تصعيد الاحتلال المتكرر على حي الزيتون.. محاولات إسرائيلية لتعزيز السيطرة تُفشلها المقاومة

يشهد حي الزيتون في قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، حيث يتعرض لقصف مكثف وهجمات عنيفة منذ أكثر من 20 يومًا، تتركز على تدمير المباني السكنية والبنية التحتية الأساسية، وهذه الهجمات تأتي ضمن استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تفكيك المجتمع الغزي وإضعاف قدرات المقاومة في المنطقة.

ويُعدّ تدمير المباني في حي الزيتون، وهو أحد الأحياء الحيوية والأكثر كثافة سكانية في غزة، ليس مجرد عملًا عسكريًّا بل جزء من سياسة تهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى.

وبدأ جيش الاحتلال قبل 3 أسابيع عملية عسكرية جديدة لتوسيع توغله البري في حي الزيتون، ممتدًا إلى ما بعد شارع 8 ودوار دولة، ورغم ذلك، أحبطت عمليات المقاومة في الخطوط الخلفية للجيش أهداف الاحتلال بفعالية.

ومع تكرار فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه في الحي، يعتمد على تدمير المرافق المعيشية والخدمية، وارتكاب المجازر لمحاولة كسر إرادة المواطنين وصمودهم.

ويرى خبراء مختصون  أن الهجمات على حي الزيتون جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تقسيم غزة وإعادة تشكيلها بطريقة تضمن تقليل فعالية المقاومة وفرض واقع جديد يكرس العزلة والتفوق العسكري الإسرائيلي.

“الأبعاد الاستراتيجية لتغيير معالم غزة: رؤية عسكرية”..

يقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، إن هناك أبعادًا أخرى لهذه الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن المخطط يشمل تغييرات جغرافية وديموغرافية تهدف إلى محاصرة غزة على المدى الطويل.

ويضيف “الشرقاوي، أن المرحلة الحالية قد تمثل المرحلة الرابعة من حرب نتنياهو على قطاع غزة، موضحًا أن تقسيم غزة إلى مربعات وعزل المناطق بعضها عن بعض قد يكون جزءًا من مخططات الاحتلال لإحياء خطة شارون القديمة

ويوضح “الشرقاوي” أن هذه الخطة تهدف إلى تغيير ملامح غزة الجغرافية لتضييق الخناق على المقاومة ومحاصرة أماكن وجودها، بدءًا من أحياء الزيتون والصبرة والمناطق المجاورة.

ويلفت إلى أن السيطرة على هذه الأحياء الهامة ستعزز استمرار الاحتلال لفترة أطول، حيث يؤكد أن هناك توصيات من أجهزة الأمن الإسرائيلية بتمديد التواجد العسكري في غزة لسنة أخرى.

أن الاحتلال يعتمد تكتيكًا عسكريًا وسياسيًا في آن واحد، ويعتقد أن هذا النهج سيساعده في تحقيق أهداف الحرب على غزة.

ويؤكد أن الهدف الأيديولوجي لشخصيات إسرائيلية هو مسح ذاكرة الجيل الحالي والأجيال القادمة، من خلال تدمير الأماكن التاريخية وتشتيت ديموغرافية غزة ما قبل 7 أكتوبر.

ويُبين “الشرقاوي” أن هذه الاستراتيجية، إذا نجحت، ستترك أثرًا نفسيًا ومعنويًا على سكان غزة الحاليين والأجيال القادمة، وكذلك على المقاومة، موضحًا أن الحصار وتضييق مناطق سيطرة المقاومة جزء من هذا المخطط، ويبدأ بتطبيقه في أحياء الزيتون والصبرة.

ويرى أن حيي “الزيتون والصبرة” يعتبران تجربة أولية، وإذا نجحت، فإن الاستراتيجية ستشمل باقي مناطق القطاع، مُشيرًا إلى أن الهدف النهائي هو السيطرة المحكمة على القطاع، وهو هدف يبدو صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا.

ويوضح في النهاية أن إدارة هذه الحرب أمريكية بالكامل، ولا يستبعد أن تكون الأحداث في شمال غزة تتم بتوجيه أو إيحاء من الولايات المتحدة.

كيف تسعى إسرائيل لإدامة الذرائع لتبرير جرائمها؟

وفي ضوء ما يصفه اللواء يوسف الشرقاوي من تحولات استراتيجية تهدف إلى تغيير معالم غزة ومحاصرة المقاومة، يشير المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع إلى أن هذه الاستراتيجية ليست مجرد تكتيك عسكري، بل تسعى أيضًا إلى إدامة الذرائع التي يختلقها الاحتلال لتبرير جرائمه وتهديد مقاومة القطاع.”

ويتحدث “مناع” أن الاحتلال يبحث دومًا عن مبررات في قطاع غزة للاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة، ويسعى لتصفية حساباته مع المعاقل الأكثر كثافة للمقاومة مثل أحياء الزيتون والصبرة.

ويوضح “مناع” أن الأثر النفسي على الوعي الجماهيري بأن الجيش يستهدف هذه الأحياء كبير، حيث يروج الاحتلال أنه يستهدف معاقل قيادات حماس والمقاومة بشكل عام.

