المسار :في الثالث عشر من أيلول عام 1993، وقعت اتفاقية أوسلو في واشنطن. وُصفت حينها بأنّها لحظة تاريخية وبداية طريق نحو السلام، بل بشر البعض بأنها ستكون الجسر إلى الدولة الفلسطينية. غير أن الواقع الذي أعقبها كان أبعد ما يكون عن الوعود.
في الداخل الفلسطيني، نشأت السلطة الفلسطينية كأحد أبرز نتائج الاتفاق، وعاد قادة منظمة التحرير إلى أرض الوطن. لكنّ السلطة لم تمنح سيادة حقيقية، بل صدرت لها إدارة محدودة ومشروطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال. تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (A، B، C) جعل السيطرة الإسرائيلية أعمق، فيما الاستيطان الذي كان يُفترض أن يتوقف تضاعف بشكل لافت، حتى غدا يقضم الأرض ويحوّلها إلى جزر معزولة.
أما في أماكن اللجوء والمخيمات، فقد كان الأثر أكثر قسوة. إذ وضعت قضية اللاجئين ــ ومعها القدس ــ في خانة “قضايا الحل النهائي”، أي مؤجلة إلى أجل غير مسمى. ملايين اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن والشتات شعروا بأنهم أُقصوا من المعادلة، وكأن وجودهم وتضحياتهم لم تحتسب في ميزان المفاوضات. المخيمات ظلّت على حالها، بل ازدادت إحباطا بعد أن غاب عنها ذكر “حق العودة” إلا كشعار بعيد المنال.
أما النتيجة الأعمق، فكانت تبدّل المشروع الوطني ذاته: من مشروع تحرّر يسعى لإنهاء الاحتلال، إلى مشروع حكم ذاتي محدود تحت سقف الاحتلال. ومع مرور الوقت، تعمّق الانقسام بين الداخل والشتات، وتراجعت الثقة بالقيادة السياسية، فيما الاحتلال رسخ وجوده أكثر من أي وقت مضى.
اليوم، وبعد مرور ثلاثة عقود، تتضح الصورة: لم تنشئ أوسلو دولة، ولم توقف استيطانا، ولم تعد لاجئا واحداً. ما فعلته أنها منحت الاحتلال شرعية إضافية، وحمّلت الفلسطينيين عبئاً ثقيلاً تحت اسم السلام. إنّه اتفاق حمل عنوان النهاية، لكنه فتح فصلا جديدا من النكبة المستمرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار