افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 31/8/2025
الهجوم على غزة يقترب ونتنياهو يحدد الجيش منذ الان كمسؤول عن الفشل المحتمل
بقلم: عاموس هرئيلِ
هذا الاسبوع يبدو انه سيكون الاسبوع الذي ستزيد فيه اسرائيل شدة القتال في مدينة غزة، قبل سيطرة الجيش الاسرائيلي على المدينة، التي تقررت في الكابنت. في منتصف الاسبوع سيبدأ تجنيد الاحتياط الذي في هذه الاثناء يمكن ان يشمل 60 ألف أمر تجنيد، بما في ذلك الوحدات التي في الفترة الاخيرة فقط انهت الخدمة في القطاع. ولكن معظم رجال الاحتياط لن يتم ارسالهم في هذه المرة الى القطاع، ربما لان القيادة العليا تعرف الى أي درجة العملية المخطط لها هي مختلف عليها في اوساط الجمهور الاسرائيلي.
حوالي نصف رجال الاحتياط سيتم ارسالهم الى مقرات القيادة. وحوالي نصف اوامر التجنيد ارسلت للوحدات التي يمكن ان تستبدل الوحدات في الضفة الغربية وعلى حدود البلاد. في المقابل، هيئة الاركان تخطط لارسال في هذه الاثناء الجيش النظامي المقاتل الى القطاع، لا سيما العملية في مدينة غزة. لواء المظليين سيبقى في هذه المرحلة كاحتياط، في حالة تفاقم الوضع في ساحات اخرى.
في الاسبوع الاخير بدأ الجيش في وضع القوات على مداخل مدينة غزة. اساس المواجهة العسكرية يحدث الآن في حي الزيتون في جنوب شرق المدينة. يبدو ان حماس تحاول تحويل هذا الحي الى معقل مقاومة كما فعلت في بداية 2024 في حي الشجاعية القريب. الفرق هو فيما حدث منذ ذلك الحين. التدمير والقتل هي اعمال واسعة في المدينة. اليوم ايضا تجد حماس صعوبة في تهديد حدود الخط الاخضر. ما تقدر عليه حماس هو تنظيم الدفاع امام دخول القوات، وبالاساس قضم الذيل بعد السيطرة على احياء في المدينة. اضافة الى قيادة لواء خضع لعملية تعافي وما زال يتبع لقائد الذراع العسكري الحالي عز الدين الحداد.
في ليلة الجمعة اصيب 7 جنود من لواء جفعاتي، احدهم باصابة بالغة، نتيجة عبوة ناسفة تم تشغيلها ضد ناقلة جنود مدرعة من نوع “النمر”. في الشبكات الاجتماعية نشرت على الفور تقارير مضللة من الطرف الفلسطيني حول مخطوفين في الحادثة. النشر الكاذب انزلق ايضا الى الطرف الاسرائيلي واثار القلق، الى ان اوضح الجيش الاسرائيلي أمس في الظهيرة، بتأخير ما، الابعاد الحقيقية للحادثة. النشر يشير الى ما يشغل حماس وهو محاولة مراكمة النجاحات المحلية، لا سيما الاختطاف، التي ستضر بمعنويات الاسرائيليين، المصدومين أصلا، على خلفية الخلافات السياسية والخوف على حياة المخطوفين.
مع اخذ الاخطار في الحسبان فان توجيه رئيس الاركان ايال زمير للقوات يتوقع ان يبقى على حاله: حركة بطيئة، حذرة، مرفقة بعمليات قصف كثيفة، لتقليص الاخطار على الجنود. في قرار الجيش تسمية العملية “عربات جدعون 2” توجد حكمة. زمير لا يعتقد انه توجد بشرى جديدة، بل المزيد من نفس الشيء. هذه حقا ليست الرسالة التي يريد تسويقها رئيس الحكومة للجمهور الاسرائيلي.
لكن التقدم يمكن أن يتعقد بسبب الفلسطينيين الذين سيجدون انفسهم على خط النار. حتى الآن فقط بضعة آلاف غادروا غزة. من المرجح ان الضغط سيزداد وستبدأ حركة جماعية نحو الجنوب، لكن يبدو أن الكثير من السكان سيخاطرون في هذه المرة ولن يهربوا، خوفا من ان ظروف العيش في جنوب القطاع، في مناطق اللجوء المقلصة، ستكون غير محتملة. عندما ستبدأ الحركة فمن المرجح ان الجيش الاسرائيلي لن يحاول السيطرة على الجموع المتدفقة أو نقاط العبور ولن يحتجز اعضاء حماس هناك، بل سيسمح للجمهور بالمغادرة. خلافا لما يقال الآن في محيط نتنياهو فانهم في الجيش لا يلاحظون أي علامات انكسار لحماس أو عدم الرغبة في القتال. الصعوبة لدى حماس تتعلق بالقدرة وليس بالنوايا: مشكوك فيه اذا كان يمكنها الحاق بالجيش الاسرائيلي خسائر بحجم الخسائر في العملية البرية قبل سنتين.
في حين ان الصعوبة التي يواجهها نتنياهو تتعلق بالجدول الزمني: لا يوجد تناسب بين ما يعد به، وبالاساس ما يسوقه لاذن الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وبين وتيرة التقدم المخطط لها في جيش البر. نتنياهو نجح مرة اخرى في الحصول على دعم ترامب، كما فعل بخصوص استئناف القتال في غزة في آذار الماضي، والحرب ضد ايران في شهر حزيران. الآن اقنع الرئيس بان العملية المخطط لها ستضر بمركز ثقل حماس الاخير، وستفتح الطريق لمناقشة “اليوم التالي” في القطاع كما ارادت الادارة الامريكية. عندما لا تتقدم الامور بالوتيرة التي يتوقعها الامريكيون فربما ستكون ازمة. الادعاءات المتواترة لرجال نتنياهو بدعم جهات سياسية حول رئيس الاركان المتباطيء، يبدو أنها تمهيد قبل القاء التهمة على الجيش.
