عربيمقالات

فراس ياغي : ما بعد خطاب السيد نصر الله

لا أعلم حتى الآن لماذا البعض إن كان مؤيد لمحور المقاومة او المشكك فيه وفي تضامنه مع بعضه البعض كان يتوقع ان يؤدي الخطاب لتصعيد فوري؟!!! وبحيث يدخل حزب الله بشكل كامل في المعركة ويعلن الحرب …صحيح ان الكثير توقع ان يضع السيد نصر الله خطوط حمر واضحة لا لبس فيها تتعلق بمدة زمنية لوقف التوغل البري ووقف إطلاق النار بحيث أن الكثير منا وانا اولكم وضع سيناريوهات محددة، على الرغم من ان جميع هذه السيناريوهات كانت في نص الخطاب حتى لو لم تكن واضحة، ومنها الخطوط الحمر دون ان يتم وضعها في سياق واضح لا لبس فيه، إلا في حالة واحدة كانت واضحة وهي الإعتداء على لبنان…لكن كان هناك اشارات تتعلق بالمدنيين “مدني مقابل مدني”، ومواكبة الحرب البرية وتداعياتها، إضافة إلى حديثه الواضح انه ليس امام غزة سوى الإنتصار او الإنتصار، بل يجب ان تنتصر حماس بالذات..

للحقيقة لبنان مشتبك ومتضامن مع غزة منذ اليوم الثاني للعدوان على غزة، في حين جبهات عربية اخرى صفر إشتباك، بل اصحاب القضية جزء منهم يشوبه صمت مريب، في لبنان يسقط شهداء، والعرب الذين هم مخزون الطاقة العالمي لا يقدرون على إيصال نقطة وقود لمستشفيات غزة.
على كل، الخطاب كان إستراتيجي واضح في طبيعة الصراع القائم، وهو صراع مع الولايات المتحدة الامريكية
إسرائيل سوى أداة عسكرية تنفيذية لها ضربت وأهينت وتم إذلالها فجاءت امريكا لتعيد إعتبارها على دماء اطفال ونساء وشيوخ غزة، لأن تلك الاداة لا زالت وظيفتها تعتبر اساس التوجهات للسياسية الأمريكية للمنطقة.

السيد نصر الله ركز في خطابه على ان العدو المركزي هي الولايات المتحدة الامريكية، فهي من تستطيع فرض وقف اطلاق النار وهي القادرة على كبح وفرملة جماح المجروح في كرامته  ومنعه من الإيغال في دم الأبرياء في غزة، لكن واضح ان هناك مخطط امريكي، فهذه حرب لتثبيت المصالح الامريكية في المنطقة لعقدين من الزمن…حرب لإدخال الرعب في قلب كل من يحاول ان يخرج عن الطوع الأمريكي ويذهب إلى البريكس او يمس في نظام الدولرة او يتحالف مع الصين…حرب لأجل انهاء القضية الفلسطينية بالطريقة الإسرائيلية الامريكية…حرب لكي تتوسع وتشمل جبهة الشمال بعد ان يتم إضعاف كامل للمقاومة في غزة، وكما ان إسرائيل وجدت في السابع من تشرين/اكتوبر حرب على البيت وحرب وجودية ومصيرية، ايضا ما اسماه نصر الله تضامن ومشاغلة، سيكون له ما بعده إسرائيليا وامريكا بعد غزة…أعتقد أن نصر الله يعرف ذلك وخطابه تأسيس وتهيئة للراي العام…فلا مجال الآن للتراجع، لذلك قلنا ان المعركة حتمية رغم انهم لا يريدونها، وإستشهدنا بما قالته الكاتبة الأمريكية *باربرا تاكمان في معرض حديثها عن الحرب العالمية الاولى حيث قالت “لم يكن أحد يريد الحرب..إلا أنها كانت حتمية”.

واضح ان الامريكي منقسم وهناك رأيين، الأول يدعمه الصقور ويرون ان الفرصة ملائمة لضرب حزب الله وإيران بعد اضعاف جبهة الجنوب وبالتالي فرض الهيمنة الأمريكية في المنطقة وتسييد إسرائيل ومنع اي دولة وبالذات السعودية والخليج ومصر لتذهب نحو البريكس والصين، ويقول ايضا هذا الرأي انه في كل حروب امريكا الرئيس يعاد انتخابه، واذا ما توسعت خارج حدود الإقليم واصبحت حرب عالمية ثالثة فلن تجري الإنتخابات كليا وهذا يلتقي مع موقف الجيش الإسرائيلي ونتنياهو، في حين الرأي الثاني والذي يتبناه بايدن ووزارة الخارجية يرى في ان توسع المعركة ليس سوى ورطة كبيرة وإضعاف للدور الامريكي واستنزاف امام الروسي والصيني، بل ترك اوكرانيا لقمة سائغة للروس وخسارة كبيرة للأصوات الإنتخابية العربية والإسلامية والليبرالية التقدمية لصالح المرشح الجمهوري، لذلك طلب وزير الخارجية الأمريكية بلينكن لقاء مع وزراء خارجية “مصر والاردن والسعودية والإمارات وامين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية” في محاولة منه لتسهيل تطبيق الشروط الإسرائيلية المعلنة من عدوانها على غزة وبحث شكل النظام في قطاع غزة بعد انهاء ما يسموه حكم حماس، لذلك سيبلغهم لا وقف لإطلاق النار ولا وقود  بدون تحرير الأسرى، وشرط انهاء حكم حماس ونزع سلاح المقاومة، وإبلاغهم بأن الموقف الإسرائيلي حاسم لا تراجع عنه..وأن الهدن الإنسانية ممكنة ولكن لمنطقة الجنوب وليس الشمال، وأيضا خطة لإخلاء المستشفيات لقصفها وبالذات الموجودة في شمال وشرق ووسط غزة، وحاملة الطائرات الفرنسية القادمة لسواحل المتوسط جهزت كمستشفى ميداني، ومحاولة الضغط على مجمل الدول العربية للبدء ايضا بإستيعاب الجرحى في مستشفياتهم، تحضيرا لقضم الجغرافيا الغزاوية تحت مسمى المنطقة العازلة.

بلينكن يريد ان يتفادى توسيع المعركة وإطالة امدها لانه يعلم أن هناك صقور في الجيش الامريكي والكل الإسرائيلي سيعمل على توسيع المعركة وتوريط إدارة البيت الابيض الذي يريد تجنبها، فالفرصة تاريخية بالنسبة للصقور امام اعينهم ولا بد من إستغلالها، ولأنه بدون ضرب المقاومة في غزة وفي لبنان لن تكون هذه المنطقة أمريكية طبعا اذا ما نجحوا في تحقيق ذلك.

كما يبدو فإن الصقور في الدولة العميقة في واشنطن والجيش الامريكي في البنتاغون الذين التقوا مع توجهات الجيش الإسرائيلي لاجل القضاء على أذرع إيران المتحالفة مع الصين، لذلك لن ينجح السيد بلينكن في منع توسيع المعركة، فحتى لو إستسلمت حماس والمقاومة في غزة ووافقت على كل الخطط الإسرائيلية، فهذا لن يوقف تدحرجها لتشتعل نيرانها لهيبها سيصل إلى طهران.

عليه، أرى أن خطاب نصر الله فيه من الامور العالمة بما يخطط له الأمريكي، لذلك كان بعدها إستراتيجي من حيث دخول المقاومة العراقية على جبهة ضرب الامريكي في العراق وسوريا ودخول جبهة اليمن كإشارات واضحة بأن هذه المعركة تستهدف الكل، في حين جبهة لبنان مشتبكة بوتيرة منخفضة ولكنها قد تتدحرج في كل لحظة.

كل من أصيب بخيبة أمل عليه ان يعيد حساباته ويرى المشهد الذي يخطط للمنطقة وخطاب نصر الله ليس بعيدا عن روسيا والصين، فبالتأكيد قبل الخطاب كان هناك تبادل معلومات في الحد الادنى.

ختاما، كل شيء دائما يقيم وفقا للنتائج، والخواتيم لا زالت بعيدة فالامور لا زالت في بدايتها، رغم انها بداية مؤلمة وصعبة وفيها ضحايا كثر، لكن واضح ان المقصود بذلك هو تهيئة الرأي العام المحلي والعالمي بأن القادم سيكون اكبر بكثير مما نشاهده من مذابح ومجازر في قطاع غزة.

من يستطيع وقادر على تقييم كل شيء هم المنخرطين بشكل مباشر في المعركة، والكلمة لهم، في حين نحن نحلل ونكتب ونقدر من الخارج و فقا لما نقرأ بين السطور وما يرشح من مراكز الدولة العميقة في الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل بالذات.

اخيرا، نصر الله اشار بوضوح لطبيعة المعركة القادمة، وان امريكا هي المسئولة عما يجري في قطاع غزة وان إسرائيل ليست سوى اداة تنفيذية، فهي التي تمنع إصدار قرار من مجلس الامن لوقف إطلاق النار، وهدد امريكا، وهذا التهديد وحده إشارة واضحة تقول للصقور في البنتاغون وإسرائيل لا مجال للتسامح ولا مجال لترك الفرصة الحالية دون إستغلالها

المعركة في المنطقة اصبحت حتمية، وإلغاء شركات الطيران العالمية لرحلاتها إلى إسرائيل لمدة شهر أبلغ إشارة…لقد كان خطاب إستراتيجي يعي القادم ويتحضر له ويعلم ان الامر  كما يبدو اصبح محسوما، لذلك دعونا نركز على ما بعد خطاب نصر الله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار الاخباري

عن وطن للأنباء