دولي

الهجوم على رواية “تفصيل ثانوي” جزء من محاولة إسكات أصوات الفلسطينيين وتصويرهم كتهديد

انتقدت أورسلا ليندزي، الناقدة والصحافية التي تعيش في عَمّان، قرار معرض فرانكفورت للكتاب، في 13 تشرين الأول/أكتوبر، بإلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي والاحتفاء بكتابها “تفصيل ثانوي”، حيث كان من المقرر أن تعقد ندوة عامة لمناقشته. وقالت “ليتبروم”، الجمعية الأدبية الألمانية التي تقف خلف الجائزة، بأن القرار جاء “بسبب الحرب التي بدأتها حماس، والتي يعاني منها ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

وفي مقالها ، قالت: “في ذلك الوقت، مرت أيام منذ انتشار الأخبار عن قيام مقاتلي “حماس” بخرق الحصار على قطاع غزة، وقتل أكثر من 1.300 إسرائيلي، وأخذ 199 آخرين، حيث يستمر الانتقام الإسرائيلي، فقد تم قطع الماء والكهرباء عن غزة، التي يعيش فيها أكثر من 2.2 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال تقريباً. وبدأت حملة قصف أدت لمقتل أكثر من 3.000 فلسطيني”.

وقال مدير معرض فرانكفورت يورغين بوز إن “حرب الإرهاب تناقض القيم التي يدافع عنها معرض فرانكفورت للكتاب”. مضيفاً أن المعرض كان بالنسبة لنا “عن الإنسانية، ويركز على الخطاب السلمي والديمقراطي”.

الكاتبة: لماذا تقتضي مشاركة العزاء مع الإسرائيليين إسكات كاتبة فلسطينية لا علاقة لها بـ “حماس”؟

وأضاف: “نريد أن نجعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية واضحة في المعرض”.

وتعلّق الكاتبة بأن السبب واضح، وخاصة في ألمانيا، حيث يشعر الناس بضرورة الوقوف، وبطريقة لا لبس فيها ضد “القتل الوحشي لليهود”.

و”لكن لماذا تقتضي مشاركة العزاء مع الإسرائيليين إسكات كاتبة فلسطينية لا علاقة لها بـ “حماس”، ولم يتم تقديم سبب عن منع الفلسطينيين من المشاركة في خطاب المعرض السلمي والديمقراطي، فمن الواضح أن الاعتراف بالفلسطيني وتحدثه علناً غير مقبول”.

وعندما أعلنت الجمعية الأدبية الألمانية “ليتبروم” اختيار رواية شبلي علّلت القرار، حسب ما ورد في موقعها على الإنترنت، بالقول: “لطريقة كتابتها الدقيقة، والتي تصف قوة الحدود، وما يفعله العنف بالناس”، وأن الهدف هو تقديم الأدب الذي لا يحظى بتمثيل جيد من الجنوب العالمي، ومساعدة القراء “على التعلم بأن هناك منظورات مختلفة، ولكنها ذات علاقة بالعالم الواحد الذي نعيش فيه”.

والحقيقة هي أن المناظير المقدمة من الفلسطينيين تُعامَل في العادة بنوع من الأبوية والتعالي والشك في الغرب. وليس أكثر من الوقت الحالي عندما تتم معاقبة الفلسطينيين كلهم على هجمات “حماس”، ويحرمون من الفرصة للتعبير عن صوتهم واهتماماتهم بشأن الكارثة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا في غزة، والمشاركة في تواريخهم المكبوتة وآلامهم.

ورواية شبلي القصيرة، والتي ترجمتْها إليزابيث جاكويت للإنكليزية عام 2020، ومتوفرة للتحميل على الإنترنت، ونشرتها الدار البريطانية فيتزكارلدو إيدشنز، ومقسمة على جزئين، الأول هو إعادة تركيب أحداث حقيقية تقوم على سجلات الجيش الإسرائيلي، ونشرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية. فبعد حرب 1948 بفترة قصيرة، وفي صيف 1949، ألقت وحدة إسرائيلية، كانت تحرس خط الهدنة مع مصر، القبض على فتاة بدوية، وأخذها الجنود إلى معسكرهم. وجرّدوها من ملابسها، ورشّوها بالماء، وقصّوا شعرها وغسلوه بالكاز، ثم اغتصبوها وقتلوها.

ويسرد الجزء الثاني من الكتاب قصة امرأة فلسطينية كانت تعيش في رام الله، عام 2004، سكنها هاجس بالقصة، وسافرت إلى جنوب البلاد، حيث مرت بعدد من نقاط التفتيش حتى وصلت إلى مشهد الجريمة.

تُقدّم شبلي القصة بأسلوب هادئ وكئيب يدعو للخدر. وتتكشف مع كابوس متوتر، ومنطق محتوم وغريب محمل بالخوف.

وقد وَصَفَ الناقدُ الأدبي روبين كريسويل الرواية بأنها “تأمّلٌ في التاريخ المتكرر، حيث يعود التاريخ كصدمة”. ورغم الاتهامات التي وجهت لشبلي بأنها معادية للسامية، ومن حفنة نقاد ألمان، “لكنني لم أر أي دليل لدعم هذه الاتهامات، فكل ما تستعيده في الكتاب عن الجريمة صحيح، ولا يوجد أي دليل على تعليقها على الأحداث الأخيرة.