ويبين الخبراء أن محور نتساريم يُعد ذا أهمية استراتيجية لإسرائيل، كونه يمثل قاعدة عسكرية ومعلوماتية يمكن أن تنطلق منها أي عمليات عسكرية. وعليه، يُنظر إلى كل عملية باعتبارها جزءاً من استراتيجية جمع المعلومات وتقطيع أوصال القطاع بشكل شامل، إضافة إلى أن التدمير والقصف يأتي كرد فعل انتقامي على فرح الفلسطينيين في 7 أكتوبر.

ويشرح “مناع” أن استهداف البنية التحتية، المباني، والمدارس ينبع من محاولة توليد ضغط داخلي على المقاومة، بالتوازي مع الضغط العسكري، مؤكدًا أن الاحتلال يسعى لتقليب الرأي العام وشق الجبهة الداخلية، على أمل الوصول إلى هزيمة المقاومة، رغم أنهم يعتقدون أن هذا لن ينجح.

ويُشير ضيفنا إلى أن الاحتلال يستخدم مبررات الاستمرار في الحرب، مدعيا الاحتلال أن هناك مجموعات وبنية تحتية عسكرية لم يتم تفكيكها بعد، ما يبرر إطالته لأمد الحرب.

ويؤكد “مناع” أن استراتيجية حصر المقاومة في أماكن محددة وقطع التواصل بينها بهدف إضعاف إمكانياتها هي سياسة متبعة منذ بداية الحرب البرية.

ويضيف “مناع” أن الرأي الدولي لا يعتبر مهمًا كثيرًا لإسرائيل، حيث إن الولايات المتحدة تقود الحرب وتقدم الدعم الكامل لها، وتُعتبر هذه العمليات جزءًا من الأهداف العسكرية الإسرائيلية وفي إطار البحث عن الأسرى في غزة.

“فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية”..

بينما يوضح ياسر مناع أن الاحتلال يستخدم الذرائع لتبرير تصعيده ضد أحياء المقاومة، يشير عمر جعارة إلى أن هذه الادعاءات لا تعدو كونها محاولة لتغطية فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، حيث يعاني من تناقضات في تصريحاته وعدم فعالية في العمليات العسكرية.”

يقول المختص في الشؤون الإسرائيلية، عمر جعارة إن الاحتلال الإسرائيلي لا يمتلك أي استراتيجية للتعامل مع قطاع غزة سوى الضغط على المدنيين.

ويؤكد “جعارة” أن كل الادعاءات التي يروجها الإسرائيليون بشأن وجود أسلحة في أماكن الحياة المدنية مثل المساجد والمدارس والمستشفيات هي ادعاءات باطلة، والدليل على ذلك هو فشل تلك الادعاءات في إضعاف المقاومة، بل بالعكس، عززت مقاومتها ووجهت ضربات موجعة للقوات الإسرائيلية.

ويضيف “جعارة” أن إسرائيل الآن تواجه فشلًا عسكريًا واستراتيجيًا، ويظهر ذلك في تناقض التصريحات بين القادة الإسرائيليين، فعندما يتحدث نتنياهو عن انتصار واضح، يرد عليه وزير دفاعه غالنت بوصف تلك التصريحات بالتفاهة والهراء، مبيّنًا أن هذا الصراع المستمر لمدة عام تقريبًا لم يحقق لإسرائيل أي نصر ملموس.

ويوضح ضيفنا أن قادة الجيش الإسرائيلي يطالبون بوضع أهداف واضحة لهذه الحرب، مما يشير إلى أن إسرائيل تخوض هذا الصراع بدون أي رؤية استراتيجية محددة.

وضيف أن نتنياهو يوصف الآن بأنه “سيد الموت” وليس “سيد الأمن”، في إشارة إلى الفشل المتكرر في تحقيق أهداف ملموسة في غزة، مضيفًا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة غير فعالة ولا تحقق أي أهداف استراتيجية.

ويلفت “جعارة” إلى أن المقاومة الفلسطينية لا تزال ثابتة وتواصل ضغطها على الاحتلال، ورغم كل الضغوط العسكرية والمدنية التي يمارسها الاحتلال، إلا أن المقاومة لم تتأثر ولم تتراجع عن مطالبها الواضحة.

يضيف “جعارة” أن التركيز الإسرائيلي على أحياء مثل الزيتون والصبرة يشبه تركيزهم على خان يونس ورفح، مما يدل على افتقارهم إلى معلومات استخباراتية دقيقة حول مواقع المقاومة، ويعتقدون أن المقاومة كانت في خان يونس ثم في رفح، والآن يظنون أنها في الزيتون والتفاح والصبرة.

ويصف ضيفنا، الاحتلال الإسرائيلي في غزة بأنه أعمى، مؤكدًا أن إسرائيل لا تمتلك أي خطة سوى قتل المدنيين واستهداف البنية التحتية المدنية

ويؤكد “جعارة” أنه لا يوجد نجاحات عسكرية للإسرائيليين في المناطق المستهدفة مثل صبرة والزيتون والتفاح وخان يونس ورفح، مما يدل على أن إسرائيل لا تملك أي معلومات عن مواقع المقاومة.

يختتم جعارة بالقول إن إسرائيل لا تملك أي وسيلة لتحقيق النصر الذي يتحدث عنه نتنياهو سوى الادعاءات الفارغة والهراء.

ويشدد أن نتنياهو لا يمتلك خطة استراتيجية للتعامل مع غزة، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي نفسه أكد هذا الأمر، وأن الهدف الوحيد لإسرائيل هو الضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين، وهو ما يشهده العالم بأسره.