مخيم نور شمس.. نازحون مصرّون على العودة رغم تهديدات الاحتلال”

المسار : يصرّ نازحو مخيم نور شمس في شرق طولكرم، شمالي الضفة الغربية، على مواصلة تحركاتهم الاحتجاجية للمطالبة بالعودة إلى منازلهم المدمرة، رغم تهديدات الاحتلال والقمع، وما سُجل من إصابات خلال قمع فعالياتهم الاحتجاجية في الأسابيع الماضية. ولا تعرف النازحة الفلسطينية ندى قزلي كيف ستتمكن هي ونساء مخيم نور شمس خصوصاً، وباقي الأهالي عموماً، من الاستمرار في برنامجهم الاحتجاجي ضد تهجيرهم من بيوتهم واستمرار العدوان على المخيم، بعد التهديدات الإسرائيلية بتوسيع عدوانها وإعادة تهجير سكان أطرافه الذين عادوا إلى منازلهم قبل أشهر، في حال استمرار الوقفات الاحتجاجية.

تعدّ ندى واحدة من النساء اللائي تجمعن في مجموعات التراسل الخاصة بأهالي المخيم، ورأين ضرورة إيصال صوتهن وصوت عوائلهن، للمطالبة بالعودة إلى المنازل التي هُجّروا منها قسراً إثر عدوان الاحتلال على طولكرم في 27 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، الذي شمل تهجير مخيمي طولكرم ونور شمس وأحياء في المدينة، بالإضافة إلى مخيم جنين.

نظّم أهالي مخيم نور شمس أربع فعاليات احتجاجية عقب مبادرة النساء، قابلها جيش الاحتلال بالقمع وإطلاق الرصاص والقنابل الغازية. وأصيب خلالها مصور قناة الجزيرة، فادي ياسين، برصاصتين في ساقيه في الـ18 من الشهر الماضي، كذلك أصيب طفل بشظية في رقبته في التاريخ ذاته، فيما أصيبت طفلة بعد ذلك بأيام بقنبلة غازية في رأسها، وأصيب العشرات بحالات اختناق.

ووصلت ملاحقة الاحتلال إلى التهديد، وفق ما يؤكد رئيس اللجنة الشعبية لمخيم نور شمس نهاد الشاويش، موضحاً أن محافظ طولكرم أبلغه بوجود تهديدات إسرائيلية، مفادها أن استمرار الفعاليات قرب مخيم نور شمس سيعني إعادة طرد أهالي جبل النصر وحي الصالحين على أطراف المخيم، الذين عادوا قبل ثلاثة أشهر فقط إلى منازلهم، والتهديد بتوسيع العملية العسكرية.

من جهتها، تؤكد ندى قزلي أن التهديد لن يوقف مبادرة نساء المخيم في التحرك من أجل العودة، لكن حتى اللحظة لم يُعرف شكل الاحتجاجات وأماكنها، في ظل هذا التهديد، حيث يسعى الأهالي لضمان بقاء من عاد منهم وعدم تكرار تهجيرهم.

في السياق ذاته، يؤكد رئيس اللجنة الشعبية للمخيم أن الفعاليات ستستمر، قائلاً: “لم يعد هناك ما نخسره”. وأضاف أن الهدف الوحيد للوقفات الاحتجاجية هو “المطالبة بعودة الناس إلى بيوتهم وإيصال صوتهم لكل العالم بأنهم أصحاب حق”. وتابع الشاويش: “يقول الاحتلال إنه يريد أن يكون مخيم نور شمس نموذجاً لباقي المخيمات، لكننا نريده رمزاً للصمود والتحدي والعودة. فإذا فرطنا واعتبرناه أمراً واقعاً، سيعممه الاحتلال على كل الضفة الغربية. يجب على الأهالي، وحتى على المستوى السياسي، مواجهة هذا المخطط، وصدّه، لأن مضمونه خطير جداً على الشعب الفلسطيني”.

تشرح ندى قزلي معنى العودة بالنسبة إليها بكونها امرأة، ولماذا انطلقت مبادرة الاحتجاجات من طرف “أمهات وصبايا” حارة جبل النصر، قبل تعميمها على مجموعات المراسلة على كل المخيم. فالمرأة، كما تصفها، تقضي “وقتاً أكثر من الرجل في بيتها، وكل ركن فيه له قيمة بالنسبة إليها، تحنّ إلى مطبخها، غرفتها، شرفتها، وتعتبر منزلها هو الملجأ الوحيد لها في العالم”.

وتزداد الحاجة إلى العودة في ظل خروج العائلات دون مقتنيات. ففي مارس/ آذار الماضي، هُجّرت عائلة قزلي من بيتها المستقل في حيّ جبل النصر ليلاً، دون أن يسمح لهم جيش الاحتلال بأخذ شيء حتى بعض الملابس، أو الدواء الخاص بوالديها، ومنع حتى الالتفات إلى الخلف خلال التهجير.

تعيش عائلة قزلي حالياً في شقة بالطابق الخامس في شارع السكة في مدينة طولكرم، بالقرب من مخيم نور شمس، لكن دون توفر مصعد في البناية، ما يجعل الصعود والنزول صعباً على والدها المسن، البالغ من العمر 71 عاماً، والذي يعاني من مرض في القلب، ووالدتها التي تبلغ 58 عاماً، بينما لا تستطيع العائلة العودة إلى بيتها المستقل.

ورغم السماح للعوائل بالعودة لأخذ مقتنياتها لاحقاً، إلا أن عائلة قزلي لم تستطع أخذ الكثير. فالوقت كان محصوراً في ساعة أو ساعتين، وهذا أدى إلى عيشها بالحد الأدنى من المستلزمات الأساسية مع تكاليف باهظة لشراء ثلاجة وغسالة وسرير والمستلزمات الضرورية. بالإضافة إلى أنها تدفع أجرة الشقة وبدل الكهرباء والماء، في ظل وضع اقتصادي صعب، فوالدها متقاعد، وأشقاؤها يعملون بالمياومة يوماً أو اثنين فقط في كل أسبوع.

ورغم أن العودة إلى مخيم نور شمس ستكون صعبة بسبب انعدام البنية التحتية والخدمات الضرورية كالكهرباء والماء بعد تدمير الاحتلال لكل شيء، إلا أن قزلي مصرّة على هذه العودة، فهي تعتبر البيت أمانها الوحيد، وترى فيه “دفئاً غير متوفر في أي مكان آخر”. وقد استطاعت برفقة عائلته بالعودة سرّاً إلى منزلها لتفقّده سيراً على الأقدام من بين الدفيئات الزراعية، فوجدت كل محتوياته محطّمة، لكنها تحمد الله أنه ما زال قائماً ولم يهدم.

وبحسب اللجنة الإعلامية – طولكرم، وهي جهة أهلية غير رسمية، دمّر الاحتلال 600 منزل كلياً في مخيمي طولكرم ونور شمس، وهجّر 25 ألف مواطن، فيما تضرر جزئياً أكثر من 2500 منزل في المخيمين. جزء من المشاركين في الاحتجاجات هم أصحاب المنازل المدمرة، الذين يؤكدون أيضاً حقهم في العودة، ولو على أنقاض منازلهم.

سليم اعمر (55 عاماً) من مخيم نور شمس يؤكد أنه سيستمر برفقة باقي الأهالي في المطالبة بحق العودة، رغم هدم البناية السكنية التي يمتلكها مع أشقائه بشكل كامل، ضمن عمليات التجريف التي طاولت مربعات سكنية.

يقول اعمر إنه “لم يتبق للأهالي أي شيء يمكن خسارته، والتهديدات لن تجدي نفعاً لأنهم خسروا فعلاً كل شيء”، مستدلاً على ذلك ببقاء الكثير من المحتجين في فعالية قبل أسابيع، واقفين رغم إطلاق الرصاص الذي أصيب خلاله الصحافي فادي ياسين. ويرى المتحدث أن عيشه في خيمة على أنقاض منزله، أفضل من الوضع الراهن، حيث يسكن بالأجرة في ظل توقف عمله عقاباً لعائلته، فقد كان يعمل في مصانع “جيشوري” الإسرائيلية المقامة غرب طولكرم مدة 22 عاماً، وبسبب استشهاد ابنه جعفر منع من العمل.

ويضيف: “الأوضاع الاقتصادية لغالبية أهالي مخيم نور شمس صعبة، ومعظم المستأجرين مدينون لأصحاب العقارات، بمعدل 6 إلى 10 آلاف شيكل، ولم يحصلوا إلا على مبالغ بسيطة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، دون تلقي أي مساعدة من جهة حكومية فلسطينية”.

العودة إلى مخيم نور شمس تعني لسليم الرجوع إلى المكان الذي تربى وترعرع فيه، وكذلك إمكانية استمرار الحياة بالقليل، فحين يكون الإنسان في منزله دون أن يطالبه أحد بأجرة سكن أو ببدل كهرباء (كانت المخيمات حصلت على إعفاء من الرئيس الراحل ياسر عرفات من ثمن الكهرباء)، فإنه “يمكن أن يعيش بالقليل وبأكل بعض الزعتر”، على حد تعبيره.

المصدر … العربي الجديد

Share This Article