مشروع “ريفييرا غزة”: تهجير قسري بـ100 مليار دولار!

المسار : أثارت خطة مسربة من داخل البيت الأبيض جدلاً واسعًا بعد أن كشفت صحيفة واشنطن بوست تفاصيل مشروع أُطلق عليه اسم “ريفييرا غزة”، يتضمن تهجيرًا قسريًا لسكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، ووضعه تحت وصاية أمريكية لعقد كامل على الأقل.

وتقترح الخطة، المكوّنة من 38 صفحة، ما تسميه “إعادة توطين مؤقتة” لسكان غزة، مع تعويضهم برموز رقمية مرتبطة بحقوق أراضيهم لاستخدامها في إعادة توطينهم خارج القطاع أو في “مناطق آمنة مقيدة”.

وتثير الخطة عاصفة من الانتقادات باعتبارها مشروع تهجير جماعي مموه بلغة التنمية والاستثمار. ورغم غرابتها على المستوى التنفيذي، فإنها تكشف عن اتجاه سياسي خطير: محاولة تحويل غزة إلى مشروع تجاري–سياحي على أنقاض معاناة أهلها، وتثبيت منطق نفي السيادة الفلسطينية.

“تنمية” بواجهة التطهير العرقي

يرى منتقدون أن الخطة لا تتجاوز كونها غطاءً لجرائم الترحيل الجماعي والهندسة الديموغرافية.

وعقب فيليب جرانت، المدير التنفيذي لمنظمة ترايل إنترناشونال لحقوق الإنسان: “إنه مخطط للترحيل الجماعي، يُسوّق على أنه تنمية… حالة نموذجية من الجرائم الدولية: نقل قسري للسكان، عقاب جماعي، وإبادة جماعية محتملة”.

وحذرت المنظمة، إلى جانب 14 جهة حقوقية أخرى، من أن الشركات المشاركة في التخطيط أو التنفيذ قد تواجه مسؤوليات قانونية دولية بتهم المساعدة والتحريض على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتتضمن الخطة رؤية لتحويل غزة إلى مشروع ضخم ينافس مبادرة “نيوم” السعودية، مع مدن عملاقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي ومشاريع تصنيع “على طريقة إيلون ماسك” تقام على أنقاض المناطق الصناعية الفلسطينية السابقة.

وتشمل التصورات: إنشاء مدينة ساحلية يقسمها مجرى مائي. بناء ثماني مدن كبرى عالية التقنية بتمويل يصل إلى 100 مليار دولار من مستثمرين دوليين. مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في غزة لصالح منطقة عازلة أمنية إسرائيلية.

لكن الوثيقة لا تميز بوضوح بين غزة والأراضي المحتلة عام 1948 ومصر، ما يكشف عن تجاهل لسيادة الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير.

دور شخصيات ومؤسسات دولية

أشارت التسريبات إلى مشاركة شخصيات ومؤسسات في بلورة المشروع:

مساهمة من مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من واشنطن وتل أبيب.

استشارات مالية أولية من مجموعة بوسطن الاستشارية، التي سارعت إلى التنصل من الوثيقة وأعلنت فصل شركاء كبار متورطين فيها.

حضور توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، اجتماعات في البيت الأبيض لمناقشة مستقبل غزة، إلى جانب جاريد كوشنر صهر ترامب.

رفض واسع وسخرية إسرائيلية

حتى داخل دولة الاحتلال، قوبلت الخطة بانتقادات لاذعة. صحيفة هآرتس وصفتها بأنها: “مخطط ترامبي للثراء السريع، يقوم على جرائم الحرب والذكاء الاصطناعي والسياحة.”

وعلق الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إتش إيه هيلير: “الأمر جنوني. لكن ما يهم هو الإشارة المستمرة: إصرار (إسرائيل) وحلفائها على إنكار أي سيادة أو حق تقرير مصير للفلسطينيين في غزة.”

من جهتها حذرت المحامية كاثرين غالاغر من مركز الحقوق الدستورية في نيويورك، من أن أي شركة تتورط في هذه الخطة قد تواجه دعاوى قضائية بموجب الولاية القضائية العالمية.

وقالت إن مشروعًا يقوم على تهجير قسري يُعد جريمة دولية لا تسقط بالتقادم، مضيفة أن الشركات “ستحمل وصمة التواطؤ لعقود”.

وقد رفع المركز بالفعل دعوى قضائية ضد إدارة ترامب بشأن تمويل مؤسسة غزة الإنسانية، التي شهدت مواقعها مقتل مئات الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات.

الموقف الفلسطيني: “غزة ليست للبيع”

من جانبها، رفضت حركة حماس الخطة بشكل قاطع. وقال باسم نعيم، المسؤول بالحركة: “غزة ليست للبيع. إنها جزء لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني الكبير.”

وأكد نعيم أن أي مشروع يتجاهل حقوق الفلسطينيين أو يسعى لفرض وصاية أجنبية مآله الفشل، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي شكل من أشكال التهجير.

وتعكس الخطة المسربة – وفق مراقبين – رؤية ترامب القديمة لإعادة تشكيل غزة بعيدًا عن أي سيادة فلسطينية، وتحويلها إلى “كيان سياسي” ملحق باتفاقيات أبراهام، مع بقاء دولة الاحتلال صاحبة اليد العليا أمنيًا.

ورغم أن البيت الأبيض لم يعلق رسميًا، فإن تسريب الوثيقة تزامن مع اجتماع مغلق لإدارة ترامب حول “اليوم التالي في غزة”، ما يعزز المخاوف من أن هذه التصورات قد تكون مطروحة بجدية في دوائر صنع القرار.

Share This Article