المسار : صوّت مجلس النواب الأميركي بالإجماع، أمس الثلاثاء، على تشريع لنشر ملفات التحقيق المتعلقة بالراحل جيفري إبستين المدان بارتكاب جرائم جنسية، وذلك تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه قبل إرساله إلى الرئيس لتوقيعه. وينص القرار الذي صوّت عليه المشرعون على أنه يجوز لوزارة العدل حجب المعلومات التي تحدد هويات الضحايا أو تنقيحها.
وبعدها بساعات حصل السيناتور تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ على موافقة بالإجماع على إقرار المجلس للمشروع، مما يمهد الطريق ليكون هذا التشريع على مكتب الرئيس اليوم الأربعاء، بعد إقرار تمريره في غرفتي الكونغرس (مجلس النواب والشيوخ). وذكر ترامب أول من أمس الاثنين لأول مرة أنه سيوقع على التشريع إذا وصل لمكتبه.
وصوت النائب الجمهوري اليميني كلاي هيغينز بلا، مقابل 427 عضواً صوتوا بنعم في مجلس النواب. وجاء هذا الإجراء بعد أن نجح الديمقراطيون الأسبوع الماضي مع 4 أعضاء انشقوا عن الإجماع الجمهوري في إجبار رئيس مجلس النواب مايك جونسون على طرح التشريع للتصويت، رغم المعارضة الشديدة من الرئيس ترامب وقادة الحزب الجمهوري، ما دفع الرئيس ترامب بعدها إلى إعلان دعمه لنشر وثائق إبستين لأول مرة بعد أشهر من اعتباره لها على أنها “خدعة ديمقراطية”. وجاء تراجع ترامب في وقت متأخر من مساء الأحد، بعدما نجحت عريضة قبل أيام في مجلس النواب في حشد الدعم الكافي لفرض إجراء التصويت، في خطوة نادرة من الجمهوريين لتحدي رغبات الرئيس.
وفي وقت سابق الثلاثاء، كان زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، قد دعا زملاءه الجمهوريين على الموافقة على التصويت على الإفراج عن وثائق إبستين الليلة، وقال في كلمة له بالمجلس، بعد تمرير مجلس النواب للتشريع: “يجب أن نمرر مشروع القانون في أقرب وقت ممكن كما هو مكتوب ودون تلميح إلى التأخير. يجب على الجمهوريين عدم محاولة تغيير مشروع القانون أو دفنه أو العمل ببطء باي شكل من الأشكال. لدينا الفرصة لإنجاز مشروع هذا القانون اليوم ووضعه على مكتب الرئيس ليتم توقيعه ويصبح قانونا الليلة”. وحذر من أنه “إذا حاول الرئيس التلاعب بطريقته وإصدار بعض الوثائق وإخفاء البعض عمدا فإن ذلك سيراه الأميركيون بوضوح”.
وحتى مطلع الأسبوع، سعى ترامب ومساعدوه حثيثاً لوقف إصدار المزيد من الملفات المتعلقة بالتحقيق الجنائي الذي تجريه وزارة العدل ضد إبستين، وهو مموّل ثري من نيويورك كان لفترة من الوقت صديقاً لترامب. وكتب ترامب، مساء الأحد، في رسالة على منصات التواصل الاجتماعي “يجب على الجمهوريين في مجلس النواب التصويت لصالح الإفراج عن ملفات إبستين، لأنه ليس لدينا ما نخفيه”، واصفاً الأمر بأنه “خدعة” من الديمقراطيين.
ويقول الديمقراطيون، وحتى بعض مؤيدي ترامب، إنه لا يوجد ما يوحي بالخداع في نشر سجلات أصلية لوزارة العدل. وأُدين إبستين بعددٍ من التهم على مستوى ولاية فلوريدا، وعلى المستوى الفيدرالي، تتعلّق بالاعتداء الجنسي على مراهقات والاتجار بهنّ. وتوفي إبستين في زنزانة سجن فيدرالي في مانهاتن عام 2019 في واقعة صُنّفت انتحاراً، وذلك بعد أسابيع قليلة من اعتقاله بتهم فيدرالية أخرى تتعلق بالاعتداء الجنسي على أطفال والاتّجار بهم.
