
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 25/6/2025
سموتريتش يملي على نتنياهو وكل الدولة متى سيتحقق النصر في غزة
بقلم: تسفي برئيل
وقف اطلاق النار الذي اعلن عنه الرئيس الامريكي دونالد ترامب ما زال نتاج هش، لا توجد موثوقية لصموده. ولكن هناك امر واحد عمل على تثبيته: ان ترامب هو الذي قرره، وأنه بالنسبة له الحرب انتهت والآن حان الوقت للعودة الى المفاوضات. من خلال تمسكه باطار سياسته الاساسي فان ترامب يسارع الى الابتعاد عن شرك تدخل الولايات المتحدة في حرب طويلة، التي يمكن ان تنزلق الى دول اخرى وقع معها على اتفاقات بتريليونات الدولارات، وازعاجه اثناء رحلة “اعادة امريكا الى عظمتها”.
اهداف ترامب دقيقة. حتى الان لا توجد معلومات كاملة عن حجم الدمار الذي اصاب المشروع النووي. ومن غير الواضح اذا كانت القنابل التي تخترق التحصينات قد دمرت كل منشآت التخصيب في منشأة فوردو. ورغم ذلك، يبدو ان ترامب قرر انه يكفي ما حصل من اجل خلق الظروف للمرحلة السياسية، التي ستضمن استكمال العملية العسكرية من خلال الاتفاق، الذي سعى اليه خلال الستين يوم التي منحها لايران قبل الحرب.
ترامب تجند للهجوم مع رؤية واضحة جدا تقول ان “النصر المطلق” هو تعريف شخصي. وان تحقيق هذا النصر لا يمكن أن يتاثر بايديولوجيا مسيحانية تعطي للحرب مكانة الحرب الخالدة. اسرائيل في المقابل وصلت الى الحرب مع رزمة اهداف اخذت في التزايد كلما طالت، حسب النموذج الذي طورته في الحرب في غزة. من تدمير البنى التحتية لتخصيب اليورانيوم وتصفية مراكز المعرفة انتقلت الى المس برموز النظام، ومهاجمة السجن الفظيع ظروف آبين، كما يبدو لمساعدة معارضي النظام (من خلال تعريض حياة السجناء للخطر) والاعلان بان حياة علي خامنئي وحياة كل النظام غير مضمونة. بالنسبة لاسرائيل فان مستقبل ايران ومستقبل غزة متشابه. ولكن عندها جاء ترامب وغير القواعد.
لكن المستقبل ليس كله ضائع. مثلما احسن في وصف ذلك بتسلئيل سموتريتش عندما قال: “نحن حققنا نصر ساحق في المعركة امام ايران، الذي سيسجل في تاريخ اسرائيل. الآن بكل هذه القوة يجب علينا استكمال المهمة، وتدمير حماس واعادة المخطوفين، وضمان لشعب اسرائيل سنوات كثيرة من الامن والنمو بواسطة القوة”. لا شك أن سموتريتش يدرك الفرق الكبير بين ايران وغزة. “النصر الساحق” في ايران توقف قبل “تصفية النظام”. ومنظومة الصواريخ البالستية ما زالت تهدد اسرائيل وجيران ايران، وقدرتها على المس بالملاحة الدولية في الخليج الفارسي لم تتآكل.
رغم ذلك ترامب قرر ان الصدمة والرعب التي حدثت بسبب الشراكة بين امريكا واسرائيل في ايران كانت كافية للبدء في الدفع قدما بالمرحلة السياسية القادمة التي فيها ستكف فيها اسرائيل عن ان تكون شريكة. في الظروف التي حددتها الولايات المتحدة للحرب في ايران، فان لايديولوجيا سموتريتش المشوبة بها كل الحكومة، لا يوجد أي خيار عدا عن تبني “النصر المطلق” الامريكي. في غزة القصة مختلفة كليا. للمأساة، الحرب في غزة ستستمر بكونها بملكية اسرائيل الحصرية. في هذه الحرب التي فقدت منذ زمن مبررها العسكري، وانتقلت الى المواقع الايديولوجية المسيحانية، فان قرار تحديد متى سيتحقق النصر ليس في يد ترامب، الذي سبق له ومل منه. سموتريتش هو الشخص الذي سيملي على رئيس الحكومة وعلى كل الدولة ما هو النصر ومتى سيتحقق، وهو غير مستعجل.
لانه في اسرائيل، التي بدأت في اجراء حساب للنفس بعد ان تم تحديد جذر الفشل الذريع للجيش والاستخبارات، ما زال النظام قائما كما هو، فهو لا ينوي الاعتراف بالتهمة وتحمل المسؤولية أو حتى التحقيق في اسهامه الجوهري في الكارثة التاريخية التي تسبب بها. النجاح العسكري في ايران يتوقع الآن أن يبعد اكثر عملية تعلم الدروس السياسية، حيث انه لا تجري محاسبة “بطل الحرب” على اخفاقات الماضي. هل هناك نصر اكثر من ذلك؟.
——————————————
هآرتس 25/6/2025
المشكلة الحقيقية هي ان النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ما زال قائما
بقلم: سامي بيرتس
جولة النصر لحكومة نتنياهو في الحرب ضد ايران تشمل تصريحات متغطرسة عن ضمان أمن اسرائيل لاجيال قادمة، وتحقيق السلام والامن والازدهار. أداء الجيش الاسرائيلي والموساد وسلاح الجو الامريكي في ايران يظهر مبهر جدا. ونتائج وتاثيرات هذه الحرب سنراها ونفهمها في السنوات القادمة.
ان تصفية المشروع النووي في دولة معادية لا يعتبر شيء جديد. بيغن قرر تدمير المفاعل في العراق في 1981، واولمرت صادق على تدمير المفاعل في سوريا في 2007. في الحالتين الامر كان يتعلق بحدث واحد وليس حدث معقد بني بالتدريج. ببساطة، نحن استيقظنا في الصباح وسمعنا أنه كان هناك مفاعل وأنه لم يعد موجود. امام ايران هذا حدث مختلف، لأنه بني خلال عقدين وشمل منشآت كثيرة متفرقة ورافقته حملة طويلة وعدد غير قليل من التهديدات والخطابات والضغوط. نتنياهو قرر تدميره فقط بعد الفشل في 7 اكتوبر، الذي تسبب بضرر كبير لردع اسرائيل، وسارع الى عزو الانجاز لنفسه، “مهمة حياتي”، وهو سيلوح به ويضخمه على طول الطريق الى صناديق الاقتراع.
ولكن من يعلن بأن ضرب ايران يضمن وجود اسرائيل لاجيال قادمة، وأنه سيؤدي الى الازدهار والسلام والامن، لا يقول الحقيقة. من اجل تحقيق الامن الحقيقي فانه لا يكفي ابعاد التهديد الايراني، بل هناك حاجة الى حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، الذي جبى عشرات آلاف الضحايا وانزل علينا الكارثة الاكثر في تاريخ الدولة. الانجاز في ايران هو لنتنياهو، والفشل الفظيع في 7 اكتوبر هو له ايضا. هو كان المشكل الرئيسي لسياسة اسرائيل في العقدين الاخيرين. بالنسبة لمؤيديه فان نتنياهو في الساحتين وفر البضاعة: قام بتخريب حل الدولة من خلال تقسيم الساحة الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية. واضر بالمشروع النووي الايراني. ولكن بمفاهيم معظم الجمهور في اسرائيل فان قراره تمويل حماس واعتبارها ذخر، فقد جلب علينا كارثة (حتى لو كان درعي يعتقد أن 7 اكتوبر قد انقذ شعب اسرائيل.
