إيكونوميست: قتل محاورك وسيلة غريبة لعقد صفقة وقف إطلاق النار والاغتيالات لن تغير من واقع إسرائيل الكئيب

نشرت مجلة “إيكونوميست” البريطانية افتتاحية تناولت فيها تطورات الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل وطهران. ودعت فيها لإبعاد الشرق الأوسط عن حافة الهاوية. وقالت :”مدة أسبوع قد يكون فترة طويلة خلال الحرب”. فحتى السابع والعشرين من تموز/ يوليو كان هناك تفاؤل متزايد بأن إسرائيل وحماس اقتربتا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار من شأنه أن يوقف الصراع الدائر بينهما منذ عشرة أشهر. وكان دبلوماسيون وجواسيس من أربع دول يخططون لمناقشة التفاصيل في اجتماع في روما. وقال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي إن المحادثات كانت “داخل خط العشرة ياردات”. وربما لم يقتنع الإسرائيليون والفلسطينيون باستعارة كرة القدم الأمريكية في محادثات التوصل لهدنة، ولكن كثيرين منهم شاركوه مشاعره.

ثم أطلق صاروخ من لبنان فقتل 12 طفلا في ملعب لكرة القدم في مرتفعات الجولان. وردت إسرائيل بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتالت قياديا في حزب الله، وبعد ساعات قتلت إسرائيل إسماعيل هنية زعيم حماس في ضربة مفاجئة على طهران. ثم تحولت الآمال في التوصل إلى وقف لإطلاق النار إلى مخاوف من اندلاع حرب إقليمية أكبر.

الاغتيالات ربما كانت منجزات ولكنها لا تغير الموقف الاستراتيجي الكئيب لإسرائيل. فقد ظلت حربها في غزة تتجه بلا هدف منذ شهور

وتعلق المجلة أن هذه المخاوف ربما لم تتحقق بعد، إلا أن إيران تعهدت بالرد على مقتل هنية، ولكنها ربما تكون مترددة في خوض الحرب نيابة عن حماس. كما تحرص إسرائيل وحزب الله على تجنب وابل شامل من الصواريخ، والذي من شأنه أن يسبب دمارا هائلا على جانبي الحدود.

وأكدت المجلة أن الطريق إلى تجنب مثل هذا الصراع يبدأ بوقف إطلاق النار في غزة. وبحسبها فإنه لا شك أن اغتيال هنية سوف يوقف المحادثات مع إسرائيل مؤقتا. ولكنه لن يغير الواقع في غزة، ذلك أن مقاتلي حماس منهكون والشعب يائس في الحصول على الراحة من حرب قتلت ما يقرب من أربعين ألف إنسان. وهذا يعني أن من يحل محل هنية سوف يواجه نفس الدافع لإبرام صفقة مع الإسرائيليين.

وأضافت لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان بنيامين نتنياهو يريد إبرام صفقة. فقد ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي يماطل لعدة أشهر، خوفا من أن يؤدي الاتفاق على وقف إطلاق النار إلى تحويل تركيز إسرائيل مرة أخرى إلى أمراضها الداخلية، ومحاكمته بتهمة الفساد. والنظرة المتفائلة هي أن وفاة هنية تمنحه ذريعة لإعلان النصر وقبول الصفقة.

وبحسبها مع عطلة الكنيست الآن حتى تشرين الأول/ أكتوبر، فإنه يستطيع أن يفعل ذلك دون المخاطرة باقتراح حجب الثقة الذي قد يؤدي إلى سقوط حكومته. وهناك تفسير ساخر أيضا: إذا كنت تريد هدنة، فإن قتل محاورك الرئيسي هو وسيلة غريبة لإظهار ذلك. ربما كان هنية هدفا ثمينا للغاية بحيث لا ينبغي تركه حيا. أو ربما كان قتله وسيلة يستخدمها نتنياهو لتخريب المحادثات.

واعتبرت المجلة أن الاغتيالات ربما كانت منجزات استخباراتية وعملياتية، ولكنها لا تغير الموقف الاستراتيجي الكئيب لإسرائيل. فقد ظلت حربها في غزة تتجه بلا هدف منذ شهور. وبرأيها فلن يؤدي فقدان هنية، وهو سياسي لم يكن له رأي يذكر في القتال، إلى إضعاف حماس في ساحة المعركة. ولن يؤدي اغتيال فؤاد شكر، قائد حزب الله، إلى إرغام الجماعة على وقف إطلاق النار اليومي على شمال إسرائيل. ودولة صغيرة مثلها لا تستطيع أن تستمر في القتال على كافة الجبهات إلى ما لا نهاية.

إذا لم يضغط بايدن على إسرائيل، فقد تكون العواقب أسوأ بالنسبة للمنطقة، بما في ذلك إسرائيل نفسها: صراع مدمر لا يستطيع أحد السيطرة عليه.

وشددت المجلة على أن الواقع هو أن الخيار أمام إسرائيل لم يكن قط أكثر وضوحا. فبوسعها أن تعقد صفقة مع حماس من أجل تحرير الأسرى الناجين من غزة، وإحلال قدر من الهدوء على حدودها الشمالية، وتوفير فرصة للدبلوماسية الإقليمية. وبحسبها يؤيد الجمهور وكبار ضباط الجيش، وحتى بعض المشرعين اليمينيين، مثل هذه الخطوة. أو قد ترفض الصفقة من أجل مواصلة الحرب التي قد تخرج عن نطاق السيطرة في أي وقت ـ وربما تؤدي إلى هلاك الرهائن المائة والخمسة عشر الذين ما زالوا في غزة أيضا.

وذكرت أن الولايات المتحدة تعهدت بحماية إسرائيل. وفي الأيام الأخيرة، أرسلت بهدوء مجموعة حاملة طائرات إلى الخليج العربي. لكن ردع إيران ووكلائها ليس سوى جزء من المعادلة.

وقالت إن الرئيس جو بايدن أمضى أشهرا في محاولة إقناع نتنياهو بوقف إطلاق النار، وتعهد بقضاء الأشهر الأخيرة من رئاسته في السعي إلى ذلك. وبحسب المجلة لقد حان الوقت لكي يتخذ بايدن موقفا صارما ويهدد بعواقب حقيقية إذا استمر رئيس الوزراء الإسرائيلي في الرفض. وقد يتعارض ذلك مع غرائزه المؤيدة لإسرائيل. ولكن إذا لم يضغط على إسرائيل، فقد تكون العواقب أسوأ بالنسبة للمنطقة، بما في ذلك إسرائيل نفسها: صراع مدمر لا يستطيع أحد السيطرة عليه.