المسار الإخباري :بعد فشل عملية “عربات جدعون” العسكرية في تحقيق الهدف المطلوب منها، اعتمد المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي، فجر يوم الجمعة، في 8 آب/أغسطس الجاري، الخطة التي اقترحها بنيامين نتنياهو والقاضية بدفع جيش الاحتلال إلى احتلال مدينة غزة بصورة كاملة، وتهجير سكانها نحو جنوب القطاع المنكوب.
مشروع الاحتلال الكامل لقطاع غزة
قبل انعقاد اجتماع مجلس الوزراء الأمني وقيامه باعتماد خطة بنيامين نتنياهو، كان الحديث يدور حول مشروع “الاحتلال الكامل” لقطاع غزة، وذلك بغية “القضاء على حركة حماس وتحرير 50 رهينة لا تزال في أيديها”. وقد تراوح تفسير مصطلح “الاحتلال الكامل” ما بين “سيطرة عسكرية قصيرة الأمد على كامل قطاع غزة،” و”نظام عسكري إسرائيلي طويل الأمد، مصحوباً باحتمال استئناف الاستيطان اليهودي”. بيد أن هذا المشروع واجه معارضة شديدة من رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الذي كان يخشى أن يؤدي التوسع المقترح للحرب إلى تعريض المحتجزين الإسرائيليين لخطر الموت، كما كان يتخوف من تداعيات الضغط الإضافي الذي سيفرضه “الاحتلال الكامل” على جيش “منهك بالفعل بعد 670 يوماً من الحرب التي يشنها، مع نقص في عدد الجنود النظاميين وإرهاق الجنود الاحتياطيين”. وقد طرح إيال زامير، بدلاً من الاحتلال الكامل للقطاع، أن يقوم جيش الاحتلال “بالانتشار حول المراكز الحضرية الرئيسية التي لا تزال خارج سيطرته، ثم يشن غارات مستمرة من هناك، مما يحد من المخاطر على المحتجزين، وربما يمهد الطريق لاتفاق جديد لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراحهم” (1).
من يعارض بنيامين نتنياهو مصيره الطرد
أظهر بنيامين نتنياهو، منذ توليه رئاسة الحكومة الأخيرة، أن أي مسؤول يجرؤ على التشكيك في سياساته أو خططه أو قراراته سيُصنف على الفور في فئة المعارضين “ذوي الدوافع السياسية”، وقد يكون مصيره الطرد من منصبه. فيوآف غالانت، وزير الحرب السابق من حزب “الليكود”، الذي حذر منذ آذار/مارس 2023 من عواقب إصلاح قضائي جذري وانتقد إدارة الحرب بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبح بالفعل جزءاً من الماضي. كما أن رونين بار، رئيس جهاز “الشاباك” الذي أراد البقاء في منصبه حتى انتهاء التحقيق في قضية فساد تستهدف مساعدي مكتب رئيس الوزراء، والذي تجرأ على المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق وطنية حول أحداث 7 أكتوبر، أُجبر على الاستقالة.
أما رئيس “لجنة الشؤون الخارجية والدفاع” في الكنيست، يولي إدلشتاين، الذي حاول زيادة عدد المجندين الحريديم في الجيش، متحدياً إرادة رئيس الوزراء، فقد فقد منصبه مؤخراً، وهو ما يتهدد كذلك المدعية العامة غالي باهاراف-ميارا، التي تدعو إلى إقرار قانون ملزم بتجنيد الحريديم، وتقود النيابة العامة في ثلاث قضايا فساد ضد نتنياهو، والتي تقرر فصلها من منصبها، وهو قرار تم تعليقه من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية. بينما صار إيال زامير يُعتبر الآن هو الآخر خصماً سياسياً لبنيامين نتنياهو، إذ أشارت مصادر قريبة من مكتب رئيس الوزراء “إلى أنه إذا كان يعارض توجيهات المسؤولين السياسيين، فإنه حر في الاستقالة”، حتى إن نجل نتنياهو، يائير، ألمح إلى أن التحفظات التي أعرب عنها رئيس هيئة الأركان بشأن خطة الحكومة تعادل التحريض على انقلاب عسكري يليق بـ “جمهوريات الموز في أميركا الوسطى في سبعينيات القرن الماضي” (2).
