الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 26/9/2024

من نيويورك.. الزوجان نتنياهو: لماذا رفضوا تأجيل الكلمة يوماً واحداً لأطمئن على “جبهة ميامي”؟

بقلم: أوري مسغاف

قبل خمس سنوات، في 27 أيلول 2019، أرسل “إسرائيل كاتس” لإلقاء خطاب بدلاً من نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. “أنا إسرائيل كاتس، ابن عائلة ناجية من الكارثة، ابن مئير وملكا كاتس المرحومين، أتفاخر اليوم بوقوفي هنا على منصة الأمم المتحدة بصفتي وزير خارجية دولة إسرائيل. هذه لحظة مؤثرة جداً”.

حصل كاتس على هذه اللحظة المؤثرة لأنه قبل عشرة أيام من ذلك، كانت هناك جولة انتخابات في إسرائيل، تبين بعدها أنه لا يمكن لنتنياهو أن يشكل الائتلاف. إنقاذ الحكم يلغي حتى السفر إلى الأمم المتحدة. لذلك، اكتفت إسرائيل بكاتس، الذي سيقول في القاعة الفارغة بأن “إيران دولة إرهاب كبرى في العالم، ومؤيدة للإرهاب في العالم… يجب على الأمم المتحدة إدراج حزب الله وحرس الثورة الإيراني في منظمات إرهابية”.

لكن الحرب المشتعلة في الشمال والجنوب ليست سبباً كافياً للتنازل عن منهاتن. لذلك، سافر رئيس الحكومة صباحاً بطائرة “جناح صهيون” إلى نيويورك لإلقاء خطاب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول إيران والمنظمات الإرهابية. في الفترة الأخيرة، بذل مكتب رئيس الحكومة الكثير من الجهود الدبلوماسية لتأجيل الخطاب إلى يوم الجمعة بدلاً من الموعد الأصلي، اليوم. هكذا فإنه هو وزوجته سيضطران لعدم خرق حرمة السبت وسيقضمان الأظافر في فندق “لويس ريجنسي” الفاخر. الابن يئير، الموجود في جبهة ميامي، ينتظرهما هناك مع عشرات رجال الحراسة من “الشاباك”.

الانفصال والاستخفاف والوقاحة، التي تتمثل في مغادرة إسرائيل التي تتعرض للقصف، ثم تحارب لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة (زيلنسكي في ظروف مشابهة استخدم “الزوم”)، كل ذلك استعارة نموذجية لحكم نتنياهو. المشكلة أن التعاطي مع هذه القضية سيخدمه أيضاً. نحن نكتب ونثور ضد ذلك، وجوقة الأبواق تشرح بأن السفر حيوي، وتسمّينا حامضين. هكذا ستأتي خدعة أخرى تصمد لبضعة أيام وتحرف الانتباه عن الجوهر.

بعد ذلك، ستسير القضية في الطريق التي سارت فيها كل الخدع: تعيين جدعون ساعر في منصب وزير الدفاع، محور فيلادلفيا، ممر نيتساريم، تعزية الحنان دنينو، مراسم الذكرى الحكومية ومراسم الذكرى الشعبية – الوطنية، إلقاء حفنة من الرمال في وجه بن غفير، “التحريض المتزايد على نتنياهو”، انسحاب غانتس وآيزنكوت من الائتلاف. كم هي الطاقة والنقاشات والتحليلات والأقوال عن كل ذلك.

هذا هو شرك نتنياهو، الإنجاز الأكبر والوحيد الذي يمكن الاختلاف حوله: قبضة حديدية على الخطاب وأجندة الأخبار. ولإزالة الشك، ثمة جوهر أيضاً: مذبحة 7 تشرين الأول، وحرب 8 تشرين الأول، الرد على إطلاق النار في الشمال بعد مرور سنة هو أيضاً جوهر، وعودة المخطوفين والتخلي عنهم والتضحية بهم هو الجوهر (الذي سيصبح بعد لحظة خدعة، باعتباره “مع” أو “ضد” إعادة المخطوفين).

لكن نتنياهو مهدد من الجوهر، ووضعه في مجال الجوهر غير جيد. إسرائيل في وضع أمني، سياسي، اقتصادي – اجتماعي، فظيع ومخيف. يبدو أنه الأسوأ في تاريخها، ولا أفق أو أمان أو مستقبل لها. وهذا بحد ذاته لا يخيف نتنياهو؛ فالدولة لا تهمه، ولا يهمه سوى الحكم والهرب من أفعاله. ولكنه يخاف مما يعتبر “رعب الفراغ”، اللحظة التي يغيب فيها الحديث عن محور فيلادلفيا أو ساعر، بل عنه وعن الوضع وعن القصة الكبيرة.

في العقد الأخير، يجري في السياق الأمني نقاش واسع حول المعركة بين حربين، ها هي المعركة بين حربين لنتنياهو: التجول اللانهائي في قطار الجبال الذي يتعرج بين قمة الخدعة المناوبة وهاوية الضياع والانكسار. على الرزنامة تاريخان يزعجان المعركة بين الحربين، شهادته في كانون الأول 2024 والانتخابات في تشرين الثاني 2026. سيبذل كل ما في استطاعته لتأجيلهما. خلافاً لسفره إلى نيويورك، فإنه من غير المحتمل أن ينشغل بمحاكمة صغيرة وسياسة صغيرة أثناء الحرب.

——————————————–

هآرتس 26/9/2024

مذيعان إسرائيليان لضيفهما: نأمل استضافتك مرة أخرى حاملاً كيساً تقطر منه الدماء

بقلم: جدعون ليفي

لحروب إسرائيل الاختيارية نموذج ثابت؛ فهي دائماً تبدأ بالقول إن إسرائيل غير معنية بها. في كل الحالات لا، أو ليس الآن. هذا هو النداء الأول للإسراع وإعداد الملاجئ. بعد أن تعلن إسرائيل بأنها غير معنية بالحرب، تبدأ في إشعالها.

الطرف الثاني، الذي يقولون عنه بأنه هو أيضاً غير معني بالحرب، يؤججها ويستفزها، كي لا يظهر وكأنه ضعيف؛ يتقاسمون الغباء بالتساوي. في هذه الأثناء، تجرى مفاوضات دبلوماسية مستعجلة تهدف لمنع الحرب. التقارير متفائلة. إسرائيل مبدئياً لا تؤمن بالدبلوماسية، وتتعاون مع الوسطاء وتلقي بالتهمة على الطرف الثاني. هي أعطت الدبلوماسية فرصة. شيك.

