افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 22/8/2025
حرب الغلة المتناقصة
بقلم: شلومو بن عامي
مؤرخان مشهوران من جامعة هارفرد، جراهام اليسون ونيل بيرجوسون كنبا في 2016 مقالا مشتركا ومتكلفا والذي فيه دعيا الى تشكيل “مجلس مؤرخين” في البيت الابيض. لقد قدما كمثال للحاجة الى ذلك الجهل الذي ساند في حاشية جورج بوش عشة غزو العراق في 2003. الرئيس لم يستجب للتحذيرات بأن اعماله ستقود الى ان السيطرة على بغداد ستنتقل الى سيطرة شيعية برعاية ايران.
اصلا بوش، والذي لم يدعي انه مثقف للغاية، ولكن عندما يلتقي الجهل التاريخي مع غطرسة شخص يعرف كل شيء مثل باراك اوباما – الذي ادعى انه لم يكن بحاجة الى كتابات جورج كينان، الخبير اللامع وبعيد النظر في شؤون روسيا والذي رسم الاسترانيجية الامريكية في الحرب الباردة – فإن النتيجة هي العمى فيما يتصل بالعلاقة الوثيقة بين روسيا واوكراينا. كلا هذين المؤرخين المذكورين صكا مفهوم “”التاريخ التطبيقي” – وهي محاولة لابراز التحديات والخيارات التي تقف امام الزعماء في هذا الوقت، عن طريق تحليل سوابق ومقارنات تاريخية. وقد استلهما افكارهما من اعظم المؤرخين التطبيقيين المعاصرين، هنري كيسنجر.
كيسنجر عمل ضمن نطاق اهمية التشبيهات التاريخية والرؤى (او الاشارات التحذيرية) التي يمكن استخراجها من الماضي لتلبية احتياجات الحاضر، دون ان يغفر ان التشبيهات قد تصبح سلاحا ذو حدين – فهنالك تشابه بين القطة والنمر، ولكن من غير المستحسن الخلط بينهما. لقد تعلم من معاهدات السلام التي ابرمت بعد الحروب النابليونية انه من اجل استقرار النظام الدولي، يجب ان يكون شرعيا في نظر الاطراف الرئيسية في الساحة.
هو لم يكن صديقا كبيرا لحركات التحرر الوطني مثل م.ت.ف ، وحتى اقل من ذلك مع الجهاد الوطني لحماس، ولكن من خلال الواقعية الباردة التي ميزته فهم ان قوات ثورية ترى في الواقع الراهن كمعادي لحقوقهم الى درجة، انهم سيعملون على كسره بكل الوسائل المتاحة لهم. هكذا تصرفت مصر بعد هزيمتها في 1967. لهذا خضع كيسنجر للقوات الثورية في شمال فيتنام والفيتكونج، منذ اللحظة التي فهم فيها ان الحرب تحولت الى دوامة قاتلة ذات “عوائد متناقصة.
ولكن السنين تعطي للاقوال معناها الحقيقي. في نهاية المطاف، الرأسمالية الامريكية غيرت وجه فيتنام، وهي اليوم مجتمع مهم في نسيج التحالفات للولايات المتحدة في جنوب شرق اسيا. ومن هو العدو؟ هي نفس الصيف التي ساعدت فيتنام الشمالية لتهزم “الامبرالية الامريكية”. اي، ليس هنالك اعداء للابد، والتاريخ مليء بالثورات الدبلوماسية من هذا النوع. تيضا مصر واسرائيل وضعهمها كيسنجر على مسار سلام بين متساوين، بدون منتصرين ومهزومين. العاب صفرية المجموع لا تقود الى سلام، هكذا اعتقد. هو لم يؤمن بالسلام الخالد لعمنوئيل كانت، ولكنه فهم ان الحرب يمكنها ان تخلق احتمالات غير متوقعه لاتفاق سياسي او لنظام عالمي جديد.
ايضا في 1973 عرف كيسنجر كيف يوقف الحرب قبل ان تدخل في دوامة العائد السياسي المتناقص. لقد قدر بأنه لو سمح للجيش الاسرائيلي بأن يجوع حتى الموت الجيش الثالث المصري والتقدم نحو القاهرة بعد الكيلو متر وتحد، فإن النصر العسكري “المطلق” لم يكن ليقود الى اتفاق سلام مع مصر. هذا الامر استخلصه من عبر الماضي. كل الانتصارات “المطلقة” لاسرائيل من 1948 مرورا ب1956 وحتى ام الانتصارات 1967، ليس فغقط لم تؤدي الى سلام بل هي فقط غذت شهاوات الانتقام لدى اعدائنا.
كتاب وولفينج شيفل بوش، “ثقافة الهزيمة:حول الصدمة الوطنية، والحداد والتعافي”. هو صياغة تفتح العيون وتجسد كيف انه على طول التاريخ، الامم المهزومة تستنسخ قصتها، وتتبنى موقف الضحية صاحبة التفوق الاخلاقي على المنتصر، واحيانا ايضا تتبنى طرقه. ولكن هنالك امر واحد لا تفعله: هي هن لا يسلمن بالهزيمة. هذه كلها قضايا موضوعة اليوم امام اسرائيل، وتاموجودة في خلاطة حرب فقدت هدفها واصبحت عملية تدمير ذاتي وفقدان اخلاقي للطريق.
اعتمادا على المقارنة بين ساحة الحرب في غزة والحروب غير متكافئة اخرى في الماضي، كان يمكن ان نقدر منذ البداية ان “النصر المطلق” هو هذيان خطير، وان الحرب التي تستمر بدون هدف سياسي نهايتها ان تخضع لقانون العائد المتناقص الذي حذر منه كيسنجر. في ظل غياب استراتيجية خروج كيسنجرية، فإن حكومة اسرائيل تتصرف كمقامن قهري في كازينو، حيث يتم ضخ المزيد والمزيد من الرقائق في اللعبة – المزيد من الجنود المنهكين، والمزيد من الرهائن اللذين يموتون والمزيد من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، مما يحول اسرائيل الى تجسيد للشر في نظر العالم.
هذا هو نفس النوع من المقامرة الذي ميز الامريكيين في فيتنام وفي افغانستان وثبت انه عديم الجدوة؛ مقامرة جاءت بدلا من ادراك ان ضخ المزيد من القوات لن يؤدي الى انعطاف في المعركة، نظرا لأن طابق ساحت القتال لا تسمح ب”عملية برية” كلاسيكية والتي اعتادت تعليها الجيوش النظامية، والاكثر اهمية – نظرا لان قوات العدو لا يوجد لديها ما تخسره، فإنها تتحرك مدفوعة بكراهية متقدة للقوات الغازية. كلما تطورت المعركة فإنهم يراكون المزيد من الدعم الدولي ويزيدون القلق والتعب في بيت الغازي.
الولايات المتحدة خسرت في الحرب في فيتنام بعد ان خسرت فيها في الجامعات وفي الرأي العالم الغربي. في افغانستان هي خسرت امام تعدو جهادي لم ينجح اي تعزيز للقوان في مواجهة لا مبالاته تجاه الخسائر والموت. امريكا ايضا لم تصمد امام تأثير الدمار الذي احدثته على الرأي العام في الداخل. ليس فقط الشتاء الروسي كسر روح جنود الفيرمخت الالمان في عملية بربروسا بل ايضا القدرة اللانهائية لستالين في ان يرسل الى المعركة المزيد والمزيد من الفرق الجديدة والنشطة من داخل اعماق الجغرافيا الروسية.
من الواضح ان هذه ساحات حرب مختلفة جهوريا ومع ذلك ما يجب ان يفكر به الجنود الاسرائيليين المنهكين في غزة واللذين بعد سنتين من الحرب اتضح لهم ان حجم قوات حماس بقي مثلما كان في بداية الحرب، نظرا لانها قادرة على ملء صفوفها الناقصة عن طريق تجنيد قصري او مقابل دفع وحماية من الجوع؟
ومثلما انه في فيتنام سمع صوت المندرينيم بقوة، هؤلاك الخبراء الذين حللوا المعركة بمشرط بارد وعقلاني بدرجة مرعبة، بعيدا عن اي اعتبارات اخلاقية، كذلك الامر في حرب غزة. لكن في مثل هذه الحروب تحدد الاعتبارات الاخلاقية نتائج الحرب، تماما كما تحددها الفرق المدرعة والقصف الفيتنامي. في فيتنام دعا الخبراء الى السحق وتدمير البنية التحتية والقصف بلا رحمة. احدهم هو تومس شيلنتج الحائز لاحقا على جائزة نوبل في الاقتصاد والذي ايد القصف المميت، ولكن يحسب له انه قال ايضا انه يجب ايقافه اذا اتضح بعد ثلاثة اسابيع انه لا يؤدي سوا الى زيادة ديناميكية “العائدات المتناقصة”.