في الفترة الاخيرة انتشرت في الشبكة شائعات عن موت ترامب كانت مبالغ فيها، وتم التقاط صورة له وهو يلعب الغولف أمس بعد الظهر بتوقيت اسرائيل. ولكن الادارة الامريكية عرفت ايام افضل. موقع “بوليتيكو” نشر في نهاية الاسبوع مقال موسع فيه انتقاد شديد لسياسيين اوروبيين حول اداء ستيف ويتكوف، المبعوث الامريكي للشؤون الدولية، في قضية الحرب في اوكرانيا. القمة في الاسكا مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين لم تثمر أي شيء، وموسكو تستمر في خداع واشنطن وتخريب تحقيق وعودها بانهاء الحرب.
رغم الالتزام الكبير لويتكوف باطلاق سراح المخطوفين الاسرائيليين الا ان الوضع عندنا مشابه بدرجة كبيرة. وقف اطلاق النار، سواء من خلال صفقة أو من خلال هجوم جديد للجيش الاسرائيلي، ما زال غير قريب، على الاقل طالما ان ترامب لا يضع انذار نهائي للطرفين.
في هذه الاثناء بقيت لنتنياهو اليمن. أمس اعلن الحوثيون بانه في هجوم اسرائيل الجوي في صنعاء في يوم الخميس الماضي قتل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء. من غير الواضح ما هو وضع وزير الدفاع ورئيس الاركان. ايضا الزعيم الاعلى للحوثيين، عبد المالك الحوثي، لم يصب. السرعة التي تعلمت فيها الاستخبارات الاسرائيلية جمع وتحليل المعلومات عن ساحة جديدة وبعيدة مدهشة جدا. ولكن هذا ليس نهاية الحرب ضد الحوثيين، ربما العكس. الآن اضافة الى رغبتهم في مساعدة حماس في غزة، اصبح يوجد لهم حساب جديد يجب عليهم اغلاقه مع اسرائيل.
——————————————
يديعوت احرونوت 31/8/2025
مشاكل متتالية
بقلم: بن درور يميني
نحن مهمومون بالدخول الى غزة. وعن حق. الموضوع هو أن الساحة الدولية مهمومة بإسرائيل. في الأسبوع الماضي كان هذا هو مؤتمر الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الذي تراجع عن مشروع قرار بتأييد حل الدولتين. عقاب للفلسطينيين؟ لا. يتبين أن حتى القرار ضد “الدولتين”، بالضبط مثل القرار معها – هو جائزة لحماس. لان هذا حصل هذه المرة على خلفية تعزز المحافل التقدمية في الحزب وبالاساس الشباب الذين يعارضون كل حل يتضمن اعترافا بإسرائيل.
كان واضحا ان هتافات “من النهر الى البحر” ستصل الى السياسة. كان يخيل أنه ستمر بضع سنين طيبة وان في هذه الاثناء سيتمكن الشباب الغاضب من ان يشفى من غسل الدماغ المناهض لإسرائيل في الجامعات. اخطأنا. التقدميون يفعلون للسياسة ما يفعلونه للاكاديمية. فهل يحاول احد ما في إسرائيل التفكير بمعاني التغيير في المدى البعيد؟ ماذا سيحصل عندما يعود الديمقراطيون الى البيت الأبيض؟ ماذا سيحصل عندما يصبحون اغلبية في الكونغرس؟
في الليكود، على الخلفية إياها بالضبط، في الوقت إياه، احتفلوا وهتفوا الأسبوع الماضي بوليمة احتفالية بمناسبة الإعلان عن إقامة 17 مستوطنة جديدة في بنيامين. لا يهم اذا كانت كل القرارات ستتحقق ومشكوك ان يكون ما يكفي من الشبان كي يسكنوا 17 مستوطنة جديدة. ما هو واضح حقا هو انه لا توجد أي حاجة للانتظار. لان إسرائيل تدفع منذ الان الثمن السياسي على الإعلانات.
الانباء السيئة تواصل المجيء على التوالي. الجمهور الأمريكي يجتاز مسيرة استقطاب محتدمة. الى أن يصلوا الى الجدال حول إسرائيل. هناك بالذات الفجوات تتقلص. 60 في المئة من الجمهور الأمريكي يعارض ارسال مساعدات عسكرية أخرى لإسرائيل. فقط 32 في المئة يؤيدون. في التوزيع بين الحزبين، 37 في المئة من الجمهوريين يعارضون ارسال المساعدات، مقابل 75 في المئة من الديمقراطيين. ويشير المستطلعون الى أن هذا “مستوى المعارضة الأعلى ومستوى التأييد الأدنى لارسالة مزيد من المساعدات العسكرية الامريكية الى إسرائيل منذ أن بدأت جامعة كويني بياك الاستطلاع في الموضوع في 2 تشرين الثاني 2023”. جيك ساليبان الذي تولى منصب مستشار الامن القومي يعتبر صديق وفيّ لإسرائيل في إدارة بايدن. قبل بضعة أيام اعلن ساليبان بانه يؤيد حظر السلاح على إسرائيل.