النيران تزداد. إسرائيل لن ضبط نفسها. ثمة اتفاق بالإجماع في إسرائيل على أن ذلك لن يستمر بهذا الشكل. سلاح الجو يبدأ بالهجوم. اللون يعود إلى وجوه الإسرائيليين، حتى آخر اليساريين الصهاينة. أجهزة “بيجر”، قيادات، خلايا، منصات إطلاق وشخصيات رفيعة… كلها تشتعل. يصاب الرأس بالدوار من القدرات المدهشة. يبدو النصر أقرب من أي وقت مضى، ومعه الحل المطلق، الذي لم يكن أكثر قرباً من ذلك. أخيراً أريناهم، وجعلنا شعبنا يرى. شعور مسكر. ثمة بصيص أمل بعد أسابيع من الخوف والإحباط. تمت تصفية رئيس منظومة الصواريخ. والرقم 3 لم يعد موجوداً.

وصلنا إلى هذه المرحلة في هذا الأسبوع؛ مفاجآت سلاح الجو وصلت إلى عنان السماء، وانتصبت القامة مرة أخرى. في القناة 14 طلب مقدما البرنامج من الضيف بأن يأتي إلى الاستوديو في المرة القادمة ومعه كيس بلاستيكي تقطر منه دماء رأس يحيى السنوار. ليس الجميع برابرة، لكن الجميع يؤيدون عمليات قصف سلاح الجو. لأنه ماذا سنفعل؟ فعمليات القصف الجوي تبدو حرباً ذات ثمن زهيد. في ظل عدم وجود دفاعات جوية، سواء في لبنان أو غزة، فهي حرب نظيفة من وجود ضحايا إسرائيليين: يحلقون، يقصفون، يقتلون، يدمرون ويعودون بسلام إلى القاعدة.

الأضرار الجانبية، التي هي ليست جانبية على الإطلاق، لا تهم أحداً؛ إذ من سيتجرأ على الوقوف ضد هدم ثلاثة طوابق فوق رؤوس ساكنيها مقابل رأس رئيس منظومة الصواريخ؟ ومن سيتجرأ على قول شيء ضد عملية مثيرة جداً، مثل تفجير أجهزة البيجر؟ حتى قتل 500 شخص مثلما حدث في أحد أيام الأسبوع، كانت عملية قتل مبررة جداً. النشوة قصيرة، لكنها كثيرة الدماء في الطرف الثاني. الجثث، المعاقون، الدمار والمهجرون، تراكموا إلى درجة الوصول إلى كارثة كاملة. تقول إسرائيل إنها لا تريد عملية برية بأي شكل من الأشكال، أو لا تريد ذلك في الوقت الحالي. ضغط القصف سيفعل فعله في نهاية المطاف، والعدو سيستسلم. بعد بضع طلعات سيبعث “كيبوتس المنارة” للحياة.

بعد ذلك، يصل صاروخ إلى تل أبيب الكبرى. وبعده صاروخ آخر وآخر، رغم نجاح سلاح الجو والبيانات المثيرة للانطباع عن “تدمير القدرات” (كل حرب لها تجديد لغوي خاص بها. في غزة “المناورة”، في لبنان “تدمير القدرات”). لم تفحص إسرائيل حتى الآن القيام بعملية برية.

ستعلو الأصوات بسرعة في ذروة إطلاق الصواريخ من قبل العدو المهزوم. وسيحرض المراسلون العسكريون على القيام بعملية برية. يجب إنهاء المهمة. لا خيار. ربما عملية محدودة. بضع كيلومترات ونعود. ربما حزام أمني صغير ومؤقت.

ستنطلق الدبابات فجراً. وكل أخدود تشقه الجنازير في الأرض يعمق التورط الذي لا رجعة عنه. ولن يخرجوا لسنوات، سواء من غزة أو لبنان. لبنان سيصبح غزة، والضفة الغربية بالطبع، وستتحول جميعها إلى جهنم.

الجيش الإسرائيلي سيغرق أكثر فأكثر. سيتمكن سكان المطلة من مشاهدة أنقاض بيوتهم في يوم صاف لسنوات كثيرة. ها هي حرب أخرى ستنجح وتجلب لنا نصراً آخر. وهي أيضاً كانت حتمية فرضها علينا مصيرنا القاسي. حرب لا يمكن تجنبها.

——————————————–

هآرتس 26/9/2024

“الجزيرة” تعري الإعلام الإسرائيلي وتفقأ فقاعته: من يوقف حكومة اليمين المتطرف؟

بقلم: أسرة التحرير

إن إغلاق المكاتب الرسمية لشبكة “الجزيرة” في مبنى “سيتي سنتر” في رام الله يوم الأحد من هذا الأسبوع هو مدماك إضافي في الصراع للسيطرة الحكومية على وعي مواطني إسرائيل. فما بدأ كمشروع قانون أقر في أيار، أصبح قوة خطيرة وغير محدودة بيد الحكومة ووزير الاتصالات، شلومو كرعي.

الهدف: كم الأفواه، والمس بحرية تعبير الصحافيين، والإصرار على عرض صورة جزئية للواقع على الإسرائيليين. القانون يسمح للحكومة بأن تأمر بوقف بث قناة أجنبية تبث في إسرائيل، إذا ما اقتنع رئيس الوزراء بأن المضامين التي تبث فيها تمس بشكل حقيقي بأمن الدولة.

مكاتب “الجزيرة” في رام الله هي في المنطقة “أ”، التي يفترض أن تكون بسيطرة فلسطينية كاملة. هذا الأمر لم يمنع عشرات الجنود من اجتياح المكاتب بما فيها مدير المكتب وليد العمري، الذي سُلم له أمر الإغلاق. هذا مشهد معيب، مقدمة لمستقبل حرية التعبير في إسرائيل في السنوات القادمة. إسرائيل تنضم بذلك إلى نادي الدول العربية ذات الحكم المطلق التي أغلقت “الجزيرة” لفترات زمنية لتمنع إعلاماً حراً في بلدانها.

إن شبكة “الجزيرة” وسيلة اتصال مركزية في العالم العربي وقناة معلومات مهمة للجمهور في أرجاء العالم أيضاً. الصحافيون القدامى في “الجزيرة” ممن يعملون في الضفة الغربية، يقومون بعملهم منذ أكثر من عقدين على التوالي، العمري أسس المكتب في رام الله وأهّل الصحافية شيرين أبو عاقلة التي قتلت في أثناء التغطية في جنين.

