بقلم “أسامة خليفة” فيما لو أصبح دونالد ترامب رئيساً

هل يحمل ترامب مبادرة جديدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟. أم يعود إلى طرح صفقة القرن من جديد؟. ثمة شيء جديد دخل إلى معادلة الصراع، لا بد أن يجلب إلى المنطقة مشاريع ومبادرات بشأن الحرب والسلام، لن تنفع بعد الآن إعطاء الأولوية للشق الاقتصادي أو للمضي في إجراءات التطبيع، وإهمال الشق السياسي من الحل، لذلك قد لا تكون تصريحات وخطابات المرشح الرئاسي تعكس برنامج وسياسات واشنطن مع وصول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض، فترامب المرشح للانتخابات لا يريد التصريح بالكثير عن رؤيته المستقبلية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ربما يخبئ شيء ما، يفجر مفاجأة، في الحرب الروسية الأوكرانية، أو في الشرق الأوسط، مثلما كان من أمر الغموض الذي دار حول الإعلان عن صفقة القرن، وما هي بنودها؟.

حالياً تصريحاته ومناظراته في حملته الانتخابية يكرس بعضها لبرنامجه الاقتصادي وبعضها لمهاجمة سياسة بايدن ونائبته هاريس، أكثر مما تعبر عن برنامجه وسياسته التي ينوي أن يمارسها في ولايته، هل سيمارس سياسة جديدة إن عاد إلى حكم البيت الأبيض، فهو يتبنى مشروع «إسرائيل الكبرى»، هذا المشروع الذي يقوم عليه فكر اليمين المتطرف في الحركة الصهيونية العالمية، ضمن مشروع شرق أوسطي جديد، تحتل إسرائيل فيه دوراً مركزياً، بعد المضي بعيداً في التطبيع مع الأنظمة العربية.

الجمعة 16 آب/أغسطس 2024، نقلت القناة 12 الإسرائيلية، عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قوله: «إن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرتُ كيف يمكن توسيعها». في هذا الإطار سبق لترامب أن أعلن واعترف بأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأعلن أن الجولان السوري جزء من إسرائيل الكبرى، ما كان سياسة أميركية غير معلنة لرؤساء آخرين، جاهر بها ترامب صراحة ووضوحاً، دون اهتمام لردود فعل عربية أو إسلامية، قد تكون مهتمة على الأقل بشأن مدينة القدس والأقصى، ومكانتهما بالنسبة للمسلمين، وليس للفلسطينيين فقط.

خَبِر الشعب الفلسطيني سياسة مرشح الرئاسة الأميركية ترامب خلال وجوده في البيت الأبيض لأربع سنوات «20 كانون الثاني/يناير 2017 ـــــــ 20 كانون الثاني/يناير 2021»، كان خلالها معاد بشدة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ومؤيد قوي لإسرائيل وتحديداً لنتنياهو، وارتبط اسم ترامب بصفقة القرن، التي كانت صفقة لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال فرض الوقائع الميدانية، وحسم المعركة مع الشعب الفلسطيني، بإلغاء معايير الحل السياسي القائم على مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وفرض بدلاً منها معايير رؤية ترامب للحل، التي لا ترى في فلسطين إلا أرض إسرائيلية، ولا ترى في الشعب الفلسطيني إلا مجرد رقم زائد، تدار شؤونهم بعقلية استعمارية كولونيالية متعالية، لا ترى فيهم إلا أتباعاً وخدماً للمشروع الصهيوني، وظهر ترامب متماهياً إلى درجة العنصرية مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، مؤيداً قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل، الذي أقره الكنيست في 19 يوليو 2018، ، أن إسرائيل دولة لليهود فقط.