توجد معطيات أخرى تبعث على القلق. التأييد لإسرائيل في عموم الجمهور يبلغ 36 في المئة مقابلا 37 في المئة تأييد للفلسطينيين. 50 في المئة يعتقدون بان إسرائيل تنفذ إبادة جماعية وفقط 35 في المئة يعتقدون أن لا. الميل واضح. هؤلاء لم يعودوا فقط الصارخين في الجامعات. هذا مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي في واقع الامر يعبر عن موقف المقترعين. وهؤلاء هم اكثر من ثلث الجمهوريين الذين في موضوع إسرائيل يتبنون اراء الجناح المناهض لاسرائيل في الحزب. هذا هو الدرك الأسفل الأخطر لإسرائيل في الولايات المتحدة. اردنا أن نأمل في أن يبقى تاكر كارلسون، كانديس افانس ومارغليت تايلور جرين، كارهو إسرائيل من الحزب الجمهوري، في الهوامش. اخطأنا. تأثيرهم هائل، فما الذي ينبغي أن يحصل كي نفهم بان الانهيار السياسي ليس تقديرا بل خطر.
العالم كله ضدنا؟ توجد لدينا حجج جيدة لا حصر لها ضد الحملات في خدمة دعاية حماس. لكن ينبغي الانتباه الى أن معظم دول العالم الحر كانت في جانب إسرائيل عندما هاجمت ايران. وبدون أي ضغط إسرائيلي فان الدول الأوروبية الرائدة المانيا، فرنسا وبريطانيا التي عادت وهددت في الأسابيع الأخيرة ايران من أنه اذا واصلت خرق الاتفاق النووي ورفضت العودة الى المسار الدبلوماسي فسيتم استخدام آلية العودة الى العقوبات وفقا لقرار الخمسة زائد واحد ضد ايران. وهذه الدول لم تهدد فقط. بل انها توجهت يوم الخميس الماضي الى مجلس الامن بطلب لتفعيل العقوبات. لإيران يوجد 30 يوما للاقناع بانها تعود الى المسار الدبلوماسي الذي يتضمن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية. يدور الحديث عن خطوة هامة على نحو خاص. لم يكن أي مراعاة لحقيقة أن ايران توجد على شفا انهيار اقتصادي.
الضغط على ايران مشجع بالتأكيد. لكن مخيف التفكير بالتغييرات التي تطرأ على الرأي العام في الغرب بعامة وفي الولايات المتحدة بخاصة، في اعقاب الدخول الى مدينة غزة، اذا ما حصل بالفعل. لقد عانينا من قدر كبير من الأوهام. لا حاجة لمزيد من الأوهام في أن هذا الرأي العام لن يؤثر على ترامب.
——————————————
إسرائيل اليوم 31/8/2025
لبنان.. محظور انزال القدم عن دواسة الوقود
بقلم: ايال زيسر
الحرب التي بدأتها ضدنا منظمة حزب الله في 8 أكتوبر 2023، بعد يوم من الهجوم الاجرامي المفاجيء لحماس على بلدات غلاف غزة، انتهت بهزيمتها. قمة القيادة السياسية والعسكرية للمنظمة صفيت، وكذا أيضا معظم قدراتها العسكرية. لكن لا ينبغي الوقوع في الخطأ: لا يدور الحديث عن “نصر مطلق” – فالمنظمة لم تهزم وهي لا تزال تبقي على كثير من قدراتها، تنتظر اللحظة التي يمكنها فيها أن تعود لترفع الرأس.
الضربة التي تعرضت لها المنظمة سمحت للبنان بان يتحرر من خناقه ومن الشلل الذي فرض عليه. الرئيس جوزيف عون، الذي انتخب بفضل هزيمة حزب الله الذي عارض انتخابه، والحكومة التي أقامها برئاسة نواف سلام، يعبران عن رغبة الجمهور في لبنان بغالبيته الساحقة للخروج الى طريق جديدة من اعمار وبناء الدولة – بدل الصراع عديم الجدوى ضد إسرائيل، بتكليف من ايران وفي خدمتها. لهذا الغرض مطلوب نزع سلاح حزب الله. في لبنان يعرفون بان الخروج الى طريق جديدة أتيح بفضل الضربات التي وجهتها إسرائيل الى رأس حزب الله وان مستقبل الدولة منوط في أن تواصل إسرائيل ضرب المنظمة في كل مرة تحاول فيها العودة لرفع رأسها.
لكن بعد كل هذا، ينبغي للحقيقة ان تقال: لا يمكن الاعتماد على اللبنانيين. ليس لانهم لا يريدون نزع سلاح حزب الله بل لانهم يفتقرون الى القوة الكافية بل والإرادة السياسية لعمل ذلك. فبعد كل شيء، لم يقاتل اللبنانيون لهدف لا يتعلق بمصالحهم الطائفية أو العائلية.
فضلا عن ذلك فان حزب الله ليس فقط قوة عسكرية كل ما هو مطلوب هو تصفية قادتها وتدمير قدراتها العسكرية. المنظمة هي قوة سياسية واجتماعية تمثل أبناء الطائفة الشيعية – الطائفة اكبر في لبنان التي تعد نحو ثلاث سكان الدولة. هؤلاء يواصلون تأييد حزب الله ليس بالضرورة لانهم يؤيدون ايديولوجيته بل لانهم يرون فيه، بغياب كل بديل آخر، من يكافح من اجلهم ويضمن مكانتهم في الدولة. وفي هذه الاثناء تواصل المنظمتة تفعيل منظومة خدمات التعليم، الصحة والرفاه التي تبقي على سيطرتها على أبناء الطائفة.