فما هي الأدلة التي لدى الجيش الإسرائيلي أو لدى الحكومة لتدعي بأن عملهم يعرض أمن الدولة للخطر؟ ألأنهم يوثقون ما يجري في الأراضي المحتلة ويثقبون فقاعة الإعلام الإسرائيلي التي تشوش الواقع؟

في ظل الحرب، تواصل الحكومة زرع الخوف في أوساط الصحافيين من على جانبي الخط الأخضر. حكومة اليمين المتطرف ترى في الصحافي الذي يحمل ميكروفوناً ولا يوافق على الثرثرة بلسان الحكومة بل ينتقد أعمال الجيش الإسرائيلي في المناطق، بمثابة عدو.

إن حرية التعبير هي الذخر الأغلى للصحافيين في كل مكان في العالم. وإن مس الحكومة بحرية التعبير من خلال إغلاق الشبكة أمر خطير. اليوم “الجزيرة” وغداً وسيلة إعلامية أخرى؟

على الرغم من أن إغلاق المكاتب لن يمنع عن ناطقي العربية في البلاد وفي العالم معرفة ما يحصل في “المناطق” [الضفة الغربية] فالشبكة ستواصل نشر المعلومات حتى لو لم يكن من رام الله. هذه دعوة طوارئ عاجلة: لا لإغلاق القناة، ويجب السماح للصحافيين بالقيام بعملهم.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 26/9/2024

لقادة إسرائيل: نحن في ورطة ما لم نوقف الحرب

بقلم: آفي شيلون

أيام القتال ضد حزب الله تتخذ صورة الإنجاز للجيش الإسرائيلي الذي يجبي ثمناً باهظاً من المستوى العملياتي لمنظمة الإرهاب ويعطل صواريخ ومنصات أعدت طوال سنين. لإنهاء المهمة دون التورط، يجدر بنا أن نتعلم درساً مما يجري في سنة القتال في غزة. بدأت الحرب في غزة بإنجازات عسكرية وبدعم الولايات المتحدة، لكن التورط نبع من تأخر إسرائيل في عرض صفقة لإنهاء الحرب. فقد كان هذا ممكناً في الأشهر الثلاثة ما بعد صفقة المخطوفين الأولى، في تشرين الثاني، حين كان السنوار يخاف مما قد تفعله إسرائيل في غزة، ومن تدخل جهة بديلة إلى هناك للحكم بدلاً منه. في المرحلة إياها، بحث السنوار عن كل إمكانية لوقف الحرب، وإن كان لزمن ما (ولهذا وافق على الصفقة الأولى التي لم تقدم له إلا هدنة في ظروف مريحة لإسرائيل).

ولكن بدلاً من استغلال اللحظة المناسبة، مثلما اقترح السعوديون والأمريكيون، والبحث في أعقاب الصفقة الأولى عن مخرج سياسي، واصلنا الضرب – ولاحقاً الإصرار على فيلادلفيا – إلى أن لم يتبقَ لحماس المنهارة، وللسنوار الذي يحشر في الأنفاق منذ سنة، ما يخسرونه. والنتيجة أننا نحن من ننتظر منهم الموافقة على صفقة كي نتوقف في غزة ونهدئ الشمال.

الدرس هو معرفة كيف ننهي القتال مع حزب الله في الزمن المناسب والأقصر. والأنسب مواصلة ضربهم بقوة من الجو، وبالتوازي نقل رسالة، للبنان ولحماس على حد سواء، بأننا مستعدون للتوقف في غزة مقابل كل المخطوفين.

إن إمكانية إنهاء الحرب في غزة ستمنح نصر الله المضروب الذريعة لتبرير استعداده لسحب قواته. في مثل هذا الوضع قد يضغط نصر الله نفسه على السنوار للموافقة على الصفقة بسرعة، كي يفقد حزب الله أقل ما يكون في الشمال.

ربما يعرض نصر الله نفسه كمن دافع عن حماس، ويقول السنوار إن حماس نجت، لكن سكان الشمال سيعودون إلى بيوتهم وحزب الله منسحب مضروب. والسنوار هو الآخر، الذي سيبقى هدفاً للتصفية، لن يخرج كمنتصر، كما عرض نفسه في الجولات السابقة. غزة تنهار هذه المرة. عملياً، سيكون مصيره خارج الأنفاق أسوأ من مكانته ما دام مختبئاً. ومن المعقول أن بعد عودة الغزاويين إلى بيوتهم المدمرة سيتعاطون مع السنوار كما تعاطى الفلسطينيون مع الحاج أمين الحسيني الذي قادهم في الـ 1948: الزعيم الفاشل الذي جلب عليهم نكبة.

إذا لم نعرف كيف نرفع اقتراحاً للإنهاء في غزة بالتوازي مع العمليات في لبنان، وبافتراض أن نصر الله لن يستسلم حتى لو تلقى ضربات قاسية، سنضطر للمناورة البرية، وعندها سنفقد رافعة التهديد الأساس على لبنان كما سنغرق بأشهر أخرى من الحرب في جبهتين. مثل هذا الوضع، حتى لو انتصرنا في الحربين في النهاية، فهو سيئ لإسرائيل.

في حياة الدول، كما حياة الناس، ثمة أوضاع معقدة تتطابق فيها مصلحتهم مع مصلحة الخصم. الحياة ليست لعبة مبلغها الصفر. في هذه اللحظة – ما لم تتطلع إسرائيل وعن حق إلى حرب إقليمية – فإن لحماس وحزب الله وإسرائيل مصلحة مشتركة لإنهاء الحروب. من يعرف كيف يربط هذا بمصلحته سيكون المنتصر. ومن المهم الإظهار بأننا قوضنا حماس وحزب الله سنوات إلى الوراء. وعليه، فإن القتال في لبنان يجب أن يتم على خلفية اقتراح إسرائيلي يؤدي من خلف الكواليس إلى إجبار نصر الله الضغط على السنوار للموافقة على صفقة.

إذا ما جررنا إلى مناورة برية، وإن تعرض حزب الله وحماس لمزيد من الضربات، لكننا في السطر الأخير، كدولة محبة للحياة علقت في الحرب الأطول في تاريخها، سنكون قد خسرنا.