في اسرائيل الاقراحات كانت التجويع، و”احتلال اراضي” لأن هذا “هو الاكثر ايلاما لحماس”. ولكن حروبا كهذه لا ينتصرون فيها في ساحة الحرب بل في الرأي العام. اذا كنا في الماضي قد اعتدنا على التفاخر بأنهم “سوف يدرسون في الاكاديميات العسكرية حروب اسرائيل”، فإنه بعد حرب السابع من اكتوبر فإن ما سيعلموه هو كيف حدث ان العدو الاضعف من بين شركاء دائرة النيران التي احاطت باسرائيل منذ ذلك اليوم الفظيع، هو الذي بعد سنتين من المعارك الدموية مازال يقف عل ارجله وحتى يضع شروطا لانهاء الحرب – والذي لا ينحرف عنها منذ اليوم الاول للحرب.
حتى لو هزمت حماس، فإن الضربة التي اوقعها بالمحتل البغيض – تثبيته في الحرب الاطول في تاريخه، والخسائر في المعركة، الاف الجرحى، والعدد الاكبر من الجنود المنتحرين، واطلاق سراح الاسرى المهمين الجماعي، والهزة الاقتصادية بسبب تكاليف الحرب الباهظة، والعزلة الدولية، وتثبيت وصمة دولة مخالفة للقانون، والشرخ الداخلي العميق وبعث القضية الفلسطينية – هو بمثابة انتصار في الوعي ولدى الرأي العام والذي سيظل محفورا لسنوات طويلة في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون ربما فشلوا في بناء مؤسسات دولة، ولكن تم التأكد من قوتهم في تحويل الجنة التي يتفاخر الاسرائيليون باقامتها في دولتهم الى جهنم. اذا كانت اسرائيل تصر على ابقاء الاحتلال على حاله فإنها ستضطر الى العيش الى الابد على سيفها، وان تعمق اكثر فأكثر، الاختراق المخابراتي الى حياة الشعب المحتل، حتى لا تقوم مجموعة ما او غيرها من بينه باعداد طبقة محدثة للسابع من اكتوبر في غلاف غزة او في غلاف كفر سابا.
اسرائيل فشلت فشلا ذريعا في تحديد معادلة القوة وفي فيهم جوهر النصر والهزيمة في الحرب في غزة. هذا غير مرتبط بالدلالات، هذا عيب في استخلاص العبر الاساسية من اوضاع مشابهة في الماضي، والتي فيها الجانب الضعيف بقي على قيد الحياة بفضل اندماج دافع ايدلوجي – جهادي، وقومية متطرفة وقوة تجند روح المقاومة للاحتلال في ساحة معركة غير متكآفئة.
اسرائيل لم تنجح في ادراك الطابق الحقيقي لساحة المعركة في حروب هذه الفترة. حيث انها تخترق الحدود الجغرافية والتي تجري في داخلها العمليات العسكرية. وهي تمتد حتى الميادين الرئيسية في عواصم العالم، وهي تنتشر في الثقب الاسود للشبكات الاجتماعية لدرجة ان صمود من قام بالهجوم الارهابي الاكثر حقارة وهو حماس ارتفعت الى مكانت المقاومة البطولية في غزة – ستالين غراد الخاصة به.
الدول السيادية ملزمة دائما بالقيام بحسابات التكلفة – والربح والذين اطراف لا يشكلون دولة مثل حماس هم اقل التزاما بها. حتى نظام راديكالي مثل الجمهورية الاسلامية الايرانية ملزم بدرجة من الانضباط ولكونه دولة ذات اعتبارات اقتصادية وتطلعات للمصالحة مع المجتمع الدولي كمفتاح لبقاء الثورة الاسلامية.
يمكن ردع دولة مثل ايران ولكن بعد سنتين من الحرب فإن اسرائيل مازالت تبحث يائسة عن الاداة ل”الانتصار المطلق” على حماس. معضلة حزب الله لم تكن تختلف كثيرا عن معضلة ايران. لقد هزم ليس فقط بسبب قطع رؤوس زعماءه وفقدان جزء كبير من ترسانته، بل نظرا لانه لم يكن بامكانه تعريض دولة لبنان لعقاب متواصل من هجمات سلاح الجو الاسرائيلي.
اتضح اذن ان المسؤولية المرافقة للسيادة وللدولة يمكنها ان تكون عاملا كابحا وضابطا. لا يوجد لحماس ضغوطات كهذه. لو ان ايران كانت تعاني من ستين الف من العسائر في المدنيين والجنود، مثلما حدث مع حماس – مع الاخذ بالاعتبار الفرق بالحجم، المعادل الموازي في حالة ايران كان مئات الالاف من القتلى – فإن النظام الايراني كان سينهار. ولكن حماس مازالت تقاتل. ليس فقط ان رؤساءها تمت تصفيتهم جميعا وكل جهازها العسكري والمدني تحطم بل انها فعليا ضحت بصورة متعمدة بمدنييها وتركتهم للموت والدمار – في حين ان مقاتليها ظلوا محميين جيدا في انفاقهم مع وفرة من الطعام – مع معرفة بأن هذا الامر يخدم مصلحتها في الرأي العام العالمي.
الحقيقة هي ان “العائد المتناقص” هي تعبير نقي يصف بالاساس النظرة العسكرية الواضحة للمعركة. ولكن في الاستحواذ الاعمى لزيادة العائد في الحرب مع عدو متملص، غير منظور، فإن اسرائيل تقوم بفظائع ستكون وصمة على جبين الدولة الهيودية لسنوات عديدة قائمة. هل يعقل ان شعب ضحايا الكارثة يرتكب ضد الشعب المجاور اكثر الجرائم فظاعة، وهي الابادة الجماعية؟
عندما نرى كيف تواصل حماس بالوقوف على رجليها بعد ان قضى الجيش الاسرائيلي على كل قيادتها في هجمات تسببت بدمار بابعاد توراتية وبموت “عرضي” لعشرات الالاف من الاطفال والمدنيين الابرياء، علينا ان نتساءل ماذا كان هدف هذه الوصمة الاخلاقية؟ وعندما يكون كل هذا مرفقا بندائات للتدمير والتطهير العرقي من افواه وزراء في الحكومة، وبصورة تثبت ان عامل النية موجود، فما الغرابة في ان تهمة الابادة الجماعية تجد تأكيدا لها؟
حتى اذا تملصت اسرائيل من الادانة في محكمة العدل الدولية في لاهاي على اساس بند قاانوني ما او غيره، فإن هذا لن يلغي الموصمة التي التصقت بالدولة اليهودية، ولقب “الابادة الجماعية” الذي الصق بها. صحيح، انه مع كل اهوالها، فإن غزة ليست اوشفيتس، مصنع لقتل الالاف يوميا. ولكن اليوم تعريف جريمة الابادة الجماعية لا يركز على عدد القتلى ولا على الطريقة التي ماتوا فيها. النية المعلنة للمس بمجموعة وطنية او عرقية هي التي تقرر.
في سربنتسيا قتل فقط 8 الاف مسلم بوسني وهذا الحدث اعتبر كابادة جماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا. حروب اليهود ضد الفلسطينيين، مثل حروب البلقان هي من النوع الذي يغذي جنون الابادة الجماعبة – اصطدام مباشر لروايات قومية مصرة والذي لم يتم الحثور على سبيل المصالحة بينها، معركة مريرة حول وثائق ملكية عمرها مئات السنين وحملى لمجموعات عرقية ودينية متعادية لتلك المناظر الطبيعية لجغرافيا فقيرة، والذي فيها – اذا استعرنا المقولة المنسوبة لتشرتشيل عن شعوب البلقان – “هم يخلقون تاريخا اكثر مما يستطيعون استيعابه”.
يصعب مناقشة كيف ان قلوب الاسرائيليين اصبحت قاسية في المأساة التي يرتكبها جيشهم باسمهم. وهذا خلافا، على سبيل المثال، للرد العام في الولايات المتحدة وفي فرنسا على الفظائع التي ارتكبتها جيوشهم في فيتنام، وفي العراق وفي الجزائر. فرنسا انسحبت من الجزائر، هكذا شرح في حينه جان بول سارتر، “ليس بسبب عنفهم، بل بسبب عنفنا”. لحسن حظنا، فإن المجتمع المنهك والمستنزف الذي يقود احتجاجا مستمرا للحد من ضغيان الحكومة وانقاذ اسراه الذين يتم التضحية بهم للجوع والموت، قد يكون لديه “ظروف مخففة”.
