الملف الصحفي الفلسطيني والعربي والدولي

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين دائرة الإعلام المركزي / المكتب الصحفي  

حزب الشعب والجبهة الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي (فدا(

نطالب الرئيس أبو مازن بوقف المشاركة الفلسطينية في شرم الشيخ

وندعو مصر والاردن لإلغاء هذا الاجتماع ووقف استمرار الانزلاق في هذا المسار

 

 

رغم الفشل الذريع للنتائج المرفوضة أصلا لاجتماع العقبة، وما تلاها من مجازر متواصلة ضد شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك تصعيد الاعتداءات اليومية ضد أسرى شعبنا في سجون الاحتلال، ورغم التنصل الفوري والصريح من قبل رئيس حكومة الاحتلال ورئيس وفده من أية التزامات تم الادعاء بها في ذلك الاجتماع، خاصة تجاه وقف الاستيطان والاجتياحات والقتل اليومي، فضلاَ عن التهديدات (النازية الجديدة) التي صدرت عن أركان حكومة الاحتلال بـ”محو حوارة”، فإن الإصرار على المضي في هذا المسار السياسي من خلال المشاركة في الاجتماع المرتقب في شرم الشيخ يوم الأحد 19/3/2023، يمثل إمعاناَ مرفوضاَ لاستمرار الانزلاق في هذا المسار، كما يمثل تجاهلاَ غير مسبوق لمواقف الإجماع الفلسطيني ولقرارات هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها تلك التي أعقبت القرارات الأخيرة بوقف “التنسيق الأمني”، والتي أكدت على رفض مساعي الإدارة الامريكية وسلطات الاحتلال لتحويل القضية الوطنية للشعب الفلسطيني إلى قضية أمنية، ومعالجتها وفقا لمنظومة مفاهيم الأمن الأمريكية – الإسرائيلية.

إن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، يطالبون الرئيس أبو مازن بوقف المشاركة الفلسطينية في هذا الاجتماع، كما يدعون الأشقاء في مصر والأردن لإلغائه، ولعدم المضي في هذا المسار بالغ الخطورة على الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، كما يؤكدون أن المشاركة الفلسطينية في هذا الاجتماع، لم تكن نتيجة أي قرار نظامي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو في الاجتماع القيادي الذي اتخذ  قرار وقف “التنسيق الأمني” الأخير، وأقر خارطة طريق محددة للتعامل مع الاتصالات المختلفة في هذا الشأن، وبالتالي فإن النتائج المترتبة عليه هي نتائج غير ملزمة لنا  وخاصة أننا سبق أن دعونا لعقد اجتماع عاجل للجنة التنفيذية لمراجعة قرار المشاركة في اجتماع العقبة ومجمل هذا المسار الأمني، ولم تتم الاستجابة لذلك، وبعد أن باتت هذه الاجتماعات ذات طبيعة أمنية منفصلة عن جوهر القضية السياسية للشعب الفلسطيني والمتمثلة في إنهاء الاحتلال، كما أنها بدلاَ من أن تساعد على تعزيز التكاتف الداخلي في مواجهة عدوانية (النازية الجديدة) لحكومة الاحتلال، فإنها ستزيد من عوامل الانقسام والضعف في مواجهة المخاطر القائمة.

إن إسرائيل والإدارة الأمريكية باتت تستخدم المشاركة الفلسطينية والرعاية العربية لهذه الاجتماعات، من أجل فك العزلة عن حكومة الاحتلال ولتسويق اللقاءات، وبناء التفاهمات معها، في الوقت الذي يواجه العالم حكومة (النازيين الجدد) بالتجاهل وبالدعوات المتزايدة لمقاطعة حكومة الاحتلال، وعزلها على الساحة الدولية.

إن “خفض التصعيد” الذي تجري باسمه هذه اللقاءات، يتوقف فقط على الوقف الفوري لإجراءات الاحتلال العدوانية ضد شعبنا، وهو ممكن  من خلال الضغط الأمريكي والدولي الحقيقي على سلطة الاحتلال، الأمر  الذي تتجنبه الإدارة الأمريكية وحلفاءها، وتستبدله بالضغط على الشعب الفلسطيني وخلق مساواة مشوهة بين جرائم الاحتلال اليومية وبين الحق المشروع للشعب الفلسطيني في النضال ضد الاحتلال، ومحاولة تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية “أمنية” و”تحسين معيشة”، والتغاضي عن جوهرها كقضية تحرر وطني من أجل إنهاء الاحتلال.

إننا نؤكد مجددا أن المسار البديل لكل ذلك، هو الالتزام الفعلي وبالتطبيق الفوري لقرارات المجلسين المركزي والوطني، والقاضية بإنهاء الاتفاقات التي نص عليها اتفاق أوسلو والتحرر من قيوده، وتوسيع المقاومة الشعبية وتشكيل قيادتها الموحدة، على طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والإنهاء الفوري للانقسام.

إننا ندعو مجدداَ إلى ضرورة الالتزام الفعلي بأسس الائتلاف والتوافق الوطني، والشراكة في اتخاذ القرارات المصيرية، والعودة إلى العمل عبر الهيئات الوطنية، وفي مقدمتها اللجنة التنفيذية بإعتبارها القيادة اليومية الجماعية لشعبنا الفلسطيني.

كما نؤكد على أهمية العمل لضمان الحقوق الاجتماعية والديمقراطية في أداء السلطة الفلسطينية، بما يعزز الصمود والتصدي للاحتلال، وبما يضمن تعزيز الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا.

 

 

نعم لتعزيز الوحدة الوطنية والتصدي للاحتلال وضغوط الولايات المتحدة ضد شعبنا

المجد والخلود لشهدائنا الابرار

عاشت نضالات حركتنا الأسيرة وصمودها في وجه فاشية الاحتلال

 

 

 

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين    

حزب الشعب الفلسطيني     

الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)

 

17/3/2023

 

 

 

 

 

 

 

السلطة ذاهبة إلى «شرم الشيخ» لزيادة الضغط على إسرائيل

فصائل تهاجم قرار المشاركة وترى فيه تفرداً بالقرارات

 

رام الله: كفاح زبون

قال مصدر فلسطيني مطلع إن الوفد الفلسطيني الذاهب إلى اجتماع شرم الشيخ سيركز على التزام إسرائيل باتفاق العقبة أولاً، قبل الدفع باتفاقات أخرى إلى الأمام، وسيؤكد أن السلطة لن تلتزم بالاتفاق من جانبها إذا لم تلتزم إسرائيل، بما في ذلك إعادة التنسيق الأمني، وعقد اجتماعات للجان الأمنية والاقتصادية.

وأكد المصدر أن قرار الذهاب إلى الاجتماع اتخذ في ضوء تطمينات وضمانات أميركية، بإلزام إسرائيل بتطبيق الاتفاق الذي تم في العقبة، وأن اجتماع شرم الشيخ سيناقش آلياته على نطاق أوسع.

وتابع أن القيادة قررت الذهاب باعتبار أن «إسرائيل هي التي ستكون تحت الضغط، وليس الفلسطينيين الذين يحضرون كل مرة إلى طاولة الاجتماعات ويريدون تحقيق السلام ويلتزمون، فيما تتهرب إسرائيل من اللقاءات والاتفاقات وتطبيقها على الأرض».

وأضاف المصدر أن «الدافع للذهاب هذه المرة نفس دافع المرة الأولى، أي وقف التصعيد الإسرائيلي والجرائم ضد الفلسطينيين».

وبحسب المصدر، فإن الوفد الذي سيرأسه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، متمسك بالمطالب الـ13 إذا ما أرادت إسرائيل دفع أي آفاق إلى الأمام.

وكان الوفد الفلسطيني قد قدم في اجتماع العقبة، الشهر الماضي، 13 مطلباً تضمنت وقف البناء في المستوطنات، والحفاظ على مكانة القدس بما في ذلك إنهاء الإضرار بالهوية التاريخية للقدس ومكانتها القانونية، وإنهاء إغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، والسماح بإجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية.

ومن بين الطلبات الفلسطينية، وقف إرهاب المستوطنين، ووقف عمليات الجيش و«الاجتياحات» للمدن الفلسطينية، واحترام الاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن، وإنهاء تجميد أموال الضرائب الفلسطينية، ووقف عمليات هدم المنازل وطرد الفلسطينيين من ديارهم و«تهجيرهم» قسراً. ووقف عمليات قتل الفلسطينيين، وإنهاء مصادرة الأراضي الفلسطينية والكنوز الطبيعية، وتجديد الالتزام باتفاقيات الخليل.

كما طالب الفلسطينيون بتجديد الوجود الفلسطيني على معبر «الكرامة»، واستعادة الوضع الذي كان قائما قبل سبتمبر (أيلول) 2000، إضافة إلى الإفراج عن أسرى بينهم من تم اعتقالهم قبل اتفاقيات أوسلو، من النساء والبالغين والأطفال والمرضى، وإعادة جثث شهداء فلسطينيين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وكانت إسرائيل قد التزمت في اجتماع العقبة بوقف مؤقت للاستيطان، وتقليص اقتحامات المدن، وبحث إعادة الأموال المحتجزة. لكن أياً من ذلك لم يطبق، بل شن الجيش والمستوطنون عدة هجمات وقتلوا فلسطينيين بشكل شبه يومي منذ اجتماع العقبة. ولم يعيدوا الأموال، ودفعوا بخطط بناء استيطانية للأمام.

يأتي اجتماع شرم الشيخ عشية شهر رمضان الذي تتوقع إسرائيل أن يكون «الأكثر تفجراً في ظل معطيات متعددة على الأرض، بما فيها استمرار الهجمات وتهديدات الفصائل الفلسطينية المتأهبة، وضعف السلطة، وغياب الأفق والأمل». يضاف إلى ذلك، سياسة الحكومة الإسرائيلية وأزمة الانقسام السياسي داخل إسرائيل، ما يولد أفكاراً أن الأخيرة باتت هشة أكثر من أي وقت مضى.

وتذهب السلطة إلى الاجتماع على الرغم من دعوات فصائل فلسطينية لها بالعدول عن قرارها لاعتبارها ذلك «جزءاً من خدمة إسرائيل والتفرد في القرارات المصيرية».

وقال المتحدث باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، الخميس، إن «مشاركة السلطة استهتار بدماء شعبنا الفلسطيني المستباح على يد جيش الاحتلال ومستوطنيه الفاشيين، ومحاولة صهيونية لضرب الحالة الثورية المستمرة والمتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة». ودعا قاسم السلطة إلى العدول عن قرارها المشاركة في هذا الاجتماع، كما دعاها إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وعدم المراهنة على سراب الوعود الأميركية، والانحياز إلى الإجماع الوطني.

ورفضت الجبهة الشعبية كذلك قرار السلطة، وقال عضو المكتب السياسي للجبهة محمود الراس، إن المشاركة في هذا اللقاء في ظل عمليات القتل والاقتحامات الإسرائيلية للضفة، وبعد إقرار قانون إعدام الأسرى بالقراءة الأولى، «تحلُّلٌ من واجبات السلطة تجاهَ الأمن الوطنيّ الفلسطينيّ».

كما انتقدت الجبهة الديمقراطية «تلبية القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية الدعوة للالتحاق باجتماع شرم الشيخ»، وقالت في بيان، إن الالتحاق بالاجتماع يعتبر تحدياً للإرادة الوطنية، وإصراراً على مواصلة سياسة الهيمنة والتفرد، وتهميش الهيئات الوطنية وتجريدها من صلاحياتها، «وتحويلها إلى هياكل فارغة لصالح مطبخ سياسي لا يستمد شرعيته إلا من كونه يلبي مصالح الطبقة الحاكمة في السلطة»، بحسب البيان.

 

 

هل تنجح “وثيقة جنين” بما فشلت به لقاءات المصالحة؟

 

 

جنين/سما/

تحت شعار الوحدة الوطنية و”تطوير آليات جديدة لمواجهة حكومة حسم الصراع الصهيونية”، أطلقت مجموعة من الشخصيات الفلسطينية وممثلو مؤسسات محلية، وثيقة لتحقيق الوحدة الفلسطينية باسم “وثيقة جنين”.

وبعد إعلان شخصيات من مدينة ومخيم جنين الوثيقة خلال مؤتمر صحفي عقد برام الله الخميس، نُشر نصّها للتوقيع عليه من أكبر عدد من المواطنين والنشطاء والقيادات، آملين الوصول إلى نصف مليون توقيع وتشكيل ضغط أكبر على الأحزاب الفلسطينية والسياسيين للتحرك الجدي نحو المصالحة، كما يقول نضال نغنغيه، أحد القائمين على الوثيقة.

وأوضح نغنغيه، أن “هذه الوثيقة انبثقت من الميدان سعيا للاتفاق على الحد الأدنى وطنيا لمواجهة حكومة الاحتلال المتشددة”. وتستمد قوتها من كونها “دون راع حزبي”، فهي “وثيقة شعبية ومن الشارع الفلسطيني”.

مصالحة وإصلاحات داخلية

وتضمّنت الوثيقة التي استعرض محتواها الناطق باسم الوثيقة، المناضل الفلسطيني فتحي خازم، وهو والد شهيدين وشخصية وطنية معروفة من مخيم جنين:

إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بميثاقها الوطني وبصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

الدعوة لعقد لقاء للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.

تفعيل قيادة سياسية موحدة لكل الفصائل والقوى في الميدان.

ترسيخ مفهوم الوحدة السياسية والجغرافية والشعبية.

رفع شعار “الشعب والسلطة والمقاومة في خندق واحد”.

إعلان “حالة الاشتباك السياسي والقانوني مع المشروع الصهيوني العنصري ونظام التفريغ العنصري” في كل الساحات الوطنية والمحافل الدولية والجهات القانونية.

الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وتطرقت الوثيقة إلى مساندة قطاع غزة للصمود في وجه الحصار المفروض عليه، من خلال إطلاق مبادرة التكافل الاجتماعي والوطني والاقتصادي.

 

كما تسعى الوثيقة إلى فضح سياسات الاحتلال من القتل والعنصرية والحصار والإغلاقات والاستيطان والتهويد، والدعوة لتشكيل قوة دولية رسمية في مواجهة الاحتلال، إضافة إلى المضي قدما في التوجه إلى المؤسسات الدولية ذات العلاقة، وتعزيز دور منظمات حقوق الإنسان في فضح الانتهاكات الإسرائيلية العنصرية، مع التأكيد على أن مقاومة المحتل بكافة إشكالها حق مشروع كفلته كل المواثيق والأعراف الدولية.