——————————————–

 معاريف 26/9/2024

لقادة إسرائيل: إياكم و”فينوغراد2.. الاجتياح البري هو الحل

بقلم: أفرايم غانور

الميل الإيراني المغرض معروف وواضح ويعمل ضدنا منذ نحو سنة: خوض حرب استنزاف طويلة ومريرة في عدة جبهات تؤدي بدولة إسرائيل إلى انهيار اقتصادي واجتماعي وأمني، لا يمكن تجاهل حقيقة أن للإيرانيين نجاح لا بأس به في تنفيذ خطتهم بعيدة المدى التي تتواصل منذ سنة ولا تبدو نهايتها في الأفق.

هذه الخطة وصلت في الأسبوعين الأخيرين إلى مرحلتها الحرجة والحاسمة. وبعد أن أصبح شمال دولة إسرائيل بعد 11 شهراً من الحرب “أرضًا سائبة” مهجورة من السكان وعرضة لقصف يومي من الصواريخ والمُسيرات خلفت وراءها دماراً وخراباً وآلافاً من الدونمات المحروقة، قررت دولة إسرائيل أخيراً العمل في الشمال وتثبيت عودة النازحين إلى بيوتهم بأحد أهداف الحرب.

بشكل واضح ومتوقع، كُلف سلاح الجو بعبء المهمة الأساس لمواجهة قدرات إطلاق الصواريخ الهائلة لدى حزب الله، هذا إلى جانب شعبة الاستخبارات والموساد والعمل بقوة كبيرة في لبنان وسوريا.

انضم لهذا النجاح الكبير والمفاجئ الذي أذهل حزب الله في تفجير أجهزة الاتصال لدى رجاله، العملية التي أثبتت مستوى استخبارياً وقدرات غير متوقعة، ولكنها وإن كانت آلمت حزب الله لم توقف إطلاق الصواريخ والمسيرات، بل وتسببت بتوسيع مداها وإصابة أهداف “حساسة”.

وانطلاقاً من نية مواصلة خوض حرب الاستنزاف هذه رغم “التصفيات” في القيادة ورغم الضربة الشديدة لمنظومة الصواريخ والقواعد والمعنويات، يتبين أن دافع وميل حزب الله وإيران لمواصلة حرب الاستنزاف هذه بقي صلباً دون أي مؤشر انكسار ونية لوقف النار.

هذه الحقيقة تبعث ذكريات وحقائق من حرب لبنان الثانية. في 2008 نشرت لجنة فينوغراد تقريرها النهائي عن حرب لبنان الثانية، وكتبت بأنه “كان اعتقاد زائد بقوة سلاح الجو. إحساس مغلوط في أن الحل سيكون جوياً”.

من المهم تناول هذه الحقائق، ولا سيما في هذه الساعات الصعبة، حين يوسع حزب الله بنك أهدافه، ويزيد المسافات، ومن حيث الوقائع لا يمكن تغيير الواقع وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم دون مناورة برية واسعة وذكية يقوم بها الجيش الإسرائيلي داخل أراضي لبنان.

لقد علمنا التاريخ بأن أعداءنا المريرين يفهمون معنى القوة، يتضح هذا عندما يرون دبابات وجنود الجيش الإسرائيلي يسيطرون على الأراضي التي كانت تحت سيطرتهم.

لا مناص من العمل فوراً برياً في مناورة تكون محدودة حتى الليطاني، مسافة تكفي لخلق “شريط أمني” ناجع لإعادة السكان إلى الشمال. وبالفعل، إذا ما واصل حزب الله عادته في إطلاق الصواريخ والمُسيرات نحو أراضي الدولة، فستعمل إسرائيل على “محو” قرى معادية من على وجه الأرض، مثل كفر كلا، عديسة، مركبة، حتى يروا وتخاف الأجيال القادمة أيضاً.

هذه المناورة ستشكل جزءاً من خطة سياسية تطرحها الحكومة على الجيش لإنهاء الحرب، وتشكل أساساً للمفاوضات لوقف نار طويل المدى مع حزب الله، وربطه باتفاق لإعادة المخطوفين من حماس.

مثل هذه المناورة داخل لبنان ستؤدي بلا شك إلى خطوة توقف هذه الحرب، بسبب تدخل دولي مكثف خشية اشتعال حرب إقليمية وكذا لخوف الإيرانيين من فقدان ذراعهم الأهم والأقوى حيال إسرائيل.

——————————————–

هآرتس 26/9/2024

إسرائيل بين “الإشارة الغامضة” في الباليستي والساعة 6:29 صباحاً: ما نية “حزب الله”؟

بقلم: عاموس هرئيل

جند الجيش الإسرائيلي أمس لواءي احتياط إضافيين بإنذار قصير إلى الحدود في الشمال. كبار القادة في الجيش أطلقوا تحذيرات بشأن احتمالية عملية برية قريبة في لبنان. في الدولة الجارة تستمر أجواء الرعب على خلفية هجمات جوية كثيفة من إسرائيل، ويستمر الهرب الجماعي للسكان من الجنوب نحو الشمال. ولكن لا تبدو حتى الآن أي عملية برية إسرائيلية. في الفترة الأخيرة، تجري جهود وساطة محمومة لمنعها، في إطار مبادرة أمريكية جديدة تحاول إملاء هدنة في المعارك لبضعة أشهر، وربط ذلك بصفقة مع حماس في قطاع غزة.

تبدو الاحتمالية ضئيلة جداً في الوقت الحالي، لكن مظاهر التصعيد والقتل في الجبهة الشمالية ستظهر الأخطار الكامنة لحرب إقليمية شاملة، وتحث على القيام بوساطة أكثر تركيزاً. حتى الآن، وجدت الإدارة الأمريكية صعوبة في التوصل إلى صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار في القطاع. وفي الوقت نفسه، تعهد رئيس حزب الله، حسن نصر الله، بأن حزبه لن يوقف إطلاق النار نحو إسرائيل ما استمر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.

جنود الاحتياط الذين استدعوا بسرعة ينتمون للواءي احتياط في سلاح المشاة، وسينضمان للفرقة 98 التي تم نقل وحداتها إلى قيادة المنطقة الشمالية الأسبوع الماضي. ولكن الحديث يدور عن تجنيد محدود جداً للاحتياط، وبحجم قوات صغير تجمع في الشمال في هذه المرحلة. وللمقارنة، فوراً بعد أن بدأ هجوم حماس في غلاف غزة، تم تجنيد مئات رجال جنود الاحتياط وعدد كبير من الفرق، وتوزعوا بين تعزيز حدود القطاع وحدود لبنان والضفة الغربية.

