم أو جامعاتهم أو المستشفيات للعلاج أو تأدية واجباتهم الاجتماعية، ما أدى إلى شلّ الحياة اليومية في الضفة الغربية بشكل عام في العديد من المناطق.
وأوضح أن هذه الإجراءات ستؤدي بالضرورة إلى تعطيل العجلة الاقتصادية، وستنعكس سلباً على الاقتصاد الفلسطيني ككل.
وأشار أبو صوي إلى أن حرية التنقل تُعد فرعاً من الحرية الشخصية والتي تعد أحد الحريات الأساسية اللصيقة بالإنسان، والتي لا تجوز مصادرتها أو تقييدها دون مبرر قانوني واضح وقوي.
حرية الفرد في التنقل داخل وخارج بلده
وبين أن حرية التنقل تشمل حق الفرد في الانتقال من مكان إلى آخر داخل بلده، والخروج منه والعودة إليه دون تقييد. وقد نصت المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة”، كما تنص على أن “لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إليه”. وهو ما أكد عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (12) منه والتي تضمّنت الإشارة إلى حق كل فرد في حرية التنقل واختيار مكان إقامته داخل الدولة، موضحاً، أن هذا الحق لا يجوز تقييده إلا في حالات استثنائية، تتعلق بالأمن القومي أو بالنظام العام، وهي شروط لا تنطبق على ما يجري حاليًا في الضفة الغربية.
وقال: استنادًا إلى ذلك، يجب على الدول، بما فيها دولة الاحتلال، ضمان حرية التنقل للمواطنين، وعدم فرض قيود على هذا الحق إلا بما يحقق مصلحتهم، وفقًا للمعايير القانونية؛ مؤكدًا أنه يتعيّن على سلطات الاحتلال الإسرائيلي احترام أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان حتى فيما يندرج ضمن علاقتها مع المواطنين الفلسطينيين بالضفة الغربية.
وأضاف: رغم ادعاء سلطات الاحتلال أن الغاية من هذه الإغلاقات هي اعتبارات أمنية وعسكرية ودواعٍ دفاعية، فإن هذه الحجج واهية ولا تندرج ضمن المبررات القانونية لتقييد هذا الحق، وفقاً لما جاء في الاتفاقيات الدولية المُشار إليها؛ خاصة وأن الحرب الجارية تقع خارج حدود الضفة الغربية وأن تنقّل الأفراد بحرية تامة داخل مناطق الضفة الغربية لن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تداعيات الحرب القائمة أمنياً أو عسكرياً.
الإغلاقات لا علاقة لها بأي ضرورات عسكرية
وتابع: “بالتالي، فإن استمرار إغلاق الحواجز ومنع الفلسطينيين من التنقل بحرية لا علاقة له بأي ضرورات عسكرية فعلية، بل يندرج ضمن سياسة العقوبات الجماعية المحظورة دوليًا، والتي لطالما دأبت سلطات الاحتلال إلى فرضها على الفلسطينيين بين الفينة والأخرى تحت ذرائع الضرورات العسكرية والأمنية.
وأكد أن هذه السياسة تُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر بشكل واضح وصريح فرض العقوبات الجماعية على الأشخاص المدنيين، وهو ما ينطبق على حالة الانتهاكات التي تمس حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين.
وشدد أبو صوي على أن جميع الإجراءات التي تتخذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من إغلاقات وتضييق عبر الحواجز والبوابات وإغلاق مداخل القرى والمدن، تعطّل الحياة اليومية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية للفلسطينيين، وهي إجراءات تتنافى بشكل صارخ مع أحكام القانون الدولي، ولا سيما أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان
انكماش كبير في الاقتصاد بفعل الحرب الإسرائيلية
وقال الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش: “ليس خافياً على أحد بأن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من انكماش كبير بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية التي زادت مدتها عن عام وثمانية أشهر، والتي نجم عنها ارتفاع كبير في نسبتي الفقر والبطالة.
وأضاف: على صعيد الضفة الغربية، تعمقت الأزمة الاقتصادية فيها لعدة عوامل، بفعل إجراءات احتلالية تهدف إلى الخنق الاقتصادي، وخلق بيئة طاردة فيها، لذلك اتبع الاحتلال عدة سياسات ممنهجة منها: منع العمال الفلسطينيين من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر ما حرم السوق الفلسطينية من سيولة نقدية شهرية تقدر بنحو 1.5 مليار شيقل، بالإضافة إلى احتجاز أموال الضرائب الفلسطينية (ضريبة المقاصة) ما حال دون تمكين الحكومة من صرف رواتب كاملة، ما يعني حرمان الأسواق من قرابة مليار شيقل شهرياً، يضاف إلى ذلك خلق المعيقات أمام فلسطينيي 48 من التسوق في مناطق الضفة، وكذلك استهداف البنية التحتية للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من ثروتهم الزراعية والمائية في مناطق (ج) وغيرها، وإقامة الحواجز التي تحد من الحركة وتترك تداعيات سلبية على تنقل البضائع والأفراد.