حكومة لبنان، من جهتها تريد ان تأكل الكعكة وتبقيها كاملة. من جهة أن تتخذ في نظر الأمريكيين كمن تعمل ضد حزب الله لكن من جهة أخرى تخشى المواجهة معه التي من شأنها أن تجر الدولة الى حرب أهلية متجددة. فبعد كل شيء، فان 60 في المئة من جنود الجيش هم شيعة، ومن الصعب الافتراض ان يحملوا السلاح ضد أبناء طائفتهم.
لقد كانت الاستراتيجية اللبنانية ولا تزال استراتيجية “سيكون خيرا”. صحيح أن الحكومة في بيروت اتخذت قرارا شجاعا كلفت فيه الجيش اللبناني باعداد خطة لنزع سلاح حزب الله، الا ان هذا منوط بالنية الطيبة للمنظمة؛ زعيمها، نعيم قاسم، اعلن منذ الان بان مسألة السلاح هي خط احمر بالنسبة للمنظمة وانها لن توافق ابدا على نزع سلاحها. مثل حماس في غزة، تخشى أن يؤدي الامر الى تصفيتها. وفضلا عن ذلك يشرح اللبنانيون بانه سيتطلب سنوات كثيرة ومليارات الدولارات لتأهيل الجيش لاداء مهامه وبالتالي ليس واقعيا الحديث عن نزع سلاح حزب الله في المدى الزمني المنظور.
رحبت إسرائيل بالقرار الذي اتخذته حكومة لبنان ووعدت بان كل خطوة لبنانية ستسجاب بخطوة إسرائيلية. معنى الامر هو أنه طالما لم يبدأ الجيش اللبناني بالنزع الفعلي لسلاح حزب الله – يمكن للبنانيين أن ينسوا انسحابا إسرائيليا من نقاط على طول الحدود، الحيوية لضمان امن بلداتنا في شمال الجليل، وبالطبع ينسوا وقف هجمات إسرائيل على اهداف حزب الله في ارجاء لبنان والتي تستهدف منع المنظمة من إعادة بناء قوتها.
إسرائيل أوقفت الحرب في لبنان في تشرين الثاني الماضي قبل الأوان، والان أيضا تعمل ضد حزب الله بشكل “نباتي”. في نفس الوقت لا يمكن تجاهل انجازاتنا في الحرب. المهمة الان هي الحفاظ على هذه الإنجازات ولهذا فمحظور على إسرائيل (انزال القدم عن دواسة الوقود) والا فاننا سنتبين مرة اخرى واقع عشية 7 أكتوبر في حدودنا الشمالية.
——————————————-
هآرتس 31/8/2025
خطة “اليوم التالي” في القطاع هي نموذج يعمل منذ سنوات في الضفة
بقلم: جاكي خوري
مفهوم “اليوم التالي” في كل ما يتعلق بغزة اصبح نوع من الكليشيه في الخطاب الاسرائيلي والخطاب الدولي. الجميع يتساءلون ما الذي سيحدث عندما سينتهي القتال، من سيحكم وكيف سيكون القطاع. الجواب من وجهة نظر اسرائيلية موجود منذ سنوات، هو يثبت نفسه وبالاساس يحافظ على مصالح اسرائيل. الحديث يدور عن نموذج الضفة الغربية.
في الضفة الغربية تسيطر اسرائيل بشكل كامل على مناطق ج، 60 في المئة من اراضي الضفة. هناك هي تقوم برعاية وتطوير مشروع الاستيطان، هناك خلقت منظومة سيطرة عسكرية وقامت بتثبيت واقع من الفصل العنصري الفعلي: حرية الحركة تقريبا غير محدودة للمستوطنين أمام القيود المتشددة على الفلسطينيين. في قطاع غزة، كما يبدو، اسرائيل ستتنازل عن حوالي 25 في المئة من المساحة، منطقة عازلة، حدود امنية، محاور استراتيجية، وستحتفظ لنفسها بالقدرة على العمل في أي وقت وفي كل مكان.
في الضفة الغربية كل ما يدخل ويخرج يوجد تحت رقابة اسرائيلية مطلقة: المياه، الوقود، الغذاء والدواء. هذا “حصار يتنفس” – خنق مراقب، يسمح بسيطرة مع تجنب انهيار مطلق. نفس المبدأ يعمل منذ سنوات في القطاع. هكذا يمكن ادارة مجموعة سكانية تتكون من ملايين بدون ان نعطيها حقوق انسانية أو حقوق قومية.
في الضفة الغربية كل بيت وكل قرية يمكن أن تتحول في لحظة الى هدف عسكري. لا توجد منطقة محصنة من الاقتحامات في الليل، التصفية أو الاعتقال. هذه آلية تخلق الشعور بعدم الأمان بشكل دائم، وتمنع نشاطات سياسية أو امنية هامة. غزة حسب هذا المنطق لن تكون مختلفة. ايضا هناك سيتم الحفاظ على حرية العمل المطلقة للجيش الاسرائيلي، الذي سيدخل ويقتحم ويهاجم متى يشاء.
في كل ما يتعلق بكسب الرزق – في الضفة أي خروج للعمل يرتبط بالتصاريح من اسرائيل. هذه السيطرة تمكن اسرائيل من احتجاز الاقتصاد الفلسطيني كرهينة بشكل دائم. بيتح تكفاه أو تل ابيب اصبحت حلم يومي لمئات آلاف العمال، المتعلقين بنزوة المنظومة. هكذا، حسب الحلم الاسرائيلي فان هذا سيكون ايضا في غزة: عشرات آلاف العمال سيسمح لهم بالدخول الى اسرائيل، شريطة الهدوء. هذا هو اساس آلية العصا والجزرة التي تم اختبارها بنجاح في الضفة الغربية.