رئيس الأركان هرتسي هليفي وقائد المنطقة الشمالية الجنرال أوري غوردن، قاما أمس بزيارة مناورة للواء 7 في الشمال. وقال هليفي للقادة الذين زارهم في الميدان: “الهدف واضح جداً لإعادة سكان الشمال. ولفعل ذلك، نعدّ هذه المناورة، والمعنى أن أحذيتكم العسكرية ستدخل إلى أرض العدو؛ إلى القرى التي أعدها حزب الله كموقع عسكري كبير”.

أقوال رئيس الأركان وتصريحات مشابهة لجهات إسرائيلية رفيعة أخرى نشرت في وسائل الإعلام، حيث تنشر في الخلفية تقارير عن مبادرة أمريكية جديدة لوقف النار. حسب تقرير في موقع “أكسيوس”، تجري الإدارة الأمريكية مفاوضات حول الأمر مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بمصادقة رئيس الحكومة نتنياهو، الذي كان سيسافر أمس إلى نيويورك لإلقاء خطاب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

تقف على الأجندة احتمالية التوصل إلى هدنة لبضعة أسابيع، التي تأمل الإدارة الأمريكية أن تكون مقرونة بهدنة مشابهة في قطاع غزة، مع استئناف المفاوضات مع حماس على صفقة تبادل. يشارك عن الطرف اللبناني في هذه المفاوضات رئيس البرلمان ورئيس حركة أمل نبيه بري. ومن المرجح أن المضي بالمفاوضات سيطرح أثناء زيارة نتنياهو لنيويورك.

على بعد خطوة من الحرب الشاملة

أحداث أمس بدأت بشكل رمزي في الساعة 6:29 صباحاً عندما أطلق حزب الله -وهو يدرك التوقيت، نفس وقت هجوم حماس في 7 تشرين الأول الماضي- صاروخ أرض-أرض ثقيل الوزن نحو شمال تل أبيب. وحسب أقوال حزب الله، وجه الصاروخ ضد قيادة الموساد. تم اعتراض الصاروخ بنجاح من قبل منظومة الاعتراض للمدى المتوسط، مقلاع داود. هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها حزب الله صاروخاً نحو تل أبيب. في الشهر الماضي، أطلقت عدة مسيرات في الاتجاه نفسه، ولكن تم اعتراضها بطائرات سلاح الجو فوق البحر المتوسط أمام شواطئ حيفا.

تفسر إسرائيل الإطلاق بأنه إشارة غامضة من حزب الله. رغم قتل مئات اللبنانيين في عمليات قصف سلاح الجو في الأسبوع الأخير والأضرار الكبيرة، ما زال حزب الله يحاول الإبقاء على مسافة صغيرة تحت مستوى الحرب الشاملة. عرف حزب الله جيداً بأن إطلاق كبير من الصواريخ نحو المركز سيقابل برد شديد، حيث ستكون الضاحية في مرمى الهدف، وهي الحي الشيعي جنوبي بيروت. مع ذلك، مع أخذ في الحسبان خطوات التصعيد الإسرائيلي في هذه الفترة، فإن حزب الله طبعاً لن يثق بأن إسرائيل ستضبط نفسها حتى إزاء إطلاق صاروخ واحد.

في هجمات جوية في أرجاء لبنان، قتل أمس أكثر من خمسين شخصاً. أصيب في الجليل الغربي أربعة إسرائيليين، أحدهم بإصابة بالغة جراء صليات الصواريخ التي أطلقها حزب الله. إذا لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فربما ينوي حزب الله شن حرب استنزاف ضد إسرائيل، من خلال زيادة مدى الإطلاق ليصل إلى مناطق أبعد بقليل من جنوب حيفا. هكذا يستطيع حزب الله تشويش حياة 2 مليون إسرائيلي في ربع مساحة الدولة تقريباً. وهذا لا يعتبر ثمناً تتحمله إسرائيل دائماً. لذلك، ربما تدفع هذه الهجمات الجيش الإسرائيلي إلى القيام بعملية برية، حتى لو كانت خطوة مختلفاً عليها في المستوى السياسي والأمني.

——————————————–

يديعوت احرونوت 26/9/2024

تصفية حسن نصر الله هي الوسيلة للوصول الى وقف نار

بقلم: افي يسخاروف

تتراوح الإمكانيات التي تقف أمامها إسرائيل في الواقع الحالي في حدود الشمال، مثل الوضع في قطاع غزة، بين السيء والاسوأ. فلا بدائل أو حلول جيدة لمشكلة نشأت بعد لحظة من 7 أكتوبر، عندما قرر أمين عام حزب الله حسن نصرالله تثبيت ارتباط واضح ومباشر بين وضع إسرائيل مع حماس وبين قتال منظمته لإسرائيل.

لا يوجد في هذه اللحظة طريق واقعي لقطع هذا الارتباط. فضرب إسرائيل بالاف نشطاء حزب الله بواسطة أجهزة البيجر المفخخة، كما زعم في وسائل الاعلام الدولية والغربية، قصف مخازن السلاح وغيرها، تصفية القيادة العليا لحزب الله وقوة الرضوان، كل هذه من غير المتوقع أن تؤدي بنصرالله لان يغير قراره او نمط عمله، مصلحته ستكون الان ان يثبت بقاء، ولا يهم ماذا سيكون الثمن، ولهذا فهو يعمد في الاجمال لان يطلق بين الحين والآخر صواريخ نحو اهداف في إسرائيل او بكلمات أخرى، استنزافنا. نصرالله لا يمكنه أن يتخذ صورة من استسلم لليهود او لضغط عسكري ولهذا فهو يوضح بانه سيواصل العمل طالما لا يوجد وقف نار مع غزة.

قرار نصرالله هذا لا ينبع من مصلحة امنية او سياسية للبنان او حتى لحزب الله، ولا حتى لإيران. لقد سعى نصرالله لان يتخذ صورة الدرع للفلسطينيين وليس فقط الدرع للبنان. فلعله حسد يحيى السنوار على نجاحه في اثارة حماسة الجماهير وسعى لان يتخذ صورة من يدعمه حتى لو جاء الامر من بعيد وبشكل متردد قليلا، في البداية على الأقل. وقد بدأ هذا باطلاق مضادات الدروع نحو بلدات الشمال وعندها نجاحه هناك – أي اخلاء منطقة الحدود وخلق “شريط امني” إسرائيلي، مما خلق لديه شهية زائدة وملموسة في أنه محصن من الإصابة. فصعد خطواته العسكرية انطلاقا من التفكير بان إسرائيل ضعيفة للغاية الى أن قررت إسرائيل تحطيم قواعد اللعب والاثبات له كم أخطأ في فهم ما يجري، تماما مثلما فعل في 2006.

