المسار : يبرز الوجود الفلسطيني بمحافظة القنيطرة السورية في الريف الجنوبي، مع وجود عائلات متفرقة في مناطق أخرى، وتروي الأرض قصة الشتات الفلسطيني، والذي لا يقتصر على مخيمات رسمية تحمل أرقاماً، بل يمتد إلى قرى وتجمعات متناثرة يجمع سكانها هوية واحدة ومصير مشترك.
ويؤكد الناشط خالد العواد أن تجمع “البصالي” الذي يُعد الأكبر بين كل التجمعات الفلسطينية يضم ما بين 175 إلى 200 عائلة، ويليه تجمع “أم اللوقس”، ثم “عين القاضي” التابعة لبلدة المعلقة، بينما تقل أعداد الفلسطينيين في صيد الجولان والمقرز وخان أرنبة بشكل ملحوظ، ولا تتجاوز أعدادهم 50 أسرة.
تنحدر غالبية العائلات الفلسطينية اللاجئة من كفر مصر بقضاء بيسان، ويروي اللاجئ أبو محمد (90 سنة) من البصالي لـ”العربي الجديد”: “ينتمي اللاجئون إلى عوائل العواد والأحمد والذياب من عشيرة السبرجة. كانت كفر مصر أرضاً سهلية جميلة قرب مرج بن عامر، وقريبة من مواقع معارك حطين وعين جالوت”.
ويعتمد الاقتصاد الفلسطيني في القنيطرة بشكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي، ويقول المهندس حسن الأحمد إن هناك مزروعات شتوية تعتمد على مياه الأمطار مثل القمح، الشعير، والزيتون، ومزروعات صيفية تسقى بمياه الآبار مثل اللوبيا والبامية، والبندورة. موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “العمل في الزراعة وتربية المواشي بات في السنوات الأخيرة يعود بخسارة كبيرة على المزارعين، فالكلفة المادية أصبحت أكثر مما تعود به من أرباح، ما دفع أكثر من نصف الشبان إلى السفر إلى لبنان عبر طرق خطرة للعمل من أجل إرسال الأموال إلى عائلاتهم”.
ويواجه الفلسطينيون في تجمعات القنيطرة انهياراً شبه كامل للبنية التحتية، وأزمات تهدد صحتهم وسلامتهم. من البصالي، يقول محمد العواد: “نشكو ضعف شبكة المياه العامة، ويُطلب منها شراء خراطيم المياه للتوصيل في أوقات التعطل، ما يدفع من لا يملك بئراً إلى شراء المياه من الصهاريج بتكاليف لا تُحتمل، ويتفاقم الوضع مع غياب شبكة الصرف الصحي، لتعتمد المنازل على (الجورة) التي تلوث الآبار الجوفية، وتنشر الروائح والأمراض، كما أن الطرق غير معبدة، وتتحول إلى وحل شتوي يعزل الأهالي، ويزيد حوادث السير، ورغم الشكاوى المتكررة لبلدية غدير البستان، فلا توجد استجابة”.
وتتراكم النفايات نتيجة نقص وقود سيارات الجمع، وقد غضب الأهالي من رد البلدية التي حددت قدرتها بشراء 20 ليتراً من المازوت لعدم امتلاكها المال الكافي.
ويواجه التعليم في تجمعات القنيطرة الفلسطينية تحديات وصعوبات كبيرة، إذ تغيب المدارس الإعدادية والثانوية في القرى الرئيسية مثل البصالي. ويؤكد المدرس مالك الأحمد، أن الطلاب يضطرون إلى السير لمسافات طويلة للتعلم. فيما يرى المدرس بثانوية صيدا الجولان، رفعت العواد، أن “بُعد المدارس، وعدم توفر مواصلات يُؤدي إلى ارتفاع نسبة التسرب المدرسي بعد المرحلة الابتدائية، وانتشار الأمية بين الفلسطينيين في المنطقة”.
في خضم هذا الواقع التعليمي القاسي، يبرز نموذج المهندس سليمان الذياب من عين القاضي رمزاً للإصرار الفلسطيني الذي يتحدى الأمية المنتشرة، والذي تخرج من كلية الهندسة بجامعة دمشق، وحصل على درجة الماجستير، ثم عمل محاضراً في الجامعة، ويواصل اليوم رحلة الدكتوراه في اختصاصه.
ويعاني الفلسطينيون في تجمعات القنيطرة من كارثة صحية متعددة الأبعاد ناتجة عن غياب مستشفيات قريبة مجهزة، وأي مضاعفات صحية تتطلب رحلة طويلة وخطرة إلى مستشفيات بعيدة بتكاليف نقل باهظة. وتوقف الدعم الصحي الذي كانت توفره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” منذ نحو عامين، ولا يغطي التمويل من المنظمات الأخرى أكثر من 25% من تكاليف العمليات الجراحية في أفضل الحالات.
ويتساءل اللاجئ أحمد ذياب: “ألسنا لاجئين فلسطينيين؟ لماذا لا تقدم لنا أونروا خدمات صحية أو تعليمية؟ توقفت جميع مساعداتها منذ سنوات من دون تفسير، بينما تقدم منظمات دولية خدماتها للسوريين فقط، ما يحول الفلسطيني إلى شخص بلا حقوق”.
وتتعمق الأزمة بالفساد في تصنيف المستفيدين عبر شبكات رشاوى للموظفين، والذين يقومون بإدراج غير المستحقين بوصفهم حالات عجز أو مرض مزمن، وهذا التمييز يُشعر الفلسطينيين أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
وتفاقمت المعاناة اليومية للاجئين الفلسطينيين في القنيطرة مع شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملات اعتقال عشوائية بعد سقوط النظام السوري السابق. ويتذكر فلسطينيو القنيطرة شهداءهم، مثل الطفل عبود محمد خضر (14 سنة)، والذي قضى بقذيفة سقطت على البصالي، والشاب زكريا مصطفى أحمد الذي استشهد بعد اعتقاله، في حين يظل محمد محسن الأحمد معتقلاً لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يقارب السنة.

