المسار : عن عرب 48 – يواجه أهالي قرى الجولان العربي السوري المحتل، وعلى رأسهم سكان قرية عين قنية، خطرا جسيما وتحديات وجودية حقيقية تتعلق بمشروع تسوية الأراضي وإثبات الملكية وتسجيل الأراضي في دائرة الطابو الإسرائيلية.
يعد مشروع تسجيل الأراضي في الطابو الإسرائيلي خطوة إستراتيجية ضمن سياسة الاستيلاء على الأراضي، إذ يُطرح كمشروع تنظيمي، لكنه في الواقع يحمل أبعادا سياسية تهدف إلى تثبيت الملكية وفق القانون الإسرائيلي، متجاوزا القانون الدولي الذي يعتبر الجولان أرضا محتلة.
هذا المشروع الذي يطرح على أنه إجراء إداري وتنظيمي، يخفي خلفه أبعادا سياسية وقانونية تهدف إلى نزع ملكية الأراضي من أصحابها الأصليين وتحويلها إلى ملكية الدولة، بما يفتح الطريق أمام الاستيطان والتوسع الإسرائيلي في المنطقة.
ويؤكد ناشطون وخبراء أن المشروع يفتح المجال أمام مصادرة الأراضي غير المسجلة أو التي لا يمكن لأصحابها إثبات ملكيتها، وهو ما يشكل تهديدا كبيرا للمزارعين والسكان السوريين المحليين في مجدل شمس، وبقعاثا، ومسعدة، وعين قنية، والغجر.
يفرض النظام القانوني الإسرائيلي عبئا على السكان السوريين المحليين يكاد يكون شبه مستحيل، ما يسهل تسجيل الأراضي باسم “سلطة أراضي إسرائيل” تدريجيا، ويفتح المجال لسلبها بشكل ممنهج وتوظيفها للمشروع الاستيطاني بالجولان.
شروط وإجراءات التسجيل: عبء إثبات شبه مستحيل
يقدم هذا التقرير الميداني لـ”عرب 48” قراءة متكاملة لمخطط تسجيل الأراضي في الجولان المحتل، جامعا بين التحليل القانوني، التوثيق التاريخي، ورؤى الخبراء المحليين، فيما يتكامل المسار القانوني مع الحراك الشعبي لتشكيل جبهة موحدة ضد محاولات إسرائيل تسجيل الأراضي باسمها.

يمثل مسطح قرية عين قنية نموذجا حيويا لتداعيات هذا المخطط، إذ يوفر التقرير إطارا واضحا لفهم الأخطار الممنهجة التي تهدد ملكية الأرض وحقوق السكان الأصليين، ويشكل مقدمة تمهد لاستعراض المحاور الأساسية للقضية وآليات التعامل معها في كافة قرى الجولان السوري المحتل.
وتعليقا على مخطط تسوية الأراضي وإثبات الملكية وتسجيلها في دائرة الطابو الإسرائيلية، وصف الناشط المجتمعي وعضو اللجنة القانونية في بلدة عين قنية، د. ناصر منذر، الوضع بأنه مرحلة حرجة قد تؤدي إلى فقدان السكان لغالبية أراضيهم الزراعية التي يعملون عليها منذ ما قبل الاحتلال.
ولفت إلى أن المخطط يشمل الأراضي الزراعية ومساحات البناء والمخططات الهيكلية، مشيرا إلى أن موقف المجلس المحلي يتماشى مع موقف السكان في التصدي لهذا التحدي.

وأشار منذر خلال حديثه لـ”عرب 48” إلى أن المخطط لا يقتصر على عين قنية فحسب، بل يستهدف جميع قرى الجولان المحتل، مع تحويل الأراضي إلى ملكية “دائرة أراضي إسرائيل” بهدف توظيفها في الاستيطان.
ويؤكد أن الهدف الإستراتيجي للمخطط هو تصفية ملكية الأرض وفرض السيطرة الإسرائيلية عليها تحت غطاء القانون الرسمي، لافتا إلى أن هذا المخطط يشبه ما حدث في منطقة النقب حيث تم سلب مئات الآلاف من الدونمات من السكان العرب الفلسطينيين الأصليين.
العقبات التاريخية والوثائق المفقودة
وفقا للقوانين الإسرائيلية المعمول بها، يقول منذر: “يطلب من السكان إثبات ملكيتهم للأراضي عبر، مستندات وطابو عثماني قديم، وعقود بيع وشراء بين السكان، أو إثبات استخدام الأرض وفلاحتها بشكل مستمر لمدة 15 عاما”، قبل عام 1982، تاريخ ضم الجولان للسيادة الإسرائيلية.