طبيعة الخطة التي تبناها المجلس “الوزاري الأمني”
قبل انعقاد اجتماع المجلس الأمني الإسرائيلي، مساء يوم الخميس في السابع من الشهر الجاري، أدلى بنيامين نتنياهو بحديث إلى قناة “فوكس نيوز” الأميركية قال فيه إن إسرائيل “تريد إقامة منطقة أمنية، لا تريد أن تكون هيئة حكم فيها”، فهي تعتزم السيطرة على قطاع غزة ولكن “ليس لحكمه أو للاحتفاظ به”، مؤكداً أنه بمجرد الانتهاء من السيطرة على القطاع، ستسلم إسرائيل السيطرة عليه إلى “قوات عربية تحكم بشكل صحيح، دون أن تهددنا وتوفر حياة كريمة لسكان غزة”، وأضاف: “لضمان أمننا، نعتزم طرد حماس من غزة، والسماح لشعب غزة بتحرير نفسه، وتسليم المدينة إلى حكومة مدنية، ليست حماس ولا أي شخص يدعو إلى تدمير إسرائيل” (3)
في فجر يوم الجمعة في الثامن من هذا الشهر، وافق مجلس الوزراء الأمني على الخطة التي اقترحها بنيامين نتنياهو بالسيطرة على مدينة غزة، ضمن عملية أقل نطاقاً مما كان مقرراً في البدء، على أن يتم إجلاء نحو 800000 من الفلسطينيين والفلسطينيات، كان كثير منهم نزحوا عدة مرات خلال 22 شهراً من الحرب، من شمال قطاع غزة. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إن الخطة التي وافق عليها المجلس تنص على إجلاء هؤلاء المدنيين إلى الجنوب، على أن يقوم جيش الاحتلال، بعد ذلك، بشن هجومه البري على المدينة، ومحاصرة المنطقة وعدم السماح بمرور أي مساعدات غذائية، والقيام بعمليات تمشيط للقضاء على أعضاء حركة “حماس” الذين بقوا فيها. وقد يتجه، بمجرد الانتهاء من السيطرة على المدينة، إلى المناطق التي لا تزال خارج سيطرته في القطاع، وخصوصاً نحو مخيمات اللاجئين الواقعة وسط القطاع.
وأوضح بيان صادر عن مكتب نتنياهو أن إسرائيل “ستقدم مساعدات إنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال” بينما أعلن السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكابي، أن “مؤسسة غزة الإنسانية” ستوسع نطاق عملياتها، بحيث “تنتقل من ثلاثة إلى ستة عشر موقعاً للتوزيع تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتلبية الاحتياجات المرتبطة بالإجلاء الجديد”. كما أشار البيان نفسه إلى أن أغلبية أعضاء المجلس الوزاري الأمني وافقوا على خمسة مبادئ ستطالب إسرائيل حركة “حماس” بالالتزام بها قبل الموافقة على إنهاء الحرب، وهي: نزع سلاح الحركة؛ عودة 50 محتجزاً، من بينهم 20 لا يزالون على قيد الحياة؛ نزع السلاح من قطاع غزة، سيطرة إسرائيل الأمنية على قطاع غزة ووجود حكومة مدنية بديلة لا تشمل “حماس” ولا السلطة الفلسطينية”. وخلال الاجتماع، عارض رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، الجنرال إيال زامير، هذه الخطة التي وصفها بـ “الفخ الاستراتيجي”، واقترح تطويق مدينة غزة، بدلاً من احتلالها، مع مواصلة القصف الجوي وعمليات الكوماندوز “الموجهة”، لكن اقتراحه قوبل بالرفض (4).