الفجوة بين الانجازات امام اعداء اسرائيل الاقوياء، ايران وحزب الله، وبين الفشل الذريع امام حماس في 7 اكتوبر، سيتم التحقيق فيها لسنوات. ولكن التفسير الاساسي واضح وهو أن اسرائيل ونتنياهو اعتبروا ايران وحزب الله اعداء خالصين، في حين اعتبروا حماس عدو وذخر في نفس الوقت. من جهة، هم يحاربونه ومن جهة اخرى يمولونه ويسمحون له بالتقوي. الفشل العسكري والاستخباري امام حماس ينبع، ضمن امور اخرى، من هذا التشويش الاستراتيجي. عندما تدفع الحكومة قدما وبمباركة بضخ مليارات الدولارات لحماس وتجري معها علاقات مالية مقابل الهدوء فان هذا يؤدي الى التشويش والاستخفاف. اذا اردنا فهم كم هذا مربك فيمكن التقدير كيف كانت تبدو المعركة امام حزب الله وايران لو ان اسرائيل كانت تشجع دول الخليج على ضخ عشرات مليارات الدولارات لها من اجل زيادة قوتها.
ان تحييد تهديد ايران في السنوات القريبة القادمة لا يحل المشكلة الفلسطينية. ومن يقول انه يوفر الان الامن والسلام للاجيال القادمة يجب عليه مواجهة النزاع الذي لم يتم حله مع 5.5 مليون فلسطيني، وحسب توقع البروفيسور سيرجيو ديلافرغولا فانه خلال اربعة عقود سيصل عدد السكان بين البحر والنهر الى 30 مليون نسمة، بالتساوي بين اليهود والعرب.
المس بالمشروع النووي الايراني هو انجاز حاسم، لكنه يبدو مثل مهمة سهلة امام حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. ان توفير السلام والازدهار مع دول الخليج البعيدة، وحتى مع السعودية، هي انجازات مدهشة، لكن الواقع اليومي لمواطني اسرائيل يتأثر وسيتأثر على المدى القصير بالاساس بالعلاقات مع الجيران القريبين. هناك يجب ان تكون الجهود الكبيرة القادمة، وصفقة المخطوفين هي شرط ضروري لتحريك علاج النزاع.
——————————————
معاريف 25/6/2025
ايران هُزمت وترامب سمح لها أن تبقي، هذا “في السر”
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي
تصريحات الرئيس ترامب الغاضبة تجاه الشريك الإسرائيلي الذي وصف هذا الأسبوع فقط بانه الحليف الأكثر ولاءً والذي وضعت انتصاراته البنية التحتية لتدمير منشآت النووي الإيرانية بطائرات “بي 2” الامريكية، ليست اقوالا مفاجئة. العكس هو الصحيح. هي تشكل تعبيرا موجزا عن فهمه للقوة العسكرية كرافعة قوية يفترض أن تؤدي الى خطوة دبلوماسية شاملة بقيادة الرئيس الـ 47.
في تفكير ترامب، الذي يتبنى النهج الواقعي لهنري كيسنجر، فان شرطا مركزيا لنجاح الخطوة العسكرية هو قدرة الطرف المنتصر على وقف القتال قبل أن يهزم العدو نهائيا، وعدم الانجرار وراء الإنجازات في ميدان المعركة. فالرغبة في احداث التصفية التامة للخصم من شأنها أن تدخل الى الساحة لاعبين إضافيين وتؤدي الى تصعيد خطير. نهج “الواقعية السياسية” هذا الذي يسعى الى تنظيم “اللعبة الكبرى” في داخل ميزان قوى يحسن للولايات المتحدة، هو الأرث الأكبر لوزير الخارجية الأسطوري.
توازن ما من اجل السلام
في أواخر حرب يوم الغفران، عندما قلب الجيش الإسرائيلي وجه المعركة وحاصر الجيش المصري الثالث، طلب كيسنجر بحزم من غولدا مائير رفع الحصار. هدد بان تفتح قوات الاسطول السادس الأمريكي مسار انسحاب للجيش المصري المهزوم.
الدافع لهذه الخطوة تجاه إسرائيل – التي هرعت الى نجدتها إدارة نيكسون من خلال قطار جوي قبل وقت قصير من ذلك فقط – نبع من تخوف كيسنجر من أن مسيرة سياسية بين إسرائيل ومصر لن تنجح في ظروف من انعدام تماثل متطرف. استسلام الجيش المصري كان سيجسد حجم الهزيمة المهينة للقاهرة ويشطب، في نظره، النجاحات الأولية للهجوم المفاجيء في حرب يوم الغفران. وقد أتاح هذا في نهاية الامر اتفاق السلام بين القدس والقاهرة، وفرار مصر من الكتلة السوفياتية الى الكتلة الغربية.
هذا النهج ذاته ينطبق أيضا على التفكير الحالي لترامب. رغم ان إسرائيل اضرت جدا البنية التحتية العسكرية لإيران، المشروع النووي والقيادة العسكرية والعلمية لديها، فان نظام آيات الله لا يزال يقف على قدميه. لقد حاولت القيادة الإيرانية أن تسوق لشعبها المعركة كقصة بطولة حتى حيال القصف الأمريكي في فوردو. الرد الإيراني – اطلاق صواريخ قليلة على قاعدة أمريكية في قطر – كان رمزيا وعديم القيمة العسكرية، لكنه سمح لطهران بان تعرض في الساحة الداخلية صورة نصر وهمي لداوود امام جوليات.
المصلحة العامة تغلبت
هامش الهبوط المصطنع والسخيف الذي خلقته ايران عن نتائج المعركة سمح لها بان توافق على وقف النار دون ان تعترف بالاستسلام. وشعر البيت الأبيض بالتزام لمنع رد إسرائيلي على الخروقات الإيرانية كي يمنع التدهور او الاتساع للحرب بشكل يعرض للخطر الرؤيا الدبلوماسية الكبرى للرئيس عن الاستقرار الإقليمي، وهذه المصلحة تغلبت على تقديره وتماثله مع الخطوة العسكرية الإسرائيلية.
بالنسبة لاسلوبه الفظ تجاهها، ترامب لم يتميز ابدا بلسان حساس ومنضبط، وان كان يمكن الافتراض بانه بعد استسلام رئيس الوزراء للضغط الرئاسي واكتفائه برد طفيف جدا سيطلق ترامب نغمات أخرى لطيفة اكثر على الاذن الإسرائيلية.
بعد كل شيء، لا ينبغي أن ننسى: كيسنجر أيضا، رجل هارفرد المتمرس وطليق اللسان، كان فظا جدا عندما اعترف بانه “مارس كل الأدوات وروافع الضغط التي كانت تحت تصرفه”، كي يجبر إسرائيل على رفع الحصار عن الجيش المصري الثالث، هكذا بحيث أنه من هذه الناحية على الأقل لا جديد تحت الشمس.
——————————————
هآرتس 25/6/2025
الامريكيون والايرانيون سيستأنفون التفاوض وسيتم استئناف محادثات اسرائيل وحماس
بقلم: حاييم لفنسون
الرئيس الامريكي دونالد ترامب يواصل كتابة ببث حي ومباشر قوانين الدبلوماسية الجديدة. لم تعد توجد اوراق تنتقل من جانب الى آخر ولا أحد يعرف ما المكتوب فيها. هذه تغريدات علنية بحروف كبيرة. لم نعد بحاجة الى مجلس الامن، توجد لدينا “الحقيقة الاجتماعية” للرئيس. بين اسرائيل وايران لم يتم التوقيع على وقف اطلاق النار. يوجد تفاهم بين الطرفين، مدعوم بتغريدات علنية للرئيس الامريكي. هو الوسيط وهو الحكم وهو الذي يقول الكلمة الاخيرة.
ترامب لم يكن متحمس للمشاركة في الحرب من البداية. هدفه كان أن يضرب ويقطع الاتصال وينهيه قبل أن تتحول الى حرب طويلة تجر اليها دول الخليج وتعرض للخطر اسعار النفط. منذ اللحظة التي تمت فيها مهاجمة المنشأة في فوردو بدأ العد التنازلي لوقف اطلاق النار. بهذا المعنى الرهان نجح. اسعار النفط انخفضت 8 في المئة أمس بعد الرد الوهمي على الولايات المتحدة في قطر، وهي تستمر في الانخفاض في التعاملات المبكرة حتى كتابة هذه السطور. لقد زال الخطر عن الاقتصاد الامريكي.
