تصفية مخيمات الضفة هدف إسرائيلي تحت ستار مكافحة “الإرهاب”

الهدف الحقيقي للحرب الحالية على مخيمات الضفة هو تصفية هذه المخيمات، بما في ذلك هدمها ما أمكن وإبقاء أطلال منها ودفع سكانها خارج حدود المخيمات، وتقويض ومحو دلالة "المخيم" بكل ما تعنيه في السردية الفلسطينية.

لا يمكن عزل الحرب الإسرائيلية المتجددة على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية منذ الثامن والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، والتي أطلق عليها الاحتلال مسمى استعلائي ساخر من قدرة المقاومة الشعبية فيها ، مسمى “مخيمات صيفية”، للإيحاء بأنها ستكون حملة سهلة؛ لا يمكن عزلها عن حقيقة الحرب التي تديرها دولة الاحتلال على مخيمات الضفة الغربية منذ آذار/ مارس 2022 عندما أطلقت عملياتها الوحشية في مخيم جنين تحت مسمى “كاسر الأمواج”، بدعوى مكافحة “الإرهاب” في شمالي الضفة الغربية المحتلة، وإعادة تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة “هيبتها” وبسط سيطرتها شمالي الضفة. ومع أن العملية ظلت مستمرة دون توقف وتجاوزت مخيم جنين لتمتد إلى كل من مخيمات نابلس وطولكرم ، إلا أن سلطات الاحتلال توقفت في أواخر نيسان/ أبريل 2023 من استخدام المسمى المذكور على عمليات الاقتحام، لتفادي رفع منسوب التوتر مع السلطة الفلسطينية في رام الله، بعد أن وصلت قوات الاحتلال في مداهماتها إلى مخيم عقبة جبر قرب أريحا، ما كشف كذب الادعاء الرسمي لإطلاق هذا العدوان، بحصر الأمر في التخلص من “وجع الراس” الذي مثلته جيوب المقاومة في مخيم جنين وظهور مجموعات عابرة للفصائل في نابلس، “عرين الأسود”، وكتيبة بلاطة، بعد ظهور كتائب في جنين.

لكن استئناف هذه الحرب على المخيمات بصورتها السافرة منذ أواخر الشهر الماضين عبر استغلال انشغال العالم بالحرب على غزة، يشير إلى وجود أهداف سياسية أخرى تتخطى وتتجاوز الأهداف المعلنة، بالقضاء على المجموعات المسلحة لمختلف فصائل المقاومة، إلى حرب تصفية للمخيمات، على نحو يبقيها في ظل الدمار الذي تخلفه فيها قوات الاحتلال، على بؤس ظروف المعيشة فيها أصلا، إلى أماكن لا تصلح للعيش، وتزيد من حدة الإحباط الفلسطيني الداخلي، ومفاقمة التوتر في مواجهة السلطة الفلسطينية.

وقد تتجه حكومة الاحتلال أيضا إلى مواصلة الضغط العسكري المتوازي مع الضغط الاقتصادي الذي تظهر نتائجه المباشرة أولا على سكان القرى الفلسطينية البعيدة عن المركز الفلسطيني، ولغاية الدفع ربما باتجاه انفجار الغضب الفلسطيني في نهاية المطاف داخليا ، بما يزيد من حالة الأقسام والتشظي الفلسطيني داخل الضفة الغربية بعد أن حقق الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع، على مر العقدين الأخيرين، كثيرا من الأهداف السياسية لدولة الاحتلال، بغض النظر عن هوية الحكومة التي تشكلت فيها.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحملة التي تشنها دولة الاحتلال منذ حرب الإبادة على غزة، وحتى قبلها ضد وكالة الغوث وتشغبل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي الحملة التي تتوافق عليها كافة الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية (أي باستثناء القائمتين العربيتين في الكنيست)، فبإمكاننا ترجيح أن يكون الهدف الحقيقي للحرب الحالية على مخيمات الضفة هو تصفية هذه المخيمات، بما في ذلك هدمها ما أمكن وإبقاء أطلال منها ودفع سكانها خارج حدود المخيمات، وتقويض ومحو دلالة “المخيم” بكل ما تعنيه في السردية الفلسطينية، من كونه محطة “مؤقتة” لحين العودة إلى الوطن مهما طالت مرحلة اللجوء في المخيم، سواء كان هذا المخيم داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، أم في دول اللجوء العربية.

ومع أن “تبريرات” وذرائع الاحتلال في كل مرة يشن فيها عدوانا تدميريا على مخيم ما، هي هي من دون تغيير، إلا أن التركيز على مخيمات شمالي الضفة ووسطها ثم الانتقال مؤخرا إلى مخيم الفارعة، يشي بأن هذه الحرب تسيير وفق خطة متكاملة وليست مجرد ردود أو انتقام على عمليات تخرج من هذا المخيم أو ذاك. ويبدو أن الهدف الأساسي، في ظل تواصل ضعف السلطة الفلسطينية وأذرعها، وتقاعسها عن حماية شعبها، هو عملية استباقية لنزع شوكة مراكز المقاومة في قلب الضفة الغربية، تمهيدا لتمرير مشاريع تصفية كاملة، قبل أن تترسخ أو تنشأ حركة مقاومة جديدة صفتها الرئيسية أنها عابرة “للفصائل”، وعابرة للمخيمات تطال الضفة الغربية المحتلة كلها، وتكون قادرة بفعل بُعدها عن السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، لكن لالتصاقها بهم الناس بشكل مباشر في المخيمات والقرى وحتى المدن، على فرض تحد حقيقي أمام الاحتلال وأمام محاولات تصفية المخيم ودلالاته، وإسقاط ذلك على القضية الفلسطينية كلها.