ولا يزال، فان استمرار الاعمال العسكرية الإسرائيلية، بهذه القوة أو تلك، لن تؤدي الى تغيير قرار نصرالله. ولا حتى تشديد القصف او كبديل اعمال برية إسرائيلية. وحتى احتلال أجزاء من لبنان حتى الليطاني ودفع رجال حزب الله الى ما وراء النهر لن يؤدي الى وقف نار مطلق وحزب الله سيواصل اطلاق النار نحو إسرائيل من منصات تقع عميقا داخل الأراضي اللبنانية. الطريق الوحيد الذي قد يغير الوضع الحالي، سيكون المس بالرجل نفسه، بامين عام حزب الله منذ 1992 (32 سنة) الرجل كلي القدرة في المنظمة والذي يحظى بمكانة النجم الأعلى بين الشيعة ولبنان وبين الشيعة في العالم.

ان ربط نصرالله التوجه الى وقف نار في هذه المرحلة ينبع أساسا من اعتبارات شخصية تتعلق بالمكانة والاعتبار الذي له في العالم العربي الإسلامي، أي الشرق. يحتمل أن تشق ازالته الطريق بالذات لتسوية سريعة نسبيا. غير أن هنا أيضا ينبغي أن تقال الحقيقة: لا يوجد هنا حل سحري. فخليفة نصرالله المرشح، هاشم صفي الدين (60 سنة ابن خاله) من شأنه ان يتبين كأكثر تطرفا حتى من نصرالله. مثلما حصل في حزب الله بعد أن صفت إسرائيل في 1992 عباس موسوي. صفي الدين، يسعى بداية لان يثبت بانه مصمم وكفاحي بقدر لا يقل عن نصرالله ولا يزال لن تكون له المكانة ذاتها لمكانة الأخير فهو سيكون مرتبطا اقل بالتعهدات تجاه الفلسطينيين.

ليس مؤكدا على الاطلاق بان لإسرائيل القدرة على المس بنصرالله. لكن المس به يمكنه أن يغير المعادلة، ان يهز المنطقة. من شأن هذا ان يؤدي بحزب الله ان يطلق صواريخ مكثفة اكثر نحو المركز في المدى الزمني المنظور، لكنه سيجبر قيادة المنظمة المتبقية ومعها القيادة الإيرانية لان يعيدوا احتساب المسار. فالارتباط بقطاع غزة وحماس السُنية لا يخدم بالضرورة مصالح الشيعة بصفتهم هذه وبالتأكيد لا يخدم ايران الآخذة بالاقتراب من قنبلة نووية وحرب إقليمية لن تساعدها في ذلك.

في هذه الاثناء في الجنوب تقترب دولة إسرائيل من احياء يوم السنة لـ 7 أكتوبر. الحرب تراوح على الأقل في هذه المرحلة في مكانها ويحتمل ان تكون مطلوبة خطوات متطرفة اكثر لاجل التجسيد للفلسطينيين ولحماس بخاصة حجم الضربة التي تلقوها. لا ينبغي استبعاد إمكانية أن يخرج الجيش الإسرائيلي الى حملة واسعة لمناطق مختلفة في قطاع غزة، لخلق معادلة على نمط “وثيقة الجنرالات” أي دفع السكان الى هروب واسع من كل المنطقة شمالي وادي غزة، بما في ذلك المدينة باتجاه الجنوب وبذلك افراغ ارض واسعة ومأهولة بالسكان في القطاع. من شأن هذه ان تكون ضربة قاضية لحماس التي على أي حال ستواصل التمترس في جنوب القطاع والادعاء بانها انتصرت، بينما هزيمتها ستكون واضحة وقاسية حيث تصدح في كل ارجاء الشرق الأوسط.

——————————————–

 معاريف 26/9/2024

وقع نصرالله في نفس المفهوم الخاطئ لحماس، فهل يعيد التاريخ نفسه؟

بقلم: د. يارون فريدمان، محاضر ومدرس اللغة العربية في جامعة حيفا في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية

أعلن نصرالله حرب استنزاف غداة 7 أكتوبر مع علمه أن القرى الشيعية في جنوب لبنان هي التي ستدفع الثمن لقاء ذلك. بقراره هذا اثبت أنه يضع المصلحة الإيرانية فوق اللبنانية. فطالما كانت حرب استنزاف ذات اطار جغرافي محدود – جنوب لبنان وشمال إسرائيل – كان يمكن لنصرالله أن يدعي بانه منظمته تساعد غزة دون أن تدفع لقاء ذلك ثمنا باهظا. اما في الأيام الأخيرة فقد تغيرت المعادلة وخرج الجيش الإسرائيلي الى حرب مبادر اليها في لبنان. منذ اشهر طويلة و “محور المقاومة” يهدد إسرائيل بانه ستقع عليها السماء اذا ما تجرأت على مهاجمة المنظمة. وها هو الهجوم يأتي والمحور مشلول.

يبدو ان نصرالله وقع في المفهوم المغلوط ذاته لدى حماس، إذ اعتقد بانه ما أن تبدأ الحرب الشاملة ضد إسرائيل سينضم اليه كل حلفائه. أما الان حين تنتقل إسرائيل من الدفاع الى الهجوم، يبدو أن الشلل يتحكم “بمحور المقاومة” والمقاومة هي نمر من ورق. ايران اطلقت الصواريخ نحو إسرائيل في 14 نيسان، لانه أصيب دبلوماسي واحد لها في القنصلية في دمشق، لكن عندما يدور الحديث عن وكلائها في العالم العربي القصة تختلف تماما. ايران لم تتدخل في قطاع غزة بعد عشرات الاف القتلى. فما الذي تنتظره ايران الان؟ يوجد لحزب الله منذ الان اكثر من 500 قتيل بينهم كل القيادة العليا للمنظمة، قسم هام من منظومة الصواريخ ومخازن السلاح المتجمع يدمر هذه الأيام والقوة البشرية للمنظمة – الطائفة الشيعية، تعيش أزمة قاسية للغاية، قد تكون الاقسى في تاريخها. قرى الجنوب مدمرة وقفراء، مئات الاف اللاجئين، معظمهم شيعة، فروا من الجنوب الى البقاع اللبناني.