حسب مصدر سياسي اسرائيل فانه من اللحظة الاولى طلب ترامب ورجاله حصر الحرب في القضاء على المشروع النووي، ولم يكن لهم أي مصلحة في تقويض نظام الحكم والخطط الاخرى التي وضعها يسرائيل كاتس وغيلا غملئيل. بعد مهاجمة المنشأة في فوردو دخلت الى الصورة قطر، شريكة ايران في حقل الغاز الاكبر في العالم، وضغطت عليها من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار وتقليص الخسائر وانهاء الحرب. وحتى أن القطريين تطوعوا لـ “استضافة” الهجوم الايراني في قاعدة العديد، الذي في الواقع كان غير مهم للجيش الامريكي، لكنه شوش حركة الطيران في الدوحة، التي هي احدى المصالح التجارية الرئيسية للحكومة القطرية.
وقف اطلاق النار تم الاتفاق عليه في نهاية المطاف في اطار “احادي الجانب منسق”. ترامب ابلغ الطرفين عن وقف النار وهو يمسك بيده سوط تغريداته “من سيخرق سيتلقى تغريدة على رأسه”. الى جانب ذلك لا يوجد بين الطرفين أي تفاهمات حول ما سيأتي، فقط وقف اطلاق النار. اضافة الى ذلك في الايام القريبة القادمة الولايات المتحدة وايران وقطر، الشريكة الجديدة في المفاوضات، سيعودون لمناقشة الاتفاق الدائم حول الموضوع النووي. اثناء الحرب المبعوث الامريكي الخاص ستيف ويتكوف حافظ على الصمت بصفته الشخص الذي واصل الاتصال المباشر مع كبار القادة في ايران. الآن استمرار المفاوضات ليس من شأنه ان يكون معقد جدا. ايران تم ضربها ولم يبق من المشروع النووي الكثير. لا يوجد لديها الكثير للتمسك به باستثناء كرامتها. في المقابل يوجد لها الكثير مما تكسبه، الاستسلام الذي الى جانبه سيأتي رفع العقوبات وترميم الاقتصاد واوكسجين للنظام.
في موضوع الصواريخ البالستية القصة معقدة اكثر. فالادارة الامريكية لم تقل حتى الآن أي كلمة حول هذا الموضوع، الذي هو حسب نتنياهو احد اهداف الحرب الرئيسية والسبب الرئيسي في اندلاع الحرب. في السابق عارضت ايران أي نقاش حول ترسانة الصواريخ، لأنها لم تعتبرها جزء من المشروع النووي (رغم أنه يمكن تركيب رأس نووي على هذه الصواريخ). في اسرائيل يخشون من أنه بدون النووي، فان ايران التي سيتم ترميمها ستستثمر جهود كبيرة في ترميم الترسانة التي شاهدنا تدميرها، وهو حدث تكنولوجي اسهل بكثير من تركيب رأس نووي متفجر. في اسرائيل يأملون أن تساعدهم الولايات المتحدة في ذلك، ولكن من غير الواضح كم هو اهتمام الادارة الامريكية بهذا الموضوع.
في نفس الوقت، عند انتهاء الحرب يمكن للمفاوضات بين اسرائيل وحماس أن يتم استئنافها بشكل كثيف أكثر من اجل اطلاق سراح المخطوفين ووقف اطلاق النار الدائم في قطاع غزة. بالنسبة للادارة الامريكية فانه بمهاجمة فوردو فقد صنعت معروف كبير لاسرائيل، وثمن ذلك ستجبيه في المستقبل. هذا يمكن أن يجد التعبير في استخدام الضغط على اسرائيل من اجل انهاء الحرب في غزة ايضا.
دبلوماسي خليجي قال لـ “هآرتس” أمس: “لقد تلقوا رسائل من الامريكيين بأنه يجب انهاء هذه القضية والتوقف عن نقل الاوراق”. في السابق ناقش القطريون والامريكيون فكرة أن يتم بشكل علني طرح اطار لوقف اطلاق النار واتفاق دائم في القطاع وفرضه على الطرفين. من غير المستبعد أن هذه الفكرة ستعود الى طاولة المفاوضات.
ايضا نتنياهو يدرك أن الموضوع التالي بالنسبة للولايات المتحدة واصدقاءها في الخليج هو انهاء الحرب في غزة. أمس نشرت دفنه ليئال في “اخبار 12” بان نتنياهو يستعد لـ “انتخابات خاطفة”. في اسرائيل لا توجد أي امكانية لانتخابات خاطفة، بل توجد لجنة انتخابات مركزية فاشلة وبطيئة، لكن التهديد ياتي ايضا للوزراء بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، ليقول لهما: “أنتما فقدتما الورقة”. هما المتضرران الرئيسيان من الحرب الناجحة في ايران. قاعدة وجودهما الاساسية، “حماية نتنياهو من اليمين”، لم تصمد امام اختبار هذه الحرب. الهالة ذهبت الى نتنياهو، وفي الاستطلاعات نشاهد مقاعد تنتقل من بن غفير لليكود، الامر الذي يعطي نتنياهو هامش كبير للمناورة، سواء انهاء الحرب في غزة أو امكانية الذهاب الى الانتخابات مع بطاقة فوز على الاعداء وليس الخضوع للحريديين.
——————————————-
يديعوت احرونوت 25/6/2025
إلى اين يسير نتنياهو؟
بقلم: يوفال كارني
هذا على ما يبدو ليس صدفة، لكن في الظهورين العلنيين لرئيس الوزراء في الأيام الثلاثة الأخيرة، رأينا نتنياهو آخر. في المؤتمر الصحفي الذي اعد على عجل على الزوم وكذا الخطاب الذي القاه أمس الى الامة بعد نهاية الحرب مع ايران، غير نتنياهو الاتجاه. وهذا على ما يبدو مخطط له ومفكر به.
لأول مرة منذ حرب الأيام الستة حظيت “حرب الـ 12 يوما” باجماع لم يكن له مثيل في المجتمع الإسرائيلي. الحظوة في معظمها تعود الى رئيس الوزراء. فلئن كان ممكنا محاولة الدخول الى رأس نتنياهو يمكن الافتراض انه لا يريد أن يضيع هذا الإنجاز وهذه اللحظة الموحدة كي يعود الى خطاب الامس. في المؤتمر الصحفي يوم الاحد كان نتنياهو في مزاج آخر: لم يهاجم الاعلام (أخيرا)، حرص على ان يجيب الصحافيين باسمائهم الخاصة، ان يشرح ويفصل، كمن يريد أن يثبت بان شيئا ما فيه صادق. نتنياهو ببساطة ادار حوارا موضوعيا مع وسائل الاعلام.
امس تعالى نتنياهو على نفسه حتى اكثر من ذلك. ففي خطاب أجمل حملة “شعب كاللبؤة” وزع الحظوات بوفرة لكل المشاركين في الخطوة اللامعة تجاه ايران (نتنياهو السابق درج على أن وزع “الحظوات” اساسا على من كان برأيه شريكا في الاخفاقات والقصورات”، أبدى عطفا على عائلات المخطوفين، عانق بحرارة الجمهور الإسرائيلي الذي وقف بشجاعة وتصميم امام هجمات الصواريخ الإيرانية وبدا اكثر إنسانية ودفئا، فنيا اقل. زائفا ومصطنعا اقل. من كان يصدق – نتنياهو يوحد الشعب.
نجح نتنياهو في أن ينهض من اخفاق 7 أكتوبر (الذي رفض أن يأخذ عنه المسؤولية)، ويعود للدور الذي رآه امام ناظريه: درع أمن إسرائيل. هل نجح في ذلك من السابق لاوانه أن نعرف، لكن نتنياهو بالتأكيد أعاد الى نفسه بضع نقاط استحقاق منذ القصور الأكبر.
توجد امكانيتان: إما ان يكون نتنياهو قد فهم حقا عظمة الساحة وقرر تغيير الاتجاه وربما نتنياهو السياسي الذي لا يقل ولا يمل يمهد التربة لخطوة سياسية دراماتيكية: تقديم موعد الانتخابات (فهو يوجد منذ الان في الحملة) او اعتزال الحياة السياسية وهو في الذروة، على فرض انه حتى نهاية الولاية سيغلق الزاوية الدامية للحرب في غزة ويقود إسرائيل الى اتفاقات سلام إضافية. اذا كان سينجح في مهمة حياته، فلماذا لا يتنافس على الاطلاق؟ أليس من الافضل النزول عن مسرح التاريخ وهو في الذروة.