كل ذلك إلى جانب ضمان حرية التعبير لكل الفلسطينيين، ووقف كافة أشكال التحريض الإعلامي، والاعتقالات السياسية. وفي حال تعذّر إنجاز الوحدة الوطنية والسياسية، تشدد الوثيقة على أن البديل هو “الوحدة الشعبية الميدانية” أي المقاومة معا في الميدان.

غير قابلة للتطبيق

تحمل الوثيقة خطا نظريا لتحقيق الوحدة، ولكن عمليا هل تنجح فيما عجزت عنه عشرات اللقاءات وجلسات المصالحة منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007، خاصة في ظل مقاطعة حركتي حماس والجهاد الإسلامي المؤتمر الذي عقد توطئة لها في مخيم جنين قبل أيام؟

وأبدت حركة حماس موافقتها على مضمون الوثيقة في بداية طرحها الأسبوع الماضي، ولكنها أعلنت مقاطعتها بعد مهاجمة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة جنازة الشهيد عبد الفتاح خروشة بمدينة نابلس في الثامن من مارس/آذار، الذي كان أحد عناصر الحركة المعروفين، والذي نفذ عملية مسلحة أدت إلى قتل مستوطنين اثنين في بلدة حوارة قبل أسبوعين.

ويوضّح القيادي في حماس الشيخ حسين أبو كويك موقف الحركة قائلا إنه “لم يكن لديها تحفظ على المشاركة احتراما للقائمين على الوثيقة والثقة بهم وبوطنيتهم وخاصة أنها صادرة من مدينة جنين التي تطبق الوحدة الوطنية على الأرض”.

ووفق أبو كويك، كانت حركة حماس طالبت بإجراءات حسن نية من خلال الإفراج عن معتقليها في سجون السلطة الفلسطينية، “لنتمكن من تبرير مشاركتنا بالوثيقة لكوادرنا”. ولكن ما جرى كان العكس حيث “شهدنا اعتداءات على عناصر الحركة واعتقالات طالت حتى الآن 25 منهم مما جعل المشاركة غير ممكنة”.

وشكّك أبو كويك في القدرة على تطبيق ما جاء في الوثيقة التي تدعو أساسا إلى الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المستمر منذ الاقتتال الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس صيف 2007.

وقال المسؤول في حركة حماس إن تطبيقها أصبح غير ممكن “بعد إعلان السلطة المشاركة بقمة أميركية وإسرائيلية جديدة في شرم الشيخ”.

غير شاملة

أما حركة الجهاد الإسلامي، فرغم توافقها مع حركة حماس على مقاطعة اللقاء الذي انبثقت عنه الوثيقة، فإن أسبابها اختلفت. فكما يقول طارق قعدان، من قيادات الحركة في جنين، فإن هذه الوثيقة لم تحمل في طياتها ما يرتقي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. كما أنها “غير شاملة، وتركز فقط على الجانب الاجتماعي، في حين أن الانقسام الفلسطيني سياسي بامتياز”.

وبرأي قعدان، ركز القائمون على الوثيقة على حشد وجمع المواطنين حولها دون تقديم محتوى قوي يمكن البناء عليه لتحقيق الوحدة.

ولكن مقاطعة حماس والجهاد الإسلامي للوثيقة لا يعتبرها نضال نغنغيه، أحد القائمين عليها، عقبة أمام تحقيق أهدافها. وقال إنها مطروحة لكل الأحزاب ممن حضر وقاطع، ولكل صناع القرار السياسي الفلسطيني، “فهي وثيقة خرجت من قلب المواجهة والميدان الموحّد في مواجهة الاحتلال ومقاومته”.

 

 

شهداء جبع..

تفاصيل مثيرة عبر “أمد”.. جريمة جديدة لـ “الفاشية اليهودية” ..وصمت دولي مريب!

 

أمد/ جنين- صافيناز اللوح

تناثرت الرصاصات في محيط أجسادهم، دماء هنا وهناك، وصوت صراخ ذويهم من حولهم يعلو، أمٌ تحضن فلذة كبدها وهي تنادي بأعلى صوتها وتستنجد من يواسيها بأن يعود إلى الحياة من جديد، وعلى بعد أمتار قوة كبيرة من جيش الفاشية اليهودية يغلق المكان، وينتشر كالفئران بين الأشجار ليتابع حدثاً طبعه في سجل إجرامه، وبأسلحته الإرهابية وعقليته الظالمة الحاقدة ضد الفلسطينيين.

النايف وسفيان والأحمد، ثلاثة رجال غادرت أجسادهم عن هذا الوطن، بجريمة اغتيال جديدة سجلتها رصاصات الغدر الإسرائيلية، أعمى العالم أبصاره عنها كباقي الجرائم المنقوشة بإرهاب الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني.

ففي فجر يوم الخميس التاسع من مارس الجاري لعام 2023، اقتحمت قوة خاصة بلدة جبع، واختبأت كالفئران داخل منزلاً مهجوراً لتُباغت الشهداء الثلاثة “نايف ملايشة وسفيان فاخوري، وأحمد فشافشة” من كتيبة جبع، وتربّصت لمركبتهم ولاحقتهم، ثم حاصرتهم من كل مكان، وصبّت حقدها وإجرامها عليهم، ليستشهدوا على الفور، وتبقى أجسادهم لساعات حتى بزوغ الصباح.

تجمع المواطنون حول مركبة الشهداء، في أحد شوارع منطقة الفوارة ببلدة جبع، بعد سماع عشرات الطلقات النارية وصراخ شبان في عمر الورود، تم اغتيالهم، ومن ثم نُثرت أجسادهم زهوراً زيّنت الأرض، ليفجر جيش الفاشية مركبتهم كي ينهي جريمته وحقده.

وفي ظهر اليوم ذاته، حمل الآلاف من المشيعين جثامين الشهداء الثلاثة وساروا بهم في شوارع مدينة جنين، وهم يرددون عبارات “من جبع الأبيّة طلعت شمعة مضوية” و”يا جميل العموري جبنالك ورد جوري”، قبل أن تنطلق لرأس مسقط الأبطال، ومن ثم دفنت أجسادهم في مقبرة جبع بعد إلقاء نظرات الوداع عليهم من قبل عوائلهم، فيما عمّ الحداد والإضراب الشامل البلدة، وأغلقت المحلات التجارية فيها حداداً على أرواح الشهداء.

 

نايف ملايشة.. خرج من السجون والتحق بركب الشهداء..

أم محمد 20 عاماً، زوجة الشهيد نايف أحمد ملايشة 25 عاماً، والذي ترك خلفه شام عام وشهرين، ومحمد 3 أعوام.

خرج نايف من المنزل الساعة الواحدة من منتصف ليلة الخميس، لملاحقة جيش الاحتلال الذي اقتحم بلدة جبع، واشتبك برفقة اثنين من الأبطال مع تلك القوة، لينتهي المطاف باستشهادهم جميعاً، هكذا قالت أم محمد لـ”أمد”.

أم محمد التي شعرت بزوجها قبل استشهاده، تحدثت مع ” أمد للإعلام” بصوت خافت لكنها صابرة شامخة رأسها، مفتخرة بزوجها الذي سطر التاريخ اسمه في سجل النضال الفلسطيني.

وتضيف: قبل ليلة من استشهاد نايف طلب الخروج ليتصدى لجيش الاحتلال المقتحم للبلدة، وحينها منعته لكنه؛ أصر على الخروج وصمم على ذلك وقام بفتح الباب قائلاً لي: “ادعيلي وسامحيني”.

وشددت، نايف منذ طفولته يحب فلسطين ومقاومة الاحتلال، وكان دائما يحدثني عن الوطن ويؤكد على أن فلسطين تستحق منّا أن ندافع عنها، مضيفةً أنّه من زينة الشباب ولم يضايقني يوماً.

نايف الذي خرج من سجون الاحتلال قبل استشهاده بأقل من شهر، تنقل عبر عدة سجون وعزل انفرادي، لخرج من السجن، ليرى طفلته شام التي ولدت خلال أسره داخل سجون الظلم الإسرائيلية، واحتضنها لـ26 يوماً، ثم غادر الحياة تاركاً محمد وشام، وزوجته التي قبلت بالقدر متيقنةً بطريق الشهادة وحب الوطن.

صور بكاميرا الهاتف أظهرت أيامه الأخيرة..

“منذ خروج نايف من السجن وهو يطلب مني أن أصوره مع طفليه محمد وشام، وكأنه يودعهما فعلياً بأيامه الأخيرة لتبقى ذكرى لنا”، هكذا تحدثت أم محمد.

وأوضحت زوجة الشهيد لـ”أمد”، عاد نايف من السجن بعد فقدان عدد من رفاقه برصاص جيش الاحتلال، وخرج من سجنه وفي قلبه غصّة عليهم، وكان يذكرهم كثيراً ويتمنى لقاءهم، ونوى الشهادة باختياره لهذا الطريق.

وأضافت: نايف حقق ما أراد، ونال الشهادة كما تمناها وبصدق، وأخلص من أجل فلسطين والأقصى،  ويحدثني دائماً عن المقاومة وشعرت به روح الجهاد والدفاع عن هذه الأرض”.

“ما بزعل حدا وكل الناس بتحبه”، هكذا وصفت أم محمد زوجها خلال حديثها مع “أمد”، وأكدت لنا عن حبها له ورضاها عما فعله رغم فقدانه، مشددةً: أنّ جيش الاحتلال عذّب نايف داخل السجون، وخرج منها بحالة صحية سيئة”.

وأكملت حديثها: كان دائماً يجلب صور زوجات الشهداء لأراها ويحدثني عن الشرف الذي نالوه وخاصة زوجة الشهيد تامر الكيلاني ويطلب مني أمثل دورها كيف سأتلقى خبر استشهاده، وكأنه يوصيني بأن لا أبكي ولا أحزن عند فراقه، ولكنني لم أكن أعلم بأنه يعد بأنفاسه الأخيرة في هذه الحياة.

حاولت أم محمد أن تعبر عما يجول في داخلها، بكلمات قد تكون قصيرة لكنها؛ تحمل معاني كبيرة وبصوتها الخافت الذي اختفي بين طيات الحزن والوجع، وبصبرها الواسع الذي نفّذت به وصيته خلال تواجده بقربها.

ووجهت زوجة الشهيد نايف رسالتها عبر “أمد”، أنّ يأخد الفدائيون حقه وينتقموا له ولكل شهيد فلسطيني سقط برصاص الإجرام الإسرائيلي.

كما أوصتهم على طريقة الثائر الشهيد إبراهيم النابلسي، ألا يتركوا البارودة، حتى الرمق الأخير، لأنّ فلسطين تستحق، وأرواحنا فداءً لها.

لن تنسى أم محمد نايف ذاك الشاب الأسمر الذي أنار حياتها بطفلين سيبقيا نوراً لها يحملان اسم أبيهم الشهيد الفدائي الذي حفر اسمه على جدران الرجولة الفلسطينية.

“جريح.. أسير ثم شهيد: حكاية الشهيد فاخوري”..

نجاح فهمي الفاخوري 54 عاماً، والدة الشهيد سفيان عدنان فاخوري 30 عاماً، ولد بتاريخ الـ26 من شهر مايو لعام 1993، في منطقة الفوارة ببلدة جبع قضاء محافظة جنين، بجريمة اغتيال جديدة سجلت في صفحات الجيش اليهودي الفاشي.

أم الشهيد سفيان التي تحدثت مع “أمد للإعلام”، قالت: إنّها تلقت خبر استشهاد فلذة كبدها وهي تتابع الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم إخبارها بأنّه مصاب فقط.

وتابعت والدة الشهيد، أنّ ابنها تم اغتياله خلال تواجده في مركبته مع اثنين من أصدقاءه، حيثُ أطلق جيش الاحتلال عشرات الرصاصات تجاههم، أدى لاستشهادهم على الفور.

وتضيف أم سفيان حديثها لـ”أمد”، أنّها تلقت نبأ استشهاد نجلها مثل أي أم شهيد بوجع وألم وحسرة على فراق نجلها، منوهةً أنّ شعور تلقيها ورؤيتها خبر استشهاد كان صعباً.

وودّعت والدة الشهيد الفاخوري نجلها بآلام الأم التي لم يشعر بها سواها، قائلةً في حديثها عبر “أمد” وبصوتها الذي اختبأ خلف دموعها: ابني استشهد خلال اشتباكه مع الاحتلال وأصيب بطلق نار في الرأس واليد وعدة رصاصات في جسده وبعيونٍ نائمة، وقمت بوداعه وتقبيله ولكن؛ عند جنازته أحضروه لنودعه الوداع الأخير فكانت أعينه متفتحة ويبتسم”.

تمنّت والدة سفيان، أنْها لم تعش هذه اللحظة، ولم يأتي مثل هذا اليوم، ولكنها كانت تعلم بطريق فلذة كبدها الذي اختاره بنفسه، واحتسبته عند الله وبنطق لسانها المستمر بـ”الحمدلله طلبها ونالها”.

وشددت فاخوري حديثها: في عام 2020، أصيب سفيان برصاصة في قدمه، خلال اقتحام جيش الاحتلال لبلدة جبع، وبتاريخ 19/1/2022، اعتقله جيش الاحتلال لعدة أشهر في سجن مجدو ليتم الإفراج عنه بتاريخ 28/10/2022، متمسكاً بحبه للوطن وغارساً طريق الشهادة في قلبه قبل عقله.

إغلاق المنزل على زوجته وابنه عدنان“..

ترك الشهيد الفاخوري خلفه عدنان ذو الثالثة من عمره، وزوجته التي اختصر القدر حكايتها مع سندها ليكتب لها لحظة فراق أبدية، أخفت وجهٍ قد اعتادت على رؤيته في كل لحظة.

أم عدنان زوجة الشهيد الفاخوري والتي تحدثت مع “أمد” بصوتها الأنثوي الذي غلب عليه الحزن لفقدانها والد طفلها وسندها في الحياة، تاركاً لها عدنان ليبقى يروي حكاية شهامة والده بين أزقة الوطن المسلوب.

“تم حبسي داخل المنزل”، هكذا كان حال أم عدنان التي لم تعرف عن استشهاد زوجها إلا بعد أن فك سكان المنطقة قيدها من داخل شقتها المغلقة عليها بالأقفال من قبل جيش الاحتلال الذي تربص بين الأشجار والأزقة ليقتحم بلدة جبع.

