حوار مع المرافع الشرعي هاني ناطور حول ازدياد حالات الطلاق في المجتمع العربي

المسار : قال المرافع الشرعي هاني ناطور من مدينة قلنسوة في منطقة المثلث، إن “عدة عوامل مجتمعة تؤدي عادة إلى الطلاق أو الانفصال، وهي عوامل فردية تتعلق بالزوجين. من أهم هذه العوامل سهولة التوجه إلى المحاكم الشرعية”.

يُستدلّ من التقرير السنوي للمحاكم الشرعية لعام 2024، حول قضايا الأحوال الشخصية وملفات الزواج والطلاق في المجتمع العربي، أن المجتمع يشهد نحو 11 حالة طلاق يوميًا، ما يرفع عدد حالات الطلاق إلى 4020 حالة في السنة، أي بنسبة 26%، مما يعني أن واحدة من كل أربع زيجات تنتهي بالطلاق.

وقد بلغ عدد الملفات التي نظرت فيها المحاكم الشرعية عام 2024، (38,316) ملفًا، مقابل (33,949) ملفًا في عام 2023، أي بزيادة تُقدّر بنحو 13%.

ويُظهر التقرير أن حالات الانفصال والطلاق في المجتمع العربي في ازدياد مستمر ومقلق، إذ بلغ عدد ملفات الزواج 15,389 ملفًا في عام 2024، مقابل 4,020 ملف طلاق، أي بنسبة 26%.

ارتفاع في عدد الملفات في المحاكم الشرعية

كما يُلاحظ ارتفاع في إجمالي عدد الملفات التي نُوقشت في المحاكم الشرعية، خاصة في منطقة القدس بنسبة 27%، وفي بئر السبع (النقب) بنسبة 17.2%، وفي الناصرة بنسبة 11%، وفي عكا بنسبة 10.5%، وفي باقة الغربية بنسبة نحو 9%.

أما فيما يتعلق بمواضيع الملفات التي عالجتها المحاكم الشرعية، فإن 30% منها تتعلق بعقود الزواج، و10.6% تتعلق بالتفريق والطلاق، و10.1% بتسوية النزاعات، و10% بالمصادقة على الزواج، و7% تتناول نفقة الزوجة، و6.6% نفقة الأولاد، و6.7% تناقش موضوع حضانة الأولاد، في حين أن أقلها تناول موضوع إلحاق نسب الابن أو البنت بنسبة 0.5% فقط، إذ بلغ عدد الملفات المتعلقة بإلحاق النسب 175 ملفًا في عام 2024.

ويُظهر تقرير المحاكم الشرعية ارتفاعًا مقلقًا في ملفات الطلاق والتفريق، إذ ارتفع عددها من 3,326 ملفًا في عام 2023 إلى 4,020 ملفًا في عام 2024، أي ما نسبته 10.6% من إجمالي الملفات.

كما سُجلت زيادة في ملفات الحقوق المالية، من 332 ملفًا إلى 435 ملفًا في عام 2024. وارتفع عدد ملفات الوصايا والتركات من 1,852 ملفًا في عام 2023 إلى 2,001 في عام 2024. كذلك، ارتفعت نسبة الملفات المتعلقة بحضانة الأولاد من 1,805 ملفات في عام 2023 إلى 2,522 ملفًا في عام 2024، أي بزيادة تُقدّر بـ39.7%.

ارتفاع في عدد ملفات النفقة للزوجة والأطفال

ويبرز من بين المعطيات ارتفاع في عدد ملفات النفقة للزوجة والأطفال، حيث ارتفع عدد ملفات النفقة للزوجة من 1,706 في عام 2023 إلى 2,510 في عام 2024، أي بنسبة 47.1%. كما ارتفع عدد ملفات النفقة للأولاد من 1,865 في عام 2023 إلى 2,694 في عام 2024، بنسبة 42%.

ولاحظ التقرير، رغم عدم تسليط الضوء عليه بشكل بارز، ارتفاعًا في عدد المتحولين إلى الإسلام من غير المسلمين. ففي محكمة حيفا، على سبيل المثال، ارتفع عدد المتحولين إلى الإسلام من 33 شخصًا في عام 2023 إلى 47 شخصًا في عام 2024، وسُجلت نسب مماثلة في المحكمة الشرعية في القدس.

هاني ناطور

وتعقيبًا على هذه المعطيات، أجرى “عرب 48” الحوار التالي مع المرافع الشرعي هاني ناطور من مدينة قلنسوة في منطقة المثلث:

“عرب 48”: كيف تقرأ المعطيات الواردة في تقرير المحاكم الشرعية، خاصة فيما يتعلق بزيادة حالات الطلاق في المجتمع العربي بمعدل 11 حالة طلاق يوميًا؟

ناطور: أولًا، لا بد في بداية حديثنا من قول كلمة حق وكلمة إطراء للقضاة الشرعيين الذين تقع على عاتقهم آلاف الملفات التي يعالجونها سنويًا، سواء في قضايا الطلاق أو النفقة أو حضانة الأولاد. القضاة هم الصرح الإسلامي الأخير الباقي لنا في هذه البلاد، فلا بد من كلمة إيجابية بحقهم، والقول إن التفاوت بينهم يتراوح بين جيد وجيد جدًا، وبين ناجح وأكثر نجاحًا، ولا يوجد بينهم قضاة فاشلون.

أما بالنسبة لزيادة ملفات الطلاق – كما يظهر في تقرير المحاكم الشرعية لعام 2024 – فهي نتيجة مباشرة ومحصلة لزيادة ملفات الزواج (عقود القران). فالزيادة في ملفات الزواج يترتب عليها زيادة في حالات الطلاق، لأن ليس كل زواج ناجح. وعندما نقرأ أن هناك ارتفاعًا بنسبة 40.8% في ملفات الزواج، فإننا لن نفاجأ بوجود ارتفاع في ملفات الطلاق. إذا نظرنا إلى عدد ملفات الزواج التي فتحت، وعددها 15,389 مقابل عدد حالات الطلاق البالغ 4,020، نلاحظ أن هذا يتوافق مع ارتفاع نسبته 26%.

“عرب “48: لماذا يحدث الطلاق أصلاً، إذا كان الزواج قد تم من أجل الارتباط والعيش المشترك؟

ناطور: من الصعب الإشارة إلى عامل واحد كعامل رئيسي للطلاق. الحقيقة أن عدة عوامل مجتمعة تؤدي عادة إلى الطلاق أو الانفصال، وهي عوامل فردية تتعلق بالزوجين. من أهم هذه العوامل سهولة التوجه إلى المحاكم الشرعية، إذ لا يتردد أحد الطرفين في اللجوء إلى المحكمة، وحتى لو خسر أحدهما القضية، فإنه لا يُكلّف بدفع مصاريف أو تكاليف المحكمة كما هو الحال في المحاكم المدنية، إذ توجد سياسة قضائية في المحاكم الشرعية تمنع تغريم الطرف الخاسر.

الأمر الثاني هو “تراخي الأهل”، بمعنى أنه في الماضي كانت المؤسسة الزوجية أساسية جداً في حياة المجتمع، ولم تعد كذلك اليوم. كان الأب في الماضي يقلق حين تواجه ابنته مشاكل زوجية، وكان ذلك يقض مضجعه، بينما اليوم لم تعد المشكلة الأسرية تُعتبر “مصيبة”، بل يمكن تجاوزها دون أن تشكل مصدر قلق كبير للوالدين أو العائلة.

أما الأمر الثالث فهو التغيرات في المفاهيم والانفتاح على العالم الخارجي، وسهولة الوصول إلى مصادر المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، ومراقبة سلوكيات الآخرين، والسفر إلى الخارج، ومشاهدة الحياة في مجتمعات أخرى. كل ذلك يسهل تقليد ثقافات وأنماط حياة وسلوكيات هذه المجتمعات والتأثر بها.

أضف إلى ذلك التغير في الظروف الاقتصادية واستقلالية المرأة المالية، وعدم تعلقها بالزوج كما كان في الماضي؛ حيث كان الزوج يُعتبر “أكسجين الحياة” بالنسبة لها، أما اليوم فقد أصبحت مستقلة اقتصادياً، وربما صار الزوج عبئًا عليها. وهذا بدوره أدى إلى وهن الروابط الأسرية وجعلها أكثر تحررًا.