الجمهور المنقسم في إسرائيل كان يفضل بالطبع الامكانية الأولى: نتنياهو غير الاتجاه. روح النصر دفعته لان يحيد أصوات الضجيج حوله وان يكون من الان فصاعدا رئيس وزراء الجميع.
لكن يوجد أيضا خيار ثانٍ وهو أن كل هذا هو مجرد لعبة سياسية باردة ومغتربة. الساحر السياسي يستعد للانتخابات كي يجني الأرباح عن المعركة ضد ايران. من يدري اذا كانت أيام ملائمة اكثر لاجل تثبيت حكمه. نتنياهو يبث الان طاقات حملة انتخابية: في حالات الظهور الإعلامي، في الزيارات لمواقع سقوط الصواريخ وفي بسطة الفلافل. وهو يفعل ما يعرف كيف يفعله اكثر من أي شيء آخر: تسويق نتنياهو من جديد.
—————————————–
هآرتس 25/6/2025
هكذا فشل تصور ايران، ما الذي يجب أن تتعلمه اسرائيل من ذلك
بقلم: اوري بار يوسف
الهجوم المفاجيء الذي قامت اسرائيل بشنه على ايران في 13 حزيران هو الحلقة الثالثة في سلسلة المفاجآت الاستراتيجية في الحرب الاقليمية المستمرة منذ عشرين شهر تقريبا. الحلقة الاولى كانت هجوم حماس في 7 اكتوبر، الذي حظي بنقاش واسع. الثانية، التي لم تحصل حتى الآن على الاهتمام الكافي هي المفاجأة التي حصل عليها حزب الله. لاسباب غير معروفة حتى الآن تمسك حسن نصر الله حتى اللحظة الاخيرة بايمانه أن اسرائيل ما زالت تعمل حسب قواعد اللعب المتبعة هنا خلال سنوات، وامتنع عن استخدام منظومة صواريخه حتى بعد تحييد آلاف اعضاء حزب الله في عملية “البيجرات”، وتدمير سلاح الجو الاسرائيلي لجزء كبير من ترسانة الصواريخ والقذائف في عملية “اسهم الشمال”. مفاجأة حسن نصر الله وصلت الى الذروة، كما يمكن الافتراض، عند تصفيته هو وقادة التنظيم في الحصن في بيروت.
الحلقة الثالثة في سلسلة المفاجآت كانت من نصيب قيادة ايران في 13 حزيران. في الحقيقة لا توجد حتى الآن تفاصيل كثيرة عن مستوى الاعداد للضربة الاسرائيلية المفاجئة، ولكن حقيقة ان الكثير من قادة الجيش، الحرس الثوري، علماء الذرة، تمت تصفيتهم في الدقائق الاولى تشكل الدليل الواضح على عامل المفاجأة.
السؤال هو لماذا زعماء ايران، الذين منذ سنة أو اكثر كان يمكنهم تعلم من تطورات مختلفة نقاط ضعفهم المتراكمة في المواجهة مع اسرائيل، وانهم في الايام التي سبقت اندلاع الحرب حصلوا على معلومات مكشوفة، ويبدو ايضا سرية، عن نية اسرائيل للمهاجمة، ولم يتخذوا خطوات الاستعداد بالحد الادنى المطلوب؟ لماذا مثلا، بعد عدد غير قليل من التصفيات التي نفذتها اسرائيل وكثير منها في ايران نفسها، لم تهتم القيادة بنقل كبار القادة والاشخاص الى اماكن آمنة؟ سيقال على الفور: ليست لدينا المعلومات المطلوبة من اجل اعطاء اجابة مقنعة على هذه الاسئلة. ولكن هناك ما يكفي من المعلومات التي تشير الى انه في اساس فشل ايران كان يقف نموذج تفكير خاطيء، وهو نفس النموذج الذي أدى الى المفاجأة الاستراتيجية لكل من تعرض الى هجوم مفاجيء منذ بداية الحرب العالمية الثانية: اعتقاد متخذي القرارات بأنهم يخيفون العدو، لذلك هو لن يشن الحرب.
هذا كان نموذج التفكير لستالين عشية الهجوم الالماني المفاجيء على الاتحاد السوفييتي في حزيران 1941. ونموذج الادميرالات الامريكيين قبل الهجوم الياباني المفاجيء في بيرل هاربر بعد نصف سنة. ونموذج تفكير الجنرال داغلاس ماك آرثر الذي قاد قوات الامم المتحدة في كوريا قبل الهجوم الصيني في نهاية 1950. ونموذج تفكير متخذي القرارات في اسرائيل قبل الهجوم في عيد الغفران في 1973. ونموذج هجوم حماس في 7 اكتوبر. ونموذج تفكير حسن نصر الله قبل الضربة القاضية التي وجهتها اسرائيل له في ايلول 2024.
كل الدلائل تشير الى أن هذا النموذج مناسب ايضا لاحداث 13 حزيران 2025. القيادة الايرانية تفاجأت لأنها تمسكت حتى اللحظة الاخيرة باعتقادها الاساسي أن اسرائيل ستخشى من المهاجمة، رغم تراكم المؤشرات على أن هذا الاعتقاد لم يعد ساري المفعول.
من اجل فهم فشل ايران في فهم الواقع توجد اهمية، التي ليست مجرد اكاديمية. مناخ الغطرسة والثقة بالنفس الذي بدأ يتفشى في اسرائيل، بما في ذلك في الاستخبارات والجيش، التي ظهر انها تحررت بمرة واحدة من صدمة الكارثة في 7 اكتوبر، الامر الذي من شأنه ان يولد ثقة عمياء بقدرة ردع اسرائيل في المستقبل ايضا. ولان هذه بالضبط هي البيئة التي فيها يتم زرع بذور فشل الانذار القادم فمن الجدير تعلم ما الذي حدث هناك من اجل منع الكارثة القادمة التي يمكن ان تحدث هنا.
نقطة انطلاق هذا الفهم هي العنوان الذي كان مكتوب على الحائط منذ سنوات كثيرة. قصف المفاعل في العراق في 1981، “عقيدة بيغن”، التي بحسبها اسرائيل لن تسلم بوجود سلاح نووي في أي دولة معادية. وتدمير المفاعل السوري في 2007، وهي الامور التي نقشت عنوان واضح. الخوف من القنبلة الايرانية، الذي كان احد دوافع اسحق رابين للتقدم نحو حل مع الفلسطينيين، والحرب السرية التي تجري منذ 25 سنة بهدف تاخير تطويرها، وجدت التعبير في تصميم اسرائيل على منع نظام آيات الله من التوصل الى القدرة النووية. خلال ذلك تم الكشف عن امكانية اختراق وضعف المخابرات الايرانية التي فشلت مرة تلو الاخرى في المواجهة مع العمليات الاسرائيلية.
في هذا الاطار بدأت احداث حرب 7 اكتوبر تتدحرج. في الواقع ب هذه الحرب بدأت باظهار ضعف استخباري وعملياتي اسرائيلي خطير، لكن كان يجب على النظام في ايران ادراك الخطأ الناشيء منذ نيسان 2024، عند فشل الهجوم الكبير بالصواريخ الذي شنته ضد اسرائيل. كان يجب أن يكون هذا الفشل درس لقادة ايران الذين تعتبر قدرتهم على ردع اسرائيل من خلال هجوم واسع من الاراضي الايرانية محدودة جدا. كان ينبغي أن يكون فشل هجوم الصواريخ الثاني بعد ستة اشهر تقريبا قد عمق هذا القلق.