معارضو حزب الله في لبنان وخارجه، معظمهم مؤيدو المعارضة السورية ومن دول الخليج والسعودية، يحتفلون هذه الأيام. نصرالله يسمى على ألسنتهم “أبو الدجاج” لانه يتباهى بضرب قواعد الجيش الإسرائيلي لكن منظمته لا تنجح في الواقع الا في ان تضرب أخمام الدجاج في الجليل. تعبير “أبو زميرة” من حرب أهلية في سوريا عاد الى الموضة. فقد ولد في اعقاب الخطابات الصارخة لنصرالله. الكثيرون من الكُتّاب في الشبكات هم سوريون عانوا جدا من وقع ذراع حزب الله قبل عقد عندما اجتاح سوريا وشارك في الفظائع التي وقعت هناك. هم فرحون الان في أن يشاهدوا الشيعة مؤيدي حزب الله يعانون ويصبحون لاجئين بالضبط مثلما مروا به هم. معظمهم حذرون من تمجيد إسرائيل لكنهم يحتفلون بسقوط حزب الله.

يبدو أن حزب الله فهم متأخرا بانه ارتكب خطأ حين ميز في التقارير عن القتلى في لبنان بين النشطاء (“شهداء على طريق القدس”) والمواطنين. في الأيام الأخيرة توقفوا في وسائل الاعلام اللبنانية عن التمييز في هذه التقارير وبدأوا مثلما في غزة يتحدثون فقط عن “شهداء لبنانيين”. في العالم العربي تكاد لا تكون تقارير عن مظاهرات مؤيدة للبنان، ربما لانه لا يزال لا يوجد تمييز واضح بين حزب الله ولبنان، مثلما يفعلون في العالم بين حماس وغزة. ينبغي الافتراض بان المظاهرات ضد إسرائيل ستثور في العالم العربي (وبعد ذلك في العالم كله) اذا توقف الجيش الإسرائيلي عن التركيز على حزب الله وبدأ يضرب البنى التحتية المدنية في الدولة. عندما تبدأ تنتشر صور قاسية من دولة الارز، من شبه المؤكد ان الصورة ستتغير في وسائل الاعلام العالمية. في هذه الاثناء يبدو أن اغلبية العالم العربي ترى في حزب الله المذنب المركزي في المصيبة التي تقع في لبنان.

نهاية الحرب، التي لا توجد الان الا في بدايتها، ليست معروفة، لكنها لن تكون جيدة لحزب الله. نصرالله سيقول في نهايتها اذا ما نجا “لو كنت أعرف”. ولعل السنوار أيضا قال هذا منذ الان.

*دكتور يارون فريدمان، خريج دكتوراه في جامعة السوربون (باريس)، محاضر ومدرس اللغة العربية في جامعة حيفا في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية. نشر يارون مقالات أكاديمية عن الشيعة والعلويين في سوريا.

——————————————–

هآرتس 26/9/2024

احتمالية النجاح والخطر الكامنة في مبدأ الضربات العشرة

بقلم: يوسي ميلمان

الصاروخ البالستي الذي اطلقه حزب الله صباح أمس، الذي تم توجيهه حسب قوله الى مقر الموساد والمعلومات والمهمات الخاصة في غاليلوت، يعزز تعقيدة الحرب لدى حزب الله ضد اسرائيل، التي ترتكز الى عقيدة “المعادلات”، التي تضع اسرائيل مقابلها عقيدة “التصعيد بالتدريج” أو “مبدأ الضربات العشرة”.

الحديث يدور عن صاروخ ارض – ارض من نوع “قادر 1″، وهو نسخة عن نموذج “شهاب 3” الذي قامت ايران بتطويره، ويرتكز في الاساس على صاروخ لكوريا الشمالية. “شهاب 3” دخل الى الخدمة في ايران قبل عشرين سنة تقريبا. “قادر 1” يحلق على ارتفاع 400 كم، ويمكن أن يحمل رأس متفجر بوزن يصل الى طن، وسرعته تبلغ 4 آلاف كم في الساعة، أي ثلاثة اضعاف ونصف سرعة الصوت. على فرض أن الصاروخ تم اطلاقه من مكان يبعد 200 كم تقريبا عن غاليلوت فان تحليقه استغرق اقل من خمس دقائق. وقد تم اعتراض هذا الصاروخ في سماء هشارون، على بعد 20 كم عن الهدف، بصاروخ اطلق من بطارية مقلاع داود، بدون اصابات واضرار بالممتلكات.

هذه هي المرة الثانية التي يستهدف فيها حزب الله غاليلوت، المرة الاولى كانت قبل شهر، في حينه قام باطلاق مسيرة تحمل كمية متفجرات قليلة، بضع عشرات الكيلوغرامات. تلك المسيرة كانت رد على تصفية رئيس اركان حزب الله فؤاد شكر في الضاحية في بيروت قبل شهرين تقريبا. في الحقيقة فؤاد شكر قتل في هجوم لسلاح الجو، لكن حسب حزب الله فان المعلومات الدقيقة عن مكان تواجده وفرها الموساد.

حزب الله يعلن الآن بأن صاروخ “قادر 1″، الذي يمكن أن يكون فتاك في حالة اصابته، اطلق ردا على مهاجمة اجهزة البيجر والاستمرار في تصفية قادته العسكريين، من بينهم ابراهيم عقيل. عقيدة “المعادلات” التي صاغها ويطبقها رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تقول بأنه اذا كان الموساد هو المسؤول أو يشارك في عمليات الاغتيال والتخريب فانه بالنسبة لحزب الله يعتبر هدف مشروع للهجوم.

هذه النظرية لحزب الله تمت صياغتها قبل بضع سنوات، وتم توسيعها بحيث تسري ليس فقط على احداث مباشرة بين اسرائيل ولبنان، بل تسري ايضا على عمليات اسرائيل ضد اعضاء حزب الله في سوريا. في 7 تشرين الاول الماضي قام حسن نصر الله بتوسيعها وتطبيقها ايضا على الحرب في قطاع غزة. وهذا هو السبب، كما شرح وبرر حزب الله، في قرار خرق وقف اطلاق النار وخرق قرار مجلس الامن 1701، وفتح جبهة جديدة ضد اسرائيل كاشارة على التضامن مع حماس.

حسب هذه المعادلة فان هجوم كثيف على بيروت سيتطلب اطلاق الكثير من الصواريخ نحو تل ابيب وتل ابيب الكبرى. مبدأ المعادلة هو الذي يوجه حزب الله الى عدم اطلاق الآن المزيد من الصواريخ نحو المركز، بل الاكتفاء بالصاروخ الوحيد الذي اطلق نحو مقر الموساد.