انتقد ترامب دعوات جو بايدن وكامالا هاريس لوقف إطلاق النار في غزة. وهما لم يعملا حقيقة على وقف إطلاق النار، سوى إطلاق التصريحات التي كان بعضها مهدداً لإسرائيل، كاعتبار اقتحام رفح خطاً أحمر، وهذا الفارق بين سياستين أمريكيتين، محصلتهما واحدة نحو المنطقة والقضية الفلسطينية، سياسة الحزب الجمهوري يمثله ترامب، تتصف بالبلطجة وبالصراحة إلى حد الوقاحة، أما سياسة الحزب الديمقراطي ويمثلها بايدن ونائبته هاريس، تتصف بالخداع والنفاق والاحتيال، سواء جاء ترامب أو جاءت هاريس إلى البيت الأبيض، السياسة الأميركية نهجها واحد تجاه المنطقة، بايدن يعلن رغبته بوقف إطلاق النار، ويقدم السلاح والمساعدات، والتغطية السياسية لجرائم الاحتلال، ويقدم كل ما يساعد إسرائيل على الاستمرار في العدوان على شعبنا. أما ترامب فقد ذكر عندما سئل: عما إذا كان يشجع نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار، قال: «لا، لم أشجعه، فهو يعرف ما يفعله، لقد شجعته على إنهاء هذا الأمر»، ويخاطبه قائلاً: «تريد إنهاء الأمر، لذا يجب أن ينتهي بسرعة، لكن انتصر، وأنهي الأمر ويجب أن يتوقف القتل. إن إسرائيل يجب أن تنهي ما بدأته فيما يتعلق بعمليتها العسكرية في غزة». هذا في أواخر يوليو/تموز الماضي خلال زيارة نتنياهو لواشنطن لإلقاء كلمة في الكونغرس، التقى بترامب في مقر إقامته، فحثه أن يحقق انتصاره، وينهي هذا الأمر.

الشعب الفلسطيني ليس بحاجة أن يكتشف سياسة ترامب في الدعم المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، ويعي شعبنا أن ترامب أو هاريس إن وصلا إلى البيت الأبيض سيدعم أو ستدعم إسرائيل بكل الوسائل، ويريد أو تريد أن تسحق إسرائيل المقاومة، وتكسر إرادة الفلسطينيين، لكن كيف سيضمن ترامب الانتصار لهم في هذه المعركة؟. النصر هو لصاحب الإرادة الأقوى في النهاية، التي لن تهزمها إسرائيل، ولا الدعم الأميركي كما يريد السيد ترامب، عندما قال: «سأقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاج إليه للانتصار، لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة»، كأن ترامب يجهل أن نحو عام قد مضى من العدوان الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني، ولم يحقق جيشهم المتفوق عدداً وعتاداً أي من أهدافه المعلنة حتى الآن وأثبتت الوقائع أنه لن يستطيع أن يحققها في المستقبل. يظن السيد ترامب أن من يمنع إسرائيل من النصر ليس المقاومة الفلسطينية الباسلة، ولا شعب فلسطين الصامد، بل السيدة هاريس، منافسته في سباق الرئاسة، يقول: «منذ البداية، تعمل هاريس على تكبيل يد إسرائيل خلف ظهرها، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، تطالب على الدوام بوقف إطلاق النار». وأضاف: أن «وقف الحرب ليس من شأنه إلا منح (حركة المقاومة الإسلامية) حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها وشن هجوم جديد على غرار هجوم السابع من أكتوبر».

السؤال الآخر، فيما لو فاز في الانتخابات القادمة، كيف سيكون حال المتظاهرين الأميركيين المناصرين للقضية الفلسطينية في عهده ؟. وقد توعد ترامب المناصرين للفلسطينيين الذين يطالبون بإنهاء الدعم الأميركي لحرب إسرائيل، ووصفهم بأنهم «بلطجية من أنصار حماس» و«متعاطفون مع التطرف». وهدد «باعتقالهم وترحيلهم من الولايات المتحدة إذا أصبح رئيساً».

فيما لو وصل ترامب إلى البيت الأبيض، هل ستعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل على تفكيك السلطة الفلسطينية؟. هو احتمال وارد، في ظل انهيار السلطة بسبب ممارسات سلطات الاحتلال وفرض عقوبات عليها مالية وغير مالية ومنعها من تحمل مسؤولياتها نحو الشعب الفلسطيني، تصريحات اليمين الإسرائيلي المتطرف، تعبر بوضوح عن ذلك، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قال: إن «الوقت قد حان لانهيار السلطة الفلسطينية اقتصادياً».لكن يتحدث المسؤولون الأميركيون عن سلطة فلسطينية متجددة، أي إعادة تشكيلها وفق المتطلبات الأميركية والإسرائيلية لتقوم بدورها الوظيفي المحدد لها بالحفاظ على أمن إسرائيل.