وتقول أم عدنان لـ”أمد”، سألت الجيران عن سفيان، ولكنهم لم يخبروني باستشهاده، وعندما حاولت الخروج من المنزل لأعرف ماذا حدث به إلا أنهم رفضوا بحجة وجود لجنود جيش الاحتلال، فسألتهم لعدة مرات واستغربت من عدم اتصاله عليّ لأنه بالعادة يهاتفني ويتحدث معي ويُطمئنني عليه ويوصيني بإغلاق المنازل وعدم الخروج منه لوجود اقتحامات، لكن؛ ليلة استشهاده اختلفت عن كل الليالي فلم يوصيني ولم يهاتفني!.

وشددت، تأكدت بأنّ سفيان حدث له شيئاً وعندما اجتمع الناس في المنزل، حينها علمت باستشهاده، وكأنّ قطعة مني وأُخذت، مضيفةً ذهبت إلى المستشفى وودعت سفيان وهو في ثلاجة الموتى وفي عقلي وقلبي لم أصدق وقلت لهم: “سفيان ما استشهد لسا عايش”.

“كنت أعلم بالطريق التي يسير بها”، هكذا أجابت أم عدنان على سؤالنا بمعرفتها لما يقوم به زوجها، الذي اختار حكاية الشهداء وتمسك بها، ليكون رفيق دربهم ووصاياهم حياً أو ميتا.

وتضيف أم عدنا لـ”أمد”، يوم استشهاده كان معنا في المنزل وكان يلاعب طفله، وضحك معه واحتضنه كثيراً، وشعرت بنظراته لنا، فاستغربت وسألته: “شو مالك”؟!، فقال لي ديري بالك على عدنان.

اذن.. لم ينتهِ إجرام هذا المحتل، و”جريمة جبع” ليست الأولى ولا الأخيرة، في ظل صمت عربي ودولي مهين لتضحيات الشعب الفلسطيني، وتقف سنداً لإرهاب الفاشية اليهودية ومستوطنيه بحقه، فلا الشجر نطق ولا الحجر تكلم ولا دول العرب والغرب خرجت من جحر تطبيعها أو نطقت بكلمة حق ضد محتل ظالم جائر.

 

مخيم الدهيشة: قلعة المقاومة

البلاد 

هبه أبو طه 

«منشوراتكم لن ترعبنا، سيبقى مخيم الدهيشة قلاع الثائرين، القلعة الحمراء لن تسقط»…

بتلك الكلمات ردّ الشهيد حسين قراقع على تهديدات سلطات الاحتلال الصهيوني التي ألقتها بمنشورات كالجند في مخيم الدهيشة، قبل تنفيذه عملية الدهس البطولية في القدس الشهر الماضي؛ تضمنت تلك المنشورات تحذيرات من «نشاط الجبهة الشعبية في المخيم»، ولوّحت باعتقال كل من يشارك الجبهة نشاطها في «القلعة الحمراء». وهذا الاسم هو الوصف الأدق لمخيم الدهيشة، الذي أخذ يتمدد به اليسار منذ عقود، حيث يحظى بحضور كبير لمقاومين من الجبهة، يقفون جنباً إلى جنب مع رفاقهم من الفصائل كافة لمواجهة الاحتلال. منذ أول خيمة نُصبّت على ثراه عام 1949، لنحو 3 آلاف لاجئ من نحو 79 قرية في مدن (الخليل، القدس، الرملة، غزة، بئر السبع، يافا) حتى لحظتنا هذه، يلعب المخيم دوراً هاماً في قلب معادلة العدو، في أعقاب أعمال المقاومة التي عادت تتعاظم من جديد في الضفة الغربية والقدس، منذ العام المنصرم الذي شهد نحو 12188 عملاً كفاحياً، انفردت بيت لحم بنحو 829 عملاً منها، كان لمخيم الدهيشة الذي تحتضنه المدينة نصيب منها.

وعلى رغم عدم توافر إحصائيات دقيقة، عن عدد أعمال المقاومة التي حققها ثوار الدهيشة، إلاّ أن رصد أخبار الأحداث التي يشهدها المخيم، تؤكد حقيقة تأصل النضال به، وامتداده بين أروقته؛ حيث ينتفض جلّ قاطنيه الذين يزيد عددهم على 13 ألف نسمة بوجه المحتل، رداً ورفضاً لجرائمه في المدن الفلسطينية التي ترتفع بها وتيرة المقاومة. هذا العمل المقاوم، يتحقق بدور مناضليه من «كتائب أبو علي مصطفى»، وحراس المخيم، والفصائل، بقتال المحتل، ومواجهة اقتحاماته المتتالية، واشتباكهم مع جنوده حتى آخر رمق في «القلعة»، التي ودّعت العام الماضي بشهيد، لتستقبل العام الحالي بشهيد، لحق بركب نحو مئة شهيد من المخيم ارتقوا على مدار العقود الماضية.

وبالعودة إلى نهاية العام المنصرم، تحديداً يوم الخامس من كانون الأول، شيّع مخيم الدهيشة، ابن «الجبهة الشعبية» عمر مناع، المثقف والمقاوم والأسير والجريح؛ الذي صمد باشتباكه مع جيش الاحتلال حتى ارتقى شهيداً. عاش مناع حياته مغتنماً كلّ فرصة لقنص العدو، ومقصياً كل من لا يؤمن بالمقاومة، ومشدداً على ما قاله يوماً: «لا طريق للعودة والتحرير، سوى بالكفاح المسلح، وإقصاء من لا يؤمن به».

وما لبث المخيم أن ينتهي من وضع أكاليل الورد على ضريح الشهيد مناع، حتى فُجع بارتقاء الفتى آدم عياد في اليوم الثالث من العام الجديد، حين اخترق رصاص قناص صهيوني صدر شبل «الجبهة الشعبية»، الذي اعتنق فكرها كعائلته، وعلى رغم عمره الذي بلغ 15 ربيعاً، إلاّ أنه أجاد «لعبة الموت التي عاشها بين زخات الرصاص» وفق ما نشره في وقت سابق، قبل أن يظهر آدم صلباً مبتسماً، يزف نبأ استشهاده في مقطع مرئي يُدمي ما تبقى من القلب.

الشوق لآدم، لم يحتمله رفيقه عمر الخمور، فارتقى بعد أيام، ليلحق بركب الشرف الجليل، وكان قد ختم وصيته التي حملت اسمه والشهيد البطل عدي التميمي، وبجانب الاسمين اللذين يفوحان شرفاً خطّ «وصيتي لكم»، وبدأ بالبسملة والدعاء الذي لا ينفك لسان حال المقاومين عن ترديده «اللّهم الثبات النصر أو الاستشهاد»، حتى نال ما أراد حين صوّب العدو الغدار، الرصاص نحو رأسه في أعقاب عدوانه على المخيم، ليرتقي على إثرها شهيداً في الدهيشة الذي ودع ثلاثة من مقاوميه بأقل من شهرين.

ارتقوا ثلاثة، وشهد المخيم صمود أمهاتهم، اللواتي حملن نعش فلذات أكبادهن على أكتافهن في تشييعهم، وسط أعلام فلسطين المحتلة وسورية الصامدة ورايات الجبهة الشعبية والفصائل، على وقع طلقات المقاومين المباركة، وهي تُنذر بانتزاع الثأر.

إن ما سبق، يُشير إلى تمدد حالة المقاومة الآخذة بالتصاعد في أرجاء فلسطين، والمخيم كجزء من هذا الواقع، مرّ بما مرت به فلسطين، وفرض عليه حظر التجوال في ثمانينيات القرن الماضي، وواجه اقتحامات جيش الاحتلال، وارتقى أول الشهداء منه عام 1981، وكان طفلاً، حطم الجنود رأسه بالحجارة.

تحول المخيم في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه السجن، بعد أن أقام الكيان جدار الفصل العنصري، الذي يمر بمحاذاة المخيم، ويرتفع لنحو 6 أمتار، وخلال انتفاضة الحجارة، ضرب الاحتلال، طوقاً حول المخيم بالمكعبات الإسمنتية والأسلاك الشائكة، حتى سمي «مخيم الاعتقال الجماعي»، واستمر هذا الحصار حتى عام 1994. كما تعرض هذا المخيم، إلى الاجتياح عام 2002 بالتزامن مع انتفاضة القدس، وكالعادة قوبل هذا الاجتياح بمواجهة كبيرة. وفي عام 2015، هدد أحد ضباط الاحتلال، شباب المخيم، بأنه سيجعلهم جميعاً معاقين، ونفذ الاحتلال، تهديد ضابطه، باستهداف شبان المخيم في ركبهم اليسرى تحديداً.

تلك الأحداث، والظروف التي عاشها أهالي المخيم جيلاً بعد جيل، لم توقفهم، ولم تدفعهم للتردد، فكما يردد بعضهم، أرواح الشهداء «تطارد العدو بزقاق المخيم»، هذه العبارة خطت يوماً، وتترجم فعلاً في مواجهة العدو داخل المخيم وخارجه.

 

 

قصّة أوَّل صهيوني عربي مُجاهِر في أميركا: عن فؤاد عجمي [5]

 

رأي  أسعد أبو خليل

هذه مراجعة نقديّة لكتاب صدر لفؤاد عجمي (لبناني من أرنون في جنوب لبنان) بعد وفاته، بعنوان «عندما فشلَ السحر: مذكرات لطفولة لبنانيّة، عالقة بين الشرق والغرب»، والصادرة عن دار نشر «بومباردير» (لم أسمع بها من قبل). وعمل الصهيوني المعروف، ليون وزيلتير، على نشرها (فقد وزيلتير منصبه في مؤسّسة بروكنغر في ٢٠١٧ بعد حملة «وأنا أيضاً» ضد المتحرّشين بالنساء).

ما زال الحديث عن ذكريات فؤاد عجمي، وخيالاته الاستشراقيّة، في سنوات طفولته وصباه في لبنان قبل أن يأتي إلى «كليّة شرق أوريغون» في ١٩٦٣. كان يمكن لعجمي أن يصعد في الإعلام الخليجي، وحتى في بلاط الحكّام في الخليج، لو لم يمت. هو كان قد بدأ بعقد صلات هناك، وكان يعتبر عبد الرحمن الراشد، النافذ في الإعلام السعودي، مُريداً له. وجريدة «الشرق الأوسط» أفردت قسماً خاصاً بالمراثي عنه، بعد وفاته مباشرة، وكلّها كانت تبجيليّة. عجمي كان نقيض إدوار سعيد (بكل المعاني) ولهذا احتفى به الإعلام الخليجي. المجلّة السعوديّة، «المجلّة» باتت عبر السنوات تنشر مقالات لعتاة الصهاينة في ذمّ سعيد، كما ذمَّه فؤاد عجمي.

يتحدّث عجمي عن الصراع مع إسرائيل دائماً بصيغة الحرب بين العرب واليهود، أو بين «العربي واليهودي». والصهاينة في الغرب يميلون إلى هذه الصيغة كي يجعلوا من مقاصد عدائنا ضد الصهيونيّة دينيّة وعنصريّة محض. ما علاقة يهوديّة المستوطن الأوروبي في بلادنا بدينه؟ هل معارضتنا للصهيونيّة كانت ستكون أخفّ لو أن المهاجرين المستوطنين كانوا، مثلاً، من الكاثوليك؟ يقول عجمي عن النكبة ما يأتي: «لقد أمّن اليهود دولتهم، فيما هرب الفلسطينيّون» (ص. ٥٩). وفرار الفلسطينيّين من أرضهم هو لازمة في سجالات ذمّ الشعب الفلسطيني وقضيّته. لكن عجمي تأثّر بأمّه التي قال عنها إنها لم تكن معنيّة أبداً بمعاناة شعب فلسطين. يقول عجمي إن ذلك كان همّاً عربيّاً «وعبئاً» عربيّاً، لكنه لم يشغل أمّه، وهو طبعاً لم يشغل عجمي. وحتى عندما تظاهرت نساء فلسطينيّات في شوارع بيروت بعد سنة من النكبة، ذلك لم يثرْ أحاسيس أو مشاعر عند والدته، حسب سرديّته.

يتحدّث عجمي بنفَس استشراقي عن تلقّيه العلم في مدرسة في بيروت. يسخر من تعليم العربيّة فيها، ثم يسخر من العربيّة بحالها. يقول إن «العربيّة الفصحى كانت عالماً منفصلاً عن العربيّة المحكيّة، وهي تقريباً لغة مختلفة». لو كان ذلك صحيحاً فكيف يتفاهم العرب من مختلف أنحاء العالم العربي عندما يلتقون في المهاجر؟ هل يتحدثون بلغة الإشارة؟ كيف يفهم كل المشاهدين والمشاهدات العرب الأفلام المصريّة والمسلسلات السورية؟ لا، والرجل الذي يكشف من خلال إيراده لكلام باللغة العربيّة عمق جهله بتلك اللغة، يسمح لنفسه بإصدار أحكام وتعميمات عن لغة الضاد. يشكو من العذاب الذي عاناه من جراء تحريك الكلام تبعاً لمعنى الجملة. يزعم أن قواعد اللغة العربيّة لا تعتمد على فهم. الحقيقة أن القواعد العربيّة مبنيّة على أصول منطقيّة وحسابيّة واضحة، وإلا كيف يستطيع الطلاب العرب فهم وتحريك الكلمات عبر القرون؟ هذا لا ينفي أن هناك صعوبة في تعليم العربيّة من جراء اتباع وسائل تعليم عقيمة وقديمة. يقول إن قواعد العربيّة تتطلّب الطاعة مثل الأهل والمعلّمين في العالم العربي. لكن قواعد العربيّة متساهلة ومرنة ولديها صف طويل من الاستثناءات، كما أنها تسمح للشعراء بتطويع القواعد من أجل جمالية الكلام الشعري. لا أعرف عن لغة على هذه الدرجة من التساهل اللغوي. لكن عجمي لا يميّز بين المذكر والمؤنّث، ويقول إنه كان له عمّة اسمها «وجيه»، وليس وجيهة. وقد يكون اسم عمّه شفيقة. وفي مقطع في الكتاب، يريد أن يقول إن فرنسا كانت توصف بـ«الأم الحنون»، لكنه يقول عوضاً عن ذلك إن فرنسا كانت توصف بـ«أم حسّون»، بالحرف. لكنه لا يخطئ الكتابة عندما يستعمل التعبير السوقي البذيء لـ«سوق البغاء» في بيروت (ص. ١١٥). ولا يحوز إعجاب عجمي من شخصيّات طفولته وصباه إلا هؤلاء الذين احتقروا أهلهم، مثل «حياة» التي «تجاوزت» بني أمّها واحتقرت بث الإشاعات في حديث الأهالي، مع أن حكايات عجمي نفسها مبنيْة على إشاعات وأقاويل وخيالات.