و”لكن حقيقة كونها كاتبة فلسطينية، تحكي قصة فلسطينية، وحقيقة الوجود الفلسطيني والتعبير الذاتي، هو ما اعتُبر تحريضياً حارقاً”.

وبحسب رسالة الدعم، التي وقّعها عددٌ من الكتاب حول العالم، فقد رحبت بحضورها معرض الكتاب كـ “فرصة من أجل الحديث عن دور الأدب في هذه الأوقات القاسية والمؤلمة”، ويمكن للمرء تخيل الحوار الذي كان سيحدث، مع أنه قد يكون بالتأكيد غير مريح، ولكنه متنوّر.

قصة شبلي ليست استثنائية، فالناشط المصري والسجين السياسي السابق باتريك زكي توقف في جولة توقيع مذكراته بعد وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ “السفاح”، مع أن الإسرائيليين يطلقون أوصافاً أسوأ على رئيس وزرائهم.

وقامت “هاو تو أكاديمي” بإلغاء مناسبة لمناقشة كتاب “يوم في حياة عابد سلامة”، وذلك بعد أن قالت الشرطة البريطانية إن هناك “قلقاً أمنياً” غير محدد. وهو كتاب غير روائي، أعدّه الصحافي الأمريكي اليهودي ناثان ثرول، الذي يعيش في القدس، ويحكي قصة الاحتلال الإسرائيلي عبر عيون صديقه الفلسطيني في حادث حافلة.

وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر ألغيت مسرحية لـ “مسرح الحرية” من مخيم جنين، وكانت ستعرض في بلدة شويزي لي روا حيث ألغاها عمدتها.

الكاتبة: محاولة استثمار عنف “حماس” لإسكات كل الأصوات الفلسطينية جزء من حملة لتضييق مساحة التعاطف والتفكير والنقاش والحقيقة. والقبول بهذا هو قبول بقصقصة حريتنا

وفي الولايات المتحدة، وقبل الأحداث الأخيرة، تمت ملاحقة الكتاب الفلسطينيين، فمهرجان فلسطين بجامعة بنسلفانيا واجهَ ما اعتُبر حملة تشويه وتحرش.

وتقول الناقدة إن بعض الأشخاص يقومون بإسكات الفلسطينيين تعاطفاً، ولكن ذلك يصب في النتيجة نفسها، وبعضهم يفعل هذا جهلاً، جبناً، أو سوء نية. ومع قصف المدنيين في غزة، وتجويعهم، فمن المذهل مشاهدة أن كلمات ولافتات الفلسطينيين يتم التعامل معها كتهديد. فقد منعت فرنسا مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، وأخبرت المدارس في برلين التلاميذ بعدم ارتداء الكوفية، واقترحت وزيرة الداخلية في بريطانيا أن التلويح بالعلم الفلسطيني قد يكون تهمة يعاقب القانون عليها. ويطلب من الفلسطينيين، وبشكل مستمر، شجب العنف، مع أن كل ما يفعلونه هو التظاهر السلمي، وتنظيم حملات مقاطعة، أو عرض مسرحية، وكتابة رواية، يتم تأطيرها بأنها عنف.

محاولة استثمار رعب “حماس” وعنفها لإسكات كل الأصوات الفلسطينية جزء من حملة لتضييق مساحة التعاطف والتفكير والنقاش والحقيقة. والقبول بهذا هو قبول بقصقصة حريتنا الجمعية للتعبير والتفكير.

وفي الفضاء الثقافي والأدبي، حيث الحرية عمادنا ومسؤوليتنا، علينا مقاومة الرقابة والترهيب والتأكيد المستمر على أن هناك صوتاً واحداً يستحق الاستماع إليه. وهذا ينطبق على الجانبين، حيث قالت إنها ستلتقي مع كاتبة فلسطينية صديقة، وستشركها بكلمات قالتها عائلات ضحايا إسرائيليين ويهود أمريكيون من اليسار، كلمات منحتها العزاء.

وفي النهاية فإن راوية شبلي لا تحتفي بالعنف، لكنها رواية عن عنف عانت منه امرأتان. والشيء المهم الذي نتعلم فيه من الكتّاب الفلسطينيين هو أن حياتهم ومخيلاتهم ضاقت وتحولت لأخاديد محملة بانعدام أمن لا هوادة فيه.

عندما قرأت رواية شبلي صدمت بالجغرافيا، الجزء من صحراء النقب الذي زارته راويةُ القصة قريب من الجزء المحاصر قرب معبر رفح الحدودي. وقد قضت ليلة في غرفة مستأجرة في مستوطنة، حيث تسمع أصوات انفجارات لا تثير الدهشة: “إنها بعيدة، خلف الجدار، يجب أن تكون غزة أو رفح، وصوت الانفجارات يختلف، ويعتمد على قربك من المكان، والضجيج ليس مزعجاً، بل هو صوت عميق مثل قرع بطيء على طبلة ضخمة”.

تزور الراوية مستوطنة نيريم، والتي صمدَ فيها مقاتلو الهاغانا عام 1948 أمام هجوم من القوات المصرية. وكتب الجنود الإسرائيليون شعاراً على الجدار: “الرجل وليس الدبابة هو المنتصر”، وهو شعار تعود إليه الراوية مرة بعد الأخرى.