في موازاة ذلك في الضفة يوجد حكم داخلي، السلطة الفلسطينية، الذي يوفر الخدمات المدنية ويتعاون مع اجهزة الامن الاسرائيلية. عمليا، الحديث يدور عن نظام حكم بدون سيادة، الذي يمكن اسرائيل من السيطرة بدون تحمل المسؤولية عن السكان. هذا هو الهدف في غزة: اقامة كيان ضعيف يكون متعلق اقتصاديا وامنيا باسرائيل، ويعمل مثل مقاول من الباطن لادارة شؤون السكان، الى جانب ادارة مدنية وحكم عسكري وآلية ناجعة لجباية الضرائب والمقاصة، التي ستدخل الاموال لاسرائيل وتمول احتلال رخيص.
بالطبع، في السلطة سيصابون بالصدمة من هذه المقارنة. فهي تفسد اسطورة “دولة في الطريق” وتعرض السلطة بصورة غير مشجعة. ايضا دول عربية كثيرة لن ترغب في الظهور كممولة لاحتلال آخر. ولكن هذه هي استراتيجية اسرائيل: تثبيت حقائق على الارض ووضع العالم امام وضع مطلوب فيه مساعدة الفلسطينيين، والعالم الساذج سيمول ذلك من اجل الحفاظ على حل الدولتين. هو يفعل ذلك منذ ثلاثين سنة.
خطة “اليوم التالي” قائمة، هي ليست مجرد حلم، بل نموذج يعمل منذ سنوات في الضفة: سيطرة عسكرية كاملة، منظومة مدنية وسيطة، اعتماد اقتصادي مطلق على اسرائيل. بقي فقط مكونان ناقصان: مقاول فلسطيني يوافق على ادارة الحياة اليومية في غزة وممول عربي، أو دولي، يوفر الميزانيات. في هذه الاثناء يحتلون غزة ويمهدون الارض.
——————————————
هآرتس 31/8/2025
يقلقون على المخطوفين، لكنهم عديمي الرحمة تجاه الغزيين
بقلم: جدعون ليفي
اسرائيل تقودها حكومة متوحشة ورئيس حكومة عديم الرحمة، الذين لم يكن مثلهم هنا في السابق. حياة الناس – الغزيون، الجنود والمخطوفين – لا تهم هذه الحكومة. سكان غزة تقوم بذبحهم، والجنود والمخطوفين تفرط بهم بنفس الدرجة من المساواة. امامها قامت معارضة صغيرة من خارج البرلمان، انسانية وشجاعة، التي بالنسبة لها حياة الانسان هي حياة انسان وسامية بنفس الدرجة. بين هذه الحفنة من الناس وبين حكومة الشر يقف معسكر الوسط: معظمه يناضل ضد فقدان الانسانية والتضليل الذي تقوم به الحكومة، يصدمون من كل فيلم، ويقض مضاجع الكثيرين منهم بسبب مصير المخطوفين المجوعين والجنود القتلى، لكن اذا تم الابلاغ عن مذبحة فظيعة في مستشفى – فانهم يتثاءبون بعدم اهتمام.
هم افضل من الحكومة ومن مؤيديها. هم انسانيون ومتضامنون، لكن فقط نصف انسانيين ومتضامنين. لا يوجد كائن كهذا، نصف اخلاقي. مثلما ان الاخلاق المزدوجة لا تعتبر اخلاق فان نصف الاخلاق ليست اخلاق، بل العكس، هذا ما هم عليه. هم يخافون على حياة 20 شخص، ويتجاهلون حقيقة ان دولتهم تقتل بالمتوسط كل ست ساعات عشرين شخص من الابرياء. بالنسبة لهم الانسانية تتوقف عند حدود القومية. هم يقيمون الدنيا من اجل كل اسرائيلي، ويزيحون نظرهم بعدم اهتمام ازاء فلسطيني مصيره اكثر وحشية بكثير احيانا. هم يغضبون بسبب قسوة قلب بنيامين نتنياهو، لكن قسوة قلوبهم ليست اقل منه. فتجاه الآخر الفلسطيني هم يظهرون نفس القسوة والشر.
هذه الظاهرة يصعب فهمها، هي تصل الى ذروة الحضيض في الحرب الحالية. لكن كيف يمكن ان نصدم من رؤية افيتار دافيد الجائع والتثاؤب، وربما ايضا الفرح ازاء صيد البشر الذين يقفون في الطابور من اجل الحصول على الطعام؟ كيف يمكن ان نصدم من مصير عائلة بيباس، ولا نظهر أي اهتمام بالالف طفل رضيع والـ 19 ألف طفل الذين قتلهم الجيش الاسرائيلي والـ 40 ألف طفل يتيم؟ كيف يمكننا عدم النوم في الليل بسبب الانفاق، ولا نهتم بما يحدث في سديه تيمان وفي مجدوا، الافعال المخجلة التي نقوم بها؟ كيف يمكن ذلك؟ كيف يمكننا المطالبة بزيارة الصليب الاحمر للمخطوفين ومعرفة ان اسرائيل تمنع هذه الزيارات عن آلاف المخطوفين الفلسطينيين؟.
هذه الاخلاق هي اخلاق قبائل الهوتنتوت. من الانساني والمفهوم ضمنا ان تهتم أولا بابناء شعبك، لكن اظهار عدم الرحمة المطلقة تجاه ابناء شعب آخر، يذبح بوحشية ويتم تدمير بلاده امام ناظريه بايدينا، تحول الكثير من الطيبين في كابلان وميدان المخطوفين الى اشخاص عديمي الانسانية هم انفسهم. بالنسبة لهم، حتى ان بعضهم يقول ذلك علنا، اسرائيل يجب عليها فعل كل ما في استطاعتها لتحرير المخطوفين، وبعد ذلك يمكنها استئناف الحرب والابادة الجماعية والتطهير العرقي، الاساس هو تحرير المخطوفين. هذه ليست اخلاق أو انسانية، هذه قومية متطرفة حقيرة.