ويبدو أن إيال زامير قد خضع أخيراً لتوجيهات بنيامين نتنياهو، وعقد، بعد ساعات من تبني الخطة، اجتماعاً مع قادة الألوية في قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وضباط كبار من هيئة الأركان العامة، وذلك للتحضير لتنفيذها، معتبراً “أن المسؤولية لضمان الجهوزية الكاملة واستمرار الضغط على حركة “حماس” حتى تحقيق أهداف الحرب تقع على عاتق القيادة العسكرية” (5).
ما هي فرص نجاح هذه الخطة؟
يعتقد كثير من المحللين أنه لا يوجد ما يضمن أن الخطة المعتمدة ستتحقق على أرض الواقع، ويلاحظون ان جيش الاحتلال كان قد نفذ بالفعل عمليات في مدينة غزة خلال 22 شهراً من الحرب، وطالب السكان بالمغادرة من أجل عزل مقاتلي حركة “حماس”، لكن دون جدوى، ويتساءلون: فمن يضمن أن جميع السكان سيغادرون المدينة هذه المرة، ومن يضمن أن مقاتلي “حماس” لن يستغلوا هذا النزوح للفرار، والتمركز في مواقع أخرى؟ وماذا سيحل بالمحتجزين الذين قد يتعرضون للموت خلال العمليات العسكرية؟ ثم من يضمن أن الدول العربية، مع استمرار رفض نتنياهو لأي دور للسلطة الفلسطينية، ستوافق على إرسال قوات عربية وعلى المشاركة في جهود إعادة الإعمار، وهي التي اشترطت مشاركة السلطة الفلسطينية في تقرير مستقبل القطاع؟
من ناحية أخرى، قد يحتاج تنفيذ هذه الخطة إلى أشهر طويلة، وستتطلب تعبئة واسعة النطاق لجنود الاحتياطيين، وهو ما سيكون أمراً صعباً من دون تجنيد شبان الحريديم، الأمر الذي يرفضه بشدة الممثلان السياسيان لهؤلاء وهما حزب “يهوديت هتوراه” وحزب “شاس”. فالحزب الأول قرر الانسحاب من الائتلاف، على الأقل ظاهرياً، إلى أن يتم اعتماد قانون يضمن إعفاءً واسعاً من الخدمة العسكرية للأرثوذكس المتشددين، بينما استقال وزراء الحزب الثاني من الحكومة، لكن من دون الانسحاب من الائتلاف، وشوهد زعيمه، أرييه درعي، هذا الأسبوع وهو يقول لطلاب المدارس التوراتية إنه لا ينبغي لهم بأي حال من الأحوال التفكير في التجنيد، “حفظنا الله من ذلك”، وأضاف: “نعم، شعب إسرائيل في حالة حرب، لكن من يتحملون العبء الحقيقي هم طلاب التوراة” (6).
إن الكثيرين يعتقدون أن نتنياهو يطيل أمد الحرب لضمان بقاء ائتلافه الحكومي، الذي لا يزال وجوده يعتمد على دعم الوزراء القوميين الدينيين الذين هددوا بالانسحاب من الحكومة إذا تم التوصل إلى اتفاق مع حركة “حماس”، ناهيك عن أن حزب “قوة يهودية” بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وقسماً معتبراً من حزب “الليكود” لا يكتفي بالمطالبة بالاحتلال الكامل لقطاع غزة، بل إنه يهدف إلى التراجع عن الانسحاب الأحادي الجانب لإسرائيل قبل عشرين عاماً منه، وتهجير سكانه وإعادة تأسيس المستوطنات اليهودية فيه (7).