الخيار الآخر هو تقليص السلطة إلى إدارة ذاتية للسكان، بدل ما هو مفترض بموجب اتفاقية أوسلو، أن تتحول السلطة إلى نواة لدولة فلسطينية مستقلة، رغم أن ترامب في فترة رئاسته الولايات المتحدة أعلن عن ترجيحه «حل الدولتين»، الدولة الفلسطينية وفق رؤيته لا تتمتع بالسيادة الكاملة لا على حدودها ولا على مواردها ولا على ثرواتها الطبيعية. مشروع «حل الدولتين» لم تكن مطروحة كأولوية على جدول أعمال إدارة ترامب خلال فترة رئاسته، ولم يكن هناك ما يستعجلها فلسطينياً أو عربياً، وتم ترحيل المسار التفاوضي إلى أمد غير منظور، بذريعة تمهيد الطريق أمام «السلام السياسي»، من خلال أطروحات من أمثال: «إجراءات بناء الثقة» أو «تقليص الصراع»، أو «مبادرات السلام الاقتصادي»، أعطت إدارته الأولوية لما سمته إرساء أسس الرخاء والأمن وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، أما الآن وقد التهبت الأرض تحت أقدام الاحتلال، في ملحمة طوفان الأقصى، فالقضية الفلسطينية فرضت نفسها كأولوية على جدول أعمال الإدارة الأميركية أياً تكن جمهورية أم ديمقراطية، كما فرضت نفسها كأولوية على المؤسسات والمنظمات الدولية.

مقدمات الخيارين ( تفكيك السلطة الفلسطينية، أو تحويلها إلى إدارة ذاتية للسكان) قائمة في قرار الكنيست رفض قيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر في 18 تموز/ يوليو 2024. واعتبرت الكنيست «أن إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة». وهذا يتفق مع أفكار ترامب التي يعبر عنها ما قاله عن هاريس أنها تسعى لدمار إسرائيل، وهذا يخالف مبادى الولايات المتحدة في حماية اسرائيل.

لم تكن حكومة إسرائيل لتقدم على خططها الاستعمارية، وإطلاق برنامجها لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 لولا الانحياز الكامل لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، لو لم تكن مستندة إلى دعم أميركي مطلق يصل إلى حد الشراكة التامة مع الاحتلال، هذا الدعم وهذه الشراكة يتوقع لها أن تكون أشد وأخطر على القضية الفلسطينية في ولاية ثانية لترامب.

في عهد ترامب لم تعد المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، واعترفت واشنطن بشرعية الاستيطان في انتهاك فظ لقرار مجلس الأمن الرقم 2334-2016 المناهض للاستيطان، وبات بإمكان دولة الاحتلال أن توسع مشاريعها الاستيطانية في أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، واتبع ترامب سياسة قامت على الاستخفاف بالقوانين والشرعية الدولية، وإدارة الظهر للاتفاقيات والمؤسسات الدولية في محاولة منه لفرض الأمر الواقع، وبما يخص القضية الفلسطينية نسف قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وأسبغ شرعيته الخاصة على ممارسات سلطات الاحتلال باعتبارها تشكل الأساس الواقعي لحل القضية وفقاً لرؤية وردت في صفقة القرن. لقد كان طرح «الحل الاقتصادي» طرحاً اسرائيلياً من قبل نتنياهو، لكن تبنته إدارة ترامب، ومن بعدها إدارة بايدن، باعتبار «الحل الاقتصادي» الحل الوحيد الممكن والمتاح في هذه المرحلة، وأن تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين في مناطق السلطة، تبعد الشعب الفلسطيني عن النضال الوطني التحرري، فكلما تحسن مستوى المعيشة لدى الفلسطينيين، كلما ابتعدوا عن اللجوء لاستخدام «العنف»، وساد الهدوء في الأراضي المحتلة، وكلما نجحت السلطة الفلسطينية في مكافحة «الإرهاب».