مع ذلك، في مركز التهديد الردعي ضد اسرائيل لم يكن هناك قدرة الاطلاق من ايران، بل الترسانة البالستية الضخمة التي بناها حزب الله في لبنان. عشية الحرب هذه الترسانة كانت تشمل 150 ألف صاروخ تقريبا، بينها بضع عشرات آلاف الصواريخ كانت تحمل رؤوس متفجرة بوزن نصف طن، وكانت قادرة على ضرب مركز البلاد. نتائج الدمار الذي يمكن ان تحدثه هذه الصواريخ نحن نشاهده في الضربات الضئيلة للصواريخ التي اطلقت من ايران منذ 13 حزيران. الدمار الذي كان يمكن لحزب الله أن يتسبب به كان سيكون أكبر بعشرات الاضعاف، وبصورة ما كان يكتنفه خطر شبه وجودي على دولة اسرائيل. في الحسابات الاستراتيجية الايرانية هذا التهديد – ليس حماس أو الحوثيين أو المليشيات الشيعية في العراق – كان الورقة الاساسية التي تم اعدادها لردع اسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية.
سلسلة العمليات المدهشة التي قامت بها اسرائيل من اجل ازالة عن جدول الاعمال زبانة التهديد الذي شكله حزب الله ترك ايران في تشرين الاول 2024 بدون عامل الردع الاكثر اهمية ضد الهجوم الاسرائيلي. واضيف الى ذلك ايضا اسقاط نظام الاسد الذي هدم لبنة اساسية في المحور الشيعي، ومهد مسار نقي من التهديد امام سلاح الجو في طريقه للمهاجمة في الشرق.
في هذه المرحلة بدأت الساعة تتكتك بشكل اكبر. الاستعداد للهجوم الشامل تم تسريعه، وفي الطرف الايراني تم تسريع التقدم في المسار النووي، وتم البدء في بناء ترسانة صواريخ ضخمة لتحل محل التي فقدها في لبنان. في السباق الذي حدث كان لاسرائيل افضلية بفضل الخيار الذي بنته خلال سنوات، والآن هي بحاجة فقط الى التطوير. من غير الواضح كم ستحتاج ايران من الوقت من اجل التوصل الى القدرة النووية العملياتية – هذه النقطة مختلف عليها بين المخابرات الامريكية والاسرائيلية. ولكن من الواضح أنه من اجل زيادة ترسانة الصواريخ فهي تحتاج الى بضع سنوات. هذه الفجوة في الجدول الزمني، التي كانت فيها ايران مكشوفة امام ضربة بدون رد ردعي موثوق بما فيه الكفاية، كان يجب أن تعزز الشعور بالحذر في طهران. لا توجد أي ادلة على أن هذا حدث حقا.
دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض وضع فيه رئيس خلافا لاسلافه لم يستبعد كليا الخيار العسكري. في المقابل، تقلبه المعروف خلق امكانية أنه حتى لو اعطى الضوء الاخضر للهجوم، فانه يمكن ان يتراجع بدون أي مشكلة. بالنسبة لايران ترامب يعتبر ربما اخطر من اسلافه، لكن استعداده المفاجيء لاجراء المفاوضات المباشرة فتح ثغرة امامها من اجل كسب الوقت الذي يمكنها من التوصل الى قدرة عسكرية متقدمة أو التوصل الى اتفاق معقول. يبدو ان الاهتمام القليل اعطي في طهران للفجوة بين الجدول الزمني الذي وضعه ترامب نتيجة نفاد صبره الصبياني وبين اسلوب المفاوضات الايرانية، فيه البعد الزمني اكثر مرونة بكثير.
يمكن الافتراض انه لو ان متخذي القرارات في ايران يدركون ان النجوم انتظمت في صالح الخيار العسكري لكانوا اتبعوا اسلوب اكثر حذرا في الاستعداد لمواجهته، وفي موازاة ذلك كانوا سيذهبون بعيدا في المفاوضات من اجل ارضاء ترامب. حقيقة انهم لم يفعلوا ذلك عكست العمى الذي اصابهم. نفس العمى ايضا منعهم من فهم الاهمية العملية لتقارير وسائل الاعلام عن اعداد اسرائيل للهجوم، وعملية اخلاء الامريكيين. هذه الخطوات تذكر بعملية الاخلاء الطارئة لعائلات السوفييت من سوريا ومصر عشية حرب يوم الغفران، التي شكلت الدليل الواضح على اقتراب الحرب.
ربما ان عملية الخداع التي بواسطتها جرت محاولة لخلق صورة غير حقيقية وكأنه يوجد فيتو امريكي على هجوم اسرائيل، لعبت دور في خلق هذا العمى. ولكن ما يفسره اكثر من أي شيء آخر هو تمسك ايران بالاعتقاد أنها تواصل ردع اسرائيل. هذا الاعتقاد، كما يبدو، كانت له عدة عوامل.
العامل الرئيسي فيها هو الايمان بنجاعة قدرة الردع الايرانية، رغم انها تآكلت بشكل كبير بسبب سلسلة الاحداث التي بدات في حزيران 2024. ربما ان الايرانيين آمنوا بان الرد بضربة تتكون من الف صاروخ سيردع اسرائيل عن شن الحرب اذا عرفت ذلك، أو مواصلتها. واضيف الى ذلك سوء تقدير للقدرة العملياتية الاسرائيلية رغم الضربات التي اوقعها سلاح الجو في منظومة الدفاعات الجوية ومنشآت انتاج الصواريخ في تشرين الاول 2024، وتدمير اساس قوة حزب الله خلال بضعة ايام. دور مشابه لعبه الاعتقاد بان مناعة المنظومة النووية في ايران تضمن ان اسرائيل لن تستطيع تدميرها بالكامل. من المرجح ان الايرانيين ايضا عولوا على ان اسرائيل تدرك التهديد الذي بحسبه الهجوم يمكن أن يسرع، وليس تأخير، الطريق الى انتاج القنبلة. في نهاية المطاف، طوال الطريق ايران افترضت ان اسرائيل لن تهاجم بدون “الضوء الاخير” الامريكي. وفي الفترة الاخيرة قدروا كما يبدو أن امريكا لن تعطي هذا “الضوء الاخضر” طالما ان المفاوضات مستمرة.
العمى الذي منع كبار القادة في ايران من فهم انهم يتعرضون لتهديد خطير يمكن ان تكون له مصادر اخرى. الثقافة الاستراتيجية الايرانية التي يحركها حلم الخلاص، وذكرى تاريخية تمتد لمئات السنين، والتفكير للمدى البعيد، كل ذلك ادخل بعد غير عقلاني لعملية اتخاذ القرارات وقلص وزن التهديد الفوري والحاجة الى العمل بسرعة لمواجهته.
ان متلازمة التفكير الجماعي، العامل المعروف جيدا للتمسك بالتصور الخاطيء، لعبت هي ايضا دورها. القيادة العليا العسكرية التي تمت تصفية معظمها، تشكلت من الضباط الذين شبكة العلاقات بينهم بنيت منذ الحرب بين ايران والعراق وادت الى خلق مجموعة ضغط، التي تاثيرها كان يتجاوز حدود الجيش. الديناميكية التي توجد في هذه المجموعة، خاصة اثناء ضائقة، تحتاج الى تماسك اكبر حول العلم وتقليل التشكيك في النظريات القائمة. يضاف الى ذلك آليات اخرى مثل متلازمة “الذئب، الذئب”، التي اساس ضررها يكمن في تآكل عتبة الانذار في مواجهة التهديد المتكرر. لقد كان هجوم اسرائيل على المنشآت النووية مطروح على جدول الاعمال منذ سنوات، وحقيقة أنه لم ينفذ حتى 13 حزيران ساهمت في تاثيره. في كل فشل تاريخي كهذا يكون لاخطاء التقدير للمسؤولين في النظام وزن ثقيل واحيانا يكون حاسما.
حتى الآن لا توجد معلومات كافية عن ذلك، لكن من المؤكد أنها ستظهر في المستقبل. ومهما كانت اسباب فشل ايران فان منظومة الدفاع الاسرائيلية يجب ان تفحص جيدا ليس فقط لماذا نجحت في المعركة ضد ايران، بل ايضا لماذا فشلت ايران. عملية تعلم كهذه لن تشكل البديل عن لجنة التحقيق الرسمية التي يجب ان تحقق في احداث 7 اكتوبر، وتحقيقات مهنية اخرى في الحرب في غزة. ولكن التعلم من اخطاء الاخرين يمكن ان يساهم في تقليص الخطر الذي ينطوي على تقديرات خاطئة، التي يمكن ان نقوم بها في المستقبل. هذه التقديرات يوجد لها ثمن باهظ، لذلك فانه من المهم فعل ذلك.