ايضا هنا يلعب دورا حاسما الطابع المستمر للنزاع والذي حسب الرؤية الاسرائيلية هزم كل محاولة لحل سياسي وتركنا مع الخيار الوجودي “اما هم او نحن”، حيث مذبحة السابع من اكتوبر هي دليل يثير القشعريرة على ذلك. وحتى ان الاسرائيليين اعتادوا على “ردة الفعل” المشروطة من منتقديهم والذين الصقوا بسهولة صفة الابادة الجماعية لكل حرب من حروبهم مع الفلسطينيين. ففي حرب لبنان الاولى اتهم جون لوكاري اسرائيل بارتكاب ابادة جماعية، وشبه خوزي سراماجو الحائز على جائزة نوبا للاداب، جنين خلال عملية الدرع الواقي بمعسكر اوشفيتس. وحسب صحيفة “الغارديان” فإن المعركة في جنين كانت اخطر من الضربة التي وجهها اسامة بن لادن لابراج التوائم بالاف القتلى التي وقعت فيها. وبالنظر الى انعكاس الادوار بالنسبة للكارثة – الادعاء الاسرائيلي يكرر جرائم المانيا النازية – كتب تومس كينلي في “صندوق شندلر”: “الكارثة هي مشكلة الاغيار وليست مشكلة اليهود”، وثمة ايضا مقولة “الالمان (ولغاية هذا النقاش الاوروبيين) لن يغفروا في يوم من الايام لنا عن اوشفيتش”، هذه المقولة التي تنسب الى عدد كبير من الاشخاص.
نحن مسموح لنا ايضا بالاحتماج على ان مئات الالاف من المواطنين القتلى في العراق وافغانستان واليمن او يحظوا بأن يتهم قاتليهم بالابادة الجماعية. ولكن ميزة وفرادة المأساة الفلسطينية في وعي الغرب هي معطى ثابت، جزء لا ينفصل عن “ساحة المعركة” والتي يحارب فيه الاسرائيليون والفلسطينيون منذ سنوات طويلة. في اي نزاع اخر الغضب الاخلاقي لا يدوي بدرجة مشابهة مثلما في الحالة الاسرائيلية – الفلسطينية، وذلك بسبب الحجم الفظيع للمأساة الفلسطينية، وايضا بسبب ان اليهود هم من ارتكبوها. سبب اخر لذلك كما قالت جويس كرم، رئيسة مكتب صحيفة الحياة في واشنطن خلال عملية “الجرف الصامد” هو ان “قتل مسلمين بايدي مسلمين يبدو مقبولا اكثر من قتل العرب بايدي اسرائيل”.
مهما كان الامر، هذا هو الوقت المناسب لتقليل الخسائر في الساحة الاستراتيجية وكذلك ايضا في ابعاد الدكمار الاخلاقي. عصر ما بعد الكولونيالية هو دليل دامغ على انه ليس بالامكان السيطرة على شعوب محتلة للابد. التحرر جاء عندما فهمت الدول العظمى الاستعمارية انها مقيدة بدوامة “العوائد المتناقصة”. اسرائيل هي اليوم القوة “البيضاء” الاخيرة التي تسيطر على شعب محتل، وتقمعه وتسرق اراضيه. الامبراطوريات كانت بالعشرات طوال التاريخ ولكن سيطرة مطلقة بواسطة تكنولوجيات اختراقية من المراقبة والتتبع، مثلما تطبقها اسرائيل في الضفة الغربية، يمكننا فقط العثور عليها في الاحتلال الصيني للتبت، او في السيطرة المطلقة للصينيين على الاقلية الايغورية. وحتى هناك، وحسب اعترافات الريس الصيني شي جن بينغ نفسه، فإن الكابوس الذي لا يترك القيادة الصينيه هو الخوف من ان يتفكك المظام مثلما حدث مع الاتحاد السوفيتي.
صحيح ان غزة والضفة الغربية ليست مستعمرة فيما وراء البحار، ولكن الوطن التاريخي الذي يقع في تواتصل مع الدولة الام هو بالضبط السبب في صعود الفاشية الدينية الاسرائيلية، وايدولوجية التفوق اليهودي التي ترافقها. بشكل عام لطالما كانت الامبراطوريات البرية – المانيا وروسيا والصين – ارضا خصبة للاستبداد والتفوق العرقي. ام الامبراطوريات البحرية – بريطانيا وفرنسا – فهي في جوهرها “ليبرالية” ومن خلالها انبثقت معظم الامم الحرة.
في اسرائيل يسود اليوم نظام لكولونيالية مستبدة. هذا النظام لفيه الفائز في الانتخابات يأخذ كل الصندوق. الحرب الخالدة هنا هي “عائد متزايد” من ناحية حكومة نتنياهو – وبذريعة كهذه هو ايضا من شأنه ان يمنع الانتخابات القادمة. ونظرا لان الديكتاتورية وتعميق الاحتلال – حيث حرب غزة هي سيتارة من الدخان والتي في ظلها اصبحت الضفة الغربية هي شرق منفلق العقال للتهجير والطرد – مرتبطتان احدهما بالاخر، فليس هنالك اي احتمال لانهاء الاحتلال بدون اخراج الحكومة الديكتاتورية من معادلة حياتنا.
غالبا الحروب تقود ايضا الى نتائج غير مقصودة وهذه ليست بالضرورة جميعها سلبية. عندما بدأت اسرائيل هجومها المضاد في غزة، فإنها لم تقدر بأن المنطقة ستتغير بهذه الصورة. الجيش الاسرائيلي كسر حلقة النار الاقليمية بقيادة ايران بوساطة نوع فريد من الحرب والذي هو حقا من المتميزين في هذا النوع: دمج مابين المخابرات وسلاح الجو بالتنوع المثير للانطباع لقدراتهما. بنا وبالولايات المتحدة يرتبط امر فيما اذا كانت القوى التي تدعو الى تسريع السباق نحو الاسلحة النووية او تلك التي تسعى الى المصالحة التكتيكية مع الغرب، سوف تنتصر في ضووء مفترق الطرق التي دفعنا ايران اليه في الحرب ضدها.
الاسرائيليون ايضا لم يخطر ببالهم ان حماس، العدو الايدولوجي لحل الدولتين ستكون هي من في نهاية المطاف ستخرج هذا الحل من هاوية النسيان وتضعه على رأس اجندة المجتمع الدولي. لقد اوضحت حرب غزة انه في غياب حل سياسي فإن الفلسطينيين سيواصلون الاحتفاظ بقدرة استراتيجية مجربة لكسر حلم السلام الاقليمي للاسرائيليين.
نتيجة غير مقصورة اخرى لذه الحرب هي ان تحطيم القدرات العسكرية لحزب الله خلق الظروف للبنان لكي تعيد لنفسها سيادتها وتجرد حزب الله من سلاحه وتصبح دولة لديها حكومة واحدة وجيش واحد. ان احدا لم يتوقع سقوط نظام البعث في سوريا. اجل، لقد فتحت فتحة لسلام اسرائيلي في المشرق. هذه كلها فرص ولكنها معقدة وليست مؤكدة، والتب فقط حكومة جديدة، ستتحرر من الافتراض الذي لا اساس له بأن الحرب والسياسة هي دائما لعبة صفرية المجموع، ويمكنها ان تضعها في اختبار حقيقي.
——————————————
هآرتس 22/8/2025
نتنياهو يواصل مناوراته
بقلم: عاموس هرئيلِ
تتسارع الأحداث بوتيرة جنونية، ومع ذلك يبدو أننا في معظم الأحيان نراوح مكاننا. هذا الأسبوع وحده، تعاملت المستويات السياسية والعسكرية مع ست أزمات في آن واحد، جميعها مرتبطة بالحرب على حماس. استجابت الحركة بإيجابية لمقترح الوسطاء بصفقة جزئية لإطلاق سراح الأسرى، بعد وقت قصير من إعلان بنيامين نتنياهو أنه لن يقبل إلا بصفقة كاملة؛ دعا دونالد ترامب إلى القضاء على حماس، بينما يعرض جيش الدفاع الإسرائيلي خططًا جديدة للسيطرة على مدينة غزة؛ يواصل وزير الدفاع يسرائيل كاتس استفزاز رئيس الأركان إيال زامير؛ يُصعّد مراقب الدولة متنياهو إنجلمان لهجته ضد كبار مسؤولي جيش الدفاع الإسرائيلي ويعتزم نشر تعليقات شخصية ضدهم بشأن التحقيقات في مجزرة 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ ومن المتوقع أن يقدم العقيد المتقاعد سامي ترجمان قريبًا استنتاجات الفريق الذي يرأسه، والتي من المتوقع أيضًا أن تتضمن انتقادات شخصية لكبار الضباط بشأن هجوم حماس. في الخلفية، تحوم قضية قطر باستمرار. يُصرّ رئيس الوزراء على توجيه اتهامات لمستشاريه الذين تلقوا مبالغ طائلة، ربما خوفًا من أن يُفصحوا للشرطة عما يعرفونه حقًا. في الوقت نفسه، يدّعي أنه لم يكن على علم بعملهم الجانبي، مما يُفاقم الوضع القانوني للمشتبه بهم (لأنه يُوحي بأن المعلومات أُخفيت عنه عمدًا، أي بمعرفة العواقب).
يُوصف اقتراح الوسطاء الجديد في جيش الدفاع الإسرائيلي بأنه “نسخة مُحسّنة من ويتكوف”، أي تغيير لصالح إسرائيل في الخطة التي قدمها مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، قبل نحو شهر. لو عُرض الاقتراح آنذاك، لكان من المرجح أن يُستقبل بحماس كبير في المؤسسة الدفاعية. لكن في غضون ذلك، غيّر نتنياهو القواعد مجددًا – وانتقل إلى مطلب حاسم بصفقة شاملة، دون أن يُفسّر حقًا سبب انحرافه عن موقفه الذي تبناه لمدة عام ونصف تقريبًا.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى سرعة نفخ الأبواق في وسائل الإعلام والتصريحات التحريضية لوزراء اليمين المسيحي، بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير وأوريت ستروك، يبدو أن نتنياهو يعمل هذه المرة أيضًا بنشاط خلف الكواليس لتشجيعهم على تخريب فرص التوصل إلى اتفاق. زعم أبراهام لنكولن أنه لا يمكن للمرء أن يكذب على كل الناس طوال الوقت؛ ويحاول نتنياهو التحقق مما إذا كان الرئيس الأمريكي على حق بالفعل. لا أحد في إسرائيل، ربما باستثناء الوزير رون ديرمر، يعرف على وجه اليقين إلى أين يتجه رئيس الوزراء. وأقل من ذلك بكثير الفرق المشاركة في جهود إعادة المخطوفين، الذين تم استبعادهم تمامًا مما كان يجري.
بعد التفاؤل الأولي الذي سيطر لفترة وجيزة على عائلات المخطوفين هذا الأسبوع، يتزايد الشك مرة أخرى بأنه ما لم يُجبره ترامب، فلن يقبل نتنياهو بالصفقة. في الوقت الحالي، يدعمه الرئيس تمامًا. على هذه الخلفية، يبدو قرار قيادة النضال بإلغاء يوم الاحتجاج المقرر يوم الأحد المقبل، بعد الاستجابة الواسعة للاحتجاج الحاشد الذي شهده القطاع في وقت سابق من هذا الأسبوع، قرارًا خاطئًا. صحيح أن نتنياهو أرسل مبعوثين لضبط القيادة هذا الأسبوع، لكن ذلك كان بهدف تحقيق أجندته الخاصة، لا أجندة المختطفين. أعلن الليلة الماضية أنه أصدر تعليماته بفتح مفاوضات فورية بشأن عودة جميع المختطفين. إذا أرسل وفدًا إلى قطر مجددًا، فقد يُنظر إلى ذلك على أنه استعداد أكيد للمضي قدمًا. لا يزال الجيش يأمل في إمكانية سد الفجوة بطريقة ما وتقديم الاتفاق الجزئي كمرحلة أولى على طريق الاتفاق الكامل. وإلا، فسيواصل نتنياهو مساره المعلن، واعدًا بهزيمة حماس – وهي خطوة يُشكك في تحقيقها بشدة، وستُعرّض حياة المختطفين والجنود للخطر الشديد. كعادته، يُناور نتنياهو بين مطالب شركائه في الائتلاف (استمرار الحرب، احتلال قطاع غزة بالكامل، استئناف الاستيطان) والغضب المتزايد لدى قطاعات واسعة من الجمهور، كما عبّرت عنه المظاهرات. لكن في الوقت الحالي، الأمر لا يتعلق بموازين القوى: سموتريتش وإيتامار بن جفير يخيفانه أكثر.
في الخلفية، يتنافس وزراء الليكود مع بعضهم البعض بإعلانات متضاربة ومبالغ فيها ومشوهة. ستغادر وزيرة النقل ميري ريغيف في زيارة طويلة إلى الولايات المتحدة، تاركة وراءها شبكة سكك حديدية في حالة شبه خراب. يزور وزير الخارجية جدعون ساعر أفريقيا ويتحدث بحماس عن “رفع العلم الإسرائيلي مجددًا في زامبيا”، وهي قضية من المؤكد أنها سترفع معنويات المواطنين في الداخل. في هذه الأثناء، أعلن وزير الدفاع إسرائيل كاتس – وهو شخصية ربما لم تكن لتحظى بالمصداقية حتى في مسرحية لحانوخ ليفين – أنه “وافق على خطط عملياتية للسيطرة على مدينة غزة”، وقال: “ندعو الآن جنودنا الأبطال للسيطرة على العلم”، وأضاف أن العملية ستُسمى “عربات جدعون 2″، وهي استمرار لعملية “عربات جدعون” التي أدت إلى هزيمة حماس وسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي على 75% من غزة. هل تشعرون بالحيرة؟ نحن أيضًا. إذا كانت حماس قد هُزمت بالفعل، كما يزعم كاتس، فلماذا تحتاج إلى هزيمتها مجددًا؟
إلى جانب سطحية الوزير، الذي يهتم أساسًا بمكانته في مركز الليكود، تكمن مشكلة جوهرية هنا: لقد وجّه جيش الدفاع الإسرائيلي ضربة موجعة لحماس العام الماضي. في رفح، خريف العام الماضي، كانت هناك مناطق زارها حتى كبار الضباط بسيارات جيب هامر مكشوفة وغير مدرعة. لكن إصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب دون تركيز القوات ودون أهداف واضحة سمح للمنظمة بالتعافي، بطريقتها الخاصة.
——————————————
إسرائيل اليوم 22/8/2025
جوائز لحماس
بقلم: يوسي بيلين
يوم التوقف في بداية الأسبوع كان حدثا مبهرا للغاية، حظي بتقدير في وسائل الإعلام في العالم، بعد فترة طويلة اعتدنا على أن نسمع ونرى فيها انتقادا شديدا جدا على إسرائيل. كان هذا حدثا محترما، هادئا اجمالا، أعربت فيها الامة عن تضامنها مع المخطوفين الذين في ايدي حماس، وذكرت كل من كان بحاجة لذلك بان حدثا رهيبا وقع هنا قبل 22 شهرا وهو الذي تسبب بالرد العسكري الإسرائيلي القاسي. لا شك أن المخطوفين الذين تظاهروا في وسائل الاعلام لاحداث هذا اليوم استمدوا الامل من مئات الالاف الذين صرخوا صرختهم. بدلا من ان ينزل من مكتبه، مثلما فعل رئيس الدولة ويشجع الجمهور، صرخ رئيس الوزراء على المتظاهرين في بيان من طرف واحد من الاستديو الخاص به بل واعلن بان الحدث هو جائزة لحماس.
وبالفعل – لا. يوم التوقف كان بادرة طيبة لاعداء حماس وعلى رأسهم الخمسين مخطوفا الذين بقي عشرين منهم على قيد الحياة. الرسالة هي – رغم الصعوبة الرهيبة – انتظروا قليلا. لم ننساكم ولن ننساكم، وسنفعل كل ما في وسعنا كي نحرركم. كان فقط ينقص ان نطيع بيبي: الا نتظاهر، الا نخرج الى الميادين وان ننتظر لان ينجح هو ومستشاروه في انقاذ المخطوفين.
تشوشت، سيدي رئيس الوزراء
مثلما لم تفهم دوافع حماس عندما اعتقدت ان حقائب المال ستمنع عنفها، مثلما لم تفهم بان دولة فلسطينية هي اضطرار إسرائيلي لاجل ضمان وجود حدود شرقية وإسرائيل كيهودية وديمقراطية – هكذا تخطيء في الادعاء بان التوقف عزز انذال حماس. وجدير اثارة الاهتمام في الموضوع إياه، نتنياهو يخطيء في أن النشاط العسكري الذي يقوده سيمنع 7 أكتوبر آخر. ما سيمنع هذا هو خطوة شاملة يوجد فيها الى جانب النشاط العسكري، نشاط سياسي مع القيادة الفلسطينية في ظل الوعد الا يكون لحماس أي نصيب في الحكم على حماس. لا هجوما إضافيا على غزة، انطلاقا من ترقب في ان هذه المرة ستكون نتيجة أخرى.