ان ترى الناس – اطفال، ذوي احتياجات خاصة، شيوخ، نساء وعاجزين آخرين – وكأنهم لا شيء، اشخاص قتلهم وتجويعهم مشروع، وممتلكاتهم ليست ممتلكات وليس لهم كرامة، هذا يعني ان تكون نتنياهو وبن غفير وسموتريتش. امام الشر المطلق يجب وضع انسانية مطلقة، هذا تقريبا غير موجود في اسرائيل. الملجأ الاخلاقي لتعليق شريط اصفر على السيارة واظهار القلق على المخطوفين كما يبدو، لا يعتبر ملجأ واخلاق. ايضا شخص قومي متطرف، وفارغ مثل الموغ بوكر، الذي يعرف انه “لا يوجد ابرياء في غزة”، يريد تحرير المخطوفين، هذا لا يجعله شخص قومي متطرف أقل أو أقل حقارة حتى ولا للحظة.
القوة الاخلاقية للاحتجاج جزئية بسبب اخلاقيتها الجزئية. لو أنه كان اخلاقيا لكان سيضع على رأس اهتماماته النضال ضد الابادة الجماعية، الى جانب النضال من اجل تحرير المخطوفين. نضاله لم يكن ليضعف وصلاحيته الاخلاقية كانت ستعزز فقط. حتى من الارقام لا يمكننا الهرب: 20 مخطوف على قيد الحياة واكثر من 2 مليون فلسطيني، حياتهم هي جهنم. القلب لا يمكن ان يكون مع هؤلاء ومع اولئك ايضا.
——————————————
معاريف 31/8/2025
بلا غاية استراتيجية
بقلم: افي اشكنازي
بفارق نحو ساعة سجل في ليل السبت حدثا إصابات في قطاع غزة. في الحالة الأولى قتل مقاتل من الجيش الإسرائيلي بنار بالخطأ من مقاتل آخر. وقعت المصيبة عندما سعى الجيش الإسرائيلي لان يدخل قافلة لوجستية الى المجال القتالي لفرقة 36 في خانيونس. في الجيش يحاولون التحقيق كيف وقعت الحادثة العملياتية الفتاكة.
بعد وقت قصير من ذلك، في مجال قتال الفرقة 99 في حي الزيتون، صعدت مجنزرة نمر تابعة لكتيبة صبار من لواء جفعاتي، كانت في نشاط عسكري على عبوة ناسفة. لشدة الحظ منع تحصين النمر إصابة شديدة بطاقم المقاتلين، الذي أصيب واحد منهم بجراح متوسطة وستة بجراح طفيفة.
الحدثان، مثل عشرات أخرى في الآونة الأخيرة، يشيران الى غرق الجيش الإسرائيلي عميقا في الرمال المتحركة والنتنة للقطاع. نعم. نتنة. هذا ما سترويه كل ام لمقاتل تشم الملابس العسكري لابنها او ابنتها العائدين من غزة. لغزة توجد رائحة كريهة، تلتصق بالجلد، ولا تخرج حتى بعد حمامين – ثلاثة مع صابون معطر.
اليوم سيظهر كل قادة جهاز الامن في جلسة الكابنت وسيعرضون صورة موحدة ورسالة واضحة. إسرائيل ملزمة باستنفاد المفاوضات والعمل على تحرير فوري لعشرة مخطوفين احياء، ونحو نصف، وربما اكثر من الجثث.
كل قصة هزيمة حماس من خلال احتلال مدينة غزة هي احبولة إعلامية يعمل عليها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ليس لاحتلال غزة أي غاية استراتيجية لنهاية الحرب. إسرائيل هزمت حماس منذ الان في المستوى العسكري. إسرائيل يمكنها أن تدفع قدما بخطوات سياسية كي تطرد حكم حماس. قطاع غزة لن تتمكن حماس ابدا من إعادة بنائه. وعليه، فالموضوع هنا ليس اذا كانت إسرائيل تدخل الى غزة تحتل وتسوي بالأرض المدينة مثلما فعلت في مجالات أخرى مثل رفح، خانيونس، بيت حانون، الشجاعية وتفعله الان في الزيتون.
لقد درج نتنياهو دوما على أن يشبه نفسه برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرتشل. عشية وقف النار في الحرب العالمية الثانية أم تشرتشل بارسال 1300 طائرة قصف بريطانية نفذت قصفا شاملا حين القت بنحو 4 الاف قنبلة على مدينة درزدن في المانيا. بعد رؤية نتائج التدمير التي قام بها الجيش الإسرائيلي في ارجاء القطاع والفهم بان هذا ما ينتظر مدينة غزة بعد دخول آخر للجيش الإسرائيلي، السؤال الان هو اذا كان احتلال مدينة غزة ضروري حقا ام أنه “درزدن” حرب السيوف الحديدية؟
تفهم قيادة الجيش تآكل المقاتلين، مصاعب جنود الاحتياط، الحاجة لتأهيل أدوات الحرب والضرر الاقتصادي. هذا هو السبب الذي جعل الجيش يقرر بان تنفذ العملية لاحتلال غزة بشكل تعمل فيه كل قوة لفترة زمنية معينة في الميدان وتخرج الى الاستراحة، فيما يعمل مقاتلو الاحتياط في جولات خروج محددة حين يكونوا قرابة 50 في المئة من الوقت في البيت وفي العمل. الخطة هي ان تخرج الأسلحة والمعدات للمعالجة في اطار القتال. في الجيش وفي جهاز الامن يفهمون بانه بدون هذه الاعمال بان الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل سيغرقان عميقا في الوحل النتن لغزة.