——————————————
معاريف 25/6/2025
يا نتنياهو كن ترامب
بقلم: بن كسبيت
يا نتنياهو، كن ترامب. لم يفت الأوان بعد. تعلم من الرئيس الأمريكي غير المتوقع الذي سار ضد اغلبية قاعدته، تجاهل الحركة التي أقامها هو نفسه (MAGA)، استخف بيانون مغيل وبردوغو خاصته (تاكر كرسلون وستيف بانون)، واتخذ القرار السليم: قصف مواقع النووي الإيرانية.
إذ أحيانا هناك حاجة ببساطة للقيام بالفعل الصائب. ترامب فعله. اذا كان ترامب يمكنه أن يفعل هذا، فانت أيضا يمكنك أن تفعل هذا. عليك ان تضع حدا، هنا والان، للحرب الزائدة في غزة. افضل أبنائنا يسقطون هناك الان، لاجل ماذا؟ استمرار “تدمير البنى التحتية”؟ أتصدق نفسك؟ أتسمع نفسك؟ موت هؤلاء المقاتلين “يعود” لك. لك مليء مليء. كيف يحصل انك تغلق الحرب في ايران دون “نصر مطلق”، تغلق الحرب ضد حزب الله دون “نصر مطلق”، تعلن ان إسرائيل ستواصل مهاجمة ايران ولبنان حتى بعد أن انتهت الحرب في كل زمان ترغب فيه في ذلك، لكن فقط في غزة، بسبب ما، هذا غير ممكن؟ فقط في غزة يجب القتال حتى الحماسي الأخير، النفق الأخير، الصاروخ الأخير. لماذا؟
غزة، التي العدو المصاب فيها تلقى منا ضربة قاسية اكثر باضعاف مما تلقاه حزب الله، مما تلقته ايران. غزة، التي الخطر المحدق منها على إسرائيل الان صفر بالنسبة للخطر من ايران او حزب الله، العدوين المريرين اللذين تلقيا ضربات قاضية اقل بكثير.
حتى متى ستبقى رهينة أنباء كذب مسيحانيين كايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش؟ قدت نصرا تاريخيا على ايران، قدت نصرا تاريخيا على حزب الله، فلنراهم يسقطونك الان، هذين البطلين الوهميين.
المخطوفون في غزة لن يبقوا على قيد الحياة لزمن طويل آخر. انت تعرف، يا نتنياهو، انه بخلاف ما يثرثر به ابواقك، توجد صفقة على الطاولة. هي بسيطة: نهاية الحرب، تحرير كل المخطوفين. ماذا بعد ذلك؟ بعد ذلك نواصل الهجوم على كل ذرة شبكة إرهاب، كل ذيل صاروخ دمية. احد لن يتمكن من أن يمنعنا عن ذلك، بالضبط مثلما لا يمنعنا من الهجوم في لبنان وفي سوريا. ولن يسمح أي رئيس وزراء إسرائيلي في الحاضر او في المستقبل بتعاظم آخر في غزة. هذه القصة انتهت. هذه باتت خلفنا. هذا لن يحصل بعد اليوم. انت تعرف هذا، فانت الذي جلبته علينا. وانت تعرف بان هذا لن يحصل مرة أخرى بعد اليوم.
ولئن كنا نتحدث عن الزعامة، فاني أتوجه اليك هنا للمرة الثالثة منذ بدأت الحرب على ايران: الفرصة لا تزال هنا. النافذة لا تزال مفتوحة. الباب لم يغلق بعد. يمكنك أن تصلح. يمكنك أن تتحول من زعيم يمزق، يفرق، يقسم ويثير الشقاق اكثر من أي زعيم آخر في تاريخنا. الى زعيم يصلح. انهِ الحرب في غزة، اتفق مع المعارضة على موعد انتخابات للسنة القادمة، شكل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في 7 أكتوبر. ادعُ أحزاب المعارضة الصهيونية الى حكومة وحدة، أقر قانون تجنيد حقيقي ومتساوي. الغِ عربدة يريف لفين وروتمان. بدلا من هذا شكل محفلا محترما، مهنيا، يضم خبراء من كل الأطراف ويجلب الى الكنيست مشروع قانون محترم لاصلاحات في جهاز القضاء.
يوجد ما يمكن إصلاحه هناك، لكن ما تفعلونه هو الهدم والتخريب. ولا، اختيار القضاة في إسرائيل لا يمكنه أن يكون سياسيا. في دولة بلا دستور وبلا توازنات وكوابح، بلا مجلسي نواب وبلا ثلاث سلطات (الحكومة تسيطر على الكنيست أيضا)، لا يمكن أن تختاروا القضاة ايضا.
اذا فعلت كل هذا، يا نتنياهو، ستدخل التاريخ حقا. يمكنك أن تعرض، الى جانب ذنبك الواضح وغير القابل للمحو في كارثة 7 أكتوبر، الإصلاح الكبير. يمكنك أن تعود لتكون الإصلاحي، وتبدأ في أن تحيك من جديد، بابرة دقيقة، كل ما مزقته في المناعة الداخلية وفي تركيبتنا الخاصة والحساسة.
هذا ليس متأخرا بعد. هذا موضوع هناك، الى جانبك. استخف بالصارخين ومزمري المسيحانية وقم بالفعل الصائب، وذلك لانك تعرف، اكثر منا جميعنا بانه صائب.
——————————————
هآرتس 25/6/2025
هزمتك حماس فانطلقت لإيران.. لنتنياهو: هل سمعت بـ “نكتة النووي”؟
بقلم: شلومو زند
كل يوم يمر يثبت وهج المقولة “الوطنية هي الملاذ الأخير للوغد”. منذ 13 حزيران، اليوم الذي هاجمت فيه إسرائيل إيران، حصلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو على موجة تعاطف من كل الطيف اليهودي في إسرائيل، وحتى من الخارج. كل منتقدي نتنياهو أدوا له التحية على جرأته وعزيمته. جميع اليئيريين، سواء كانوا معتدلين أكثر أو متطرفين أقل، اعتبروا عملية “شعب كالأسد” رداً مناسباً على التهديد الإيراني.
كما هو معروف، لم يكن هناك استفزاز مباشر من قبل إيران يستدعي هجوم إسرائيل، ولا دليل على أن النظام في إيران نفذ مؤخراً قفزة كبيرة نحو السلاح النووي. المعروف أن نتنياهو يحلم بالحرب ضد إيران منذ سنوات. انتظر الوقت المناسب لتحقيق هذا الحلم. وقد حان الوقت عندما تبين له أخيراً بأن “النصر المطلق” في غزة، الذي كرر التنبؤ به منذ بداية الحرب، لا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب. قتله لعشرات آلاف الغزيين المدنيين بلا أي شفقة لم يساعد في هزيمة حماس. والجيش الإسرائيلي يسقط، والمخطوفون البائسون ما زالوا هناك، والشعور بالمرارة يتعاظم في إسرائيل.
ها هو الزعيم قد جاء بالخلاص. الهجوم على إيران وحد الشعب المنقسم. يحظر على أي جهة في الشرق الأوسط امتلاك سلاح نووي، أما لنا فمسموح (حسب منشورات أجنبية) لأن لدينا نظاماً ديمقراطياً يعيش بسلام مع جيرانه ويعترف بالحقوق الأساسية والمساواة. في المقابل، النظام الإيراني ديكتاتوري، يقمع مواطنيه بقسوة. لا أعرف إذا كان النظام في إيران أكثر اضطهاداً واشمئزازاً من النظام السوفييتي في 1949، عندما أجرى ستالين تجربته النووية الأولى.
لكن الوضع الحالي يذكرني بتسخين أجواء الحرب الباردة، التي سممت كل السياسة في الخمسينيات. الكثير من الأمريكيين آمنوا أن السلاح النووي لدى الاتحاد السوفيتي سيؤدي إلى حرب عالمية فظيعة، حيث إن السوفييت شجعوا وسلحوا جميع قوى “الوكلاء” ضد الولايات المتحدة، بدءاً بالأحزاب الشيوعية وانتهاء بالحركات المناهضة للكولونيالية.
