المسار : تشهد إيطاليا استنفاراً أمنياً كبيراً، حيث ينتشر المئات من عناصر الشرطة في مدينة أوديني (شمال شرق) لتأمين المباراة التي ستجمع، اليوم الثلاثاء، بين المنتخب الإيطالي ونظيره الإسرائيلي (في إطار تصفيات كأس العالم لكرة القدم)، حيث يُتوقع أن تشهد المدينة مظاهرة كبيرة تضم نحو عشرة آلاف محتج ضد الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة.
الكرباعي: إصرار حكومة ميلوني على استضافة المباراة يحمل دوافع سياسية واضحة ومباشرة، تتجلى برفض أي فكرة لمقاطعة إسرائيل رياضياً أو سياسياً
وقال مجدي الكرباعي، النائب التونسي السابق المقيم في إيطاليا، لـ”القدس العربي”: “تشهد الساحة الإيطالية حالياً حراكاً شعبياً وقانونياً غير مسبوق، وضع حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في موقف حرج للغاية على الساحتين المحلية والدولية. وقد تصاعد هذا التوتر على جبهتين رئيسيتين: شكوى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية، والجدل الأمني والسياسي حول استضافة مباراة تصفيات كأس العالم بين إيطاليا والكيان الصهيوني”.
محطة تاريخية
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أعلنت، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي (راي)، أنها تواجه مع وزيري الخارجية أنطونيو تاياني والدفاع غويدو كروسيتو تهماً بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بغزة، في إطار دعوى رفعتها منظمة حقوقية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال الكرباعي: “تُمثّل الشكوى القانونية التي قُدّمت إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد كبار المسؤولين الإيطاليين محطة تاريخية في جهود المساءلة الدولية، وقد جاءت هذه الخطوة لتتويج حراك واسع تقوده منظمة “محامون وقانونيون من أجل فلسطين”، والتي تشرفتُ بكوني أحد الموقعين عليها. وعلى عكس ما يتم تداوله في بعض التقارير الأولية، فإن الشكوى موجهة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وقد حظيت هذه العريضة بدعم شعبي وقانوني واسع، حيث تجاوز عدد الموقعين عليها ثلاثين ألف مواطن وناشط، إضافة إلى عدد كبير من الأكاديميين والمحامين والأساتذة الجامعيين والشخصيات العامة البارزة”.
واعتبر أن “هذا العدد المهول من التوقيعات، إلى جانب الأساس القانوني المتين الذي صاغه المختصون، يعطي للشكوى وزناً أخلاقياً وقانونياً استثنائياً، إذ لم تعد مجرد احتجاج سياسي، بل هي وثيقة مطالبة بالعدالة والمحاسبة”.
وكانت ميلوني اتهمت اليسار الإيطالي بالوقوف وراء الشكوى القضائية ضدها، في محاولة لـ”تأجيج” الأوضاع، محذرة من خروج الأمور عن السيطرة.
وعلق الكرباعي على ذلك بقوله: “إن اللجوء إلى مفاهيم مثل “الانقلاب” و”المؤامرة” يوضح أن الشكوى، التي تستهدف بشكل مباشر تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات العسكرية عبر شركات إيطالية مثل “ليوناردو”، قد لامست نقطة ضعف حساسة في موقف الحكومة الداعم للكيان. وهذا الرد المتوتر (من قبل ميلوني) يؤكد بشكل قاطع حجم الحركة التضامنية مع فلسطين في إيطاليا، التي تجاوزت حدود الاحتجاجات لتصبح قوة ضغط قانونية قادرة على إحراج قمة الهرم السياسي الإيطالي أمام القضاء الدولي”.
مباراة ملغومة
من جهة أخرى، اعتبر الكرباعي أن مباراة كرة القدم المنتظرة بين إيطاليا وإسرائيل “تُعد تجسيداً مادياً لعمق الانقسام السياسي والمجتمعي”، مؤكداً أن “حالة التأهب الأمني القصوى في محيط المباراة تعكس القلق الحكومي من الاحتجاجات المتوقعة”.
وأضاف: “تضمنت الإجراءات الأمنية الاستثنائية التكتم الشديد حول مكان إقامة المنتخب الإسرائيلي، فضلاً عن نفي السلطات ما نشرته وسائل الإعلام بشأن مرافقة جهاز “الموساد” للمنتخب الإسرائيلي لحمايته، رغم أن التنسيق الأمني (بين الطرفين) يظل أمراً حتمياً في ظل هذه الأجواء المشحونة. كما أن رئيس بلدية أوديني نفسه دعا إلى تأجيل المباراة خشية الإخلال بالنظام العام”.
واعتبر أن إصرار حكومة ميلوني على استضافة المباراة في هذا التوقيت يحمل دوافع سياسية واضحة ومباشرة، تتجلى برفض أي فكرة لمقاطعة إسرائيل رياضياً أو سياسياً، والتأكيد على أن روما لا تنوي التراجع عن موقفها كحليف ثابت.
الكرباعي: ما نعيشه اليوم في إيطاليا أيام تاريخية بامتياز، حيث تتصادم الأجندات السياسية الحكومية مع الضمير الشعبي والمساءلة القانونية الدولية
وأضاف الكرباعي: “تحاول الحكومة استخدام ذريعة “عدم تسييس الرياضة”، وأن الرياضة يجب أن “توحّد لا أن تفرق” لتبرير موقفها، وهي ذريعة تفشل في مواجهة حقيقة أن الإصرار على إقامة المباراة قسراً هو قمة التسييس، وهو ما يغذي الحراك المعارض في الشارع الإيطالي”.
وختم بقوله: “ما نعيشه اليوم في إيطاليا هي أيام تاريخية بامتياز، حيث تتصادم فيها الأجندات السياسية الحكومية مع الضمير الشعبي والمساءلة القانونية الدولية”.