مساهمة بن غفير البطل للقيادة الفلسطينية
عندما سيتولى مروان البرغوثي منصب رئيس الدولة الفلسطينية، سواء من داخل السجن أم من خارجه لن يستطيع الا يشير الى اللقاء الانفعالي بينه وبين ايتمار بن غفير في سجن غانوت. وزير الشرطة النشط حرص على ان يصوروه ينزل على البرغوثي المذهول ويمنحه، مجانا، درسا في التاريخ اليهودي. صعب قليلا ان نفهم كيف ينجح هذا بالضبط في “القاعدة”، ويحتمل أن في مقلوب على مقلوب ينال بعض النقاط، لكن واضح ان الفائز الأساس هو البرغوثي، الذي لا يوجد استطلاع فلسطييني في السنوات الأخيرة لا يجده في المكان الأول، بعيدا عن المكان الثاني كالبديل المستقبلي لمحمود عباس. على كل حال، من الصعب ان نفكر بخطوات غبية كاللقاء المصور هذا الذي يبدو فيه البرغوثي كظل نفسه.
هذا ليس حليوة، هذا هو اللجنة. القناة 12 اعدتنا لبضعة أيام لكشف المحادثات التي اجراها رئيس شعبة الاستخبارات السابق اهرون حليوة في محفل ضيق. لم تكن هناك مفاجآت كبرى: شخص محبط، يعترف بمسؤوليته لكنه يفضل أن يتقاسمه مع آخرين، من رئيس الوزراء وحتى زملائه في هيئة الأركان. المهم حقا في أقواله لم يكن بالذات المضمون بل الخطر من ان من شأن الطريقة ان تكون من الان فصاعدا هي السبيل القويم للمرشحين بان يحقق معهم في اللجنة (التي ستقام على ما يبدو بعد الانتخابات)، لعرض شهاداتهم. في هذه الاثناء، طالما ينجح نتنياهو في منع لجنة تحقيق رسمية بكل قوته، فانهم، أو بعضهم من شأنهم ان يقيموا لجان تحقيق من رجل واحد، لاتهام الاخرين وتقزيم ذنبهم، جماهيريا.
هذه الطريقة الجديدة من شأنها أن تلصق اتهامات كثيرة، مبررة وغير مبررة برؤساء المنظومة وعلى رأسهم نتنياهو بحيث يصل هؤلاء الى لجنة التحقيق الحقيقية منتوفي الريش. يحتمل أن بعد زمن ما غير بعيد سيكون نتنياهو هو من يقترح إقامة لجنة تحقيق كهذه، كي يتحرر من لجان التحقيق التي يقيمها رجل واحد.
——————————————-
هآرتس 22/8/2025
قبل ان يتحدث نتنياهو عن لاسامية عليه ان يحرر المخطوفين
بقلم: كارولينا ليندسمان
اللاسامية ليست عدوة لنتنياهو، هي حليفة مخلصة له وسلاحه السري. محرر “هآرتس” الوف بن محق في قوله ان “الانظمة الدكتاتورية والمسيحانية لا تفزع من الضغط الخارجي، هي فقط تبنى منه” (هآرتس 19.8). ولكن خلافا لما كتب، فإن مغادرة المثقفين والليبراليين، والتي تسارعت في السنتين الاخيرتين، ليست “ربحا صافيا” من ناحية نتنياهو.
السبب في ذلك هو ان اسرائيل ليست ايران ولا روسيا. هي دولة صغيرة محاطة باعداء، وليس لديها ترف ان تكون فقيرة. هي لا تستطيع ان تسمح لنفسها بالعيش بدون المثقفين والليبراليين. هي بحاجة الى تفوق تكنولوجي. هي بحاجة للحفاظ على مكانة خاصة في العالم من اجل المحافظة على تحالفاتها وتوسيعها.
هنا تدخل الى الصورة اللاسامية. في رده على دومينو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، نتنياهو ارسل هذا الاسبوع رسائل شديدة اللهجة للرئيس الفرنسي ماكرون ولرئيس حكومة استراليا انتوني البنيزي. لقد اتههم البنيزي انه لا يعرف كيف ياعامل مع “وباء اللاسامية التي تفاقم في فترة ولايته”، وماكرون اتهمه بأنه “اشعل نار اللاسامية”. اي تلاعب هذا.
نتنياهو يريد تشبيه اي احتجاج ضد اسرائيل بمعاداة السامية. في رسالة لماكرون اشار الى انه تم رش شعارات “ال عال – شركة طيران جينوسايدية” على مكاتب شركة ال عال في باريس، و “يجب تحرير فلسطين”. كان هذا احتجاجا سياسيا مباشرا ضد شركة الطيران الوطنية لدولة والتي افعالها في غزة تعتبر في ارجاء العالم اعمال ابادة جماعية. هل هذا لاسامية؟ فقط لدى من حول المقارنة مابين اسرائيل واليهودية الى حجر اساس في استراتيجيته – نتنياهو.
هذا التشخيص ليس بريئا، بل محسوبا. خلافا لما قاله، نتنياهو غير معني بقمع اندلاع اللاسامية بل بإذكائها. اجل، يجب ان نقرأ هذا عدة مرات من اجل استيعاب ان هذه الاقوال تقال بجدية عن رئيس حكومة اسرائيل.
اللاسامية سوف تسجن الاقلية الليبرالية في داخل الجيتو النووي الذي هندسه لنا نتنياهو هنا. هي ستضمن ان الاموال ستظل في اسرائيل، وستواصل التدفق اليها؛ وان اليهود الفرنسيين والاستراليين سيشترون شققا في اسرائيل للايام العصيبة، وان الاقتصاد الاسرائيلي سيظل مستقرا مهما ساءت الاحوال في البلاد. وان الهجرة اليها في ازدياد. وان اسرائيل ستظل ملاذا ضريبيا، وملاذا نوويا.
رفول اراد العرب كصراصير مسممة في داخل زجاجة، ونتنياهو يريد هكذا “الكبلانيين” (اسم مشفر) والزجاجة هي دولة اسرائيل. انهم متشوقون جدا للذهاب من هنا لان العفن تفشى في كل شيء، ولكن مازلنا متماسكين، ويكبحون انفسهم بالاعتراف الستوكهولمي (الذي يعاني من المتلازمة) بـ “الحقيقة البسيطة والحاسمة، وهي انه لا مكان لنا للذهاب اليه” (ديفيد افيدان). هكذا يحب نتنياهو “يسارييه”: عالقين في صراع داخلي – وهو المنبع السري للاستسلام. يتنقلون ما بين كابلان والسرب.
ماذا؟ هل حقا لا يوجد مكان للذهاب اليه؟ حسنا، ليس ان كان الامر يتعمد على نتنياهو. ولشديد الدهشة – منذ سنوات هذا يتعلق بنتنياهو. فخطوة الكماشة هي لا تصدق: من جهة فقد دمرت كل ما كانت عليه اسرائيل وفي الوقت نفسه تدمر امكانية العيش خارجها. يصدر لاسامية ويستورد اليهود. ماذا يفعل هذا الشرير. اللاسامية هي ملاذ الشرير نتنياهو.
هو يعظ رؤساء حكوماتهم بأنه محظور السقوط في تلاعباته. عليهم ان يذكروه بأنه فقط رئيس حكومة اسرائيل، وليس البابا اليهودي، وعليه ان يعفيهم من المواعظ عن كيف يهتمون بمواطنيهم وعليه ان يهتم بمواطنيه – والذي هو مستعد للتضحية بهم وتركهم يموتون فقط من اجل اللا يعرض حكمه المتعفن للخطر.
الى ان يحرر الاسرائيليين الموجودين في اسر حماس، فعليه ان يعثر على اشخاص اغبياء اخرين ليلقي عليهم مواعظه الاخلاقية.
——————————————
إسرائيل اليوم 22/8/2025
الفرصة الأخيرة لاحمد الشرع
بقلم: شاحر كلايمن
الحوار الاستثنائي هذا الأسبوع مع حكم احمد الشرع كان درسا في قيود القوة. تذكير: هذا الأسبوع التقى الوزير رون ديرمر ووزير الخارجية السوري اسعد الشيباني في باريس، وبشكل استثنائي أفادت وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا” عن لقاء مع مندوب إسرائيلي.