الإغلاق ظاهره أمني لكن هدفه خنق الاقتصاد الفلسطيني
ويرى أبو غوش أن القرار الاحتلالي بالإغلاق الشامل للضفة الغربية والذي يبدو في ظاهرة أمنياً، إلا أنه لا يخلو من كونه أداة لاستمرار خنق اقتصاد الضفة الغربية، وهذا ما سيؤدي إلى تشكيل مزيد من الضغط على المنشآت التجارية المختلفة، خاصة أن أكثر من 90% منها عبارة عن مشاريع صغيرة قاعدتها الاستثمارية صغيرة، وليست لديها القدرة للتعايش مع أزمات خانقة لفترة طويلة.
وأكد أبو غوش أن التأثيرات الاقتصادية لهذا الإغلاق يعتمد على طول مدته واستمراريته، فكلما طال فإن ذلك سيعني مزيداً من التعطيل للدورة الاقتصادية ومزيداً من البطالة والفقر وقد نشهد عمليات تعطيل لتوريد السلع والبضائع للمراكز الحضرية الفلسطينية.
أما على المدى البعيد، أضاف أبو غوش: إذا استمرت تلك الإغلاقات لفترة زمنية طويلة ستقود إلى تغييرات جوهرية في تركيبة الاقتصاد الفلسطيني، خاصة تحويل المدن الفلسطينية إلى وجهة غير مرغوب بها تجارياً، وإنما التوجه نحو الاقتصاد المحلي، بمعنى عزل القرى والبلدات عن مراكز المدن، الأمر الذي قد يفضي إلى توجيه ضربة اقتصادة للمدن التي تحتوي على المراكز التجارية فيها.
أما على صعيد المالية العامة، أكد ابو غوش أن هذه الإجراءات ستقود إلى مزيد من الاستنزاف للايرادات العامة للسلطة الوطنية، لأن إجمالي الضرائب تعتمد بشكل أساسي على حجم الاستهلاك الذي حتماً سيتراجع وفق المعيقات الحالية.
الضفة الغربية أًصبحت سجناً كبيراً
من جهته، أكد المستشار الاقتصادي حازم القواسمي أن الضفة الغربية أًصبحت سجناً كبيراً وعدد الغرف فيه 138 غرفة، وهذا هو عدد البلديات المفصولة اليوم تماماً عن بعضها البعض. فلم يتم فصل المحافظات الإحدى عشر فقط، بل أصبحت كل بلدية مفصولة عن البلدية التي تجاورها.
وأضاف: إن الأسوأ من ذلك، أنّ أهالي القرى المجاورة للبلديات لا يستطيعون الوصول للمدن الرئيسية والتسوق وقضاء حوائجهم اليومية. وليس المهم ماذا نطلق على هذه التقسيمات وهذا الحصار، سواء قلنا معازل أو كنتونات أو فصلاً عنصرياً.
وأكد القواسمي أن الجيش الإسرائيلي أصبح يتحكم بكل زاوية في الضفة الغربية بالريموت كونترول عن طريق الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية. يغلق المدن والقرى متى يشاء، كما يفعل اليوم، ويفتح بعضها متى يشاء. لا توجد قوة أو جهة تجبره على شيء.
وتابع القواسمي: حتى لو انهار الاقتصاد الفلسطيني أكثر مما هو منهار حالياً، لا أحد يكترث لما يجري في الضفة الغربية من تفقير للناس وتعطيلهم عن العمل وخنقهم مالياً واقتصادياً.
جزء كبير من الشعب أصبح فقيراً ومديوناً وعاطلاً
وأشار إلى أن الكثير من العائلات الفلسطينية لم تعد قادرة على الحصول على قوتها اليومي بسبب البطالة غير المسبوقة وطول مدة إغلاق سوق العمل الإسرائيلية إغلاقاً محكماً، وكذلك تدهور وضع القطاع الخاص والعام الفلسطيني.
وقال: إن جزءاً لا يستهان به من الشعب الفلسطيني أصبح فقيراً، مديوناً، وعاطلاً عن العمل. مما ينذر بعواقب اقتصادية واجتماعية وأمنية وخيمة، بدأت بوادرها تلوح في الأفق في بيت لحم وغيرها من المدن التي بدأت تلمس شحّا في الحصول على البترول ومشتقاته.
وأكد القواسمي أنه بالرغم من أن السوق الفلسطينية تستطيع أن تصمد ثلاثة شهور إضافية في حال استمرت الحرب الإسرائيلية الإيرانية، إلا أنها معرّضة للانهيار والهبوط بشكل مفاجئ ومدمّر خاصة بوجود حكومة إسرائيلية متطرفة وغير مبالية بحياة الفلسطينيين بل تستخدم كافة الوسائل لحصارهم وتجويعهم من أجل تهجيرهم وتصفية القضية الفلسطينية.
المصدر … جريدة القدس