المسار : اندلعت أزمة واسعة داخل اليمين المحافظ في الولايات المتحدة بعد دفاع رئيس مؤسسة “هيريتدج كيفن روبرتس”، عن الإعلامي تاكر كارلسون إثر مقابلته مع القومي الأبيض نيك فوينتس، المعروف بمواقفه الرافضة للدعم الأميركي لـ”إسرائيل”.
وقال روبرتس إن المسيحيين قادرون على انتقاد “إسرائيل” دون أن يكونوا معادين للسامية، مشيرا إلى أن المحافظين غير ملزمين بدعم أي حكومة أجنبية لا تخدم المصالح الأميركية.
هذه التصريحات فجرت خلافات حادة داخل التيار المحافظ، إذ هاجمه قادة بارزون مثل ميتش ماكونيل وتيد كروز، فيما أعلن التحالف اليهودي الجمهوري إعادة النظر بعلاقاته مع مؤسسة هيريتدج. وفي المقابل دافعت عنه شخصيات مؤثرة في تيار “اميركا اولا”، معتبرة ان النقاش حول المساعدات لإسرائيل مشروع وضروري.
وتزامن ذلك مع خطوة لافتة حين أصدرت هيريتدج تقريرا في آذار الماضي يدعو الى تقليص تدريجي للمساعدات العسكرية لـ”إسرائيل” خلال العقدين المقبلين.
كما برزت استقالة مارجوري تايلور غرين من الكونغرس لتعكس اتساع الهوة داخل اليمين بين جناح تقليدي متمسك بالدعم المطلق لـ”إسرائيل” وآخر شعبوي يدفع نحو إعادة تقييم هذا الدعم وربطه بالمصالح الأميركية أولا.
هذا المشهد المتوتر بات يشكل الخلفية الأوسع للانقسام الجمهوري الذي يتعمق اليوم حول موقع “إسرائيل” في السياسة الأميركية.
وأكد الخبير في الشأن الامريكي توفيق طعمة أن الحزب الجمهوري يعيش لحظة انقسام غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، انقسام يتجاوز الخلافات التكتيكية ويصل الى إعادة تعريف دور أميركا في العالم.
وأشار إلى أن هذا الشرخ يضرب الركيزة الأهم في التحالف الأميركي – “الإسرائيلي”، وهي حالة الاجماع اليميني التي ضمنت لعقود دعما غير مشروط لـ”إسرائيل”.
ولفت طعمة إلى أن ظهور تيار قومي شعبوي جديد، لا يحمل إرث الانجيليين ولا التزامات المحافظين التقليديين، أحدث هزة في علاقة وُصفت بأنها ثابتة ومقدسة منذ 1948.
ونوه بأن هذا التيار أعاد طرح أسئلة جوهرية حول حدود الدعم لـ”إسرائيل” ومسؤولية واشنطن عن سياساتها وموقع القضية الفلسطينية في خطاب اليمين.
كما أوضح أن القوة الدافعة لهذا التحول ليست سياسية فقط، بل ثقافية وإعلامية أيضا، مع صعود اصوات مؤثرة مثل تاكر كارلسون وكانديس اوينز ونيك فوينتس، الذين أعادوا تشكيل وعي شرائح واسعة من الشباب الجمهوري.
وبحسب طعمة، فإن هؤلاء لا ينظرون إلى “إسرائيل” بوصفها حليفا يشبههم، بل كجزء من منظومة نفوذ تقليدية يعادونها وتشمل المؤسسة السياسية واللوبيات والمقاربات التدخلية الخارجية.
وتابع طعمة أن مشاهد الحرب في غزة عمقت النزعة الانعزالية لدى الجيل اليميني الشاب، ما جعل صورة “إسرائيل” تتراجع من كونها خط الدفاع الأول إلى ملف مكلف تستفيد منه النخب وتدفع ثمنه الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن هذا التآكل يترك أثرا مباشرا على موقع “إسرائيل” داخل الحزب، حيث يتحول الدعم العسكري والمالي من مسلمة سياسية إلى موضوع قابل للنقاش.
وقال إن انتخابات 2026 و2028 ستبرز هذا التحول بوضوح، إذ ستستخدم التيارات الشعبوية ملف “إسرائيل” لمهاجمة جناح المؤسسة داخل الحزب، فيما سيحاول الجناح التقليدي الدفاع عن التحالف القديم، لتتحول القضية الى عنوان انقسام حزبي بعد أن كانت نقطة اجماع.
ولفت طعمة إلى أن هذا الشرخ يفتح نافذة نادرة أمام الفلسطينيين لاختراق جمهور ظل مغلقا بالكامل أمام روايتهم، خصوصا داخل اليمين الأميركي.
وأوضح أن هذا الاختراق يمر عبر خطاب المصالح والكلفة والضرر الواقع على دافعي الضرائب، وهي اللغة التي يتفاعل معها التيار الشعبوي أكثر من مقولات العدالة الاخلاقية.
ونوه بأنه كلما ترسخت فكرة أن “إسرائيل” جزء من مؤسسة تنتفع على حساب المواطن الأميركي، كلما اتسعت الهوة داخل اليمين لصالح قراءة نقدية جديدة للتحالف معها.
يمثل الانقسام الجمهوري الحالي امتدادا لأزمة أوسع تضرب اليمين الأميركي حول تعريف المصالح الوطنية ودور الولايات المتحدة في العالم. وبينما يتراجع الإجماع التقليدي حول الدعم المطلق لـ”إسرائيل”، تتقدم مقاربات جديدة تربط هذا الدعم بالكلفة السياسية والاقتصادية.
ويرجح مراقبون أن تتردد أصداء هذا التحول لسنوات مقبلة، ما قد يعيد رسم حدود النفوذ “الإسرائيلي” داخل الحزب الجمهوري والكونغرس، ويمنح النقاش حول القضية الفلسطينية مساحة جديدة داخل المشهد الأميركي المتغير.