في دمشق يعترفون بنقطة الضعف العسكرية لديهم، وصحيح حتى الان يحاولون استغلال القنوات الدبلوماسية. من ناحية الجانب الإسرائيلي أيضا واضح انه سيكون متعذرا الخروج لاحتلال محافظة السويداء. مغامرات مشابهة في الماضي انتهت بشكل سلبي جدا وهذا ليس لان للجيش الإسرائيلي تفوق في القوة البشرية ونقص في المهام. ولكن الوضع الصعب في المحافظة يبرز مبادرات إنسانية.
الشرع على علم جيد بذلك، وقد وصف ذلك هذا الأسبوع في لقاء مع شخصيات في ادلب. “توجد بضع عناصر تحاول جمع القوة من خلال قوى عظمى إقليمية مثل إسرائيل او غيرها”، قال، متطرقا الى القيادة الدرزية في السويداء. “المنطقة الجنوبية هي منطقة مع عدد كبير من السكان. كل عدو يرغب في أن يدخل اليها سيضطر لان يوقف شرطيا على كل باب بيت. هذا امر صعب بعض الشيء. وعليه فما يفعلونه الان بضع عناصر في سوريا هو مجرد ازعاج”.
لاحقا، وصف الرئيس السوري تحدي زعماء المحافظة كمحاولة لممارسة الضغط. الهدف هو دفع سوريا في الاتجاه المرغوب فيه من ناحيتهم: مبنى فيدرالي يتيح للاقليات في الدولة المفككة إدارة شؤونهم بشكل شبه مستقل. في قيادة الحكم الإسلامي يرون في ذلك خطا احمر، إذ في هذه المناطق توجد كنوز طبيعية وسكان مسلمون سُنة غير قليلين. الشرع، من جهته، حاول بث هدوء وثقة بالنفس. بزعمه، فان التهديد بتقسيم سوريا “هو امر متعذر تقريبا”، إذ ان “تلك العناصر”، كما وصفها “لا تحوز الوسائل للانفصال عن الدولة”. أحيانا يتحدث انسان ما عن الاخر ويسقط عليه وضعه. ففي دمشق يحاولون بأنفسهم أن يتصدروا خطوة فرق تسد في الطائفة الدرزية في جنوب سوريا. منذ زمن والحكم الإسلامي يتبادل الرسائل مع جهات مختلفة في الطائفة. الهدف المعلن هو بلورة صيغة تفاهمات تجسر الفجوات وتؤدي الى حل. ولكن يبدو ان رجال الشرع يحاولون الاستجابة ظاهرا للمطالب التي طرحت عليهم في اللقاء مع مندوبي إسرائيل والولايات المتحدة.
حسب تقارير عربية، تلقى الوزير الشيباني “فرصة أخيرة” في باريس للوصول الى حل قبل فتح محور تموين بين السويداء وهضبة الجولان. مطالب أخرى طرحت هي إعادة فتح طريق دمشق – السويداء للبضائع ورفع الحصار عن المحافظة الدرزية. في نفس الوقت يوجد جهد لادخال مراقبين من الأمم المتحدة في المحافظة لاجل مساعدة السكان. التخوف هو ان حتى هذه الخطوات لن تكفي، وستتعرض للتخريب من جانب حلفاء دمشق في المنطقة.
“السويداء تقاطع دمشق”
مشكلة الشرع هي ان قلة قليلة جدا في محافظة السويداء مستعدة لان تجري معه مفاوضات. وهؤلاء ليس لهم تأثير حقيقي في الطائفة، ويبدو أن قوتهم ضعفت اكثر في اعقاب المذابح وتبادل اطلاق النار في تموز. وتتحدث التقارير عن قرابة 2000 قتيل ومغدور. وأوضح مصدر درزي فقال: “هذه المحادثات لن تقدم او تؤخر او تحدث تغييرا لقرار أهالي السويداء مقاطعة دمشق ورفض صلاحياتها بشكل نهائي. وروى مصدر آخر لوسائل الاعلام العربية بان التسريبات عن ما يزعم انه حوار تستهدف اثارة البلبلة والخلاف في السويداء.
نشيط درزي، مطلع على ما يجري في المحافظ شرح لـ “إسرائيل اليوم” بان ليث البلوص وجهات أخرى تجري حوارا مع الحكم لا يمثلون حقا أبناء الطائفة في سوريا الا بنسب قليلة. على حد قوله فان الأغلبية الساحقة – 90 في المئة فاكثر – ترى في حكمت الهجري زعيما. بل ان محافل أخرى في السويداء تنعى البلوص وامثاله بـ “الخونة”.
يبدو أنه في محيط الشرع يسعون لان يدقوا اسفينا بين إسرائيل وقيادة الدروز أيضا. من احاطات نشرت في وسائل الاعلام العربية، كان يخيل ان الطرفين قطعا شوطا بعيدا. ففي قناة “العربية” التابعة للسعودية قيل حتى عن اتفاقات حول 80 في المئة من النقاط، بما فيها استئناف مستقبلي لاتفاق فصل القوات من العام 1974. معنى الامر أن تنسحب إسرائيل تماما من المناطق التي احتلتها في جنوب سوريا وعمليا تترك الدروز لمصيرهم. ولما كان السعوديون راغبين في مكانة الشرع، فان التقرير يعكس على ما يبدو تطلعات الجانب السوري أساسا.
الاكراد أيضا يقاطعون
الدروز ليسوا الأقلية الوحيدة التي تقف امام “إعادة توحيد سوريا”. فمؤخرا الغي لقاء كان مخطط له في باريس مع مندوبي قوات سوريا الديمقراطية (الاكراد). وبالتوازي سربت تهديدات لتخطيط هجوم باتجاه الشرق في ظل الاستعانة بقوات قبلية من البدو المحليين. في هذه الجبهة أيضا يبدو ان الشرع يحاول كل الوقت فحص الحدود والانتظار للحظة المناسبة. والى ان تأتي هذه، فلن تكون له مشكلة في تخدير خصومه بالقنوات الدبلوماسية.
——————————————
هآرتس 22/8/2025
نحن سننفذ امر التهجير
بقلم: حجاي العاد
امام فكرة طرد ونفي العرب، والمسمى لدينا “هجرة طوعية”، علينا ان نقف ونقول لحدة وببساطة: هذه الفكرة ممكنة، نظرا لأننا سنسمح لكم بطرد العرب. لن تضطروا الى تقسيم الدولة والجيش. لن نتمدد تحت عجلات الشاحنات ولن نفجر الجسور. النفي الجماعي وحتى بالقوة سوف يحدث لاننا سنسمح بحدوث ذلك. اليمين الاسرائيلي يجب عليه ان يعرف ان هنالك افعال اذا حاول القيام بها – فإننا سنكون شركاء لهم في ذلك.
بحق السماء، من اين جاءتكم هذه الافكار الغريبة، وكأننا حقا سنقسم الجيش او سنتمدد تحت عجلات الشاحنات؟ صحيح ان اقوالا كهذه قيلت قبل جيل او اكثر، ولكن الاقوال شيء والافعال شيء اخر – اليس كذلك؟
ان افعالنا طوال السنين تتحدث بذاتها. من فضلكم في البداية نذكركم بـ 1948، حيث التهجير الكبير الاول. دافيد بن غوريون اعطى اشارة ما بيده واسحاق رابين قهم ما فهمه منها، وكما نقل عنه: “سكان اللد لم يغادرو طواعا. لم يكن هنالك سبيل لتجنب استخدام القوة وطلقات التخويف من اجل جعل السكان يذهبون”. بعد ذلك “استخدمنا القوة” وهم ساروا وذهبوا. هل تذكرون؟ وبعد ان اجبروا على الذهاب من هنا – اعتقد ان بالامكان تسمية ذلك “تهجير جماعي” اليس كذلك؟ – ورثنا ممتلكاتهم وارضهم. ليس فقط في اللد، بالطبع، بل في كل مكان اردناه.
