هيئة التحرير
المسار : أيمن غريّب ناشط فلسطيني حقوقي، يعمل على توثيق أوضاع المجتمعات الفلسطينية المهدَّدة بالتهجير في منطقة الأغوار. ومنذ شهر، تحتجزه السلطات الإسرائيلية رهن الاعتقال الإداري في سجن مجيدو، بذريعة التحريض ضد الدولة وتهديد أمن المنطقة.
يتبيّن أن شهرًا كاملًا لم يكن كافيًا لتقديم لائحة اتهام ضد الناشط وكاميرته التي لا تهدأ، وقد أُقرّ هذا الأسبوع تمديد اعتقاله الإداري خمسة أشهر إضافية (“هآرتس”، متان غولان، أول أمس). ليست هذه المرة الأولى التي يُستدعى فيها غريب ويُعتقل، إلا أنّه في معظم الحالات أُفرج عنه بعد وقت قصير. وفقًا لأصدقائه، في يوم اعتقاله الأخير أجرى معه عنصران من جهاز الشاباك مكالمة هاتفية أوضحا خلالها أنّهما سئما من نشاطه و”تحريضه”، وأبلغاه بأنه سيُرسل إلى السجن. قالوا ونفّذوا.
الاعتقال الإداري إجراء قمعيّ صارخ — اعتقال بلا محاكمة. في دولة سليمة، لا ينبغي اللجوء إليه إلا كخيار أخير، شريطة وجود يقين عال بأن الشخص يشكّل خطرًا أمنيًا — ما يُعرف اصطلاحًا ب”قنبلة موقوتة” — وألا تكون هناك وسيلة أخرى لمنع تحقّق هذا الخطر. عبارة “سئمنا من تحريضك” لا تلامس حتى الحدّ الأدنى لما يُعدّ شبهة تبرّر إجراءً بهذا القدر من البطش. ومع ذلك، جاء في ردّ الجيش أنّ “الاعتقال نُفّذ وفقًا للإجراءات”.
وقال متظاهرون خرجوا للمطالبة بالإفراج عن غريّب إنّ اعتقاله هو “حالة واضحة من الاضطهاد السياسي، إذ إنّ جزءًا كبيرًا من عمل غريّب يتمثّل في نشاطها عبر شبكات التواصل الاجتماعي”. لكن في الديكتاتورية العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة، وبعيدًا كلّ البعد عن دائرة اهتمام الجمهور في إسرائيل — اللامبالي تمامًا بحياة الفلسطينيين، ناهيك عن حقوقهم الأساسية — يُعامَل ناشط حقوق إنسان فلسطيني يحمل كاميرا كما لو كان إرهابيًا يحمل قنبلة. ويُوسَم بوصفه خطرًا أمنيًا يبرّر استخدام أداة يُفترض أن يكون اللجوء إليها استثناءً على الاستثناءات.
في نظر جهاز الشاباك، صورة واحدة تساوي ألف عملية “إرهابية”. وفي نظر غالبية الجمهور في إسرائيل، ما دام الحديث لا يدور عن “حقوق” إرهابيين يهود أحرقوا طفلًا أو قرية، فلا بأس — من وجهة نظرهم — أن يُرسل جميع الفلسطينيين إلى اعتقال إداري جماعي مفتوح بلا سقف زمني.
وبالفعل، تستخدم إسرائيل هذا الإجراء على نطاق واسع. فبحسب “المركز للدفاع عن الفرد”، تضاعف عدد المعتقلين الإداريين خلال الحرب ثلاث مرات مقارنة بما كان عليه قبل السابع من أكتوبر، وبلغ حتى ديسمبر 2025 نحو 3,350 معتقلًا. نعم، 3,350 فلسطينيًا محتجزون في مرافق الاعتقال الإسرائيلية من دون أن تُقدَّم ضدهم لوائح اتهام.
إذا كانت لدى الدولة أدلّة ضد غريب، فلتتفضّل ولتقدّم لائحة اتهام بحقه ولتُحاكمه. أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك، فعليها أن تُفرج عنه فورًا، وأن تتوقّف عن الملاحقة السياسية لإنسانٍ يبدو أنّ “ذنبه” الوحيد هو جرأته على توثيق جرائم إسرائيل في الضفّة الغربية.