الخطة تواجه معارضة شديدة
في حين دعا مسؤولون غربيون عديدون ومسؤولون في الأمم المتحدة إسرائيل إلى إعادة النظر في خطتها، وأقدمت ألمانيا في خطوة غير متوقعة على إعلان وقف صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل التي قد تُسخدم في الحرب على غزة، يبدو أن بنيامين نتنياهو يحظى، في الوقت الحالي، بدعم ضمني من دونالد ترامب الذي يطبق مقولة “الصمت موافقة”، إذ ترك الرئيس الأميركي هذا الأسبوع حرية التصرف لرئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لو كان ذلك يعني الوقوف مرة أخرى في مواجهة المجتمع الدولي. فخلال لقاء في البيت الأبيض يوم الثلاثاء- أي قبل الإعلان الإسرائيلي – مع صحافيين سألوه عما إذا كان يمكنه دعم خطة الاحتلال هذه، قال دونالد ترامب “إنه يركز على زيادة المساعدات الإنسانية لغزة”، التي تواجه، كما اعترف، “مجاعة حقيقية”، وأضاف: بالنسبة لبقية الأمور، لا يمكنني حقاً أن أعلّق، فهذا يعتمد بصورة أساسية على إسرائيل”. بينما قال وزير خارجيته ماركو روبيو مساء الخميس، رداً عن سؤال لقناة تلفزيونية: “في النهاية، ما يجب أن تفعله إسرائيل لضمان أمنها ستحدده إسرائيل” (8).
بيد أن الخطة المعتمدة واجهت معارضة شديدة داخل إسرائيل نفسها، إذ ندد زعيم المعارضة، يائير لابيد، صباح الجمعة على موقع “إكس” بقرار المجلس الوزاري الأمني، واصفاً إياه بـ “الكارثة التي ستؤدي إلى كوارث أخرى كثيرة”، ورأى أن الخطة المعتمدة ستؤدي إلى “موت الرهائن والعديد من الجنود، وستكلف دافعي الضرائب الإسرائيليين عشرات المليارات وستؤدي إلى إفلاس دبلوماسي”. بينما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في العاشر من الشهر الجاري، خبراً-أخذته عنها نشرة “مختارات من الصحف العبرية- مفاده أن “جميع رؤساء الأجهزة الأمنية تقريباً أبدوا تحفُّظهم من قرار احتلال غزة، لكن بدرجات متفاوتة”، و”برز بينهم رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير الذي أبدى تحفظات كثيرة من القرار، ووقف إلى جانبه رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي”، كما “أن رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع، ونائب رئيس جهاز الأمن العام [“الشاباك”]، وقائد مديرية أسرى الحرب في الجيش الإسرائيلي اللواء (احتياط) نيتسان ألون، صرّحوا أيضاً بأن هناك إجراءات أنسب من احتلال غزة” (9).
وكان 550 من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين قد أطلقوا، في الرابع من هذا الشهر نداءً عاجلاً إلى دونالد ترامب لكي يجبر رئيس الوزراء على إنهاء 22 شهراً من الحرب في قطاع غزة. ومما جاء في ذلك النداء: “إن مصداقيتك لدى الأغلبية العظمى من الإسرائيليين تعزز قدرتك على توجيه رئيس الوزراء في الاتجاه الصحيح لإنهاء الحرب، وإعادة الرهائن، وتشكيل تحالف إقليمي ودولي يساعد السلطة الفلسطينية، بعد إصلاحها، على توفير بديل لسكان غزة وجميع الفلسطينيين عن حماس وأيديولوجيتها الضارة” (10).
وتبرز المعارضة الشديدة للخطة المعتمدة، بصورة خاصة، في صفوف عائلات المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، الذين نظموا، يومي الخميس والسبت، مظاهرات في تل أبيب والقدس، انضم إليها آلاف المتعاطفين الذين أغلقوا الطرق واشتبكوا مع قوات الأمن التي جاءت لتفريقهم. وهاجمت الناطقة بلسان عائلات المخطوفين، وهي والدة أحد المحتجَزين في غزة، رئيسَ الحكومة بنيامين نتنياهو، متهمة إياه بالتقاعس عن إنقاذهم. وقالت: “إذا احتللت أجزاء من القطاع وقتلت المخطوفين، فسنلاحقك في الساحات والحملات الانتخابية وفي كل زمان ومكان.” وأضافت أن عائلات المخطوفين ستذكّر الشعب الإسرائيلي ليلاً ونهاراً بأن نتنياهو كان قادراً على إبرام صفقة تبادُل، لكنه اختار ترْكَهُم للموت، مؤكدة أن يدَيْهِ ستكونان ملطختَين بدمائهم” (11). ودعت عائلات المحتجزين إلى إضراب شامل يوم الأحد القادم يشل مرافق البلد الاقتصادية.