بمرور اقل من عشرين عام ثانيةً استدعينا للخدمة. دمرنا قرى اللطرون وطردنا سكانها. هل هذا هجرة طوعية؟ في 1967 ايضا حوالي ربع مليون فلسطيني شقوا طريقهم شرقا نحو نهر الاردن. مفارقة تاريخية والتي بالتأكيد ستمس قلوبكم: بالمناسبة الانشغال بمسألة هل “نفجر الجسور”، اردنا الاشارة الى ان الجسور على نهر الاردن بالتحديد فجرناها فورا عندما سنحت الفرصة لنا في اثناء تلك الحرب. هذا لم يمنعنا من السماح للفلسطينيين بالهجرة شرقا بصورة طوعية، حيث ان ذلك ليس من اجل منع هجرتهم فجرنا الجسور. وفي نهاية المطاف عندما تكون هنالك ارادة – يكون هنالك سبيل لذذلك ايضا: في الواقع على جسر مدمر لا يوجد طريق ولكننا مكناهم من السير الى المنفى عبر المياه الضحلة لنهر الاردن.
يوجد لدينا ايصالات. نحن لا نتكلم عبثا. نحن نطرد، ونسوي بالارض ونرث. لا تشككوا بنا!
وهاكم الان، من شأن رئيس الاركان ان يأمر بطرد سكان مدينة غزة الفلسطينيين وتسوية بيوتهم بالارض والتي مازالت قائمة. هاكم مفارقة تاريخية اخرى والتي بالتأكيد ستمس قلوبكم: تقريبا 70 في المئة من سكان غزة اليوم هم احفاد لاجئين من 1948، وهكذا تكروا من الان انه يوجد لنا تقريبا 70 في المئة من الحق الاولي على كل غزي يتم تهجيره. بالنسبة للكثيرين منهم، ربما يكون نقلهم من مكان الى اخر داخل القطاع هي المرة الثالثة او الرابعة الذي يتم نقلهم من مكان الى اخر داخل القطاع حيث انه منذ سنتين ونحن ننقلهم المرة تلو الاخرى: جنوبا الى رفح او غربا الى المواصي ثم نعاود الكرة ثانيةً. نسير بهم المرة تلو الاخرى عبر “مصارف” رقمية قمنا بتطويرها (وهي تقنية لم تكن متاحة لنا عام 1948)، ومن حين لآخر نطلق النار عليهم (وهي تقنية كانت متاحة لنا ايضا عام 1948).
هل يوجد شك لدى احد بأننا لن نتمدد تحت عجلات الشاحنات بل سنقودها؟ واذا اصروا على عدم المغادرة طوعا – من يعرف، ربما سمعوا عن النكبة الاولى، ويريدون استخلاص العبر لايامنا هذه، عصر النكبة الثانية – في نهاية المطاف ثانية لن يكون هنالك “سبيل لتجنب استخدام القوة”.
هل يوجد لديكم شك في اننا ثانية سنوفر لكم كل ما هو مطلوب “طلقات التخويف من اجل جعل السكان يغادرون”؟ بيد انه في هذه المرة سنفعل ذلك ايضا من طائرات من الجو ومن سفن صواريخ من بحر غزة، حيث ان جيشنا كبير وقوي على مدار السنين. وربما في هذه المرة فإن كاتبا فلسطينيا ما والذي سيسير هكذا للمنفى في اعقاب الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي فعل ذلك في 1948، لم يكتب انه “من مكان ما هناك صدحت طلقات بعيدة”، بل سيكتب بأنه “من مكان ما صدحت قنابل بعيدة تزن الواحدة نصف طن” حيث ان الوقت لا يتوقف عن السير والتقدم لا يمكن منعه.
هنالك امر واحد نطلبه: درجة من الضبابية وقدر من التأثر. نحن نريد ان نتحدث عاليا عاليا ضد والتنكر لهوية سائق الشاحنة. ولكن ما الذي في تاريخنا بربكم، يجعلكم تشككون في اننا سنقةدود الشاحنات – مثلما فعل اباؤنا واجدادنا، كل واحد في جيله؟
حتى لا يكون هنالك سوء فهم وحتى لا يقال انكم لم تحذروا مسبقا تحذيرات عبثية: نحن سننفذ اوامر التهجير. ايضا اولادنا وكذلك طلابنا ينفذونه. اليوم الذي سيعطى فيه امر التهجير، والذي هو امر غير قانوني بصورة واضحة ولكنه مقبول علينا تماما، سيكون ايضا يوم الامتثال للامر. لكل من هو مهتم بمعرفة ما هو خطنا الاحمر – هذا الخط لا يمر هنا.
“كل الانهار تسير الى البحر والبحر هو صمت وصمت مطبق”.
(الاقتباسات الاصلية: عاموس عوز، 1989: “امام فكرة طرد وتهجير العرب، والمسماة لدينا بلغة كاذبة “ترانسفير” … علينا ان نقف ونقول بحدة وببساطة: هذه فكرة غير ممكنة، نظرا لاننا لن نسمح لكم بطرد العرب حتى وان اتضطررنا الى تقسيم الدولة والجيش. حتى وان اضطررنا الى التمدد تحت عجلات الشاحنات. حتى وان اتضطررننا لتفجير الجسور. لن يكون هنالك تهجير جماعي، نظرا لاننا لن نسمح بحدوث ذلك… اليمين الاسرائيلي يجب عليه ان يعرف ان هنالك افعال اذا حاولنا القيام بها فإنها ستؤدي الى تفكيك الدولة”
يوسي سريد ويائير تسبان، 1990: “حتى لا يكون هنالك سوء فهم وحتى لا يقال انكم لم تحذروا مسبقا فإننا لن ننفذ امر الترانسفير. وايضا اولادنا وطلابنا لن ينفذوه. اليوم الذي سيعطى فيه امر التراسفير، والذي هو امر غير قانوني بصورة واضحة، سيكون ايضا يوم رفض الامر. لكل من هو مهتم بمعرفة ما هو خطنا الاحمر – فإن هذا الخط يمر هنا”).
——————————————
هآرتس 22/8/2025
الأحد المقبل.. الشارع الإسرائيلي لقيادته: أنتم كارثتنا.. لن نسمح بموت مخطوفينا
بقلم: أسرة التحرير
أول أمس، كانت ذكرى السنة لإعادة المخطوفين حاييم بيري، يورام متسغار، ابراهام موندر، نداف بوبلفل، يغاف بوخشتاف واليكس دنتسيك إلى إسرائيل من أسر حماس في قطاع غزة. في بداية الأسبوع، تم إحياء ذكرى مرور عام على قتل ستة من المخطوفين في غزة: هيرش غولدبرغ – بولين، عيدان يروشاليم، اوري دنينو، اليكس لوفنوف، الموغ ساروسي وكارميل جات.
41 من 251 إسرائيلياً اختطفوا في 7 أكتوبر قتلوا على أيدي آسريهم بعد أشهر طويلة بقوا فيها على قيد الحياة، لأن قوات الجيش الإسرائيلي اقتربت منهم، أو قتلوا بنار أمطرها الجيش الإسرائيلي. ولا يجادل الجيش بالقول إن المناورة العسكرية تعرض المخطوفين للخطر وتؤدي إلى مقتلهم.
في الوقت الذي تطرح فيه صفقة على الطاولة، يجند الجيش الإسرائيلي عشرات الآلاف استعداداً لقتال طويل. حسب الخطة التي أقرها وزير الدفاع إسرائيل كاتس، فإن حملة “عربات جدعون ب” ستتواصل إلى 2026، و130 ألف من رجال الاحتياط سيستدعون مرة أخرى إلى الخدمة. المستوى السياسي يقر الحملة رغم تحذيرات المستوى العسكري ورغم أسئلة قاسية حول غايتها في تحقيق أهداف الحرب، تآكل الجيش النظامي، الثمن الباهظ الذي يدفعه رجال الاحتياط والكلفة الاقتصادية الباهظة التي تهدد استقرار الاقتصاد الإسرائيلي.
إن اختيار مناورة ومناورة أخرى يقتل الجنود ويقتل المخطوفين بدلاً من إنقاذهم وزرع المزيد من القتل بين السكان المدنيين في القطاع. كما أنه يعمق النفور من إسرائيل في أرجاء العالم.
الأحد، سيخرج مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع في دعوة لوقف الحرب وإعادة المخطوفين، إلى الرسالة الواضحة التي أطلقتها شوارع تكتظ بالناس ضد الحكومة، انضم كثيرون آخرون اختاروا وقف نشاطهم الاستهلاكي وعدم شراء أي شيء. الجمهور الإسرائيلي يدعو الحكومة مراراً بأن تصحو، أن توقف القتال، أن تختار الحياة، وتوقف الحرب وتعيد المخطوفين.
صفقة، حتى وإن كانت جزئية وسيئة، أفضل من مخطوفين وجنود موتى آخرين، فما بالك أن هذه هي الصفقة ذاتها التي طالب بها نتنياهو طوال أشهر. إن القرار بحملة عسكرية أخرى وتغيير المطالب – الآن هو معني بصفقة شاملة – يطرح السؤال مرة أخرى حول طهارة نواياه.
