في شهادة خاصة لـ”عرب 48″ أسيرة فلسطينية محررة، تروي تفاصيل اعتقالها وظروف السجن القاسية التي عانتها في السجون الإسرائيلية، حيث تعرضت لمعاملة غير إنسانية وقمع مستمر، مع تسليط الضوء على ظروف الاعتقال الصعبة للأسيرات، خاصة اللواتي من غزة.
يواجه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مرحلة جديدة ومعقدة عنوانها التعذيب والتجويع والتنكيل المتعمد من قِبل سلطة السجون الإسرائيلية، مع تصعيد الملاحقة التي يتعرض لها الفلسطينيون في مناطق الـ48 وحملات الاعتقال المتواصلة في الضفة الغربية والقدس والتي طاولت نحو 10 آلاف و200 فلسطيني، بالإضافة إلى آلاف المدنيين الذين اعتقلوا من قطاع غزة، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني، دون الكشف عن عدد المعتقلين وأماكن اعتقالهم.
وكانت سلطة السجون الإسرائيلية قد وظّفت جهودها مع بداية الحرب، لسلب منجزات الحركة الأسيرة وحقوق الأسرى التي انتزعوها على مدار عشرات السنوات، وعزلتهم عن العالم الخارجي وحظرت الزيارات العائلية وحتى اللقاء بالمحامين، وذلك بتعليمات سياسية مباشرة من وزير الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، إيتمار بن غفير.
وفي شهادة خاصة لـ”عرب 48“، تروي أسيرة فلسطينية من إحدى البلدات العربية في مناطق الـ48 وقد تحررت من الأسر بعد فترة تنقلت خلالها بين عدة معتقلات وأمضت غالبية فترة أسرها في سجن “الدامون”، تفاصيل عملية اعتقالها وظروف السجن غير الآدمية التي واجهتها.
وتقول الأسيرة المحررة التي فضلت عدم الكشف عن هويتها في ظل الملاحقة التي قد تتعرض لها، “تمت مداهمة منزلي واعتقالي بعد أسبوع من بداية الحرب بواسطة قوات خاصة؛ تم اقتيادي إلى أحد مراكز الشرطة في منطقة سكني تحت التهديد بالإعدام وترحيلي إلى قطاع غزة والشتم والترهيب”.
وتابعت “بعد ذلك تم اقتيادي مكبلة اليدين والقدمين إلى منطقة جانبية في العراء بعد منتصف الليل، وتحت زخات المطر تم شبحي مع مجموعة من المعتقلين الغزيين في مشهد قاس ومروع، وبعد ذلك حققوا معي لمرة واحدة ومن ثم تم نقلي من مركز الشرطة إلى سجن ‘كيشون‘ ومن ثم إلى سجن ‘هشارون‘ مرورا بسجن الرملة وانتهاءً بسجن الدامون”.
وعن ساعاتها الأولى في سجن “الدامون”، روت “مع دخولي إلى سجن الدامون، بدأت جولات القمع والاقتحامات للزنازين باستخدام الهراوات والغاز ومصادرة كافة المستلزمات الأساسية التي كانت تتوفر لدى الأسيرات من أدوات الطبخ والأدوات الكهربائية والقرطاسية والكتب والتلفزيونات والراديوهات وغيرها”.
وتابعت “بدأت تتوافد المعتقلات من كافة أنحاء البلاد بشكل يومي وبوتيرة عالية في أجواء لم تشهدها السجون منذ عقود طويلة وهذا بشهادة كافة الأسيرات، وخاصة بعد إعلان حالة الطوارئ داخل الأقسام الأمنية وإغلاقها بشكل تام ومنع خروج المعتقلات إلى الساحة (الفورة) إلا لفترة قصيرة لا تتجاوز الساعة يوميا”.
وتصف الظروف القاسية داخل الزنزانة التي مكثت بها قائلة: “كنت في زنزانة مكتظة، تجاوز عدد الأسيرات فيها 12 أسيرة، بدون أغطية وفرش ووسادات كافية في ظل أجواء شديدة البرودة، وكانت وجبات الطعام شحيحة جدا وسيئة من حيث الكمية والنوعية – غير صالحة للبشر، وقد تسببت بالعديد من الأمراض لمن أقدمت على تناولها وللجوع الشديد لمن رفضتها”.
واستطردت الأسيرة المحررة التي قضت شهورا في السجون الإسرائيلية أن “عدد الأسيرات في سجن الدامون كان يقدر قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بنحو 40 أسيرة إلى أن تجاوز عددهن بعد الحرب 100 أسيرة، من جميع المناطق الفلسطينية – القدس والضفة الغربية ومناطق الـ48 وغزة”.