وفي السياق، قال النائب عن ولاية كاليفورنيا وكبير الديمقراطيين في لجنة الرقابة بمجلس النواب روبرت غارسيا إن ترامب “حاول بكل ما أوتي من قوة إسقاط تحقيق جيفري إبستين”، وأضاف في بيان “لقد فشل. والآن هو مذعور”، وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض، تحدث لوكالة رويترز شرط عدم الكشف عن هويته، إن ترامب أعلن عن تغيير موقفه ليل الأحد لأنه ضاق ذرعاً بتركيز الجمهوريين على ملفات إبستين، وأراد منهم التركيز على تكاليف المعيشة وغيرها من القضايا التي تهم الناخبين أكثر.
من جهته، أعرب رئيس مجلس النواب مايك جونسون، أول من أمس الاثنين، عن اعتقاده بأن التصويت على الإفراج عن الملفات يجب أن يُساعد في وضع حد للمزاعم بأن ترامب له أي صلة بانتهاكات إبستين. وأضاف جونسون، في إشارة إلى ترامب: “لم يكن لديه أي شيء يخفيه”، وأردف “أنا وهو كان لدينا الاهتمام نفسه، وهو أننا أردنا ضمان حماية ضحايا هذه الجرائم الشنيعة من الكشف عنها كلياً”.
وأمر ترامب، الأسبوع الماضي، وزارة العدل بالتحقيق في علاقات الديمقراطيين البارزين بإبستين. وردت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي على ترامب بأنها ستعمل على ذلك على الفور، وقالت في وقت سابق من هذا العام إن مراجعة الملفات لم تكشف عن أي خيوط تحقيق أخرى. ويعتقد العديد من مؤيّدي ترامب الأكثر ولاء له أن الحكومة تحجب وثائق حساسة من شأنها أن تكشف عن علاقات إبستين بشخصيات عامة نافذة، تمكّنت من الإفلات من التحقيق.
وألقي القبض على جيفري إبستين لأول مرة عام 2006، وأُدين بتهم بالاتجار بالجنس عام 2008، وذلك بعد صفقة إقرار بالذنب سرية مع المدعين الفيدراليين بقيادة أليكس أكوستا، الذي أصبح وزيراً للعمل في حكومة ترامب في ولايته الأولى (2017 ـ 2021). وحمته هذه الصفقة من الملاحقة القضائية بتهم فيدرالية أكثر خطورة لها علاقة بالتحرش الجنسي بالأطفال، وأطلق سراحه على غير العادة بعد 13 شهراً فقط. في 2019، ألقي القبض على جيفري إبستين مرة أخرى للتورط في الاتجار الجنسي بالأطفال القصر، قبل أن ترتبط وفاته بحالة من الغموض لغياب تسجيل الدقائق الأخيرة قبل الوفاة. ويؤكد كثيرون من أتباع ترامب أنه جرى قتله، في حين ذكرت التحقيقات الفيدرالية خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن أنه مات منتحراً.
وارتبط اسم إبستين بقائمة من كبار رجال المال في السياسة وحول العالم، من بينهم الأمير البريطاني أندرو، ودونالد ترامب، وبل كلينتون وبيل غيتس، من دون أن تعني بالضرورة ارتكابهم أي مخالفات جنائية. ونشرت “وول ستريت جورنال” منذ أشهر رسالة قالت إنها مرسلة من ترامب إلى إبستين في عيد ميلاده الخمسين، تضمّنت رسماً لامرأة عارية وُقّع على جسدها. وحاول الرئيس الأميركي إنكار هذه الرسالة وقرر مقاضاة الصحيفة، وهاجم لأول مرة منذ نحو 10 سنوات أنصاره ومؤيديه الذين يطالبون بنشر وثائق جديدة في هذه القضية، وقال “لم أعد أريد تأييدهم”، ووصفهم بـ”الجبناء”، كما وصف قضية إبستين بأنها “نظرية مؤامرة ديمقراطية”.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت، في يوليو/ تموز الماضي، أنها قررت عدم نشر مزيد من الوثائق المتعلقة بتحقيقات إبستين، ما أغضب القاعدة اليمينية للرئيس ترامب التي تعتقد أن إبستين قُتل وتطالب بالإفراج عن جميع الوثائق المتعلقة بالأثرياء المتورطين والمشاركين في جرائمه المتعلقة بممارسة الجنس مع قاصرين.