يبلغ مسطح قرية عين قنية نحو 7 آلاف دونم، منها 5 آلاف دونم أراضٍ زراعية، وكلها عرضة لمخاطر مشروع التسوية. ويصف منذر المخطط بأنه على غرار مخطط سلب الأراضي في النقب، الذي استهدف مئات آلاف الدونمات من الأراضي العربية الأصلية.
وأشار إلى أن إثبات الملكية في عين قنية يواجه صعوبات تاريخية وجذرية، فالكثير من الأراضي لم تسجل رسميا، وغالبية الوثائق العثمانية فقدت بسبب حرائق عام 1925 التي أحرقت القرية بالكامل، واضطر الأهالي للهرب لحماية حياتهم، دون القدرة على حفظ أي مستندات رسمية.
وبالتالي، يصبح المسار القانوني معقدا جدا، إذ تعتمد المحاكم الإسرائيلية على المستندات الرسمية لإثبات الملكية، وفي كثير من الحالات حتى وجود وثائق عثمانية لم ينصف المواطنين العرب.
المواجهة القضائية والمسار الشعبي
يقول منذر: “يعمل السكان في مسارين متوازيين لمواجهة المخطط، القانوني والقضائي، يشمل الاعتراض على مزاعم السلطات الإسرائيلية وإيجاد ثغرات قانونية ضمن النظام القضائي الإسرائيلي”.

وأعد المحامي قيس ناصر الذي تم تكليفه من قبل العديد من سكان عين قنية وأصحاب الأراضي لمتابعة الملف قبالة السلطات الإسرائيلية، دراسة موسعة اعتمدت على القانون العثماني والسوابق القضائية التي أبطلت محاولات السلطات الإسرائيلية لادعاء ملكيتها لأراضي السكان في مناطق أخرى.
إلى جانب ذلك، يعد التحرك الجماهيري والتوعية من العناصر الأساسية لمواجهة مخطط التسوية، إذ يشدد منذر على ضرورة توحيد الصفوف في جميع قرى الجولان لمنع سلب الأراضي، بما يشمل الأراضي الزراعية ومساحات البناء والمخططات الهيكلية.
وأشار إلى أن المحكمة الإسرائيلية، اليوم، تطالب بإثبات تسجيل الأرض بشكل منظم خلال فترة الانتداب الفرنسي والحكم السوري القصير، وهو أمر لم يتمكن معظم السكان من إنجازه قبل الاحتلال الإسرائيلي للجولان عام 1967، على الرغم من استمرارهم بفلاحة أراضيهم حتى اليوم.

هناك 7 ملفات خاصة بتسوية الأراضي في عين قنية، جميعها رفضتها المحكمة المركزية في الناصرة.
ولفت منذر إلى أن جميع القرارات كانت تتبع نمطا واحدا، إذ تغيرت الأسماء وأرقام الهوية فقط، بينما ظل جوهر القرار رفض ملكية السكان، ما يشير إلى سياسة ممنهجة لسلب الأراضي وتسجيلها باسم دائرة أراضي إسرائيل.
وأكد على تناقض مزاعم دائرة الأراضي حول ملكية الأراضي، متسائلًا عن سبب مطالبتها بالأراضي بعد عقود من الاحتلال، في حين أن السكان استمروا بزراعتها واستخدامها منذ ما قبل الاحتلال.
قضية وجودية ومصيرية
تتضمن الخطوة المقبلة تقديم التماس جماعي للمحكمة العليا الإسرائيلية بعد استنفاد كافة الإجراءات الرسمية أمام الجهات ذات الاختصاص، بما في ذلك، مكتب رئيس الحكومة، والمستشارة القضائية للحكومة، ودائرة أراضي إسرائيل ومكاتب الطابو.
ويهدف الالتماس إظهار الخروقات والتجاوزات في قرارات المحكمة المركزية، واستعادة حق السكان في أراضيهم، ومواجهة سياسة تسجيل الأراضي التي تسعى إلى تحويل ملكية الأرض باسم إسرائيل.

يؤكد منذر أن الوضع في الجولان خطير للغاية، وأن المعركة ضد مشروع تسوية الأراضي مسألة حياة أو موت للسكان. فالأرض التي توارثتها العائلات منذ مئات السنين تشكل مصدر الحياة والمعيشة والهوية، وفقدانها يعادل فقدان المستقبل الزراعي والاجتماعي لأهالي الجولان.
ويختم حديثه بالقول إن “توحيد الصفوف، النضال الشعبي، والتحرك القانوني المتزامن، كلها أدوات أساسية للحفاظ على حقوق السكان وحماية الأرض من السلب والتسجيل باسم الدولة”.
سياسة الاستيلاء على الأراضي في الجولان
تعد مسألة تسجيل الأراضي في هضبة الجولان واحدة من القضايا الأكثر تعقيدا، نظرا لتقاطعها مع الأبعاد القانونية والسياسية والاجتماعية.
منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وفرض القوانين الإسرائيلية، تواجه ملكية الأرض تحديات متعددة، وأصبح مشروع تسجيل الأراضي في الطابو الإسرائيلي أداة رئيسية لتثبيت السيطرة ومصادرة الأراضي العربية، بحسب رأي المحامي رأفت منذر.
يشكل مشروع تسجيل الأراضي في الطابو مرحلة خطيرة ضمن سياسة الاستيلاء على الأراضي. فعلى الرغم من أنه يطرح كمشروع تنظيمي، إلا أنه يحمل أبعادا سياسية تهدف إلى تثبيت الملكية وفق القانون الإسرائيلي، متجاوزا القانون الدولي الذي يعد الجولان أرضا محتلة.

ومن أخطر ما في هذا المشروع أنه “يفتح المجال أمام مصادرة الأراضي غير المسجلة أو التي لا يستطيع أصحابها إثبات ملكيتها”، يوضح منذر.
دراسة حالة – قرية عين قنية
يقول المحامي منذر في تقدير موقف حصل “عرب 48” على نسخة منه: “تضع لجان التسوية عبء إثبات الملكية بالكامل على أصحاب الأرض، ما يتطلب وجود خرائط، عقود قديمة، أو شهادات موثوقة، وهي غالبا غير متوفرة نتيجة الظروف التاريخية والسياسية”.
وحذر من “أي خلافات غير موضوعية بين الورثة أو الجيران قد تؤدي إلى فقدان الأرض بالكامل. يجب حل النزاعات داخليًا وعرفيًا قبل الوصول إلى لجان التسوية أو المحاكم”، مؤكدا أن “النزاعات العائلية أو الحدودية يجب حلها خارج المسار الرسمي لتجنب تدخل إسرائيل وتحويل الأرض إلى ملكية عامة”.
عين قنية نموذج ملموس يظهر تعقيدات مشروع تسجيل الأراضي. واجه العديد من السكان تحديات كبيرة في إثبات ملكية أراضيهم، خاصة في ظل غياب وثائق رسمية. “حتى الأراضي الزراعية المستخدمة لعقود، تم رفض تسجيلها”، يشير المحامي منذر.
ولفت إلى أن مشروع تسجيل الأراضي ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل أداة سياسية لإعادة تشكيل ملكية الأرض بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية.

وتشمل عملية تسوية الأراضي عدة مراحل، المسح وتحديد القسائم، تثبيت الحدود، تقديم الدعوى، سماع لائحة القضايا، البت في الدعاوى، وقراءة لوائح الحقوق وتسجيلها في الطابو. “عدم الحضور في أي مرحلة قد يؤدي إلى فقدان الأرض نهائيا”، وفق قراءة منذر.
إثبات الملكية والمحاكم والحدود القانونية
يعتمد القانون الإسرائيلي على ما يسمى “سلسلة الحقوق” التي تبدأ بتخصيص رسمي من الدولة أو حيازة طويلة وفق المادة 78 من القانون العثماني. معظم الأراضي في الجولان لم يتم تخصيصها رسميا، والسكان يتعاملون مع الأرض بالعرف أو الحيازة التاريخية. و”هذا يجعل إثبات الملكية شبه مستحيل”، يؤكد المحامي منذر.
عبء الإثبات على المواطن ثقيل للغاية. أي انقطاع في سلسلة الملكية القانونية يمنح إسرائيل الحق في تسجيل الأرض باسمها. السوابق القضائية، مثل قضية عبد الولي حسين ضد سلطة أراضي إسرائيل، تؤكد أن المادة 78 تطبق ضمن شروط محددة، والحيازة يجب أن تنتهي قبل عام 1981 لتكتسب صفة الملكية”، يوضح المحامي منذر.
ويختم المحامي منذر حديثه بالقول إن “تسجيل الأراضي في الجولان ليس مجرد إجراء إداري، بل معركة قانونية وسياسية تؤثر مباشرة على ملكية الأرض وحقوق السكان. الحيازة التاريخية يجب أن تعترف بها كدليل على الملكية، وتوحيد الصفوف ورفع الوعي الشعبي والقانوني أساسي لحماية الأرض”.