هل يمكن التخلي عن الخطة في حال استئناف المفاوضات؟
خلال اجتماع المجلس الوزاري الأمني، حث أعضاء في الفريق الإسرائيلي المكلف بالمفاوضات مع حركة “حماس” المشاركين على عدم الموافقة على خطة تستبعد أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق في المستقبل، فردّ نتنياهو بأن العملية في مدينة غزة “يمكن أن تتوقف في أي وقت إذا وافقت حماس على مطالب إسرائيل”، وهو ما أثار غضب وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، الذي قال: “إن على إسرائيل أن تعلن أنها لن توقف العملية حتى تصل إلى نهايتها، وإن أي باب لمفاوضات جديدة مع حماس يجب أن يظل مغلقاً”.
وبينما كانت قيادة جيش الاحتلال تتحضّر لوضع الخطة موضع التطبيق، عُقد يوم السبت في التاسع من هذا الشهر لقاء في إيبيزا، في إسبانيا، جمع الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف ورئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وذلك لمناقشة صفقة شاملة تؤدي إلى الإفراج عن جميع المحتجزين وإنهاء الحرب، تُعرض، بحسب موقع أكسيوس، خلال أسبوعين على الأطراف المعنية.
وكان ويتكوف قد أعرب مؤخراً عن رغبته في التوصل إلى اتفاق “كل شيء أو لا شيء” يُنهي الحرب بدلاً من السعي وراء سلسلة من صفقات جزئية (12)، فهل يمكن أن يُؤجل أي اقتراح جديد لحل دبلوماسي شامل الهجوم الإسرائيلي المخطط له على مدينة غزة؟ علماً بأن بنيامين نتنياهو دافع بشراسة يوم الأحد في العاشر من هذا الشهر، في مؤتمر لمراسلي الصحافة الأجنبية في القدس، عن خطته مؤكداً أن هدفه ليس “احتلال قطاع غزة، بل تحريره”، وصرّح قائلاً: “نظراً لرفض حماس إلقاء سلاحها، لا خيار أمام إسرائيل سوى إنهاء المهمة وإلحاق الهزيمة الكاملة بحماس”، وذلك من خلال “تفكيك آخر معقلين لحماس في مدينة غزة والمخيمات في وسطها” (13).
خـاتـمـة:
في مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، في العاشر من هذا الشهر، وأخذته عنها نشرة “مختارات من الصحف العبرية”، بعنوان: “احتلال غزة لن يُدْخِلَ المخطوفين والمقاتلين فقط في “فخ الموت”، بل أيضاً دولةَ إسرائيل بأكلمها”، لاحظ الكاتب والصحافي يوآف ليمور أن المبادئ الخمسة التي حُددت في خطة احتلال مدينة غزة، “لا توجد فيها مكوّنات كـ “الاحتلال”، و”الطرد”، و”المدينة الإنسانية”، وهي مصطلحات ترددت مؤخراً بكثرة على لسان وزراء في الحكومة، ولا يُعرف ما إذا تم حذْفُها بناءً على نصيحة قانونيين كبار حذّروا في الأيام الأخيرة من أنّ إسرائيل تسير بوعي نحو وضْع سَتُتَّهَمُ فيه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية، أو نتيجة ضغط أميركي” (14).
بيد أن هذا التغييب لا يعني أن مخطط التهجير والتطهير العرقي قد زال خطره، وخصوصاً في حال نجاح قوات الاحتلال، عن طريق تكثيف عمليات القصف والتجويع، في إرغام سكان مدينة غزة والمخيمات الوسطى على النزوح نحو الجنوب، وهو خطر ينبغي على الفلسطينيين التحسب له ومواجهته.
* باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت.