هجوم سيدني.. كيف استثمره الإعلام الإسرائيلي لإعادة إنتاج رواية “الضحية”؟

المسار : أعاد الهجوم الذي استهدف الجالية اليهودية في مدينة سيدني الأسترالية، اليوم الأحد، فتح النقاش حول توظيف الأحداث الأمنية خارج فلسطين في خدمة الرواية الإسرائيلية، ولا سيما في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة وما خلّفه من عزلة سياسية متزايدة لحكومة الاحتلال.

وبينما سارع الإعلام الإسرائيلي إلى إبراز الحادثة ضمن خطاب “معاداة السامية” وتقديم إسرائيل في صورة الضحية، تتصاعد تساؤلات حول البعد السياسي والإعلامي للهجوم، وحدود استثماره في إعادة تشكيل الرأي العام الدولي وصرف الأنظار عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.

من جانبه، قال أستاذ حلّ النزاعات والخبير في الشؤون الإسرائيلية علي الأعور إن الحادثة، قد تشكّل نقطة تحوّل في المشهدين السياسي والأمني، ليس في قطاع غزة فحسب، بل على مستوى الشرق الأوسط ككل.

وأوضح الأعور، أن الصحافة الإسرائيلية تعاملت مع الهجوم بعناوين لافتة ومكثفة، عكست شبه إجماع في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، ولا سيما في صحف معاريف ويديعوت أحرونوت وهآرتس، التي ركزت على مقتل 11 إسرائيليًا خلال عيد “الحانوكا”، مع إبراز البعد الأمني والرمزي للحادثة، وتوظيفها في سياق سردي يخدم الرواية الإسرائيلية.

وأشار إلى أن ردود الفعل الرسمية الإسرائيلية ما تزال محدودة، ولم تتجاوز حتى الآن التصريحات التقليدية الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والتي ربط فيها الهجوم بما يصفه بـ”تصاعد معاداة السامية”، دون تقديم موقف سياسي أو أمني متكامل.

وأضاف الأعور أن الساعات المقبلة قد تشهد صدور مواقف وتحليلات إضافية من مسؤولين سياسيين وعسكريين في حكومة نتنياهو، إلا أن المشهد الرسمي لا يزال مرتبكًا، ويعكس حالة انتظار لكيفية توظيف الحدث سياسيًا وإعلاميًا.

وبيّن أن الحادثة مرشحة لتعميق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي؛ إذ يرى تيار داخلي أن سياسات نتنياهو، ولا سيما الحرب على غزة، والحصار، والعمليات العسكرية في لبنان، وما رافقها من قتل واسع للأطفال وتدمير شامل، أسهمت في تصاعد الغضب الشعبي العالمي تجاه إسرائيل، وجعلت اليهود في الخارج هدفًا لتداعيات تلك السياسات.

في المقابل، لفت الأعور إلى وجود اتجاه آخر داخل “إسرائيل” يسعى إلى استثمار الهجوم سياسيًا عبر إعادة إحياء خطاب “معاداة السامية” أمام المجتمع الدولي، وبشكل خاص أمام الحكومة الأسترالية، بهدف الضغط عليها والتشكيك في مواقفها الداعمة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتقديم إسرائيل مجددًا بوصفها ضحية لاستهداف ديني أو عرقي.

وأكد أن هذا التيار الداعم لنتنياهو يحاول فرض روايته على حساب النقد الداخلي المتصاعد، إلا أن الانقسام سيظل قائمًا بين من يحمّل نتنياهو مسؤولية تداعيات سياساته على صورة اليهود عالميًا، وبين من يواصل الدفاع عنه عبر توظيف خطاب “معاداة السامية” كأداة سياسية في لحظات الإخفاق والعزلة الدولية، في محاولة لترميم صورة إسرائيل في الرأي العام الغربي.