——————————————
يديعوت احرونوت 31/8/2025
معاضل إسرائيلية، قرارات امريكية
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
احدى المداولات الجدية التي أجريت حتى اليوم في مسألة “اليوم التالي” في غزة أجريت الأسبوع الماضي – لكن في واشنطن، برئاسة الرئيس ترامب ومشاركة محافل غير إسرائيلية، باستثناء “ظهور ضيف” للوزير ديرمر. هذه مقدمة لثغرة مزدوجة في سلوك إسرائيل الذي يأخذ في الاحتدام: من جهة، الخلل “القديم” المتعلق بغياب استراتيجية مرتبة في موضوع مستقبل غزة، وهو الامر الذي يلزم مثلا بتعريف من هي تلك الجهة المجهولة التي ليست حماس او السلطة الفلسطينية التي ستحكم المنطقة، وكم من الوقت تعتزم إسرائيل البقاء فيها؛ ومن الجهة الأخرى – حقيقة أن قسما كبيرا من القرارات المصيرية المتعلقة بإسرائيل منوطة بالمزاج السائد في الغرفة البيضوية.
كل خطوة دراماتيكية اتخذت في السنة الأخيرة لم تتحقق عمليا الا بعد تلقي ضوء اخضر من واشنطن. وكان الامر بدأ حتى قبل أن يؤدي ترامب اليمين القانونية رئيسا، حين حث نتنياهو على الموافقة على وقف النار السابق في غزة؛ واصل المعركة ضد ايران؛ يكمن في الضغط على إسرائيل بتغيير سياستها المتصلبة في الموضوع الإنساني في القطاع؛ وعبر عن نفسه مؤخرا في الانتقالة الحادة التي نفذتها إسرائيل من الهجوم على مراكز الحكم في سوريا الى مفاوضات مباشرة معها – بتوجيه من واشنطن التي تؤشر أيضا الى أنه يحتمل ان يتعين على نتنياهو أن يقيد عمله العسكري “الروتيني” في سوريا وفي لبنان.
في أوساط الكثير منا في حكومة إسرائيل يعتبر ترامب كفرصة استراتيجية، وفي نظر كثيرين آخرين كأساس مركزي في “عصر المعجزة” الذي يمر على إسرائيل منذ 7 أكتوبر. تعلق اليه آمال في أن يسمح بتحقيق أمانٍ أيديولوجية قديمة، مثل احتلال وضم أراض في غزة وفي الضفة، خوض معركة مريرة بلا حدود زمنية في القطاع، وانشغال عملي علني وثابت بالنسبة لتحرير أو تشجيع هجرة الفلسطينيين. كل هذا – رغم النقد المتزايد على إسرائيل من جانب العالم في كل تلك المواضيع.
تأخذ إسرائيل رهانا استراتيجيا عظيما من حيث الاعتماد شبه المطلق على ترامب، وذلك على أساس مفهوم جديد في أنه في كل قرار، خطوة أو اعلان سيقف الى جانبنا ويحمينا من الضغط الدولي. في اعقاب الاستخفاف بكل جهة ليست الولايات المتحدة علقت إسرائيل مؤخرا في أزمات مشتدة مع دول أساسية أخرى، بما فيها الأصدقاء: الحراكات الأصعب هي حيال فرنسا التي من المتوقع لها ان تتصدر في أيلول الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية. لكن توترات واضحة أيضا حيال استراليا، بريطانيا وكندا بل وألمانيا التي وإن كانت أعلنت انها لن تعترف بدولة فلسطينية، لكنها تقيد تصدير السلاح الى إسرائيل.
ان الثقة التي تبثها الحكومة في الموضوع الدولي تمنع الإسرائيليين عن تمييز التحديات: النقد الدولي من شأنه أن يصبح أيضا عقوبات اقتصادية سيشعر بها كل إسرائيلي. يميل ترامب لان يغير بحدة وبشكل مفاجيء مواقفه، وبعض من أفكاره هي خيالات غير قابلة للتحقق (وعلى رأسها الريفييرا الغزية التي تتمسك بها حكومة إسرائيل بتزمت).
لا يوجد يقين في أن يوفر رؤساء امريكيون في المستقبل اسنادا كذاك الحالي. وبالطبع لاحتلال غزة (بعضها او كلها) او لخطوات ضم في الضفة، مثلما يهدد (وعمليا ينفذ) مسؤولون كبار في الحكومة، سيكون ثمن باهظ حيال العالم.
قرار ترامب في الأيام الأخيرة منع وصول مسؤولي السلطة الفلسطينية الى الأمم المتحدة في نيويورك يفترض ظاهرا أن يرضي إسرائيل وكأن الامر سيضر بالاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطينية. اما عمليا، فلا يبدو أن الخطوة ستحبط النوايا المعلنة لمعظم دول الغرب بل ويحتمل أن يولد ردا مضادا من حيث تعميق الدعم للفلسطينيين كرد على الانحياز التام من جانب ترامب نحو إسرائيل.
لكن قبل 5 سنوات وقف نتنياهو وترامب امام معاضل مشابهة. في 2020 أعلنت الحكومة عن الرغبة في النظر في ضم مناطق في الضفة بل وجرى حديث حول بناء في المنطقة E1 قرب معاليه ادوميم (خطوة تستهدف منع إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي في المستقبل)، لكن في حينه أوقف الرئيس الخطوة واساسا من خلال امتشاق اتفاقات إبراهيم وخطة القرن.