لكن الواقع كان مختلفاً كلياً؛ فورثة ستالين حرصوا على منع انتشار السلاح النووي. وفي 1962، ذروة الصراع بين الكتلتين، تبين أنهم أكثر مسؤولية من الأمريكيين عن كل ما يتعلق بمنع الحرب النووية بين الدولتين العظميين.
السياسة السوفييتية الثابتة التي خشيت من انتشار السلاح النووي كانت أحد العوامل الرئيسية في الانشقاق في نهاية الخمسينيات بين الاتحاد السوفييتي والصديقة المقربة، الصين الشيوعية. ماو غضب من رفض الاتحاد السوفييتي تسليح جيشه بالسلاح النووي، والصين نجحت في الحصول على هذا السلاح بقواها الذاتية في 1964. وللدهشة، نظام ماو الديكتاتوري والقمعي، بدرجة لا تقل عن النظام السوفييتي، امتنع عن انتشار السلاح النووي. الادعاء المشهور القائل بوجود صلة بين النظام الديكتاتوري والمغامرة العسكرية – الافتراض الذي وضعه النظام الفاشي في إيطاليا والنظام النازي في ألمانيا –لا أساس له. الدولة الوحيدة في القرن العشرين التي استخدمت السلاح النووي ضد المدنيين هي الدولة التي اعتبرت الدولة الأكثر ليبرالية في العالم. فرنسا الديمقراطية هي التي بدأت في تسريب السلاح النووي إلى الشرق الأوسط. في الحالتين، هذه العملية لم تكن ضرورية، والحالة الأخيرة مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الخطير الذي نعيشه الآن.
مفهوم “الغموض النووي” الذي وضعته إسرائيل أصبح نكتة منذ زمن، وكل عاقل في الشرق الأوسط يعرف أن إسرائيل تعتقد أنها يجب أن تكون الدولة الوحيدة التي لها (حسب منشورات أجنبية) هذا الامتياز. وسبب عدم مهاجمة إيران أي دولة غير مهمة في المئة سنة الأخيرة، فلأنها قد تفعل ذلك؛ ولهدا الادعاء، انضم ترامب إلى “صديقه” نتنياهو وأشرك الولايات المتحدة في المواجهة العسكرية.
هذه ليست المرة الأولى التي يشجع فيها رئيس أمريكي على مهاجمة إيران. ففي الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، التي قتل فيها حوالي مليون شخص، أيدت الولايات المتحدة صدام حسين ووفرت له معلومات استخبارية عن إيران، وحتى أنها نقلت إليه السلاح الكيميائي الذي استخدمه. المفارقة هي حقيقة أن النزاع الذي اندلع فيما بعد بين الصديقتين سابقاً، أدى في 2003 إلى غزو الجيش الأمريكي للعراق واحتلاله، بهدف تحييد سلاح الدمار الشامل الذي ما زال في حوزته. بعد سبع سنوات على تدمير دولة العراق على يد الجيش الأمريكي، لم يتم إيجاد السلاح غير التقليدي، وتم وقف البحث عنه.
حتى الآن، لا نعرف نتيجة هذا الاتفاق المستعجل مع إيران. هل سينهار النظام الديكتاتوري وستنتصر المعارضة الليبرالية، أم سيتم قمع معارضي النظام على يد موجة وطنية جارفة كما حدث أكثر من مرة في التاريخ. الوطنية ليست إلا ملاذاً للأوغاد، وربما تكون مصدر هزيمة من يحبون السلام والحرية.
——————————————
هآرتس 25/6/2025
أيمن عودة.. حين تصبح المطالبة بإنهاء الاحتلال “تحريضاً”.. هل بدأ “صيد العرب”؟
بقلم: أسرة التحرير
شرعت لجنة الكنيست أمس في إجراء تنحية ضد النائب أيمن عودة على تعبير سياسي شرعي يعبر عن التضامن مع أبناء شعبه في غزة، وبالتأكيد ليس مع منظمة الإرهاب حماس وأفعالها الإجرامية. ليس هذا رد فعل موضوعياً لمجلس نواب ديمقراطي، بل هجمة منسقة، قومجية وذات نزعة قوة على ممثل الجماهير العربية، من القلائل الذين يرفعون علم السلام.
منذ نشبت الحرب أطلق نواب ونائبات يهود في الكنيست كل لجام، وتصريحاتهم تلعب دور النجم في لوائح الاتهام في محاكم لاهاي التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية. وبالطبع، هذا لا يمنع أحداً منهم من التوقيع على طلب لتنحية عودة بسبب تصريحاته، رغم أنه لا توجد أي ذرة تحريض في أقواله. وهاكم التغريدة الأصلية التي يسعى نواب يهود في أعقابها إلى تنحية عودة: “يسعدني تحرير المخطوفين والسجناء. من هنا يجب تحرير الشعبين من عبء الاحتلال. كلنا ولدنا أحراراً”. عودة يعارض العنف، فما بالك الصراع العنيف. كل من سمعه ذات مرة لا بد أنه يعرف هذا. خطيئته كلها تتلخص في هويته المزدوجة. إسرائيلي وفلسطيني.
مفهوم أن شيئاً من كل هذا لم يمنع النواب من الانقضاض على عودة في زمن المناقشات، وشتمه وتهديده. النائب اوفير كاتس وصفه بـ “مخرب”، والنائب أوشر شكاليم صرخ عليه “في دولة أخرى كانوا سيوقفونك أمام ثلة مطلقي نار”. لكن المحرضين يهود، وبالتالي من يهمه هذا.
في هذا الإجراء العبثي الذي لا غطاء له للصمود في اختبار محكمة العدل العليا، يحاول النواب إلقاء وصمة على أحد الممثلين العرب الأكثر تماثلاً مع السلام والمصالحة والحياة المشتركة، والمس بحق الجمهور العربي في أن ينتخب ويُنتخب، وبإمكانية التعاون مع ممثليه في الكنيست.
رغم أن الأمر ممنوع إجرائياً، أرفق النائب افيحاي بورون بالطلب أقوالاً قالها عودة في مظاهرة ضد الحرب قبل بضعة أسابيع، وبينها “غزة انتصرت، غزة ستنتصر”. وليس مثلما هو الحال لدى معظم اليهود، في نظر عودة وأعضاء حزبه، فحماس وغزة ليستا كلمتين مترادفتين بل متعارضتان تماماً. لكن في الكنيست الحالية، فإن قولاً كهذا يذكر بالجانب الفلسطيني يعد خيانة. ولعار المعارضة، 13 من أعضائها وقعوا على طلب التنحية الأصلي.
بالتأكيد، عودة ليس “جبهة ثامنة” مثلما اتهموه، بل العكس؛ فإذا كان هناك احتمال لهذا المكان، فهو بفضل عودة والقلة الذين يتبنون المساواة والسلام مثله. ليس مفاجئاً أن تجد الكنيست الأكثر عنصرية وقومجية في تاريخ الدولة محاولة إسكاته وتنحيته أمراً صائباً. يريدون تقديمه إلى محكمة ميدانية، ثم كل النواب العرب. محاولة تنحيته هي لائحة الاتهام الحقيقية ضد هذه الكنيست.
——————————————
هآرتس 25/6/2025
حـرب إيـران: نـتـنـيـاهـو فـي الـقـمّـة بـلا أي مُـعـارضـة !
بقلم: غيدي فايتس
خلال فترة تقديم لائحة الاتهام ضده، قال بنيامين نتنياهو لأحد المقرّبين منه إنه يرى أن الدولة العميقة ورأس حربتها – النيابة العامة – “أخطر من حزب الله حتّى إنهم أخطر من إيران”.
وفعلاً، فإن الحرب الدائرة حالياً لا تدفعه، لا هو ولا أذرعه، إلى التخلي عن المشروع الذي من أجله أقاموا الائتلاف: السيطرة على الشرطة، و”الشاباك”، والمنظومة القضائية، والإعلام، والردع المنهجي لمعارضيه ومنتقديه، والانتصار المُطلق على العدو في الداخل.
والخطة لعزل المستشارة القضائية للحكومة لم تُلغَ، ونتنياهو مصمّم على تعيين رئيس “الشاباك” المُقبل، على الرغم من تعارُض المصالح الواضح الذي يوجد فيه بسبب التحقيقات ضد المقرّبين منه.
والجنود في الحكومة والكنيست يستمرون في الدفع قُدُماً بمشاريع قانون هدفها وقف هيئة البث العام، وتحويل ميزانيات الإعلانات إلى قناة الدعاية “القناة 14″، بالإضافة إلى أن الحرب سرّعت من حملة نتنياهو من أجل إلغاء المحاكمة في ملف “الآلاف” بعد ثلاثة أيام من التحقيقات المضادة التي نجح خلالها رئيس الحكومة في التورّط بسلسلة من الأكاذيب المُخجلة.
حالياً، يحصل المتظاهرون ضد الحكومة على معاملة تميّز الشُرطة السرّية – حتى لو كانوا يقفون بلا أي حراك وحدهم أمام منزل نتنياهو الفارغ في شارع غزة 35 في القدس – إذ تتعرض النساء للتفتيش عاريات.
وكالعادة، يحصل الإعلام على المعاملة المعتادة. وقد أعلن شلومو كرعي وإيتمار بن غفير حرباً على المراسلين الأجانب، و”الظل”، ومَن يشبهونه يعملون بصورة تتناسب مع هذه الحرب، كما يتم الاعتداء على الصحافيين العرب من جانب مواطنين دون أن تقوم الشُرطة بأي حركة تُذكر.
عندما سأل المحقّقون من الشُرطة نتنياهو عن زجاجات الشامبانيا الفاخرة التي أخذتها زوجته من أصدقائه الأغنياء، رد قائلاً: “أنا أعدّ صواريخ، لا زُجاجات”.
هذه الإجابات الذكية تهدف إلى أن يقدّم ذاته ويسوّقها في هذه الأيام كقائد كبير منشغل بكُل قوّته في تأمين وجود الشعب اليهودي، وليس منشغلاً بالأمور البسيطة كـ “مَن اشترى له ولزوجته السيجار أو الشامبانيا أو المجوهرات؟”.
وبحسب شهادة أرنون ميلتشين في الشُرطة، فإن نتنياهو “يعتقد أنه يدافع عن الكيان اليهودي من الاندثار”.
لكن متابعة سلوكه خلال الأعوام الماضية تطرح شكوكاً بأن الضربة على إيران لم تهدف فقط إلى إزالة التهديد الصادر عنها أو مسح فضيحة 7 تشرين الأول، فنتنياهو جمّع ائتلافه وقاعدته الشعبية حول هدف واضح واحد؛ تفكيك المؤسسات التي حققت معه، وحاكمته، وتقيّده.
والنتيجة التي ينتظرها هي الخروج من المحاكمة بأقل قدر ممكن من الضرر.
ومع وجود الإجماع المُطلق تقريباً على الحرب، فالطريق إلى هناك يمكن أن يغدو أقصر.
لا تزال رغبة نتنياهو في الانتقام من كُل مَن تآمر ضده، كما يدّعي، هي الدافع الأقوى من كل شيء آخر، وليس اعتباطاً أنه استعمل ضدهم اللهجة المُستعملة ضد الأعداء من الخارج نفسها؛ ففي آذار 2023، عندما اجتاحت التظاهرات ضد التغييرات القضائية البلد، وبعد التجمهر أمام صالون كانت توجد فيه زوجته، تم تعيين اجتماع أسبوعي بين نتنياهو ورئيس “الشاباك” رونين بار، وبحسب ما وصل إلى صحيفة “هآرتس”، فإن رئيس الحكومة نَعَتَ بعض أسماء زعماء الاحتجاجات ضده بأنهم نشطاء إرهابيون، وادّعى أنهم يريدون تغيير “جوهر الدولة”، واستغل الفرصة كي يوضح لبار أنه في حال باتت إسرائيل أمام أزمة دستورية، فعليه أن ينصاع له: “المحكمة العليا ليست قائد الشُرطة ولا “الشاباك” ولا الموساد ولا الجيش”.
وتسلط خريطة الطريق التي طرحها نتنياهو الضوء بصورة ساخرة على محاولته تأطير الحرب ضد إيران كمواجهة توراتية بين أبناء النور وأبناء الظلام، حيث تُصوَّر إسرائيل على أنها رأس الحربة للعالم الحر في مواجهة الديكتاتوريات القمعية.
وخلال الأعوام الأخيرة، سعى نتنياهو لتفكيك كل الأسس التي تشكّل مفهوم الديمقراطية، بما في ذلك الصلة بين ثقة الجمهور بالقيادة وبين الشرعية لقيادتها في أوقات الأزمات في مقابل أثمانٍ باهظة يدفعها المواطنون، كتعطيل الحياة بالكامل، والقلق الجماعي، وسقوط ضحايا بالأرواح.
وعندما كان زعيماً للمعارضة، هاجم إسحق رابين “المُنغلق”، الذي نفّذ خطوات تاريخية دون دعْم شعبي، قائلاً: “لِيَخْرُجْ إلى المفترقات، وإلى الشوارع، وَلْيَسْمَعِ الموجة المتصاعدة”.
أمّا هو، فقد خرج إلى الحرب متجاهلاً تلك الموجة المتصاعدة، بينما يقود مجتمعاً مكوَّناً أساساً من قبائل معادية بَعْضُهَا بَعْضَهَا الآخر، غارقاً في حرب أهلية باردة كان يحرص بجنون على تأجيجها لخدمة مصالحه الشخصية التي لطالما مجّدها حتى أصبحت في فمه مجرد كليشيه سخيف.
وكنموذج؛ حظي ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية بنسبة تأييد بلغت نحو 80٪، وكذلك نموذج آخر يحتذى به؛ وهو فرانكلين روزفلت، عندما دخل الحرب.
أمّا نتنياهو، فلم يكن في حاجة إلى دعم شعبي كهذا ليجرّ إسرائيل إلى واحدة من أكثر المغامرات العسكرية طموحاً في تاريخها.
لو كنّا في دولة صحية، لكان نتنياهو قد عُزل بعد أيّام من 7 تشرين الأول، ولَكَان هناك آخرون يحاولون تصحيح الكارثة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي جرت خلال فترة حكمه الأبدية.
نتنياهو قال عن إيهود أولمرت بعد حرب لبنان الثانية إن فكرة أنّ مَن ارتكب أخطاءً مصيريّة بهذا الحجم سيصحّحها بذاته هي فكرة مرفوضة من أساسها. وسأل بسخرية: “مَن منّا سيضع حياته في يد طبيب جرّاح فشل في العمليّة؟ مَن منّا كان سيركب حافلة سائقها كان مسؤولاً عن حادثة قاتلة قبل وقت قصير؟”.
سائق الحافلة، بنيامين نتنياهو، لم يترك القيادة منذ الحادثة الأكثر قتلاً في تاريخ الدولة، حتّى عندما كان يبدو أن السقوط حتميّ. بقاؤه في السُلطة، بمهارات سياسيّة استثنائية، فاجأت حتّى أقرب المقرّبين منه.
والآن، وبعد أن ضرب “رأس الأفعى”، وجنّد من أجل ذلك القوّة العظمى في العالم، بات نتنياهو وحده في القمّة، دون أي مُعارضة تتحدّاه، ورؤساء الأجهزة الأمنية لا يتجرؤون حتّى على كتابة تغريدة “كافرة”.
أحد الأشخاص المقرّبين منه قال لصحيفة “هآرتس” إنه “بمزاج مسيحاني تقريباً”. وظهوره العلني يذكّر بما فعله بعد انتصاره في الانتخابات سنة 2015 و2022.
تبدو السيطرة على أجواء طهران، التي تؤجّج مشاعر فخر عامّة، وكأنها ستار دخان مضلل وخادع.
إن تعزُّز قوّة نتنياهو المصحوبة بحالة نشوة قومية يمكن أن يدفعه مع شركائه إلى الهجوم على بقايا الديمقراطية واستكمال خطّتهم الكُبرى. وأشك في أن إيران النووية ستشكل خطراً أكبر على إسرائيل.
—————–انتهت النشرة—————–