الأسيرات الغزيات… “تعذيب ممزوج بتجارب تراجيدية من ويلات الحرب”
وعن ظروف احتجاز أسيرات قطاع غزة قالت: “الغزيات كُنّ في زنازين وأقسام منفصلة عن باقي الأسيرات من القدس والضفه الغربية والداخل، ومررن بظروف قاسية جدا منذ اعتقالهن من القطاع، واقتيادهن معصوبات الأعين، مكبلات الأيدي والأقدام إلى معسكرات تقع على حدود غزة لفترات تجاوزت الأسابيع دون أن تفك الأصفاد عن أجسادهن، ومن ثم تم نقلهن إلى سجن الدامون”.
وتابعت “وصلت أسيرات غزة إلى السجن في حالة يرثى لها، منهكات وفي عياء شديد، رعب وخوف، وكل أسيرة تحمل قصصا تراجيدية بما أصابها من ويلات الحرب والدمار والقصف والقتل، فمنهن من تركت خلفها أطفالا ورضعا لا يعلمن المصير الذي انتهوا إليه”.
ونقلت عن إحدى الأسيرات قولها: “أكدت إحدى الأسيرات بعد أن تحدثت مع عدة أسيرات من قطاع غزة، أنه تم تهديدهن بالاغتصاب من قبل جنود الاحتلال”؛ وتابعت “إحدى الأسيرات كانت في قلق وخوف دائم على مصير رضيعها وعمره 4 شهور، تم خطفها من مراكز الإيواء وأخذ منها رضيعها ولا تعلم ما آلت إليه الظروف، وهذا السيناريو تكرر مع أكثر من أسيرة”.
وأشارت إلى أن “غالبية الأسيرات أتت من تحت القصف والأنقاض ومن بين الجثث المنتشرة والمتحللة في الشوارع وتركت لتنهشها القطط والكلاب، وكانت أسيرات غزة يفتقدن إلى الرعاية الصحية والنظافة العامة لعدم وجود المياه للاستحمام الأمر الذي نتجت عنه مشاكل وأمراض جلدية وانتشار القمل والفطريات؛ عانى بعضهن من إصابات إطلاق نار وشظايا في أجسادهن، في ظل الشح الشديد للمستلزمات الأساسية والخاصة بالنساء، واقتصر العلاج على شرب الماء بطلب من الأطباء، الأمر الذي كان يثير غضب الأسيرات المريضات”.
وعن عملية التنقل بين السجون، قالت إن “ظروف التنقل من خلال ما يسمى ‘البوسطة‘ في غاية الصعوبة نتيجة الفترة الزمنية الطويلة للرحلة الشاقة والتي تبدأ في الساعة السادسة صباحا إلى أن تنتهي المحاكم والتحقيقات، وأحيانا كنا نبيت الليل في مراكز توقيف أو سجون أخرى، وكان يتم فتح المكيفات الهوائية في فترة الشتاء والبرد القارس إلى أقصى درجات البرودة، والغالبية العظمى من الأسيرات يتم نقلهن إلى سجن ‘الشارون‘ كمحطة أولى لعدة أيام وكنا نتعرض إلى الضرب والتنكيل والإهانات، وكانت السجون بشكل عام متشابهة في المعاملة والظروف الحياتية اليومية من التعذيب النفسي والجسدي”.
وفي ما يتعلق بالمسار القضائي، قالت “يترافع المحامون عن الأسيرات عن بُعد بسبب منع المحامين من زيارة الأسيرات، وكانت الإدارة تمنعنا من التحدث مع المحامين حتى خلال جلسات المحاكمة، فتشعر الأسيرات بالتشتت والضياع والخوف من المصير المحتمل”.
وتابعت “كان واضحا لنا أن المحاكم منحازة انحيازا تاما للنيابة العامة والشرطة وجهات التحقيق، وكان جليا أن هناك توصيات عليا بعدم التهاون وإنزال أشد العقوبات على المعتقلين، وعدم التعاطي معهم بناء على الأعراف القانونية المعهودة والانحراف عن الطرق القانونية السليمة المتبعة في المحاكم مثل الحبس المنزلي، وقضية عدم السماح بالإفراج عن المعتقلين بكفالة مالية أو فرض غرامات مالية كبيرة تتجاوز 25 ألف شيكل”.
وكشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أمس الثلاثاء، عن استمرار سوء الأوضاع الاعتقالية التي تعيشها الأسيرات في سجن “الدامون”، والمفروضة عليهن وفقًا لسياسة التصعيد التي بدأت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ ووفقا لمحامي الهيئة الذين زاروا السجن، فإن الأسيرات محتجزات داخل أقسام ضيقة، في درجات حرارة ورطوبة عالية جدا وذلك بحسب شهادات عدد من الأسيرات.
ولفتت الهيئة أن عدد الأسيرات حاليا في الدامون بلغ 84 أسيرة منهن ثلاث أسيرات من قطاع غزة.
المصدر : عرب 48