على طريقة الاستشراق التقليدي، لا يتحدّث عن الشعب العربي إلا على أساس الطوائف المتناحرة (وهذه سرديّة دحضها المؤرّخ أسامة المقدسي): أي نفس نمط التاريخ لبرنارد لويس

أحياناً تشعر بأن عجمي يجهد كي يضفي المزيد من الإبهار للقارئ الغربي الأبيض. وهل هناك ما يثير الغرابة والإعجاب الغربي المشوب بالاحتقار أكثر من حكايات «الحريم»؟ لا بل فؤاد عجمي يزعم أن العالم الذي عاشه، في جنوب لبنان وفي برج حمّود في ما بعد، هو نفسه عالم «ألف ليلة وليلة». يقول إن المخصيّين فقط هم الذين يُسمح لهم بالبقاء في عالم النساء. عن أيّ قرن من الزمن يتحدّث عجمي؟ جنوب لبنان في النصف الأول من القرن الماضي؟ أم برج حمّود حيث سادت أجواء الحريم والخصيان؟ حريم وخصيان في برج حمّود؟ يقول إن ثقافة العالم الذي وُلد وترعرع فيه رسخ فكرة أن الهلاك يصيب الذكور الذين يعيشون فترة طويلة في عالم النساء. والمصدر في ذلك هو عجمي الراوي عن الجواري والعبيد والسلاطين في… برج حمّود. تدرك كم أن عجمي يريد أن يستقي من التاريخ كي يفصل، أمام القارئ الغربي، بين عالم الشرق الغارق في القدَم وعالم الغرب العصري والمتطوِّر. يزعم عجمي أن الولادة كانت تتمّ في زمانه على يد ليس فقط القابلات القانونيّات، بل على أيدي الجيران والأقارب (ص. ٨١). كيف كان يحدث ذلك؟ تدق على باب منزل جارك وتسأله أن يأتي على عجل كي يولِّد الابنة أو الزوجة؟

وطبعاً، لا يحلو الحديث الاستشراقي عن جبل عامل من دون قصّة عن عاشوراء واللطم. لا يقصّر عجمي في هذا المجال. يقول إن شقيقه ابن العاشرة تسلّم خنجراً (أو بندقيّة كلاشينكوف، لا يذكر عجمي) من أجل المساهمة العنفيّة في مراسم عاشوراء. فكان شقيقه، بحسب فؤاد، يضرب رأسه في هتاف متكرّر فيما يمسك بالخنجر باليد الأخرى. ثم يصف عجمي كيف أن حلاق القرية جرح «رأس» (هل وصلوا إلى الدماغ؟) أخيه بالشفرة. وسالت الدماء من خلال الضرب، حسب وصف عجمي. حاول عجمي اللحاق بـ«موكب المُشيِّعين والرجال المخيفين بسيوفهم الطويلة وجنازيرهم، والرجال باللباس الأبيض كانوا مخضّبين بالدماء» (ص. ٨٥). آه، كم يحبّ الجمهور الغربي هذا الوصف. هذا تماماً ما أحسن عجمي منحه لخيال وذائقة الرجل الأبيض. لم يكن هناك في مدينة صور أي من هذه المشاهد، على ما أذكر من زيارات الطفولة والصبا. ولا يذكر عجمي الجدال والخلاف بين الشيعة أنفسهم حول تقاليد التطبير، التي لم تكن شائعة في كل جبل عامل. لكن ما أقوله دائماً عن عاشوراء أمام استفظاع بعض العرب والغربيّين أن مراسم عاشوراء مُنتجة ومُخرجة بتقنيّة تصميمات الرقص الدقيقة. بالرغم من وجود السيوف الملوّحة وبعض الدماء، فإننا لا نسمع عن أذى لحق بالناس. حتى في العراق حيث يحتشد للمناسبة مئات الآلاف، فإن الأذى الكبير نادر الحدوث. لا أدري إذا كان فؤاد عجمي شاهد سيل الدماء في برج حمّود أيضاً. (الظريف أن عجمي ترجم للقارئ الغربي، هتاف «يا حسن، يا حسين»، هكذا: «أوه، حسن. أوه، حسين»).

ويتحدّث عجمي عن افتنانه بأفلام رعاة البقر. لا أدري لماذا هذه الأفلام تترك هذا الأثر العميق في نفوس بعض اللبنانيّين وخصوصاً هؤلاء الذين ينتقلون إلى أميركا ويكتبون عن إعجابهم بـ«الحضارة الأميركيّة». طبعاً، العنصريّة الصارخة في تلك الأفلام لا تزعج عجمي ولا غيره من اللبنانيّين الذين يصرحون هنا بأنهم تعلّموا حب أميركا من أفلام الـ«وسترن». هذه الأفلام لم تترك فيّ أي أثر على الإطلاق، وكنتُ أتعاطف مع السكان الأصليّين («الهنود الحمر»، بلغة ذلك الزمن) ضد رعاة البقر البيض. وحتى في مسلسل «جحيم المعركة» الشهير (عن الحرب العالميّة الثانية)، كنتُ وأنا طفل أميلُ إلى الجنود الألمان ربما لأن لباسهم كان أنيقاً ومرتّباً جداً. يقول عجمي إن أفلام الوسترن بقيت مؤثّرة فيه حتى بعدما خبا نجمها في أميركا نفسها (ص. ٨٨). الرجل يقول للأميركيّين: أنا أميركي أكثر منكم، وهذا نمط سائد عند بعض اللبنانيّين الساعين إلى الترقّي إلى العرق الأبيض.

يسخر عجمي من الأفلام المصريّة (التي أثّرت فيّ أكثر بكثير من الأفلام الأميركيّة، باستثناء فيلم «لحن السعادة»). يعترف بأن الأفلام المصريّة مسلّية، لكنه يقول إن الأفلام كانت أقرب إلى عالمه، وإن النساء فيها يقلن إنهنّ أعطين «أغلى ما عندهنّ» للرجل. ويقول إن النسوة كنَّ يتلقّيْن محاضرات عن أن شرف المرأة هو مثل عود الكبريت، وأنه يشتعل مرّة واحدة. هذه مبالغات عجمي عن جملة واحدة مرّت في فيلم على لسان يوسف وهبي. يتحدّث عن النظام التعليمي في لبنان، وهو قد تنقّل بين عدّة مدارس من برج حمّود إلى العامليّة في رأس النبع. يقول إن التعليم لم يعطه أي تقدير للمواد المقروءة (كل المواد، من دون استثناء؟) ويضيف إن العربيّة الفصحى المكتوبة كانت مستعصية عليهم. يزعم أنه لم يكن هناك أي معلّم يعلّمهم متعة القراءة، وأنه لم يكن هناك معلّم فسّر لهم معاني القراءة. معقول؟ ولا معلّم؟ يقول إن القراءة كانت بغرض الإنشاء والقواعد. ماذا يبقى؟ الإنشاء هو اللغة والمضمون معاً. يقول إن تعليم الإنشاء كان يُعلّم مثل «كل شيء آخر» (ص. ٩١): «القواعد والممنوعات والبناء الرسمي. وإن القطعة كانت تعتمد على عناصر ثلاثة: المقدمة والموضوع والخاتمة». ما الفرادة في ذلك، ولماذا الاستفظاع؟ أنا في عام ١٩٧٤ تعلّمت الإنشاء الإنكليزي على يد معلّمة أميركيّة في مدرسة الـ«آي سي» في بيروت، وكانت تقسّم موضوع الانشاء بنفس الطريقة.

وعلى طريقة الاستشراق التقليدي، لا يتحدّث عن الشعب العربي إلا على أساس الطوائف المتناحرة (وهذه سرديّة دحضها المؤرّخ أسامة المقدسي): أي نفس نمط التاريخ لبرنارد لويس الذي ألهمه، باعترافه. يقول إن السنّة كرهوا الشيعة (كل السنّة؟ كل الشيعة؟ لا استثناءات عند عجمي لأن التعميم جاذب أكثر من الكلام الدقيق والحريص والرزين). الرجل الأبيض لا ينبهر إلا بالتعميم وكلام الإثارة على طريقة صحافة التابلويد. وإذا كان هناك من صحافة صفراء، فإن هناك إنتاجاً أكاديمياً أصفر.

ويذكر باستخفاف جمال عبد الناصر. لا يذكر من أقواله ضد الاستعمار ومن أجل الوحدة وفلسطين إلا كلامه عندما دعا الأميركيّين إلى شرب مياه المتوسّط (ص. ١٠٤). ويذكر أن السنّة أحبّوا عبد الناصر، مع أن شعبيّة عبد الناصر لم تكن محصورة بالسنّة، أو حتى بالمسلمين فقط (كان عبد الناصر محبوباً جداً في الجنوب اللبناني مثلاً). وفي حرب ١٩٥٨، كانت شعبيّة عبد الناصر كبيرة جداً في مدينة صور، وقد رحل الجنوبيّون في حافلات إلى دمشق يوم إعلان الوحدة.

هذا الكتاب سيمرّ مروراً عابراً، إلا في الدراسات الصهيونيّة المهتمة بتجربة فؤاد عجمي. حتماً، هو سيُعيّن في بعض مواد التدريس لدراسات الشرق الأوسط من قبل أساتذة صهاينة

يتحدّث عن «طبيعة العائلة» في العالم الإسلامي. وهذا نفس النمط التعميمي للاستشراق الإسرائيلي. أي عالم إسلامي؟ عالم الأنثروبولوجيا، كليفرد غيرتز، في كتابه «مراقبة الإسلام» يعطي وصفاً عن إسلام مختلف كليّاً بين أندونيسيا والمغرب. لكن عجمي لا يرى إلا عالماً إسلاميّاً متراصّاً. ويقول إن أولويّة رابط الدم في تعريف العائلة همّش أطفال زوجة الأب أو زوج الأم. ويتحدّث عن العشيرة في الجنوب، بدلاً من العائلة فيقول إن مغزى «عشيرة» أبيه كان الدم (الدم، مرّة أخرى). وعجمي يتحدّث عن النساء بذكوريّة وبأوصاف حسيّة. تراه يذكر فلاحة كان «فستانها يلتصق بجسدها ويشير إلى حسنه، مُشيراً إلى نهديها المكتنزيْن» (ص. ١١٩). لكن جمال الفلاحات، حسب قول عجمي، لا يدوم بل يخبو بسرعة نظراً إلى «الفقر والتعب والولادات المتكرّرة». الجمال من فضائل الثريات فقط؟

يعترف عجمي بأنه كان في غربة عن محيطه، مبكراً. اكتشف الوطنيّة والقوميّة في المهجر الأميركي فقط. وبعدما ذمّ النظام التعليمي، يستدرك ليقول إنه أحبّ مدرسة أميركيّة مرَّ بها إلى أن تسجّل في مدرسة إسلاميّة، يا للهول. يزعم أن اختبارات معلّم الكيمياء كانت تنتهي دائماً بتكسير أنابيب، وأن المعلّم كان ذا حساسيّة لكل شيء أميركي أو غربي. تعرّض عجمي المسكين لوابل من المحاضرات، حسب قوله، عن «الشرور التي ألحقها الاستشراق والمستشرقين بالعالم الإسلامي» (ص. ١٣٨). يقول عن الاستشراق: «لم أكن أعرف عن (شرور الاستشراق) ولم أكن—أنا وغيري في الصف—لأكترث للاستشراق والمستشرقين. يذكر من معلّميه عمر فرّوخ. عمر فرّوخ العالم الفذّ يصبح معلّماً كاريكاتوريّاً في وصف عجمي. عمر فرّوخ كان يعرف عالم الاستشراق لأنه درس على يديه في الجامعة الأميركيّة في بيروت، ثم في ألمانيا حيث نال شهادة الدكتوراه. يقول إن فرّوخ كان يحتاج إلى جمهور متعاطف، وهو حتماً لم يجده في شخص عجمي المُتبرّم من العرب والعروبة والإسلام. يقول إن أحداً لم يكن يجرؤ على السؤال عن المستشرقين أمام عمر فرّوخ (فرّوخ اضطرّ إلى التعليم في ثانويات لبنان لأن لا الجامعة الأميركيّة ولا الجامعة اليسوعيّة قبلتا بتوظيفه لأنه لم يكن واحداً من الذين يلتزمون بالمنهج الاستشراقي المعادي للعرب والإسلام). يصف العالم فرّوخ بـ«هَجّاء الاستشراق». لا، لا يمكن أن تختصر الإنتاج العلمي والأدبي لفرّوخ في التاريخ والفلسفة العربيّة والإسلاميّة بـ«هَجّاء الاستشراق»، على أهميّة هجاء الاستشراق. إدوار سعيد مدين في شهرته العالميّة لكتابه في نقد الاستشراق. على العكس، يجب التنويه بأن عمر فرّوخ كان من الروّاد في نقد الاستشراق الغربي، من دون أن يكون عنصريّاً ضد الغربيّين كما صوّره عجمي. يزعم أنه كان يندّد بثقافة «الكاو بوي» ويسخر من لفظ فرّوخ، الذي أتقن من اللغات أكثر من لغتَيْ عجمي (وعربيّته كانت ضعيفة).