هذه المرة لا يلوح سحر مشابه. التوتر في العالم العربي يشتد في ضوء المعركة في غزة ولا توجد أي ظروف للتطبيع بخاصة ليس مع السعودية. وزن الصهيونية الدينية في تقرير سياسة إسرائيل ازداد دراماتيكيا في ضوء الظروف السياسية المعقدة (وعمليا يلوح سير على خط الحكومة مع اقلية ليس واضحا اذا كانت ستدخل الكنيست القادمة)، والرئيس الأمريكي لا يؤشر، حتى الان، الى معارضة او اهتمام بالموضوع.
في الماضي، بخاصة في عهد بايدن واوباما ساد في القدس قلق من صدام مع واشنطن يؤدي الى فرض قيود على إسرائيل. اما اليوم فالتحدي مضاعف: الضوء الأخضر من واشنطن يسمح لإسرائيل بالاندفاع بكل القوة نحو تنفيذ اهداف موضع خلاف في داخل إسرائيل، ترفضها رفضا باتا بالطبع دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة. وهكذا، حتى بدون اجماع، وفي ظل الاعتراف في أن خطوات إسرائيل ستتسبب بعزلة دولية وستمس بعلاقاتها مع الغرب والعالم العربي فانها تستعد لاحتلال واسع في غزة والى ضم في الضفة، الخطوات التي من المتوقع لها أن تغير صورتها لزمن طويل كثيرا الى ما بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض.
——————————————
هآرتس 31/8/2025
لأمريكا وسياسة “ازدواجية المعايير”: أتذكرون يوم منعتم التأشيرة عن ياسر عرفات؟
بقلم: أسرة التحرير
بيان وزارة الخارجية الأمريكية القائل إن الوزير ماركو روبيو ألغى تأشيرات دخول كبار مسؤولي م.ت.ف والسلطة الفلسطينية إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدةـ أنباء سيئة للإسرائيليين والفلسطينيين ولكل من يسعى إلى إنهاء الحرب في غزة واستئناف القناة السياسية. في الشرح الرسمي، زعم بأن السلطة الفلسطينية لا تلتزم بتعهداتها، ولا تتنكر للإرهاب، ولم تكفّ عن التحريض ومحاولات الالتفاف على المفاوضات من خلال التوجه إلى الأمم المتحدة. ما هكذا يتصرف وسيط نزيه بل دولة تنحاز تماماً لصالح إسرائيل التي تعارض حكومتها كل “يوم تال” في القطاع وعملياً تدفع قدماً بضم الضفة وإعادة احتلال غزة.
إن الادعاء بـ “أحادية الجانب” الفلسطينية مزدوج الأخلاق؛ فإسرائيل تتعامل مع اتفاقات أوسلو وكأنها تلزم الفلسطينيين فقط، في الوقت الذي تواصل هي فيه توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية. التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطيني باقٍ، ويا له من مريح، لكن كل ما تبقى بمثابة توصية فقط من ناحيتها. ورغم هذا، لا يوجد خوف من سحب الولايات المتحدة التأشيرة من نتنياهو أو من وزرائه المؤيدين للضم حتى لو كانوا يصرحون علناً عن دفع حل الدولتين.
بينما تحاول أوروبا والسعودية إحياء هذا الحل، الحل الدبلوماسي الوحيد الممكن، ها هي الولايات المتحدة تسير على خط اليمين الإسرائيلي لإضعاف السلطة الفلسطينية وتعزيز حماس بشكل غير مباشر. وهكذا تشجع التطرف الفلسطيني، بالضبط عكس ما تدعي أنها تطالب به كشرط لمفاوضات دبلوماسية. لكن يجدر بالذكر أن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس جائزة لحماس. فحماس، مثل اليمين الإسرائيلي، تعارض حل الدولتين. كلاهما يريدان دولة واحدة لشعب واحد، وإخفاء الشعب الآخر. أما السلطة الفلسطينية فهي التي اعترفت بإسرائيل وعقدت معها اتفاقات وتتعاون معها.
التعاون الأمني مع موقف اليمين الذي يرفض شرعية السلطة هو جائزة للرفض الإسرائيلي، تحت غطاء المطالبة بـ “نزع التطرف” الفلسطيني. فضلاً عن ذلك، فإن القرار ينتهك ميثاق الأمم المتحدة من العام 1947، الذي يقضي بأن الولايات المتحدة لن تقيد دخول ممثلين رسميين للجمعية العمومية للمنظمة بلا ادعاء أمني ملموس. في الماضي، حاولت واشنطن منع الصوت الفلسطيني: في 1988 منعت التأشيرة عن ياسر عرفات، ونقلت الجمعية العمومية إلى جنيف، الخطوة التي ألحقت حرجاً بالولايات المتحدة وأصبحت بعد سنين قليلة سخيفة مع توقيع اتفاقات أوسلو مع عرفات إياه بوساطة أمريكية. على الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن تذكر الأمريكيين بأنهم ليسوا أرباب البيت، بل مجرد دولة مضيفة لمقر الأمم المتحدة. إذا كانت واشنطن تسد الطريق، فعلى الدول الأعضاء أن تعيد النظر في ساحة المداولات. إن الطريق لمساعدة إسرائيل ليس في تعزيز المتطرفين واستمرار الحرب، بل دفع المفاوضات والحل الوسط التاريخي إلى طاولة.
—————–انتهت النشرة—————–