المسار : شجّع العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الكاتب بوعلام صنصال، شخصيات وأحزاب موالية للسلطة، للمطالبة بإطلاق سراح أسماء أخرى، معتبرة أن اللحظة السياسية الحالية تتيح فرصة للتوجه نحو مزيد من الانفراج في هذا الملف.
وبرزت أولى الدعوات من رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، الذي وجّه نداءً مباشرا إلى رئيس الجمهورية لإطلاق سراح أربعة موقوفين هم: المؤرخ والأستاذ الجامعي محمد الأمين بلغيث، والناشط السياسي كريم طابو، والناشط نور الدين ختال، والصحافي والناشط عبد الوكيل بلام.
وأكد بن قرينة وهو من أبرز الموالين للرئيس، أن هؤلاء – وفق تعبيره – “نجحوا في امتحان الوطنية”، موضحا أن المطالبة بإطلاق سراحهم صدرت من الداخل فقط، دون ضغط خارجي من دول أو منظمات، وهو ما اعتبره دليلا على “صدق انتمائهم للوطن واستحقاقهم لمكرمة رئاسية”. واعتبر أن رئيس الجمهورية يمتلك “القوة السيادية” لاتخاذ خطوة تُعيد اللحمة الوطنية وتفتح صفحة جديدة.
الموقف نفسه تبناه حزب صوت الشعب المساند للرئيس تبون، إذ ثمّن في بيان رسمي قرار العفو عن صنصال واعتبره تجسيدًا للبعد الإنساني والدبلوماسي للسياسة الجزائرية. ودعا الحزب إلى أن تُقرأ الخطوة في سياقها الوطني الهادئ، بعيدا عن التأويلات، مؤكدا أن العفو “لا يعني التبرئة”، بل يعكس قدرة الدولة على تغليب منطق الحكمة. وأعرب الحزب عن أمله في أن يمهّد القرار لنهج يعزز الاعتراف لمن أسهموا في خدمة الوطن من أكاديميين ومفكرين ونشطاء، بما يرسخ روح التسامح ويكرّس سيادة الدولة واستقلالية مؤسساتها.
في المقابل، عبّرت حركة مجتمع السلم المحسوبة على المعارضة البرلمانية، عن موقف متحفظ إزاء العفو عن صنصال، حيث أعلنت في بيان صادر عن مكتبها التنفيذي أنها أخذت علما بالقرار وما أثاره من نقاش واسع في ظل حساسية ملف الحريات وتوتر العلاقات الجزائرية–الفرنسية.
ودعت الحركة السلطات إلى تقديم “المزيد من التوضيح للرأي العام” بهدف إزالة الالتباس الذي رافق القرار. كما طالبت بتوسيع مقاربة العفو بشكل عادل ومنصف ليشمل كل من عبّر عن رأيه سلميا، وبصورة خاصة أصحاب الحالات الصحية والرمزية والتاريخية.
وأكدت ضرورة أن تتحول خطوة الانفراج إلى مقاربة شاملة لملفات الرأي والتعبير، بما يضمن الحقوق ويرفض الانتقائية، مع التشديد على عدم استغلال أي عفو لتبرير مواقف أو خطابات تمسّ بثوابت الأمة أو بالذاكرة الوطنية.
وتردد في الساعات الأخيرة كثيرا اسما محمد الأمين بلغيث وعبد الوكيل بلام على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل خلفية قضيتيهما تعود إلى الواجهة. فقد أدين المؤرخ والأستاذ الجامعي محمد الأمين بلغيث بالسجن خمس سنوات إثر تصريحات مثيرة للجدل حول الأمازيغية خلال مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عربية”. ووُجهت له تهم تتعلق بنشر خطاب الكراهية والترويج لأخبار من شأنها المساس بالنظام العام، إضافة إلى المساس بسلامة وحدة الوطن.
أما الصحافي والناشط عبد الوكيل بلام فقد تقرر إيداعه الحبس المؤقت بتهم ثقيلة تتعلق بـ”المشاركة في تنظيم إرهابي” و”نشر أخبار كاذبة” و”المساس بسلامة الوحدة الوطنية”، قبل نحو سنة دون محاكمته لحد الآن. ويُعد بلام من أبرز النشطاء الذين برزوا منذ 2014، وواجه عدة متابعات بسبب مواقفه المعارضة ونشاطه في الحراك الشعبي.
وفتحت هذه التطورات السياسية والحقوقية، التي جاءت عقب العفو عن بوعلام صنصال، بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل ملف الموقوفين في الجزائر، في ظل اعتبار كثيرين أن اللحظة مناسبة لتوسيع الانفراج السياسي.
وكانت شخصيات معارضة قد دعت بالمثل، عقب قرار العفو عن بوعلام صنصال، إلى توسيع الإجراءات لتشمل جزائريين. ورأى رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، أن العفو “لدواع إنسانية” يلزم السلطات بانتهاج المقاربة نفسها تجاه مواطنين يقبعون خلف القضبان في قضايا أقل خطورة، محذراً من أن اقتصار الرحمة الرئاسية على من “يحظون بضمانات دولية” قد يقوض ثقة الرأي العام في العدالة.
وفي الاتجاه نفسه، قال الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري إن هذا القرار يبعث برسائل مقلقة، إذ يُظهر -وفق تعبيره-، أن من تُوجه لهم اتهامات ثقيلة قد يستفيدون من ضغط خارجي، بينما يبقى “الوطنيون” مثل المؤرخ محمد الأمين بلغيث والصحفي عبد الوكيل بلام داخل السجون.
في المقابل، اعتبر رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز أن العفو عن صنصال خطوة “مفيدة وإيجابية”، مذكّراً بأن حزبه كان من أوائل من دعوا للإفراج عنه رغم الخلاف الجوهري مع تصريحاته. لكنه شدّد على أن حرية التعبير مبدأ شامل، وأنه من الضروري توسيع العفو ليشمل جميع سجناء الرأي، مؤكداً أن إنهاء منطق القمع والتضييق هو الطريق نحو استعادة الجزائر لمكانتها الدولية.
يذكر أن قضية صنصال كانت قد اكتسبت بعدا دبلوماسيا خلال العام الأخير، بعد إدانته بخمس سنوات سجنا نافذا، قبل أن يُفرج عنه بعفو رئاسي قبل يومين، إثر طلب مباشر من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، مع تعهّد ألمانيا بالتكفل بعلاجه ونقله.