عنصر آخر لا يقل أهمية عما سبق، وهو عدم نضوج الزوجين لتأسيس عائلة، فالفتاة التي تُزوّج في سن 18 أو 19 عامًا كيف لها أن تؤسس عائلة وتدير شؤون الأسرة وتتغلب على المشاكل التي تواجهها؟ كل هذه العناصر مجتمعة تؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق.

“عرب 48”: في محادثة تمهيدية سابقة تحدثنا فيها عن موضوع “الخيانة الزوجية” وذكرتَ أنها أحد أسباب الطلاق، هل يمكنك التوضيح أكثر؟

ناطور: نعم، صحيح. لقد أشرت حينها إلى القاعدة الفقهية التي تقول: “لا ينكر تغيّر الأحكام بتغير الأزمان”، وهي قاعدة تؤكد مرونة الشريعة وقدرتها على التأقلم مع التغيرات المجتمعية.

أعطيك مثالاً على ذلك قانون قرار حقوق العائلة العثماني الصادر عام 1917، حيث كان للبيت مكانة مركزية في شؤون الأسرة. ومنه جاء تعريف كلمة “ناشز”، أي المرأة التي تغادر بيتها دون إذن زوجها ودون عذر شرعي. هذا القانون ظل نافذاً طوال فترة الانتداب وحتى اليوم.

لكن السؤال الآن: هل التغيرات التي طرأت في المائة سنة الماضية لا تستدعي تعديل مفهوم “النشوز”؟ اليوم يمكن للمرأة أن تكون جالسة في بيتها وتمارس أفعالاً محظورة عبر جهازها المحمول تفوق ما تقدمه ممثلات الأفلام الإباحية. لذلك، من الضروري تعديل قانون النشوز وملاءمته للمتغيرات التي نعيشها.

وحقيقةً، أصدرت محكمة الاستئناف الشرعية في قرارها رقم 21/260 حكمًا مفاده أنه لا يصح اعتبار المرأة ناشزة لمجرد خروجها من دون إذن الزوج، وأنها لا تستحق الحرمان من النفقة. وهناك حالات لنساء يُدرن بيوت دعارة من منازلهن ويحصلن على النفقة بزعم عدم نشوزهن لأنهن لم يخرجن من البيت!

بناءً عليه، تغير مفهوم النشوز ليشمل سوء الخلق والتصرف مع الزوج حتى وإن لم تغادر المرأة بيتها. وهذه نقطة إيجابية في حق المحكمة الشرعية التي بدأت تواكب المتغيرات التي طرأت على مفاهيم قضائية كانت تُعتبر “مقدسة” وغير قابلة للتغيير.

هذا التصحيح بحد ذاته جيد، لكنه غير كافٍ!

“عرب 48”: لماذا هو غير كافٍ، هل هناك المزيد مما ينبغي تعديله؟

ناطور: نعم بالطبع، سأشرح لك لماذا هو غير كافٍ. هناك آية في القرآن الكريم تقول:

“وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”.

الآن، ما يحدث في قضايا النزاع والشقاق بعد المرافعات التي يقدمها محامون مهنيون، هو أن الأساس في قضايا الأحوال الشخصية إما المحافظة على الزواج أو التفريق وهدم الزوجية. وعندما يقتنع القاضي بوجود نزاع وشقاق، يقوم على الفور بتجميد الملف وتحويله إلى محكمين.

للأسف، هؤلاء المحكمون لا أحد يعرف مؤهلاتهم في الحكم الشرعي القضائي، وغالبًا ما يكونون رجال دين، لكن شتّان بين معرفة الدين وممارسة القضاء؛ فإمام المسجد قد لا يصلح لأن يكون قاضيًا!

غالبًا ما لا يعرف المحكمون ما هو المطلوب منهم، إذ يجب عليهم البحث في أسباب هدم الزوجية، وليس في التفاصيل الجانبية كوقوع الخيانة من عدمها.

وعندما يقدم المحكمون توصياتهم بشأن المهر الذي يدفع للمرأة حتى وإن كانت هي المسؤولة عن هدم الزوجية، لا يعود للقاضي مجال للتدخل وتصحيح الغبن الحاصل، وهذا يشكل وجهًا من وجوه الظلم والإجحاف، ويحتاج إلى تعديل برأيي، لأنه يزعزع ثقة الجمهور بالجهاز القضائي.