يذكر في ختام الكتاب زيارته لعمّه عبّاس في مونروفيا في عام ١٩٧٧. قال إن الزيارة كانت بدافع حشريّته لرؤية غرب أفريقيا بعدما سمع عنها الكثير في طفولته وصباه وأصبحت جزءاً من مخيّلته. قال عن مونروفيا: كانت «خيبة أمل فظيعة» (ص. ١٤٥). طغى على رؤيته «قذارة المكان». يختصر البلد (أم هو يختصر أفريقيا برمّتها في ذهنه العنصري؟) بالقول: «أن ترى مونروفيا بشوارعها الموحلة وغير المعبّدة، وأن ترى البارات والنوادي البائسة، والمومسات على الأرصفة هو أن تصطدم وجهاً لوجه بالبؤس. لقد أودعنا أحلامنا في أمكنة ذات قتامة فظيعة» (ص. ١٤٥). هذه الصورة التي رسمها عجمي لأفريقيا في كتابه تنسجم مع الجهد الذي بذله عجمي كي يصبح أبيض مقبولاً في أميركا. هذا الذي كان يسبق كل جملة يقولها في الإعلام بالتعريف عن نفسه كأميركي: أنا كأميركي، أرى كذا وكذا. أو: نحن الأميركيّين نرى كذا وكذا. وفي المقابلة البارعة والثاقبة التي أجراها معه داود الشريان، كان عجمي يجيب عن تساؤلات الشريان بالقول، لكن أنا أعتبر نفسي أميركياً، ولهذا لست معنياً بحساسيات العرب. لكن الشريان عاجله بالقول المنطقي: إنه يسأله كإنسان وإن الحسّ الإنساني يستوجب التعاطف مع شعب فلسطين ومع العراقيين تحت القصف الأميركي.

هذا الكتاب سيمرّ مروراً عابراً، إلا في الدراسات الصهيونيّة المهتمة بتجربة فؤاد عجمي. حتماً، هو سيُعيّن في بعض مواد التدريس لدراسات الشرق الأوسط من قبل أساتذة صهاينة. ينسى البعض أن فؤاد عجمي التحق بجمعيّة انشقّت عن «ميسا» (وهي الجمعيّة المعنيّة بدراسات الشرق الأوسط في الغرب والعالم أجمع). برنارد لويس وصحبه ثاروا على التوجّهات المتعاطفة مع القضيّة الفلسطينيّة ومع دراسات نقد الاستشراق والاستعمار في جمعيّة «ميسا». قام هؤلاء الصهاينة والإسرائيليّون بإنشاء جمعيّة بديلة لدراسات الشرق الأوسط، لكن من وجهة نظر صهيونيّة معادية لنقد الاستشراق. وكان عجمي العربي الوحيد بين المؤسّسين، مع أن الجمعيّة اندثرت بسرعة ولم يكن لها أي تأثير. عجمي هو مدرسة نمت بالتدريج منذ زيارة السادات إلى القدس. هو المؤسّس والباقون هم التلاميذ. عجمي كان أوّل المُجاهرين بالصهيونيّة، مع أن ذلك لم يعد نادراً في أميركا، وخصوصاً أن حكاماً عرباً في الخليج اعتنقوا الصهيونيّة وبات إعلامهم مكرّساً لتجميل صورة إسرائيل («الشرق الأوسط» تنشر مقالات لتقديم ذرائع لعدوان إسرائيل، وعبد الرحمن الراشد ليس إلا مقلّداً لخطاب عجمي، الذي بدوره قلّد خطاب السادات). سيرة فؤاد عجمي ليست سيرة جيل، لا بل هي سيرة مغايرة ومعاكسة لسيرة انطلاق وصعود المقاومة ضد إسرائيل في جنوب لبنان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل يستعين الأردن بالغاز الجزائري بدلا من الإسرائيلي؟

 

الأناضول/سما/

أثار نائب أردني قضية رفض حكومة بلاده شراء الغاز من الجزائر بأسعار تفضيلية، مع إصرارها على شراء الغاز الإسرائيلي، رغم المعارضة البرلمانية والشعبية، غير أن هذا الواقع قد يتغير في 2023.

ففي مارس/ آذار الجاري، أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، تقديم بلاده طلبا للجزائر للتزود بالغاز (المسال)، وأن هناك وعودا جزائرية بدراسة الطلب الأردني، ما يدعو للتساؤل عن الأسباب التي دفعت الأردن لتغيير بوصلته نحو الغاز الجزائري، في وقت يشتد فيه الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

رفض برلماني للغاز الإسرائيلي

منذ أن وقّعت الحكومة الأردنية في 2016 على اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل طيلة 15 سنة مقابل 10 مليارات دولار، والذي بدأ تنفيذه مطلع 2020، خرجت مظاهرات منددة بالاتفاق ورفعت شعار “غاز العدو احتلال”.

وبناءً على مذكرة وقّعها 58 عضواً (من أصل 130)، صوّت مجلس النواب الأردني في يناير/ كانون الثاني 2020، بغالبية أعضائه، على مقترح مشروع قانون يحظر استيراد الغاز من إسرائيل، دون الإعلان عن أي إجراءات رسمية بخصوصه.

وقبل أن يتحوّل إلى قانون ساري المفعول، يحتاج مشروع القانون إلى المرور بمراحل دستورية، تتمثل بصياغته من قبل الحكومة، وتحويله إلى مجلس النواب، ثم إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليُرفعَ بعدها إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمصادقة عليه، وصولًا إلى إعلان إقراره بالجريدة الرسمية.

ولم يتقبل النواب الأردنيون فكرة استيراد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي كانت دول عربية مثل الجزائر تصدّر كميات هامة منه إلى أوروبا ودول عربية أخرى.

وفجّر النائب موسى هنطش، مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، مفاجأة، عندما قال إن “السفير الجزائري في عمّان، محمد بوروبة، أبلغه بعرض بيع الأردن الغاز الجزائري بأسعار تفضيلية، لكن الحكومة الأردنية رفضت ذلك؛ لأسباب غير معلومة”. ولم يتسن الحصول على تعليق رسمي أردني على هذه التصريحات.

وتحدث النائب الأردني حينها أن وفدا برلمانيا سيزور الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة (جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019) لمتابعة العرض الجزائري.

لكن يبدو أن هذه الزيارة لم تتم إلا في فبراير/شباط 2023، بالنظر إلى الظروف السياسية التي مرت بها الجزائر حينها، وانتشار جائحة كورنا في العالم ما بين 2020 و2021.

ومع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم، بعد فوز حزبه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وترؤسه حكومة توصف بأنها “متشددة” عن سابقاتها، فهذا يثير قلق المملكة الهاشمية بكل مؤسساتها الرسمية، بحسب مراقبين.

وفد برلماني يسبق زيارة الوزير

كان لافتا استقبال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، لوفد برلماني أردني بمقر وزارته، في 21 فبراير الماضي.

وقال الوزير الجزائري حينها إن بلاده “جادة في دراسة مدى إمكانية إمداد الأردن بالنفط الخام، والغاز المسال، وغاز النفط المسال”.

بل ذهب عرقاب أبعد من ذلك، عندما تحدث عن إمكانية امتداد التعاون بين البلدين إلى تخزين وتوزيع الأردن للمنتجات النفطية الجزائرية، وفق ما نشرته وسائل إعلام عربية.

وبعد أيام قليلة من وصول الوفد البرلماني الأردني إلى الجزائر في 18 فبراير، توجه وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، إلى الجزائر هو الآخر، حيث تلقى وعودا بدراسة الطلب الأردني للتزود بالغاز الجزائري، وفق ما صرح به مؤخرا للصحافة المحلية.

زيارة الشمالي لم تقتصر على تقديم طلب استيراد الغاز الجزائري، بل تضمنت الاتفاق على خريطة طريق لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ما بين 2023 إلى 2025.

وكلّلت هذه الزيارة باتفاق لإعادة فتح خطوط الطيران بين البلدين بعد إغلاقات كورونا “بواقع 4 رحلات أسبوعية بين الجانبين، بداية من 9 مارس بالنسبة للخطوط الملكية الأردنية و15 مارس بالنسبة للخطوط الجوية الجزائرية، وفق الشمالي.

كما تم الاتفاق على “معالجة المرضى الجزائريين في 6 مستشفيات أردنية”، وأبدى الجانب الأردني رغبته في الاستثمار بزراعة المحاصيل الاستراتيجية في الجزائر كالقمح والشعير”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها المملكة الأردنية رغبتها في الاستثمار بقطاع الزراعة الجزائرية، فمجموعة “أسترا سختيان” الأردنية السعودية، أبدت منذ نحو 17 عاما اهتمامها بالاستثمار في زراعة المحاصيل الاستراتيجية.

و”أسترا سختيان”، لها بالفعل عدة استثمارات في الجزائر منذ نحو عقدين، خاصة في قطاع الاتصالات والصناعات الصيدلانية وعلى رأسها مصنع الكندي للأدوية، وكان لها تجربة مميزة في إنتاج القمح بالسعودية، وفق تصريحات صحافية لمسؤولين فرعيين لها بالجزائر.

قرار سياسي

هذه الحركية السريعة للتعاون بين البلدين اللذين لم تتجاوز التجارة بينهما 232 مليون دولار في عام 2021، بدأت فعليا بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى الجزائر يومي 3 و4 ديسمبر 2022.

واتفق الملك الأردني مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على ضرورة توسيع آفاق التعاون بين البلدين، لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والدفاعية.

ولم يكن هذا اللقاء الأول بين الزعيمين، إذ التقى تبون وعبد الله الثاني، على هامش قمة المناخ، التي عقدت بالقاهرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

كما شارك ولي العهد الأردني الحسين بن عبد الله الثاني، في القمة العربية التي عقدت بالجزائر، مطلع نوفمبر، وحظي بلقاء خاص من الرئيس تبون.

وكانت هذه اللقاءات السياسية مفتاحا، لتحرك حكومتي البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية، وفتح ملف تصدير الغاز الجزائري إلى الأردن.

صعوبة تنفيذ الطلب الأردني

قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، كان للجزائر فائض في إنتاج الغاز، ولكن مع سعي أوروبا للتخلص من إمدادات الغاز الروسي ولجوئها إلى الجزائر، لتعويض حصة من هذا النقص، لم يبق للأخيرة كميات فائضة لتلبية طلبات زبائنها خاصة الأوروبيين منهم.

إذ إن إيطاليا استفادت لوحدها من فائض الغاز الجزائري والذي كان يباع في السوق الحرة، والمقدر بنحو 4 مليار متر مكعب، ووقّعت اتفاقية لرفع إمدادات الغاز الجزائر بنحو 9 مليار متر مكعب إلى غاية 2024.

ووصلت الجزائر إلى طاقتها القصوى في إنتاج الغاز الطبيعي والمسال، والتي بلغت 56 مليار متر مكعب في 2022، وهي الكمية الأكبر منذ 2010.

ودخلت عدة دول أوروبية سوق المنافسة على الغاز الجزائري على غرار فرنسا وسلوفينيا والبرتغال، وهذا ما يجعل الاستجابة للطلب الأردني في الآجال القريبة مسألة صعبة من الناحية التقنية.

وهذا ما يفسر طلب الرئيس تبون، من عملاق الطاقة الجزائري سوناطراك مضاعفة صادرات الغاز الجزائري إلى 100 مليار متر مكعب في العام الجاري.

ورغم أن الوصول إلى هذا الرقم نهاية 2023، يبدو مهمة مستحيلة، إلا أنه مع ضخ الجزائر نحو 40 مليار دولار لتطوير قطاع الطاقة، ودخول شركات عالمية للاستثمار في قطاع الغاز، من شأنه رفع إنتاج الجزائر بكميات هامة خلال الأعوام القليلة القادمة.

واحتياجات الأردن من الغاز ليست كبيرة مقارنة بدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لذلك من السهل تلبيتها، خاصة إذا كان هناك قرار سياسي يمنح عمّان الأولوية.

 

 

الصحافيون المصريون يجددون رفضهم للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.. ويطالبون بالإفراج عن زملائهم السجناء

 

تامر هنداوي

القاهرة- “القدس العربي

صوت الصحافيون المصريون اليوم الجمعة، لاختيار نقيب جديد و6 من أعضاء مجلس إدارة نقابتهم.

وفتحت النقابة عمليات التصويت، بعد عقد جمعية عمومية شهدت خلافات واسعة حول ميزانية النقابة، واتخذ الحاضرون قرارا برفضها وإحالتها إلى المجلس القادم.

ومن المنتظر أن تعلن نتائج الانتخابات في ساعة مبكرة من صباح الغد السبت.

كما تبنت الجمعية العمومية، قرارا يؤكد قرارا سابقا برفض التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

كما تبنت النقابة، قرارا بالعمل على الإفراج عن كل الصحافيين السجناء على ذمة قضايا سياسية.

وقال ضياء رشوان نقيب الصحافيين المنتهية ولايته، إن النقابة سبق وتقدمت بطلبات للنائب العام للإفراج عن الصحافيين السجناء.

ووافقت الجمعية العمومية على إقرار دعم مالي قدره 2000 جنيه شهريا لأسرة كل صحافي سجين.

ويخوض الانتخابات على منصب النقيب 11 مرشحا، فيما يخوض 40 مرشحا المنافسة على 6 مقاعد في مجلس إدارة النقابة.

وبحسب مراقبين، تنحصر المنافسة على منصب النقيب، بين خالد البلشي مرشح تيار الاستقلال النقابي، وخالد ميري رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية، والممثلة للتيار الموالي للسلطة في النقابة.

وقبل أيام من خوض الانتخابات، اتهم تيار الاستقلال، الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي شركة مملوكة لجهاز المخابرات المصري، وتملك مجموعة من القنوات المتلفزة، بالانحياز لمرشح السلطة.

خالد البلشي، المرشح على منصب نقيب الصحافيين والممثل لتيار الاستقلال قال لـ”القدس العربي”، إن كل القنوات الفضائية المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تجنبت استضافته، فيما استضافت ثلاث منها المرشح على نفس المنصب، خالد ميري.

وكان يحيى قلاش نقيب الصحافيين المصري الأسبق، انتقد انحياز القنوات المملوكة المتحدة للمرشح خالد ميري.

وكتب قلاش على فيسبوك: شكرًا لكل أصحاب الأفكار الذين يديرون الاجتماعات لإصدار التعليمات والتدخل السافر غير المسبوق في انتخابات نقابة الصحفيين، وبما لم يحدث في أسوأ الأوقات، الذين يعطون الأوامر لإعلام المتحدة، ليستضيف مرشحا واحدا بلا منافسين. وأضاف: شكرا على كل هذه الفضائح وكل هذا الغباء الذي يتصور أن الجمعية العمومية قطيع بلا عقل وبلا روح وبلا ضمير أو أننا أبناء نقابة بلا تاريخ».

إلى ذلك، دافع أحمد الطاهري مقدم البرنامج ورئيس قناة القاهرة الإخباري، عن استضافة ميري وحده.