إن اختيار الموت على الحياة كارثة ليس فقط للعائلات التي فقدت أعزاءها. هذه كارثة لرص الصفوف، للمناعة ولمستقبل إسرائيل. بدلاً من التفرغ لإعادة البناء والانبعاث، ها هي تقود إلى حرب لا نهاية لها. يخيل أن هذه هي الغاية، هذا هو الهدف، وهذا هو الأفق الذي تقترحه حكومة الإخفاق والتخلي.
——————————————
يديعوت أحرونوت 22/8/2025
إسرائيل تتلقى 7 أكتوبر آخر في خان يونس: جمعوا المعلومات وعطلوا الكاميرات وتوزعوا على 3 مهمات
بقلم: رون بن يشاي
بينما يقر رئيس الوزراء الخطط للسيطرة على مدينة غزة، ثمة أمور تحصل في هوامش الحرب وتشكل إشارات تحذير وتستوجب من الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل إعادة التفكير.
ما جرى أول أمس في خان يونس بين المخربين الذين تسللوا إلى الاستحكام المحصن وبين قوات الجيش الإسرائيلي مثال على ذلك. حدث آخر يقع الآن، على مسافة نحو 2000 كيلومتر من هناك، في الخليج الفارسي: الإيرانيون بدأوا مناورة بحرية واسعة النطاق ستتواصل بضعة أيام.
المعركة بين مخربي حماس الذين خرجوا من فوهة نفق وبين مقاتلي لواء “كافير” الذين كانوا في الاستحكام المحصن كانت من زاوية نظر عسكرية إسرائيلية معركة دفاع صرفة. كان المقاتلون يجلسون في استحكام أعد ي مكان انطلاق إلى مبادرات هجومية في المنطقة المحيطة. الاستحكام موجود كجزء من رواق أمن “درع بأس”، ويفترض أن يشكل حزاماً أمنياً آخر يوقف المخربين من طريقهم من خان يونس إلى إسرائيل. وجود هذا الاستحكام، فيما مقاتلو “كافير” والدبابات في داخله، يفترض أن يكون أحد عناصر الأمن التي ستمنع هجوماً على نمط 7 أكتوبر على بلدات غلاف غزة.
لا حاجة للمبالغة في تقديرات خطر رجال حماس، الذين اجتاح 15 منهم الاستحكام من فوهة سبق للجيش أن عالجها قبل بضعة أشهر، لكن واضح أن المخربين أجروا استعدادات كما ينبغي في مبادرة هجومية. جمعوا المعلومات، وزرعوا عبوات في المناطق المجاورة للاستحكام في مسارات قدروا عبور التعزيزات منها. كما تزودوا بـ “عبوات تضحية”، أي، عبوات يحملونها في أيديهم ويلصقونها بأجسادهم بالدبابات أو المجنزرات. أجرى المخربون تخطيطاً دقيقاً ووزعوا قواتهم إلى ثلاثة جهود: قوة بعيدة تطلق النار على استحكامات أخرى وقوات مدرعات في المنطقة لتشويش عملها، وقوة أقرب تسلقت تلة الاستحكام الترابية وأطلقت النار نحو كل من يتحرك في الميدان، وقوة انقضاض تسللت إلى الاستحكام وتوجهت إلى المباني مقدرة وجود القوات فيها.
خرج المخربون من فوهة على مسافة 40 متراً من الاستحكام. هذه حقيقة مهمة؛ لأن 15 مخرباً يلبسون الأسود ظهروا في وضح النهار خارج الاستحكام. لو كانت هناك رقابة بسيطة، وكان يفترض أن تكون في استحكام هو في قلب أرض العدو، لكانوا كشفوهم. ليس نقطة رقابة واحدة، بل بضع نقاط رقابة كان يفترض أن تكون على التلة الترابية.
لكن يتبين هنا بأنه بدلاً من نصب نقاط رقابة – أي جندي يراقب المحيط القريب من الاستحكام، اعتمدت القوة على الكاميرات. المخربون عطلوا الكاميرا التي كانت متجهة نحوهم بإطلاق رصاصة عليها فعمتها. الباقي معروف. دخل المخربون إلى الاستحكام، ولو لم يعمل مقاتلو “كافير” ورجال كتيبة الدبابات 74 بسرعة وبحزم، لكانت النتيجة أسوأ. الخطير حقاً، أن القادة في الميدان لم يطبقوا الدروس التكتيكية الأكثر أساسية التي كان ينبغي استخلاصها من 7 أكتوبر. مرة أخرى، يعتمد الجيش على التكنولوجيا بدلاً من العين البشرية. ومرة أخرى، تبين لنا أن التكنولوجيا، التي يعد مديي رؤيتها وتغطيتها محدودين، لن تحل محل عين بشرية ترى تشتبه وتميز وتفحص.
فضلاً عن هذا، فإن استحكاماً يقع على محور “درع بأس” ليس استحكاماً لمكوث ليلة أو ليلتين، تمكث فيه القوات الموجودة في مناورة هجومية وتتحرك كل الوقت. الاستحكامات إياها، لم تكن تحتاج وسائل خاصة، لكنه استحكام يستوجب أن يكون بوسعه الدفاع عن نفسه بشكل أفضل.
بعيداً عن غزة، تجري الآن مناورة بحرية واسعة النطاق لسلاح البحرية والحرس الثوري الإيرانيين. هذه المناورة تجري في ذروة أزمة مياه وأزمة اقتصادية حادة في إيران، وفي الوقت الذي لم ينتعش فيه الإيرانيون بعد من صدمة حرب الـ 12 يوماً أو حملة “الأسد الصاعد” كما نسميها نحن. إن إجراء هذه المناورة، فيما طهران تلعق جراحها، يشهد على خوف الإيرانيين من شيء ما، ويطلقون تهديدات تردع من يخشون منه.
أشرطة الدعاية التي ينشرونها كما يزعمون من المناورة، لأنواع الصواريخ التي يستخدمونها والأهداف البحرية التي يضربونها، تشهد في واقع الأمر عن مصدر التخوف. تظهر في أحد الأشرطة طائرة لسلاح الجو الإيراني وهي تعترض طائرة معادية وتضربها بصاروخ جو جو. كان الشريط معداً على عجل وبانعدام مهنية سخيفة، لكننا نفهم بأن الإيرانيين يحاولون أن يقولوا لنا وللأمريكيين بأنه رغم إصابة معظم منظومات دفاعهم الجوي في حملة “الأسد الصاعد”، فإنهم لا يزالوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بما تبقى لهم من سلاح الجو.
لكن الأساس هو استخدام صواريخ جوالة شاطئ – بحر، وبحر – بحر، يوثقها الإيرانيون وهي تصيب، وكيف لا، بأهداف عرضت عليها وتجعلها كتلة من النار. هذا التهديد جدير بالاهتمام؛ لأن الصواريخ تظهر في نهاية الشريط الدعائي لعدة ثوانٍ نحو سفينة تجارية كبرى، مليئة بالحاويات. يمكن التقدير بمستوى دقة على ما يكفي من الارتفاع، وبناء على تصريحات كبار رجالات الحكم في طهران أيضاً بأن الإيرانيين يخشون من أن توشك إسرائيل على مهاجمتهم أو مهاجمة وكلائهم في اليمن في ظل استغلال ضعفهم في الدفاع الجوي، بالصواريخ الباليستية. ولهذا يتجهون إلى التهديد بالمجال الذي لم يصابوا فيه، أي البحري.
يكاد يكون واضحاً أن الإيرانيين لا يعرفون ما هي نوايا إسرائيل، لكنهم يقدرون بأنها قد تهاجمهم كي تستغل الثقوب الكبرى التي فتحت في دفاعهم في “حرب الـ 12 يوماً”. ويحاولون الآن شراء صواريخ دفاع جوي واعتراضية من روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكن لا أحد يبيعهم حتى الآن. وطهران باتت خائبة الأمل من موسكو. ولما كانوا يخشون من أننا وربما الأمريكيين أيضاً سنعمل ضدهم، فإنهم يهددون الملاحة المدنية العالمية التي تنقل البضاعة من آسيا إلى أوروبا وإفريقيا وباقي أرجاء العالم.
لا حاجة للاستخفاف بهذه الإشارة. مجرد المخاوف الإيرانية قد يؤدي إلى سوء تقدير من جانبهم، وربما ينفذون تهديداتهم سواء في المجال البحري أم من خلال ما تبقى لهم من صواريخ باليستية.
—————–انتهت النشرة—————–