القاضي يسمح لنفسه بالتدخل بعد قرار المحكمين في حالتين فقط: الأولى إذا لم يجلس المحكمون مع أحد الطرفين، والثانية إذا لم يُحكم بالمهر كاملاً لصالح الزوجة أو انتُقص منه.

وباعتقادي، هذا غير كافٍ، ويجب أن تُمنح المحكمة صلاحية أوسع للتدخل، وألا تعتمد فقط على قرار محكمين جلسوا مع كل طرف لمدة نصف ساعة، قد يترتب عليه مصير عائلات وأولاد، وهدم أسر وبيوت كانت عامرة لمجرد خلاف بين الزوجين.

“عرب 48”: يتضح من خلال التقرير أن أجيال الأزواج المطلقين آخذة في الانخفاض، والغالبية من الأزواج الشابة وبعضهم قبل الدخول وقبل إنجاب الأولاد.. كيف تفسر ذلك؟

ناطور: بالفعل، هي ظاهرة ملفتة. المدهش أنني عندما أتوجه إلى المحاكم أرى ما يشبه “عرض أزياء” من فتيات في مقتبل العمر بين 20 و30 عامًا، جميعهن يطلبن الطلاق. الأسباب كما ذكرت سابقًا، تعود إلى سهولة التعاقد وسهولة الإجراءات غير المكلفة على الإطلاق. كما أنهن تزوجن وهن غير مؤهلات لإنشاء أسرة وبناء عائلة، فالزواج ليس فقط للمتعة والسفر والسهر. لذلك، فإن السهولة في التعاقد والانفصال تؤديان إلى هذه النتيجة.

“عرب 48”: هذه مسؤولية من، أين يكمن الخلل في الزواج غير المتوافق؟

ناطور: هي مسؤولية الأهل، الأم والأب. فلا يكفي أن يكون هناك حب بين الشاب والفتاة، ولكن هذا هو واحد من أوجه المتغيرات التي تواجه مجتمعنا، ومن آثار عصر السرعة والتكنولوجيا التي تتيح التعارف السريع والانفصال لأسباب قد تكون أحيانًا غير ذات قيمة. كل ذلك في ظل غياب الرادع وغياب العائلة التقليدية التي كانت تقلق على مصلحة أبنائها، بالإضافة إلى القوانين الوضعية التي تسمح بإبعاد الزوج عن بيته لمجرد أن لدى المرأة “مخاوف” من اعتداء الزوج. لذلك، فإن الأسباب والعوامل كثيرة ومتعددة ومجتمعة ومتداخلة، منها الانفتاح على العالم الخارجي، وغياب الرادع الأخلاقي، والسهولة، وتغيير السياسة القضائية في المحاكم الشرعية، وغيرها.

“عرب 48″: ما هو دور وصلاحيات المحكمين؟

ناطور: مهمة المحكمين هي محاولة الإصلاح، وإن لم ينجحوا في الإصلاح، فهم ملزمون بالتفريق بين الطرفين بـ”إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. ثم يبحثون في أسباب هدم الزوجية وعلى من تقع المسؤولية. هنا يحق للمحكمين الخوض في موضوع الخيانات الزوجية إذا وجدت، مع الاعتماد على الإثباتات والأدلة الدامغة إذا توفرت. في هذه المرحلة، يجوز للأب أو الأم أن يشهدا لصالح الابن، وأن يكونا عوناً وسنداً له في التوصل إلى حل عادل، وهذه الإمكانية غير متاحة للوالدين أمام قضاة المحكمة الشرعية. المحكمون غير ملزمين بأحكام البينات الصارمة المعتمدة في المحاكم، ولهذا السبب تم توسيع دائرة سماع الشهادات لديهم للوصول إلى الحل الأكثر عدلاً. لكن للأسف، معظم المحكمين في المحاكم الشرعية ينهون ملف الزواج والطلاق في غضون نصف ساعة فقط، من أجل الحصول على أجرهم البالغ 800 شيكل عن كل قضية، وهذه في الواقع مشكلة كبيرة، لأن نصف الساعة هذه قد تحدد مصير ومستقبل الأسرة بأكملها.

المصدر … عرب ٤٨

Share This Article