تشكيك واسع وروايات متداولة على مواقع التواصل

في السياق ذاته، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي روايات تشكك في خلفيات الهجوم، معتبرين أنه قد يكون «مدبرًا أو مفتعلًا» بهدف استدرار تعاطف الرأي العام العالمي بعد الجرائم المرتكبة في غزة.

وذهب بعضهم إلى اتهام أجهزة إسرائيلية بالوقوف خلف الحادثة، مستندين إلى ما وصفوه بسوابق تاريخية للحركة الصهيونية في التضحية بيهود عندما تقتضي المصلحة السياسية أو العسكرية ذلك، في إشارة إلى حادثة تفجير فندق الملك داود في القدس.

من جهته، قال الصحفي والمحلل السياسي فايد أبو شمالة إن تسارع حسابات مرتبطة بالموساد الإسرائيلي إلى وصف منفذي هجوم سيدني بـ«الجهاديين»، قبل صدور أي نتائج رسمية للتحقيقات الأسترالية أو الكشف عن هوية المنفذين، يثير تساؤلات جدية حول ما جرى.

وتساءل أبو شمالة عبر حسابه على منصة إكس: “هل يسعى الاحتلال من خلال هذا الخطاب إلى استعادة دور الضحية وكسب تعاطف العالم بعد حرب الإبادة في غزة؟”، معتبرًا أن توقيت الهجوم ومكانه وطريقته تحقق أهدافًا سياسية تصب في مصلحة نتنياهو قبيل زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة.

وأضاف أن نتنياهو سيحمل معه صور الهجوم إلى جولته في أمريكا، لاستخدامها في مخاطبة الجاليات اليهودية ووسائل الإعلام، في محاولة لإعادة تقديم اليهود بوصفهم الضحايا، وصرف الأنظار عن جرائم القتل والتجويع والحصار في غزة، وتعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

وأشار إلى أن تصريحات وزير جيش الاحتلال يوآف كاتس، التي قال فيها: «سنواصل الوقوف إلى جانب الجاليات اليهودية في العالم، ودعمها، ومكافحة معاداة السامية بكل قوة وفي كل زمان ومكان»، تعكس – بحسب تعبيره – توظيفًا عالميًا للحدث، لا يقتصر على يهود أستراليا، ما يعزز فرضية الاستثمار السياسي للحادثة.

تمييز بين الصهيونية واليهودية

وشدد مراقبون على أن المقاومة الفلسطينية لا تستهدف اليهود خارج فلسطين، ولا تخوض صراعًا دينيًا، بل تحصر مقاومتها في مواجهة المشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، بغضّ النظر عن الخلفية الدينية أو العرقية للجنود والمستوطنين.

كما أكدت مراكز وجاليات إسلامية حول العالم، من بينها مجلس الأئمة في أستراليا، إدانتها الفورية لأي هجمات تستهدف المدنيين، محذّرة من استغلال مثل هذه الأحداث لتبرير جرائم الاحتلال أو تبييض صورته أمام الرأي العام العالمي.

تفاصيل الهجوم
وشهدت أستراليا صباح اليوم الأحد، هجومًا مسلحًا استهدف الجالية اليهودية في أول أيام عيد “الحانوكا”، حيث ارتفعت حصيلة القتلى في حادثة إطلاق النار التي وقعت قرب شاطئ “بوندي” في سيدني إلى 12 قتيلًا، إضافة إلى عدد من الجرحى، نُقل 13 منهم على الأقل إلى المستشفيات.

وأكدت السلطات الأسترالية مقتل أحد منفذي الهجوم واعتقال شخصين آخرين على صلة بالحادث، مشيرة إلى أن التحقيقات ما تزال جارية.

كما أفادت بسقوط شخصيات بارزة بين الضحايا، من بينهم مبعوث حركة «حباد» الحاخام إيلي شلنگر، وإصابة رئيس المجلس اليهودي الأسترالي أرسين أوستروفسكي بجروح في الرأس

المصدر: قدس برس
Share This Article