وقال: بديهيا مع وافر الاحترام لـ11 مرشحا على مقعد نقيب الصحافيين، المرشح الأهم هو رئيس تحرير جريدة الأخبار، مع وافر الاحترام للجميع، ومن لا يدرك هذه الحقيقة، لا يعلم شيئا عن العمل النقابي ولا يعرف معناه.

كان قلاش واجه حكمًا بالسجن لسنة واحدة مع إيقاف التنفيذ، وقت توليه منصبه مع اثنين من الأعضاء السابقين في مجلس نقابة الصحفيين هما: خالد البلشي وجمال عبد الرحيم، في تهمة «إيواء صحفي ومتدرب في مقر النقابة مع علمهم بأنهما مطلوبان لسلطات التحقيق»، وهما عمرو بدر، عضو مجلس النقابة، والصحافي محمود السقا، اللذان لجآ لمبنى النقابة تجنبا لإلقاء القبض عليهما على خلفية نشاطهما ضد اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.

إلى ذلك أدانت 32 منظمة حقوقية، قرار النيابة العامة المصرية، إحالة ثلاث صحافيات من موقع مدى مصر، هن بيسان كساب، ورنا ممدوح، وسارة سيف الدين، إلى المحكمة الاقتصادية، في اتهامهن بالإساءة إلى نواب حزب مستقبل وطن وإساءة استخدام وسائل الاتصال.

وطالبت المنظمات السلطات المصرية بإسقاط كل التهم الموجهة للصحفيات ووقف الهجمة على وسائل الإعلام المستقلة والعاملين بها، إضافة إلى منح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الترخيص لموقع مدى مصر.

وقالت المنظمات الموقعة، إنها تدين تحريك السلطات القضائية لتلك البلاغات التي تضع مزيدا من القيود على حق الصحفيين في الوصول للمعلومات ونشرها.

وترجع وقائع هذه القضية إلى نشر موقع مدى مصر خبرا، في 31 أغسطس/ آب 2022، نقلًا عن مصادر داخل حزب الأغلبية الموالي للسلطات حول رصد أجهزة رقابية في الدولة تورط قياديين في الحزب في “مخالفات مالية جسيمة” قد تؤدي إلى إبعادهم عن مناصبهم، وهو الأمر الذي دفع بأعضاء الحزب إلى تقديم مئات من البلاغات في مناطق جغرافية مختلفة ضد الموقع.

وعلى خلفية تلك البلاغات، استدعت النيابة في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، الصحفيات الثلاث بالاضافة إلى رئيسة تحرير الموقع لينا عطا الله للتحقيق معهن في ما لا يقل عن 500 بلاغ تم ضمهم بناءً على طلب من محامي الصحفيات، في القضية رقم 19 لسنة 2022 تحقيقات استئناف القاهرة. وأوضح رئيس نيابة الاستئناف خلال التحقيقات أن هناك بلاغات أخرى لم تُضم، قد تصل إلى 800 بلاغ.

أسفر تحقيق نيابة استئناف القاهرة عن اتهام الصحفيات بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، والازعاج باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وسب وقذف نواب حزب مستقبل وطن. كما وجهت النيابة تهمة إضافية لرئيسة التحرير، لينا عطا الله، وهي إنشاء موقع دون ترخيص بالرغم من تقديم الموقع عدة طلبات بهدف الترخيص وسط تجاهل من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والذي أخطر النيابة العامة خلال سير التحقيقات ولأول مرة رفضه طلب موقع مدى مصر الحصول على الترخيص.

وبعد انتهاء التحقيق، أخلت النيابة العامة سبيل الصحفيات بكفالة قيمتها 20 ألف جنيه لرئيسة التحرير، وكفالة خمسة آلاف جنيه لكل من الصحفيات الثلاث الأخريات. ولكن لم تنته هذه البلاغات، إذ فوجئت صحفيات مدى مصر بإعلانهن خلال أيام مختلفة في فبراير 2023 بإحالتهن إلى المحكمة الاقتصادية في مدينة المنصورة التابعة لمحافظة الدقهلية، على إثر بلاغ محول من نيابة كفر صقر، وهو بلاغ لم يسبق التحقيق مع الصحفيات بشأنه أو حتى إخطارهن به.

وتقدم أحد المواطنين بهذا البلاغ في مركز شرطة كفر صقر، التابع لمحافظة الشرقية، اتهم فيه الصحفيات بالإساءة إلى قيادات حزب مستقبل وطن وفعل ما من شأنه الإساءة إلى قيادات وطنية، مما قد يهدد الاستقرار الداخلي ويؤثر على السلام الداخلي للوطن.

وفي سياق متصل، تنظر محكمة القضاء الإداري في ٢٢ مارس/آذار الجاري، طعن مدى مصر ضد قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برفض ترخيص الموقع رغم استيفائه لشروط الترخيص والتقدم بطلب الحصول عليه منذ أكثر من أربع سنوات.

تأتي تلك الإجراءات ضد موقع مدى مصر في إطار الهجمة المستمرة على وسائل الإعلام المستقلة وترهيب الصحفيين والصحفيات لمنعهن من تأدية عملهم بحرية، وتشمل هذه الهجمة استمرار حجب المواقع الصحفية، وحبس الصحفيين، وعدم الترخيص للمواقع الصحفية، ما يؤكد على عدم جدية السلطات المصرية فيما تعلنه من نوايا تتعلق بتحسين وضع حقوق الإنسان والحريات العامة.

الجزائر | تبّون يُطيّر لعمامرة: «هندسة» مبكرة للرئاسيات

 

المغرب العربي 

أصيل منصور 

الجزائر | أجرى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تعديلاً وزارياً شمل وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي حلّ مكانه أحمد عطاف، ووزير التجارة كمال رزيق الذي استُبدل به الطيب زيتوني. وبالإضافة إلى هذَين، تضمّن التعديل السادس من نوعه منذ تعيين الحكومة الحالية برئاسة أيمن بن عبد الرحمن في حزيران 2021، إزاحة جمال كسالي من وزارة المالية وتعيين عبد العزيز فايد بدلاً منه، وتعويض وزير الشباب والرياضة عبد الرزاق سبقاق بعبد الرحمن حماد، ووزير النقل كمال بلجود بيوسف شرفة، وإقالة وزير السياحة ياسين حمادي الذي حلّ مكانه مختار ديدوش، ووزيرة البيئة سامية موالفي التي خلَفتْها فايزة دحلب، فيما تمّ دمْج وزارتَين تحت مسمّى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، واستُبدل بوزير الصناعة أحمد زغدار، علي عون، الذي كان على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية. كذلك، عُيّن طه دربال وزيراً للريّ، بعدما كانت هذه الأخيرة مدمَجة مع وزارة الأشغال العامة. وكان تبّون مهّد لتلك التغييرات بمقال له نشرتْه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، جاء فيه أنه «غاضب حقاً وغير راضٍ عن وتيرة معالجة الحكومة للعديد من الملفّات». وورد في المقال المعنون بـ«التماطل إزاء توفير بعض المنتوجات واستمرار بعض الممارسات: رئيس الجمهورية يشدّد اللهجة»، أن «الآجال الطويلة والأرقام التقريبية (غير الدقيقة) والقرارات التي تُحدث الاختلال والارتباك على يوميّات المواطنين وعلى المتعاملين الاقتصاديين قد أثارت حفيظة الرئيس»، وأن «المواطن خطّ أحمر ورفاهيته أولوية الأولويات».

على أن إقالة لعمامرة، والتي تُعدّ الأبرز من بين جملة التعديلات، يُستبعد أن يكون مردّها السبب المذكور، بالنظر إلى أن الرجل هو أحد الوزراء القلائل الذين نالوا شبه إجماع في الوسط السياسي على فاعليّتهم، وذلك بسبب نشاطه المكثّف منذ تولّيه شؤون الوزارة. إذ شهدت عُهدته احتضان الجزائر فعّاليات إقليمية عدّة، أهمّها القمة العربية، والندوة التاسعة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في أفريقيا. كما استطاع التعامل مع حالة الاحتقان التي عرفتْها علاقات بلاده مع جارتها الغربية، والتوتّر الذي شاب صِلاتها بإسبانيا ثمّ فرنسا، فضلاً عن تمثيله الجزائر على نحو «طيّب» في العديد من المحافل. أيضاً، حاز لعمامرة رضىً شعبياً، بالنظر إلى خطابه الذي يتميّز بالعقلانية ويبتعد عن المغالاة. وعلى رغم كلّ ما تَقدّم، فضلاً عن اقتراب احتضان الجزائر لاجتماع مصغَّر لدول «حركة عدم الانحياز»، والقمّة السابعة للدول المُصدِّرة للغاز، جرى تطيير لعمامرة من منصبه، وهو ما أدرجه متابعون في إطار «التموقع تمهيداً للاستحقاق الرئاسي المقبل»؛ إذ قد يكون الوزير المُقال أحد المرشَّحين لمنافسة تبون على منصب الرئاسة، سواءً في إطار توافُق بين مختلف الأطراف المشارِكة في صناعة القرار، أو حتى في إطار الصراع بينها. ولعلّ ما أشّر مبكراً إلى نيّة إزاحة لعمامرة من المشهد، غيابه أخيراً عن استقبال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في زيارة الأخير للجزائر، بالإضافة إلى غيابه عن مناسبات دولية أخرى.

الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون

وما يعزّز القراءة المتقدّمة، أن الأسماء التي تتصدّر المشهد السياسي الحالي، عجِز أصحابها عن اكتساب أيّ رصيد يؤهّلهم لمنافسة تبون، سواءً كانوا محسوبين على نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أو ممّن برزوا عقب انطلاق الحراك الشعبي. وهو عجزٌ يُعزى في جانب منه إلى أداء السلطة، التي تعمّدت التضييق على النشاط السياسي والإعلامي، ولاحقت عدّة نشطاء سياسيين ومعارضين وصحافيين وإعلاميين، وجمّدت نشاط أحزاب، وعلّقت قنوات خاصة، بما جعل من ممارسة المعارضة أمراً عسيراً حتى بالنسبة إلى المتمرّسين في العمل السياسي، وبما حوّل لعمامرة، أيضاً، إلى الورقة البديلة الوحيدة.

أمّا بالنسبة إلى وزارة التجارة، فقد استحضر الجزائريون تصريح الوزير الأسبق، بختي بلعايب، في عام 2016، عن مدى تغوّل لوبيّات أقوى منه، منعتْه حتى من إغلاق مطعم بسبب تقارير عن مدى رداءته. ودائماً ما يتجدّد الحديث عن هذه «اللوبيّات» لدى ارتفاع الأسعار أو ندرة السلع، فيما يراها آخرون مجرّد شماعة يعلّق عليها المسؤولون فشلهم. ورَفع وزير التجارة المُقال، كمال رزيق، منذ تولّيه حقيبته، شعار محاربة تلك الشخصيات التجارية وحتى السياسية المتحكّمة بالسوق، معلِناً جملة وعود أبرزها الكشف عن أسباب ندرة حليب الأكياس، وتوفير جميع المواد الغذائية واسعة الاستهلاك والتي تختفي في رفوف المحلّات التجارية بين الحين والآخر، خاصة المدعومة منها من مِثل الزيت والسميد وغيرهما. لكن وعوده لم تَجد سبيلها إلى التنفيذ سريعاً، وهو ما أدّى إلى اهتزاز المكانة الشعبية لرزيق، الذي، على رغم ذلك، لم يمتنع تبون عن تجديد الثقة به خلال تعديلات وزارية عدّة. لكن يبدو أن رصيد الأستاذ الجامعي قد نفد تماماً أخيراً لدى صانع القرار الجزائري، خاصة بعدما دان البرلمان، للمرّة الأولى في تاريخه، في 24 شباط الماضي، الوزير المذكور، واتّهمه بتجاوز حدود اللياقة والأعراف الدستورية في التعامل مع النواب، على خلفيّة ملاسنة بينه وبين النائب عبد الوهاب يعقوبي، طالب خلالها الأوّل الثاني بسحب كلامه، قائلاً إنه لا يسمح بتوجيه اتّهامات إليه. وتأتي إقالة رزيق، والتي يراها البعض متأخّرة، بالتوازي مع استعداد الحكومة للعمل على توفير المواد الغذائية خلال شهر رمضان وبأسعار مقبولة، تجنّباً لأيّ هزّات في الجبهة الاجتماعية.

أمّا وزارة الريّ، فقد فسّر متابعون تغيير شاغلها، باهتمام الرئيس الجزائري بتوفير الماء في ظلّ تعاظم تحدّيات المناخ وشحّ الأمطار. وكان تبون أمَر، في كانون الثاني الماضي، بـ«استنفار مصالح الداخلية والموارد المائية والفلاحة والصناعة والبيئة، على أوسع نطاق، لإنشاء مخطّط سريع يهدف إلى سنّ سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنياً، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية»، وكذلك بـ«إعادة تحريك وبعْث كلّ المشاريع المتوقّفة لمحطّات تصفية المياه المستعمَلة عبر الولايات، وإدخالها قيد الاستغلال، لاستخدامها في الريّ الفلاحي عوض المياه الجوفية». وبالنسبة إلى قطاع الصناعة، فإن تحريك عجلة الاستثمار يبقى التحدّي الأبرز للسلطة الحالية؛ إذ على رغم سنِّ قوانين لاستقطاب المستثمرين، إلّا أن إقناع أصحاب رؤوس الأموال الجزائريين والأجانب بضخّ أموالهم في البلاد، يظلّ مهمّة كبرى وملحّة، فيما ملفّ تصنيع السيّارات محلّياً يُعدّ من بين أبرز الملفّات الجاري الاشتغال عليها، لا سيما بعد منْع الاستيراد لسنوات ووسط تَوّجه لافتتاح مصانع إنتاج جديدة لهذه السلعة في الجزائر.

 

بدائل النظام العالمي المسيطر: الغذاء نموذجاً [3]

 

رأي  فايز عراجي 

تناولنا في مقالنا السابق «بدائل النظام العالمي المسيطر: الغذاء نموذجاً – النظام الغذائي الجديد) التحوّلات المتوقعة على النظم الغذائية للدخول في عصر النظام الغذائي الرابع. من المرتقب إعادة تشكيل السياسات الغذائية الدولية مع التأكيد على أولوية أسعار السوق في قرارات المنتج والمستهلك، فرض تحولات جذرية في النظم الغذائية بخاصة في ما يتعلّق بتنويع مصادر استيراد الغذاء وتنويع النمط الغذائي الفردي، رفع الدعم عن الوقود الحيوي وتعليق التفويضات، رفض استراتيجيات الاكتفاء الذاتي ومحاربتها، توطين الإنتاج وتنويعه في الدول المتقدمة، ودعم الابتكار والبحث العلمي. أدت التحولات المتلاحقة في النظم الغذائية إلى نتائج كارثية ليس فقط على مستوى دول الجنوب بل طاولت نتائجها الطبقات المتوسطة والفقيرة في دول الشمال أيضاً.

