أكاذيب «مؤسسة غزة»… غزّيون: نواجه الجوع والتضليل!

Loai Loai
10 Min Read

المسار : في مطلع آب / أغسطس 2025، خرج المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف من مركز المساعدات الأمريكي في رفح ليعلن بملء صوته أنّ «مؤسسة غزة الإنسانية» GHF وزّعت على الغزيين 100 مليون وجبة غذائية منذ التاسع من أيار / مايو وحتى بداية آب/أغسطس». لم يكن هذا التصريح مجرد رقم في مؤتمر صحافي، بل تحوّل سريعًا إلى صدمة جديدة فوق صدور سكان غزة المرهقين من الحرب والجوع، إذ بدا لهم أنّ العالم يبيعهم الوهم بدل الطعام.

غضب وسخرية

كان سكان غزة ينتظرون أي خبر يحمل لهم بصيص أمل في ظلّ المجاعة المستمرة، لكن إعلان المؤسسة جاء مغايرًا تماماً للواقع الملموس على الأرض. فبينما يتحدّث بيان رسمي للمنظمة الأمريكية عن أكثر من 125 مليون وجبة وُزعت على الغزيين منذ 9 أيار/ مايو الماضي وحتى 17 آب/ أغسطس الحالي، فإن آلاف النازحين كانوا طوال الأشهر الثلاثة الماضية يفتشون في مكبّات القمامة عن الطحين الفاسد، ويقضي الأمهات الليالي وهنّ يحاولن إسكات بكاء أطفالهن الجوعى بجرعات زائدة من المياه.

الصدمة لم تتوقف عند حدود الإنكار، بل تحوّلت سريعاً إلى غضب عارم. فكيف يمكن لمؤسسة تدّعي العمل الإنساني أن تسوّق أرقاماً خيالية، بينما الواقع يزداد سوءاً؟ تساءل الفلسطينيون بمرارة: «إن كان كل فرد من سكان غزة قد حصل وفق هذه الأرقام على خمسين وجبة في أقل من ثلاثة أشهر، فأين ذهبت حصصنا وحصص جيراننا وأهلنا؟».

وسط هذه المفارقة المؤلمة بين الرقم والواقع، أصبح الحديث عن «المئة مليون وجبة»، وفق ما رصدته «القدس العربي»، عنواناً للسخرية السوداء على ألسنة المواطنين، بل مادة للتندر المرّ: «إما أن هذه الوجبات وزعت عبر طاقية الإخفاء، أو أنها تبخرت في الهواء قبل أن تصل أفواه الجائعين». لكن خلف الضحكة المرّة كان يكمن جرح عميق، وإحساس متزايد بأنّ الجوع في غزة لا يواجه فقط بالحصار، بل أيضاً بالدعاية المضللة.

يتساءل الفلسطينيون: «كل فرد من غزة حصل وفق المؤسسة على 50 وجبة في أقل من 3 أشهر، فإما وزعت عبر طاقية الإخفاء، أو تبخرت في الهواء»

بيانات خاطئة

جلس محمد حمادة، نازح من حي الزيتون، في ظل خيمته في مواصي خان يونس وهو يروي بمرارة: «هذه بيانات خاطئة تماماً. هي دعاية مضللة. فأنا والآلاف الذين أعرفهم لم يصلنا أي وجبة. إلا إن كانت هذه الوجبات توزع عبر طاقية الإخفاء، أو أن المركز يختلسها ويسرقها».

ثم أضاف وقد ارتجف صوته بالغضب خلال حديثه لـ»القدس العربي»: «إنني أدعو المركز إلى الكف عن بث الأكاذيب المضللة للتغطية على تجويع المواطنين. المساعدات لا تصل أحدًا. الصور التي يروّجها المركز لا تعبر عن الواقع، بل عن مسرحية مصمّمة لتضليل الرأي العام».

ومحمد الذي لم يتذوق هو وأطفاله منذ أيام سوى العدس المسلوق، بدا عاجزاً عن فهم كيف يمكن لمؤسسة أن تجرؤ على نشر هذه الأرقام، بينما الواقع يثبت عكسها تمامًا. «لو كانت هذه الأرقام صحيحة، لما اضطررت أنا وجيراني إلى تقاسم حفنة من الطحين لأسبوع كامل»، يقول وقد غاصت عيناه في الفراغ.

