المسار : طلب العفو الذي قدّمه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، هو طلب فجّ في جرأته وعديم الخجل. نتنياهو يرفض الاعتراف بأي خطأ، ويتنصّل من كل مسؤولية، وحتى في لحظة التماس العفو يواصل الإيحاء بأن الملفات فُبْرِكت له، ويصور أجهزة تطبيق القانون كأنها العصابة وهو الضحية.
هذا الطلب لا يمتّ بصلة إلى محاولة “رأب الصدع” بين أبناء الشعب الواحد، بل هو فعل استعلائي لرجل يريد استخدام مؤسسة العفو كأداة لمحو الحكم القضائي ودهس المبدأ الأساسي القائل بالمساواة أمام القانون.
في حين يشرف نتنياهو على ماكينة تحريض ممنهجة ضد المدّعين، والمحققين، والشهود، والقضاة، ويواصل تفكيك المجتمع الإسرائيلي تفكيكاً منهجياً حتى بلغ مرحلة حرب أهلية باردة — دون أن يتوقف حتى بعد أن جرّ على إسرائيل كارثة السابع من أكتوبر من دون أن يتحمّل أي مسؤولية — يأتي اليوم ليعرض نفسه باعتباره الساعي إلى “لمّ الشمل”.
في الماضي طُرحت على الأقل إمكانية منح عفو مقابل اعتزال نتنياهو الحياة السياسية. كانت تلك صفقة فاسدة أيضًا، لكنها حملت في طياتها اعترافًا ما بأن المتهم لا يستطيع أن يأخذ دولة كاملة رهينة بيديه. أمّا الآن، فلا توجد حتى مظاهر شكلية لصفقة ما. نتنياهو لا يقدّم شيئًا في المقابل: لا اعتزال، لا ندم، ولا حتى تنازل رمزي.
الاستناد إلى حجج أمنية أو “فرص إقليمية” كمبرّر لشطب محاكمة جنائية ليس إلا تلاعبًا. فعندما سعى نتنياهو لإقناع المحكمة العليا بأنه قادر على تولّي رئاسة الحكومة بالتوازي مع إدارة محاكمته، تعهّد بشكل قاطع بأن لا تناقض بين الأمرين. وكان واضحًا حينها أنه إذا وقع تناقض، فسيكون نتنياهو أولًا متهمًا جنائيًا، وفقط بعد ذلك رئيس حكومة. واليوم، من دون أي حياء، يطالب بأن يتم الاعتراف به أولًا كرئيس حكومة، وأن يُزال من طريقه ذلك الملف الجنائي الذي “يعطّل” أداءه.
إذا استجاب رئيس الدولة لنتنياهو، فستكون تلك استسلامًا من دولة إسرائيل أمام البلطجة والفساد الذي يمثّله من يقف على رأسها. وسيكون ذلك انتصارًا كاملًا لنتنياهو، وهزيمة كاملة لما تبقى من فكرة الدولة ومؤسساتها. وقد يُسجَّل اسم يتسحاق هرتسوغ في التاريخ بوصفه من شارك في هذا الابتزاز وأسهم جوهريًا في هدم أسس النظام الديمقراطي.