نتائج النموذج المسيطر

حذّر كارل ماركس في كتابه «رأس المال» (1867) مما سمّاه الصدع التفاعلي (Metabolic rift) بين الإنسان والطبيعة. واعتمد ماركس على أعمال الكيميائي الزراعي Justus Von Liebig عام 1859 حول «الزراعة العقلانية» لبناء نظريته حول التفاعل بين الإنسان والطبيعة حيث تتأزم هذه العلاقة كلما زاد نمط الإنتاج الرأسمالي. يؤدي التوسع اللانهائي في الإنتاج الزراعي والصناعي والاستخراج اللاعقلاني للمواد الخام ومصادر الطاقة إلى اختلال هذا التفاعل الواعي بين الإنسان والطبيعة بما يؤدي إلى الصدع التفاعلي وتدمير خصوبة الأرض وصحة الإنسان. يشير الصدع التفاعلي إلى خروج العمل البشري وانفصاله كلياً عن إمكانيات الموارد الطبيعية المحيطة به (1 و2). يعتقد خبراء الغذاء أن النظام الغذائي العالمي الحالي أصبح نظاماً سياسياً له علاقاته ذات التأثيرات الدولية. وقد أدّت سيطرة النموذج الحالي على النظام الغذائي إلى نتائج كارثية اقتصادية، اجتماعية، بيئية، صحية، زراعية وحتى ثقافية.

تسليع الغذاء وتحرير تجارته

نجح النموذج الحالي المسيطر على النظام الغذائي بخلق علاقة عضوية بين الغذاء والرأسمالية بحيث أصبحت للغذاء قيمة تبادلية إضافة إلى قيمته الاستعمالية، وبات للنظام الغذائي في ظل الحداثة الرأسمالية بعد منهجي وآخر تاريخي. وأبرز مثال على ذلك هو سكر المائدة (Sucrose) الذي كان تاريخياً عنصراً لمضاهاة المكانة الاجتماعية، ثم وقوداً حرارياً للبروليتاريا الأوروبية، وحالياً مكوناً أساسياً في الوجبات السريعة. لقد أدى التحوّل التدريجي للمدخلات الزراعية من عضوية إلى غير عضوية (كيميائية)، وانخفاض إعادة تدوير المغذيات في التربة والمياه، وإدخال أساليب زراعية جديدة تعتمد على المواد الكيميائية وعلى الهندسة الوراثية (بذور معدّلة وراثياً) إلى إخضاع الزراعة إلى علاقات الإنتاج الرأسمالي (3 و4). باتت أولوية الإنتاج الزراعي هي التصدير وليس الإنتاج للأسواق المحلية فظهرت مفاهيم زراعية/اقتصادية جديدة مثل المحاصيل النقدية (Cash crops) والزراعة التصديرية (Agro-export). دفع تحرير تجارة الغذاء وتسعير المحاصيل بحسب ما يمليه السوق إلى تغيّر فكري وإنساني في مفهوم الغذاء فتحوّل من كونه حق إنساني يراعي صحة الإنسان، مغذّي، ملائم ثقافياً، ومتاح اقتصادياً إلى سلعة مصنّعة تحوي على الكثير من الدهون والسكريات والترسبات السامة (5 و6). دخل الغذاء في المؤشرات الاقتصادية فظهر على سبيل المثال مؤشر اقتصادي اسمه مؤشر «بيغ ماك» الاقتصادي Big Mac Economic Index. والبيغ ماك هو أحد أنواع الشندويشات التي تعرضها على زبائنها سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» الأميركية الشهيرة للمأكولات السريعة. بات مؤشر «بيغ ماك» الذي أطلقته مجلة «ذي إيكونومست» عام 1986 لقياس القيمة الحقيقية للعملات العالمية والقدرة الشرائية للشعوب المختلفة، مؤشراً عالمياً مدرجاً في العديد من الكتب الاقتصادية وشكّل موضوعاً لعشرات الدراسات الأكاديمية (7).

ارتفاع عدد الجياع وانعدام الأمن الغذائي

أدى تسليع الغذاء وتحرير تجارته إلى ارتفاع عدد الجياع حول العالم. وقد كشفت الأزمات المتلاحقة خلال السنتين الماضيتين (كورونا وأوكرانيا) عن هشاشة النظام الغذائي الذي نعيش في ظلّه. يفيد تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن العالم ابتعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف القضاء على الجوع وسوء التغذية بحلول العام 2030 (كما كان مخططاً له في أهداف التنمية المستدامة SDG 2030) حيث زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في العالم أكثر من 150 مليون منذ بدء جائحة كوفيد – 19، ليلامس عدد الجياع حوالي 900 مليون شخص حول العالم (حوالي 10% من سكان الأرض) وعدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 2.3 مليار شخص (حوالي 30% من سكان الأرض) وعدد العاجزين عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحّي 3.1 مليار (حوالي 40% من سكان الأرض) (8). وبالرغم من أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أفادت بأن نسبة الجياع في العالم انخفضت من 19% (1992) إلى 11% من سكان العالم عام 2015، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الجهد الأكبر في خفض هذه النسبة العالمية يعود للهند والصين: انخفض مؤشر الجوع العالمي من 24.4 عام 2000 إلى 16.8 عام 2021، لكن في نفس الفترة الزمنية انخفض المؤشر في الصين من 13.3% إلى 2.5 وفي الهند من 38.8 إلى 27.5 (9).

مع السيطرة المتلاحقة للنماذج المهيمنة على النظام الغذائي في العالم منذ القرن التاسع عشر، تتالت موجات ضحايا المجاعة في العالم وبخاصة في قارة آسيا وأفريقيا التي كانت في معظم بلدانها مستعمرات أوروبية غربية. ضربت «الهند البريطانية» مثلاً أكثر من 5 موجات من المجاعة بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين إبان الاستعمار البريطاني مخلّفة أكثر من 30 مليون ضحية. كان أفظعها مجاعة البنغال بين عامي 1943 و 1944. خلال الحرب العالمية الثانية تدفقت القوات العسكرية البريطانية والأميركية إلى البنغال لشن عمليات عسكرية ضد اليابان. أصدرت الحكومة البريطانية المستعمرة مرسوماً يقضي بتغطية كامل تكاليف أنشطة الحلفاء في المنطقة من الموارد الهندية. وبما أن فرض الضرائب على الميسورين الهنود لا يشكل مورداً كافياً، وفي ظل عدم إمكانية فرض الضرائب على الفقراء الهنود خوفاً من الانتفاضات، نصح الاقتصادي المعروف جون ماينارد كينز (John Maynard Keynes) رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل باتباع سياسات تضخمية متعمّدة (Inflationary policy) كضرائب غير مباشرة عبر طبع كميات كبيرة من العملة المحلية بحجة تغطية المصاريف العسكرية. على أثر ذلك انهارت العملة المحلية وأدى التضخم إلى ارتفاع أسعار الأرز 300% ففقد الهنود القدرة على شرائه بسبب النقل القسري للقوة الشرائية من الهنود إلى الجيش البريطاني والأميركي وأدى ذلك إلى مجاعة أودت بحياة 3 ملايين شخص. منذ العام 1765 وحتى العام 1938 استخرجت الحكومة البريطانية من الهند سلعاً بقيمة آلاف مليارات الدولارات مقارنة بقيمة العملة اليوم مكّنتها من تمويل بنيتها التحتية وتمويل الثورة الصناعية في غرب أوروبا المستعمرات البريطانية (10).

تسليع الموارد الطبيعية

دفع تسليع الغذاء إلى إحكام قبضة الكيانات التجارية الكبيرة على الموارد الطبيعية من مياه عذبة وأراض زراعية وثروة نباتية وحيوانية. أصبحت الموارد الطبيعية تُصنّف «حاجات» لاستمرار الحياة وليست «حقوق» إنسانية. نتج من ذلك تشريد مجتمعات كاملة من أراضيها ومهنها التقليدية ودفعها للبحث عن عمل غير مضمون وغير آمن وبأجر ضعيف في أماكن أخرى. «وقد أدى ذلك إلى هجرة واسعة النطاق للأسر الزراعية والرعوية وصيد الأسماك، وخلق جيوب جديدة من الفقر وعدم المساواة في المناطق الريفية والحضرية، وتجزئة مجتمعات ريفية بأكملها» (11).

تشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 20% من سكان الأرض عام 2007 حُرموا من الوصول إلى مصدر مياه عذبة (Freshwater) صالح لاحتياجاتهم اليومية (12)، وأكثر من 2.6 مليار شخص يفتقرون إلى الصرف الصحي المناسب (13). «إن إمدادات المياه العالمية آخذة في الانخفاض بسرعة في الواقع بسبب سوء الاستخدام والتلوث والخصخصة الهادفة للربح» (14). حتى ما قبل التسعينيات من القرن الماضي، كانت المؤسسات العامة في معظم دول العالم مسؤولة عن تأمين خدمات المياه باستثناء فرنسا وبعض مستعمراتها السابقة حيث أُسندت عقود تأمين المياه في باريس إلى شركتي Suez وفيوليا Veolia. وقد أدت هذه الخصخصة إلى ارتفاع قُدّر بحوالي 30% أكثر من السعر المبرر اقتصادياً بحسب تدقيق أجري عام 2000. مع بداية التسعينيات، ضربت موجة من الخصخصة قطاعات المياه في العالم وبدأ النموذج الفرنسي بالتكرار خصوصاً في دول الجنوب وبدعم من البنك الدولي في مهمة هدفها توجيه الاقتصاد العالمي نحو اقتصاد السوق (15). في العام 2002، سيطرت شركات المياه المتعددة الجنسيات على 200 مليار دولار من أصل 800 مليار وهي قيمة السوق العالمية للمياه بالرغم من أن خدماتها لم تتجاوز 7% فقط من سكان الأرض (16). أدت خصخصة قطاع المياه العالمي إلى ارتفاع في الأسعار، زيادة في معدلات الفصل عن شبكة المياه، تدهور جودة المياه وفقدان الرقابة، والتحوّل إلى المياه المعبأة في الزجاجات (17). في العام 2015 اعترف البنك الدولي أن نسبة فشل مشاريع خصخصة المياه التي دعمها وصلت إلى 34%، وأعلنت مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك أنه لن يكون لديها مشاريع امتياز جديدة في قطاع المياه في أفريقيا وتعمل على تخفيض أعداد المشاريع في البلدان النامية. أدت النتائج السلبية في مجال خصخصة قطاع المياه إلى ظهور تيار استعادة القطاع من قبل البلديات خصوصاً في الدول الغربية، حيث استعادت منذ العام 2000 وحتى الآن أكثر من 94 بلدية كبرى في فرنسا و58 أخرى في الولايات المتحدة الأميركية قطاع المياه ضمن نطاقها الجغرافي (15). بقي أن نشير إلى أن 2.5% فقط من المياه الموجودة على الكرة الأرضية هي مياه عذبة صالحة للشرب وإنتاج الغذاء منها فقط 1% (1% من أصل 2.5) متاح لاستعمالاتنا والباقي (99% من المياه العذبة) متجمد في القطبين الشمالي والجنوبي (14).

نجح النموذج الحالي المسيطر على النظام الغذائي بخلق علاقة عضوية بين الغذاء والرأسمالية بحيث أصبح للغذاء قيمة تبادلية إضافة إلى قيمته الاستعمالية

أعطى تيار حقوق الملكية في الولايات المتحدة الأميركية دفعاً قوياً لعقيدة خصخصة الأراضي الزراعية مع بداية ستينيات القرن العشرين. كانت هذه المدرسة فرعاً من الاقتصاد المؤسساتي الجديد في حينه. يعتقد أصحاب هذه المدرسة أنها الطريقة الوحيدة التي تحفزّ الاستثمارات في التحسينات (زراعة ومنازل وغيرها) بما أن المستثمرين واثقون أنهم سيحصلون على عائدات استثماراتهم (18). منذ ذلك الحين، عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سوياً على تشجيع حكومات دول الجنوب والضغط عليها لتبني فكرة الملكية الخاصة للأراضي التي كانت سائدة في الغرب. دفع مفهوم «الاستخدام المُنتج» إلى التركيز على القيمة الاقتصادية وإهمال جميع القيم والاستخدامات التي تملكها المجتمعات المرتبطة بأقاليمها منها تفكيك أنظمة الحيازة العرفية والجماعية لمصلحة مزيد من الاستعمار واستغلال الأراضي والغابات من قبل الشركات المتعددة الجنسية (19). نتج من تبني فكرة الملكية الخاصة عملية استيلاء على الأراضي الزراعية تحت عنوان شراء الأراضي على نطاق واسع من أجل الاستثمار المالي، الزراعي، والصناعي. وبعد أن تأكد كبار المستثمرين من أن الاستثمار في الأراضي الزراعية هو استثمار آمن، سيطر 3% فقط من المالكين على 52% من الأراضي الزراعية في أوروبا، كما سيطر 20% فقط من المالكين على أكثر من 80% من الدعم المالي المرصود ضمن السياسة الزراعية المشتركة CAP للاتحاد الأوروبي. كل ذلك أدى إلى انخفاض عدد صغار المزارعين 30% في أوروبا وإلى توزيع الأراضي الزراعية بشكل غير متساوٍ حتى أكثر من الدخل، حيث سجّل مؤشر جيني GINI 0.3 للدخل بينما ارتفع إلى 0.82 لملكية الأراضي الزراعية (20 و21). كما في أوروبا كذلك في الولايات المتحدة الأميركية حيث يشير تقرير الائتلاف الوطني للمزارعين الشباب أن أبرز التحديات التي يواجهها المزارعون الشباب هو تأمين الأراضي الزراعية بسبب ارتفاع أسعارها حيث ارتفع متوسط سعر الأراضي الزراعية 75% خلال الـ 15 عاماً المنصرمة. زاد اهتمام المتمولين في الولايات المتحدة الأميركية بالأراضي الزراعية على اعتبارها استثماراً آمناً، فأصبح مثلاً الملياردير بيل غيتس، صاحب شركة «مايكروسوفت»، أول مالك للأراضي الزراعية، حيث يملك أراضي زراعية أكثر مما يملكه السكان الأصليون مجتمعين (22 و23). من ناحية أخرى، أدى انتشار خصخصة الأراضي إلى تغيير في السلوكية الاجتماعية/الاقتصادية، حيث أشارت دراسة في كينيا إلى انخفاض التعاون في العمل الزراعي الجماعي بنسبة 93% للأسر التي تملك صكوك ملكية أراض زراعية (24).

