هآرتس العربي : لا أبرياء في القدس… ولهذا السبب اقتحمت شرطة الإحتلال عرضا للأطفال في مسرح الحكواتي

هيئة التحرير

المسار : في يوم الأحد، كان عشرات الأطفال الفلسطينيين من القدس الشرقية يستعدّون للعرض الفني “تحت شجرة الزيتون” على خشبة مسرح “الحكواتي”. بثيابهم التقليدية صعد الصغار إلى الخشبة ليغنّوا ويرقصوا، لكنّ لحظات الفرح هذه لم تستمر: أفراد شرطة، بعضهم مُلثّمون وآخرون بلباس مدني، اقتحموا القاعة وأوقفوا العرض. “سمعت ما قلت لك؟ سمعت؟ خلال خمس دقائق لا أريد أن ارى احد هنا!” صرخ أحد عناصر الشرطة بلباس مدني في وجه أحد موظفي المسرح. الأطفال أصابتهم حالة ذعر؛ بدأوا بالبكاء والهرب، وأحدهم تقيّأ من شدّة الخوف. أما الكبار فلم تكن لديهم أي إجابة يقدّمونها لهم.

الذريعة القانونية للاقتحام تعود إلى المادّة 3 من “قانون تطبيق اتفاق المرحلة الانتقالية الخاص بالضفة الغربية وقطاع غزة”. القانون وُضع لإدخال اتفاقات أوسلو في المنظومة التشريعية الإسرائيلية، وتنصّ المادّة على منع السلطة الفلسطينية من ممارسة أي نشاط داخل حدود “دولة إسرائيل”. وبعد كل هذا العبث، تجد شرطة إسرائيل نفسها—وبأمر من الوزير إيتمار بن غفير—تقتحم مسرحًا فلسطينيًا في القدس باسم حماية اتفاقات أوسلو.

هذا التشديد القمعي في تطبيق بندٍ واحد من اتفاقات أوسلو يبدو مهزلة، خصوصًا حين يوضع في سياقه الحقيقي: إسرائيل نفسها هي التي نسفت الاتفاقات عبر بناء استيطاني منفلت، وتشجيع إقامة عشرات البؤر الاستيطانية والمزارع والبلدات الجديدة في الضفة الغربية.

تبلغُ الغرائبية “الغروتسكية” في هذا المشهد ذروتها حين نضعه أمام الفشل الكارثي للشرطة وللوزير الذي يقف على رأسها، في كل مجال تقريبًا، وبالأخص حين يتعلق الأمر بالمواطنين والسكان العرب. فبعد يومٍ واحد فقط من اقتحام المسرح، نُشرت المعطيات المتعلقة بجرائم قتل النساء في إسرائيل: 43 امرأة قُتلن منذ بداية العام — رقم قياسي خلال عقد كامل — ورقمٌ آخر يستعد للتحطّم هو عدد القتلى في البلدات العربية: 230 قتيلًا منذ مطلع السنة.هكذا، بينما تنشغل الشرطة باقتحام مسرح أطفال بذريعة واهية، يتواصل النزيف الحقيقي بلا رادع، وتبقى حياة الناس — وخاصة العرب — آخر ما يعني هذه المنظومة التي تتقن المداهمات أكثر مما تتقن حماية الأرواح.

وما هو أخطر من ذلك: إنّ اقتحام عرضٍ مخصّص للأطفال بهذا القدر من العنف يوجّه رسالة صريحة إلى الجمهور بأن عبارة “فلسطيني بريء”، في المخيال الإسرائيلي، هي تناقضٌ في حدّ ذاتها — سواء كان الحديث عن مقاتل من حماس في غزة، أو عن طفل يشارك في مسرحية في القدس الشرقية.هذه المقاربة ليست سوى وصفة جاهزة لليأس وللانفجار، وهي لا تفعل سوى تغذية أكثر التيارات تطرّفًا في المجتمع الفلسطيني، وتقديم برهان إضافي للمجتمع الدولي على أن إسرائيل ماضية في تعميق الاحتلال والقمع ونظام الفصل العنصري.

Share This Article