30 وجبة لم أتذوقها

أما أمجد الكردي، وهو موظف ميداني سابق لدى شركة محلية، فقد كان أكثر دقة في نقده: «قبل شهر تقريبًا، أصدرت الشركات الأمريكية بياناً قالت فيه إنها وزعت 66 مليون وجبة. وحينها قمت بحسبة بسيطة: هذا يعني أن نصيب كل مواطن غزي على الأقل 30 وجبة».

وكانت «مؤسسة غزة الإنسانية» قد زعمت في بيان عبر حسابها على منصة «إكس» في 8 تموز / يوليو الماضي أنها وزعت أكثر من 66 مليون وجبة مباشرة على الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك منذ بدء عملها في أيار/ مايو الماضي. وعن هذا البيان، يبتسم أمجد بسخرية مرة: «لكنني لم أحصل على أي وجبة. لا أنا ولا ألف شخص من معارفي وأقاربي وجيراني. فأين ذهبت حصصنا؟». ثم يضيف خلال حديثه لـ»القدس العربي» وقد بدا أكثر جدية: «هذه البيانات ليست فقط مضللة، بل جارحة. فهي تستفز مشاعر الجوعى حين يسمعون أن العالم يظن أنهم يتلقون الطعام، بينما الحقيقة أنهم يموتون ببطء».

خبير فلسطيني: ميزانيتهم 100 مليون دولار، وبتكلفة 7 ملايين وجبة ينفد المبلغ في يوم. فكيف يدعون توزيع عشرات ملايين الوجبات؟

أطفالي جائعون

وتزعم «مؤسسة غزة الإنسانية» عبر بياناتها المنتشرة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، أنها توزع نحو 1.5 مليون وجبة يوميًا على المواطنين في قطاع غزة.

الشاب وائل أبو مرزوق، من سكان خان يونس، يتحدث عن تلك البيانات المزعومة بغضب: «منذ أن بدأوا يتحدثون عن هذه المساعدات، لم أرَ شيئاً يصل إلى المخيم الذي أعيش فيه. نحن نعتمد على بقايا ما توزعه بعض الجمعيات الصغيرة، أو على ما يرسله الأقارب من فتات عبر الأنفاق القليلة التي ما تزال تعمل».

ويتنهد وائل قبل أن يضيف: «الأرقام الضخمة التي يعلنونها تزيد إحباط الناس. لأنها توحي أن هناك طعاماً وفيراً، بينما نحن لا نجد شيئاً. هذا تضليل مزدوج: يضللون العالم ويضللوننا نحن أيضًا». يشير خلال حديثه لـ»القدس العربي» إلى أطفاله الثلاثة الذين جلسوا بجانبه وقد بدا عليهم الهزال: «لو كانوا يوزعون فعلاً مليون وجبة يومياً، ألن تصل ولو وجبة واحدة إلى هؤلاء الصغار؟».

اقتصاد زائف

المحلل السياسي والاقتصادي الفلسطيني تيسير المغربي قدّم قراءة موسعة حول هذه المفارقة قائلاً: ««منظمات المساعدات الأمريكية وإعلام الاحتلال يزعمون أنهم وزعوا خلال أسبوع واحد منذ 9 أيار / مايو نحو 7 ملايين وجبة. هذا الرقم غير صحيح ومبالغ فيه».

وأوضح: «لو صحّ هذا الادعاء، لكان كل مواطن غزي قد حصل على ثلاث وجبات كاملة في ذلك الأسبوع، لكن الحقيقة أن أكثر من 80% من السكان لم يحصلوا على أي وجبة. أنا شخصياً لم أحصل على شيء، ولا أعرف أحداً من معارفي حصل على وجبة واحدة».

ثم مضى شارحاً الجانب الاقتصادي: «لو تم توزيع مليون وجبة يومياً، لكان من الطبيعي أن تهدأ الأسعار في السوق. لكننا نرى العكس: الأسعار تزداد التهاباً. سعر كيلو السكر اليوم 200 شيكل (59 دولارا أمريكيا)، وسعر كيلو الطحين 55 شيكلاً (16 دولارا أمريكيا). وهذا دليل أن الكميات المعلنة لا تصل إلى السوق ولا إلى الناس».

وأضاف خلال حديثه لـ»القدس العربي»: «الأمر لا يتوقف عند هذا. فلو قسنا قدرات المراكز الثلاثة التي يقال إنها توزع هذه الوجبات، سنكتشف استحالة العملية. كل مركز يحتاج إلى آلاف الساعات يومياً للتوزيع، وهذا غير منطقي».

