المسار : يتحدّث السفير الفلسطيني للأمم المتحدة، رياض منصور، في مقابلة خاصة مع “العربي الجديد” في نيويورك، حول فعاليات المؤتمر الدولي “لحل الدولتين” والذي يُعقد على مستوى وزراء الخارجية يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، وتترأسه فرنسا والسعودية. ومن المقرّر عقد القسم الثاني منه على مستوى قادة الدول أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيعة المستوى في نيويورك، في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل أو في باريس، بحسب دبلوماسي فرنسي. ويأتي عقد المؤتمر في قسمين، بعدما أُجّل بسبب الحرب الإسرائيلية على إيران، بين 13 يونيو/ حزيران الماضي و24 منه، إذ كان من المفترض عقده بين 17 و20 يونيو الماضي. وتطرق السفير الفلسطيني لعدد من الأمور، من بينها التوقّعات الفلسطينية حول آليات إنهاء الاحتلال وتصريحات دبلوماسية فرنسية حول نزع سلاح حركة حماس والانتخابات وغيرها. ويُشار إلى أن المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية وسيتضمّن مداخلات أمام الجمعية العامة وورشات عمل حول مواضيع مختلفة. وسيحضره من الجانب الفلسطيني رئيس الوزراء محمد مصطفى وعدد من الوزراء والدبلوماسيين.
* ما هي توقّعاتكم من المؤتمر والخطوات التي تريدون أن تتخذها الدول لتنفيذ حل الدولتين؟
ما نتوقعه هو أن تقدم الدول التزامات واضحة وبخطوات عملية محدّدة، تُساعد في تقصير حياة هذا الاحتلال غير القانوني، على طريق إنهائه، ليحظى الشعب الفلسطيني بحريته واستقلاله على أرض دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. طبعاً هذا المؤتمر سيكون نقطة مهمة تفتح الطريق إلى خطوات عملية كثيرة من خلال تشكيل هيئة من العديد من الدول، بما فيها من رئاسة المؤتمر (فرنسا والسعودية) ورؤساء ورش العمل، وذلك من أجل الاجتماع بشكل منتظم وتقييم الخطوات الجارية والعملية، واتخاذ عدة خطوات يتم التوافق بشأنها على طريق الوصول إلى الهدف، أي تجسيد حل الدولتين على الأرض، الأمر الذي يعني انتهاء هذا الاحتلال غير القانوني بأسرع وقت ممكن.
نريد خطوات عملية مِن نمط ما اعتُمد من قبل مجموعة مدريد وما جرى التوافق عليه من قبل مجموعة لاهاي
* عندما تتحدّثون عن خطوات عملية، فما المقصود بالضبط؟
مِن نمط ما اعتُمد من قبل مجموعة مدريد (تحالف يضم مجموعةً من الدول الأوروبية والعربية داعمة للقضية الفلسطينية برئاسة إسبانيا) والرباعية الأوروبية، خصوصاً إزاء التسليح العسكري والاعتراف بالدولة الفلسطينية. وكذلك من نمط ما جرى التوافق عليه من قبل مجموعة لاهاي (تحالف من تسع دول داعمة لفلسطين) التي عقدت اجتماعاً استثنائياً وزارياً في كولومبيا (عُقد يومي 15 و16 يوليو/ تموز الحالي)، وترأستُ أنا الوفد الفلسطيني إليه. واعتمدت بياناً حددت فيه، على سبيل المثال، عدم تسليح إسرائيل من دون تأخير، وعدم السماح لأية سفن تحمل سلاحاً وعتاداً إلى إسرائيل بأن تمر في موانئها. وأول من أمس الجمعة أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أنه سيستخدم صلاحياته باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الكولومبية، لمنع السفن التي تحمل الفحم الحجري من الذهاب إلى إسرائيل من كولومبيا. وكذلك ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً في رسالة للرئيس محمود عباس عن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، وأنه سيعلن ذلك رسمياً في خطابه في الجمعية العامة في الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل. الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لمجموعة متبقية من الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين كي تقدم على هذه الخطوة. هذه أمثلة على خطوات عملية. ولكن الأهم هو أننا نريد وقف العدوان على أهلنا في غزة، وتوفير المساعدات الإنسانية لهم.
ما يتم في هذه الأيام سيصل إلى نقطة مهمة أثناء هذا المؤتمر الدولي لإنهاء الاحتلال، وتجسيد حل الدولتين على الأرض. سيتحوّل هذا لمنعطف يتبعه مزيد من الدول التي ستلتحق به
* تحدّثت عن خطوات فعلية كوقف تسليح إسرائيل والمقاطعة التجارية وغيرها من التي أعلنتها بعض الدول. لكن الدول الرئيسية، إذا ما وضعنا الولايات المتحدة جانباً، مثل الدول الأوروبية أو على الأقل الدول الرئيسية فيها، لا يبدو أنها ستقدم على خطوات من هذا القبيل. فهل لديكم تفاؤل بأن يأتي المؤتمر بخطوات شبيهة من تلك الدول؟
التاريخ علمنا أنه في حالات شبيهة لحالتنا، أبرزها جنوب أفريقيا في تصديها لنظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، أن الخطوات العملية بدأت بمجموعة من الدول الشجاعة التي بادرت بهذه الخطوات وضغطت على الدول التي أخذت وقتها، والتحقت لاحقاً بهذه الخطوات، ليتحول هذا العمل إلى بركان متصاعد مترافقاً مع موجة عارمة من الموقف الدولي ومن الدول، باتخاذ هذه الخطوات لكسر ظهر هذا الاحتلال غير القانوني على طريق إنهائه، وأن يحظى الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال والسيادة على أرض دولته المستقلة. نرى أننا في بدايات هذه المرحلة المتصاعدة، لذلك ما يتم في هذه الأيام سيصل إلى نقطة مهمة أثناء هذا المؤتمر الدولي لإنهاء الاحتلال، وتجسيد حل الدولتين على الأرض. سيتحول هذا إلى منعطف يتبعه مزيد من الدول التي ستلتحق به.
في ظل الصراع من أجل إلزام الدول باتخاذ مزيد من الخطوات العملية التي تؤثر بشكل كبير على هذا الاحتلال غير القانوني على طريق انهياره، يتم طرح نقاط يرغبون هم في رؤيتها أو تحقيقها وهذا هو تسلسل الأحداث. نحن نضغط وكل من يؤيدنا ويقف معنا، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، الرئيس الثاني للمؤتمر، من أجل الدفع بما هو أكثر فائدة لنا. والأطراف الأخرى التي تسير معنا تطرح في نفس السياق أفكاراً، ومن وجهة نظرها، تعطي محفزات لإسرائيل وربما للولايات المتحدة للانخراط في هذا المسار الذي سيتعاظم مع الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة. هذا منطق الأحداث ومنطق العمل متعدد الأطراف. نحن مصرّون على جوهر الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال وقبل ذلك وقف العدوان على أهلنا.
نريد وقف العدوان على غزة وتوفير المساعدات الإنسانية
أعتقد أنه وفي هذا المخاض ستخفّ الشروط، ولا أريد أن أسميها تعجيزية، لكن تلك التي يصر هؤلاء على أن يبقوها على الطاولة. من جهتنا نريد أن ندفع بالمواقف والالتزامات المتعلقة بتدشين الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني إلى الأمام، بما فيها تقرير المصير، والدولة المستقلة وسيادتها على أرضها، وعودة اللاجئين. هذه ليست غريبةً علينا. يدرك ذلك هؤلاء الذين يعملون في سياق الأمم المتحدة ويتفاوضون بشأن قرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة، التي تنتج بعد التوافق عليها. وكل طرف يريد أن يزيد من حجم ما يريده من رؤية، وفي النهاية ما يخرج يفسره كل طرف مركزاً على الجوانب الأكثر إيجابية لصالح وجهة نظره. هذه هي رحلة المجتمع الدولي والمواقف التي تتمخّض عنه، ومع الأيام وصمود الشعب الفلسطيني وحجم الكارثة التي يتعرض لها وزيادة الدول التي تبدي استعدادها لاتخاذ خطوات أكثر جرأة، يتحدد الضغط الهائل على هذا الاحتلال غير القانوني لوقف العدوان، وتوفير المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير القسري خارج الوطن. سيؤدي كل ذلك إلى إنهاء هذا الاحتلال وإعادة إعمار غزة قبلها وأثناءها ومن ثم تجسيد حل الدولتين كواقع عملي على الأرض، عبر استقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
* لكن هل هناك حوار داخلي فلسطيني للحيلولة دون المزيد من الانقسام وتفاقم الوضع وفتح مشاورات داخلية حول هذه النقاط الفرنسية وتوحيد الصف؟
هناك حوارات مستمرة حول الوضع الفلسطيني، ولكن أهم شيء في هذه الحوارات أن يكون هناك موقفٌ جماعيٌ قويٌ لوقف العدوان ضد قطاع غزة. لأنه حينما ينتهي العدوان على أهلنا ويتم توفير كل المستلزمات، يصبح المناخ أكثر ملائمة للحوار الفلسطيني الداخلي. بطبيعة الحال عملي (بصفتي دبلوماسياً فلسطينياً) هو في الأمم المتحدة. في هذا السياق نبذل كل الجهود الممكنة مع الأمين العام ومع مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان وكل مكونات الأمم المتحدة وعبر هذا المؤتمر الدولي المهم والتاريخي الذي سيبدأ أعماله غداً الاثنين، هو إنجاز أكبر ما يمكن إنجازه للشعب الفلسطيني إزاء المساعدات الإنسانية ووقف التهجير وإعادة الإعمار، من أجل التقدم بخطوات عملية نحو إنهاء هذا الاحتلال غير القانوني على طريق استقلال فلسطين وعاصمتها القدس.