مع توسّع النموذج الغذائي الصناعي وعولمته، انهارت مؤشرات التنوّع البيولوجي ومؤشر الكوكب الحي للثروة النباتية والحيوانية. فقدت حقول المزارعين في العالم نهاية القرن العشرين أكثر من 90% من أصناف المحاصيل بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO. دفع النموذج الزراعي المهيمن إلى خسارة أكثر من 75% من التنوع الوراثي للنبات حيث ترك المزارعون أصنافهم المحلية المتعددة واستبدلوها بأصناف موحّدة وراثياً عالية الإنتاج. بات 75% من غذائنا العالمي يُنتج من 12 نبتة و5 أنواع من الحيوانات فقط (25). فيما يتعلّق بالبذور، يهيمن على السوق العالمية البذور الصناعية/التجارية المحمية بموجب حماية الأصناف النباتية PVP أي حقوق الملكية الفكرية IPR . تتميّز البذور الصناعية/التجارية بإنتاجية مرتفعة لكنها تتطلب مدخلات زراعية من أسمدة كيميائية ومبيدات زراعية. يدفع استعمال هذه البذور بالمزارعين حول العالم إلى الاعتماد أكثر فأكثر على المدخلات الزراعية وشراء بذور جديدة سنوياً (26 و27). منذ العام 2013، تسيطر 6 شركات خاصة متعددة الجنسيات على 75% من أبحاث تأصيل النبات في العالم، وعلى 60% من السوق العالمية للبذور (3 شركات تسيطر على 50%)، وعلى 76% من سوق الأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية (28).

تدمير الأسر الريفية والقضاء على إمكانياتها المعرفية والمالية وحتى النفسية

بعد أن كان المزارع على مرّ العصور خزان المعرفة وحارس الثقافة الريفية وحارس الطبيعة ومواردها الإنتاجية، فقد كل أدواره المتعددة ليصبح فقط منتج سلع غذائية لا دور له إلا بقدر الجدوى المالية والاقتصادية لعمله. مع النموذج الغذائي المهيمن، تحوّلت القدرة على الإنتاج إلى اختيار ذي جدوى اقتصادية وليس حق من حقوق الشعوب الريفية. دمّرت سياسات النموذج الزراعي المهيمن، من إفراط في الإنتاج وإغراق السوق والاحتكار، كل القدرات المالية والاقتصادية لصغار المزارعين (5). امتصّت سياسات الإقراض الزراعي عبر المصارف التجارية القسم الأكبر من إنتاج المزارعين فانهارت قدراتهم المالية ووقعوا تحت عجز مالي دائم مما دفع كثيرين منهم نحو الانتحار. على سبيل المثال تقدّر ديون المزارعين في الولايات المتحدة الأميركية عام 2019 بحوالي 416 مليار دولار أميركي وما زالت ترتفع سنوياً بينما انخفض عدد المزارعين الإجمالي بين عامي 2011 و2018 حوالي 100 ألف مزارع (29). تشير دراسة أجرتها جامعة أيوا في الولايات المتحدة الأميركية عام 2017، إلى أن المزارعين والعاملين في القطاع الزراعي ما زالوا الأكثر عرضةً للانتحار، حيث كانت الوفيات بسبب الانتحار هي الأعلى في صفوفهم بالمقارنة مع المهن الأخرى: ثلاثة أضعاف ونصف عن بقية السكان (30). في أستراليا يسجل انتحار مزارع كل 4 أيام، وفي المملكة المتحدة مزارع كل سبعة أيام، بينما في فرنسا يسجل انتحار مزارع كل يومين. في الهند أعلنت السلطات رسمياً وفاة 270 ألف مزارع انتحاراً منذ العام 1995 والعديد من الجمعيات تُشير إلى أعداد أكبر من الأرقام الرسمية المعلن عنها. علماً أن السبب الثاني للوفاة في الهند هو الانتحار ويشكل الانتحار بين صفوف المزارعين النسبة الأعلى (31 و32). بالإضافة إلى الأراضي الهامشية والديون للمصارف التجارية والتقلّب الدائم في أسعار المحاصيل النقدية، يعاني مزارعو دول الجنوب من دعم القطاع الزراعي في دول الشمال. يقدّر تقرير للأمم المتحدة أن حجم الدعم العالمي لقطاع الأغذية والزراعة بلغ 630 مليار دولار عام 2018، غالبيته في دول الشمال ولشريحة محددة من المزارعين هم كبار المزارعين. يلقي التقرير الضوء على أن القدر الأكبر من الدعم يؤدي إلى تشويه أسواق المنتجات الزراعية، إلحاق الضرر بالبيئة، كما أنه «لا يشجع على إنتاج الأغذية المغذية التي يتألف منها النمط الغذائي الصحي» (8).

تغيير النمط الغذائي للشعوب

تُعرف الأطعمة التقليدية على أنها محاصيل أساسية مغذّية ولها تراكم ثقافي تاريخي. تعتبر المحاصيل المحلية التقليدية حجر الزاوية في النظام الغذائي التقليدي وهي متأقلمة بشكل ممتاز مع بيئتها المحلية حيث تُظهر دائماً قدرة على تحمّل الضغوطات المناخية في إقليمها. غالباً ما تكون الأطعمة المحلية المعروفة بقيمتها التغذوية العالية، ذات أهمية كبرى للاقتصاد المحلي، وهي تشكل عامل استقرار اقتصادياً وغذائياً للمنتجين والمستهلكين (33). أدت موجات الاستعمار والثورة الخضراء بدءاً من أربعينيات القرن العشرين إلى اختفاء الأطعمة التقليدية حيث ركّزت القوى الاستعمارية على الزراعة التصديرية في الدول المستعمَرة (محاصيل للتصدير) مما أدى إلى انهيار المحاصيل المحلية وبالتالي الأطعمة المحلية (أو المطبخ المحلي) وفقدان المعرفة الأصلية لإنتاج المحاصيل والأطعمة التقليدية (34). خلال التاريخ البشري خضع النظام الغذائي والحالة التغذوية للإنسان إلى سلسلة من التحولات الرئيسية بين الأنماط الواسعة من استخدام الطعام انعكست في تغيير قامته وتكوين جسمه وأنواع أمراضه. اليوم أدى النموذج المهيمن على النظام الغذائي العالمي إلى تحوّل عالمي ملحوظ نحو نظام غذائي غني بالدهون والأطعمة المصنعة وقليل الألياف، مع زيادة واضحة في الأمراض التنكسية التي تؤدي إلى تراجع وظيفة أو بنية الأنسجة أو الأعضاء المصابة وتسير بها نحو الأسوأ مع مرور الوقت. ارتفعت نسبة الوفيات بالأمراض غير المعدية إلى 70% خاصةً في الدول النامية وأدى تغريب Westernization نمط الحياة والنظام الغذائي في مجتمعات السكان الأصليين إلى زيادة انتشار الأمراض المزمنة. كان الطعام أداة أساسية في عملية الاستعمار التي أدت إلى تغييرات عنيفة في حياة المستعمَر، حيث ينفق الفقراء في الدول النامية – المستعمرات السابقة – أكثر من 80% من دخلهم على الغذاء ولذلك غالباً ما يعانون من سوء التغذية بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الغذاء أو على الوصول إلى الغذاء الصحي (35). في العام 2018، سجّل المتوسط العالمي للغذاء الصحي البديل في 185 بلداً حول العالم ما معدّله 40.3 مع معدّلات أدنى في دول أميركا اللاتينية ودول الكاريبي (30.3) وبقي دون 45 في دول جنوب آسيا (يتراوح المؤشر بين 0 و100 التي تشير إلى غذاء صحي بالكامل) (36).

أدت موجات الاستعمار والثورة الخضراء بدءاً من أربعينات القرن العشرين إلى اختفاء الأطعمة التقليدية حيث ركّزت القوى الاستعمارية على الزراعة التصديرية في الدول المستعمَرة

توجيه الأبحاث العلمية الزراعية

يهيمن نموذج نقل التكنولوجيا Transfer Of Technology (TOT) على البحوث الزراعية الوطنية والدولية. في نموذج البحوث هذا، تؤخذ كل قرارات البحوث الرئيسية من قبل «العلماء» أحادياً ومن دون مشاركة غيرهم من مزارعين أو مستهلكين أو مستفيدين آخرين. تُجرى هذه البحوث في المحطات البحثية أو في حقول المزارعين في ظروف مبسّطة خاضعة للرقابة، ويتم بعدها تعميم نتائج هذه البحوث عبر جهاز إرشادي لتطبيقها من قبل المزارعين. يميل البحاثة المتخصصون إلى اعتماد معيار واحد أو اثنين لقياس الأداء في أبحاثهم منها الإنتاجية أو مقاومة الآفات على سبيل المثال. لكن المزارعين القيّمين على نظام معقّد ومعرّض للمخاطر يعتمدون على معايير مختلفة ومتعددة أكثر في اختيار أنواع محاصيلهم أو تقنيات الزراعة أو إدارة مستجمعات المياه. ما زالت معدّلات الفشل مرتفعة في التقنيات الزراعية ضمن إطار نموذج الأبحاث TOT: غالباً ما تكون التقنيات غير مناسبة وغير مستدامة وحتى غير عادلة بسبب التركيز على شراء المدخلات والمكننة المكثفة خاصةً في بيئات فقيرة الموارد، أو أن الأصناف المحسّنة لم تأخذ في الاعتبار إلا الإنتاجية والآفات وأغفلت معايير أخرى مثل المذاق أو صفات الطهي أو غيرها من المعايير مثل تعقيد وتنويع المزرعة بغية تقليل المخاطر. خدم هذا النموذج TOT بشكل ممتاز الزراعة الصناعية والثورة الخضراء وأدت هذه البحوث الاختزالية وحزم المدخلات المكثّفة إلى رفع الإنتاج لكل وحدة من الأرض، لكن هذا النموذج فشل بالتوفيق بينه وبين أولويات واحتياجات الشرائح الفقيرة في المجتمع الريفي. لا يزال هاجس تسويق السلع يهيمن بقوة على البحوث الزراعية بدل المعارف البيئية والاجتماعية التي تسعى إلى التخفيف من احتياجات المدخلات (37). على صعيد المراكز البحثية، تسيطر المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية CGIAR على الأبحاث الزراعية العالمية وهي تضم أكثر من 15 منظمة بحثية دولية متخصصة حول العالم منها منظمة إيكاردا ICARDA التي كانت إدارتها العامة سابقاً في حلب. تمّ إطلاق هذه المجموعة في ستينيات القرن العشرين بهدف الترويج لـ«الثورة الخضراء» من بذور وأسمدة ومدخلات كيميائية. بحسب الموقع الرسمي، تقدّر محفظة الأبحاث السنوية للمجموعة CGIAR بحوالي 900 مليون دولار أميركي مع أكثر من 9 آلاف موظف يعملون في 89 دولة حول العالم. تُموّل المجموعة من قبل الحكومات الوطنية، منظمات التنمية والمؤسسات الخاصة، وهي تركّز أبحاثها بحسب ما تورد في «استراتيجية البحث والابتكار 2030» على تحوّل الأنظمة، مرونة أنظمة الأغذية الزراعية، والابتكار الوراثي. تقوم مؤسسة بيل وميليندا غايتس BMGF وهي مؤسسة «خيرية» تعود لبيل غايتس، بتمويل بعض نشاطات مجموعة CGIAR. تفيد مؤسسة BMGF بأن مجموعة CGIAR هي أكبر متلق في مؤسستها التي تبلغ قيمة محفظتها منذ إنشائها عام 2000 حوالي 40 مليار دولار أميركي مموّلة بالكامل من بيل غايتس وصديقه الملياردير وارن بافيت. منحت BMGF ما مجموعه 1.4 مليار دولار أميركي (23% من موازنتها) إلى مجموعة CGIAR منذ العام 2003 وحوالي 638 مليون دولار أميركي (11% من موازنتها) إلى منظمة «التحالف من أجل ثورة خضراء» في أفريقيا AGRA منذ العام 2006 وهي تعمل، أي BMGF، على دعم أبحاث «الثورة الخضراء». يمنح هذا الإنفاق المالي الكبير مؤسسة BMGFتأثيراً كبيراً على البحث الزراعي وبرامج التنمية وحتى على سياسات الدول. ويزداد الجدل العالمي حول نشاطات هذه المؤسسة من دعمها لبرامج الكائنات المعدّلة وراثياً، إلى تصنيف بيل غايتس شخصياً كأكبر مالك للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى إطلاق معهد بحثي Gates Ag One تابع لمؤسسة BMGF عام 2020 يدّعي تطوير البذور والمواد الكيميائية لإيصالها إلى المزارعين في أفريقيا، إلى زيادة في مؤشر نقص التغذية بنسبة 30% (بحسب منظمة الأغذية والزراعة FAO) في البلدان الأفريقية التي تدخلت فيها منظمة AGRA الممولة من BMGF، إلى الضغط باتجاه التقيد ببراءات الاختراع على البذور كشرط لتمويل المشاريع الوطنية، إلى الادعاء بمحاربة الجوع في دول الجنوب لكن عبر منح 80% من تمويلها إلى منظمات أوروبية وأميركية (38 و39).

هذه أبرز نتائج سيطرة النموذج الحالي المهيمن على النظام الغذائي العالمي ويمكن إضافة العديد من النتائج أيضاً مثل ربط الغذاء بالوقود الأحفوري أو سيطرة الزراعات الأحادية أو هيمنة التصنيع الغذائي التجاري أو «دمقرطة الغذاء» أو غيرها من النتائج الكثيرة التي لا مجال لتفصيلها بالكامل في نص واحد.

 

 

اتمنى أغلاق أضافة مانع الأعلانات

موقع المسار الأخباري لايصال الأخبار السياسية والثقافية على مستوى الوطن العربي أتمنى أغلاق أضافة مانع الأعلانات