كما أشار المغربي إلى المبالغ المرصودة: «كل التقارير تقول إن ميزانية المشروع 100 مليون دولار فقط. فإذا حسبنا تكلفة 7 ملايين وجبة، فإن المبلغ ينفد في يوم واحد. فكيف يستمرون في الادعاء بتوزيع عشرات الملايين؟».

وتابع قائلاً: «هذا يضعنا أمام احتمالات ثلاثة: إما أن الأرقام تُستخدم للدعاية الخارجية فقط، أو أن هناك سوء تنظيم وفوضى في التوزيع، أو أن ثمة اختلاسات وسرقات لتبرير الأموال المصروفة».

وشدد في ختام تحليله: «النتيجة أن المجاعة ما زالت قائمة، والأسعار تزداد، والمواطن لا يشعر بأي تحسن. الأرقام الضخمة لا تطعم الجائعين».

تضليل اجتماعي

أما الصحافي والمحلل الاجتماعي عامر الفرا فذهب أبعد من التحليل الاقتصادي، ليتحدث عن الجانب الإعلامي قائلاً: «أحد أساليب الخداع الإعلامي هو التلاعب بالأرقام لتضخيمها. يوزعون عدداً محدوداً من الطرود الغذائية، ثم يعلنون أنهم وزعوا ملايين الوجبات».

وأضاف: «تتبعت منشورات المؤسسة، فوجدتها تدّعي أن كل كرتونة طعام صغيرة تعادل 57 وجبة. وهذا تعريف مضلل وخاطئ. الكرتونة قد تحتوي على بضع مواد غذائية، لكنها لا تشكل وجبات كاملة». وأوضح الفرا لـ»القدس العربي»: «حين نقول وجبة، فإننا نقصد تركيبة متكاملة من العناصر الغذائية، بينما هم يعتبرون كل كيس ملح أو معكرونة وجبة مستقلة. هذا تزوير في المصطلحات». ثم أردف قائلاً: «الهدف من هذا التلاعب ليس فقط إرضاء المانحين، بل التغطية على الواقع المرير في غزة. فهم يضخمون الأرقام ليظهروا بمظهر الفعّالين، بينما الجوع يتفاقم».

وأكد: «لقد عايشنا أحوال الناس يوماً بيوم، وكل المؤشرات تدل على أن التجويع ازداد بعد برامج المساعدات الأمريكية. الأسعار ارتفعت، والاحتياج ازداد»؟وختم تحليله بدعوة واضحة: «لا بد من مقاييس أخرى أكثر صدقاً، مثل تراجع معدلات سوء التغذية أو انخفاض الأسعار، لا الأرقام المضللة التي لا تشبع أحداً».

بروباغندا فاشلة

ورأى الاستاذ في الإعلام والحرب النفسية إياد القرا رأى أن ما يجري «جزء من منظومة التضليل». وقال: «مؤسسة GHF تابعة للنظام العسكري الإسرائيلي، وهي أداة سياسية أكثر منها إنسانية. الأرقام التي تُعلن على لسان الرئيس الأمريكي وغيره ليست سوى دعاية».

وأضاف لـ»القدس العربي»: «حتى هذه الدعاية فشلت في إقناع الناس. لم يقتنع الغزيون، ولم يقتنع حتى المانحون المطلعون على الحقائق. لكنها محاولة لإظهار المؤسسة كبديل عن الأمم المتحدة».

وأوضح القرا: «في الماضي، كانت الأمم المتحدة توصل المساعدات إلى مئات النقاط داخل القطاع. اليوم نتحدث عن أربعة مراكز فقط، يقتل عندها الناس جوعًا». وأشار: «هذه الأرقام ليست فقط غير دقيقة، بل إنها أسهمت في تفاقم الأزمة. لأن إسرائيل جعلت المؤسسة منفذاً وحيداً للمساعدات، فأصبح الوضع أسوأ». وختم قائلاً: «ما يحدث ليس حلاً، بل مشكلة بحد ذاته.

إنهم يستخدمون الدعاية لتجميل الكارثة، بينما الحقيقة أن الناس ما زالوا جائعين وأن أكثر من ألف شخص قُتلوا عند مراكز التوزيع».

Loading

Share This Article