طوال سنة تقريبا تصرفت اسرائيل بحذر، وهجماتها في لبنان كانت محسوبة. هي فقط ردت ولم تبادر، رغم جرأة ووقاحة حزب الله الهجومية، الذي اطلق عشرات آلاف الصواريخ والمسيرات على الشمال، قواعد عسكرية ومستوطنات حتى خط صفد. في الاسبوع الماضي قرر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الانتقال الى الهجوم. اعتباراته في معظمها سياسية، مواصلة الحرب من اجل بقائه وبقاء حكمه. وقد انضم اليه بدون خيار وزير الدفاع يوآف غالنت الذي يحظى بدعم رئيس الاركان هرتسي هليفي وقائد سلاح الجو والجنرالات في هيئة الاركان، الذين هم على قناعة بأنه فقط القوة العسكرية هي مفتاح انهاء الحرب.

هكذا ولدت عقيدة “التصعيد بالتدريج” و”الضربات العشرة”، التي تلقي بضربة قاسية على حزب الله. آلاف من الابعين ألف من اعضاء حزب الله، بما في ذلك قادة كبار وقادة في المستوى المتوسط، قتلوا أو أصيبوا، أو أن قدرتهم العملياتية تضررت، وعشرات آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات وعدد كبير من منصات الاطلاق تم تدميرها. كل ذلك اضافة الى قتل مئات اللبنانيين وتدمير آلاف البيوت.

فرضية انطلاق اسرائيل هي أن عقيدة التصعيد ستهزم عقيدة المعادلات لحسن نصر الله، وأنه سيطلب وقف اطلاق النار واجراء تسوية سياسية. هذه العملية تنطوي على فرصة، حتى لو لم تكن كبيرة، لتغيير الاتجاه. حتى فترة متأخرة كانت التسوية المعقولة والمنطقية الموجودة على الطاولة ترتكز الى خطة الرئيس الامريكي، أي التوصل الى وقف لاطلاق النار في قطاع غزة، الذي سيمكن من عقد صفقة لتحرير المخطوفين مقابل اطلاق سراح سجناء فلسطينيين، الامر الذي سيؤدي الى وقف اطلاق النار في لبنان. ربما الآن يمكن استغلال الضربات الموجهة لحزب الله، التي ايران تقلق جدا منها، من اجل القيام بعملية تؤدي الى وقف اطلاق النار في لبنان بوساطة دولية، التي في اعقابها ستبدأ المفاوضات من اجل انسحاب قوات حزب الله الى مسافة معقولة عن حدود اسرائيل واعادة المخطوفين. هذه العملية سيرافقها وقف اطلاق النار في غزة بناء على خطة الرئيس الامريكي جو بايدن.

الحروب دائما تنتهي بوقف اطلاق النار والمفاوضات على تسوية بعيدة المدى. الايمان الاعمى بأنه يمكن هزيمة حزب الله بشكل كامل هو وهم خطير سيؤدي الى استمرار الحرب لفترة طويلة، بدون خطة لـ “اليوم التالي”، وتدهور آخر في مكانة اسرائيل في العالم، واضرار كبير بالاقتصاد، وربما حتى جر ايران الى دائرة دموية.

*يوسي ميلمان متخصص في قضايا الاستخبارات، مؤلف ثمانية كتب منها : كتاب جواسيس غير مثاليين، كتاب جواسيس. ميلمان هو خريج قسم التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس وأكمل دراسات شهادة مؤسسة نيمان في جامعة هارفارد. وهو عضو مؤسس لمنظمة “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” ومقرها واشنطن.

——————————————–

“هآرتس 26/9/2024

هكذا نبرر إرهابنا

بقلم: ب. ميخائيل

إسرائيل مشت خطوة كبيرة نحو شرعنة إرهاب الدولة، وفرضت الرعب والمعاناة على الناس بوسائل عنيفة ومن دون كوابح. ومثلما فعلت في غزة والضفة المحتلة، الآن تفعل ذلك في لبنان أيضاً.

هل من أحد مستعد لشرح الفرق بين إطلاق 5 آلاف عبوة ناسفة على 5 آلاف منزل في لبنان، وبين زرع عبوة ناسفة في حافلة أو إلقاء قنابل عنقودية؟

إنّ من أرسل أجهزة “البيجر” لم تكن لديهم فكرة عن المكان الذي ستنفجر فيه العبوة، ولدى من سيكون الجهاز وأين هو موجود، وكم عدد الأشخاص الذين سيكونون في المحيط، في بقالة أم في يد طفل يحب الاستكشاف، أم في سيارة في محطة وقود أم في يد الزوج أو الزوجة.

من هو الذي خطرت في باله هذه الفكرة، وضع عبوات ناسفة في أجهزة تشغيلها سيتسبب بإعاقات؟ هكذا، وبكل قصد وتعمّد، كي يصابوا بالعمى وتمزق أمعاؤهم وتبتر أطرافهم.

عند سماع صرخات الفرح الإسرائيلية عندما انفجرت أجهزة “البيجر”، يخطر في البال أنّ أجهزة “بيجر” تفجّرت فينا، وأننا أصبنا بالعمى ولم نعد نرى إلى أين نذهب؟ ألم تتعلم “إسرائيل” بعد بأنّ كل هذه الألعاب النارية القاتلة وكل نوبات القتل وبهجة التصفيات المضادة، لا تفيد ولا تغير شيئاً؟ كل ذلك، بما في ذلك أجهزة “البيجر” المتفجرة، لا يؤدي إلّا إلى غليان الدماء وتأجيج الكراهية وتعميق سفك الدماء.

للأسف الشديد وللخجل، لا مناص من القول إنّ “إسرائيل” مشت خطوة كبيرة نحو شرعنة إرهاب الدولة، وفرضت الرعب والمعاناة على الناس بوسائل عنيفة ومن دون كوابح، مثلما في غزة والضفة المحتلة، والآن في لبنان أيضاً.

“هم يريدون تدميرنا!”، هكذا سنبرر لأنفسنا. ونحن ماذا نريد؟ نريد البلاد كلها، من الفرات إلى النيل، وفقط لليهود. هل هذا مبالغ فيه؟ هذا ما قاله الله! بصراحة، هذا ما يقوله من يمسك  بدفة القيادة.

ما المرحلة القادمة من إرهاب الدولة الذي تمت شرعنته؟ مخربون انتحاريون؟ هذا ليس خيالياً. تسميم الآبار؟ بالتأكيد. فهذه عادة جميلة وعادية في حقول الضفة المحتلة. تقييد الولادات؟ لا مشكلة. فجميع المستشفيات وأقسام الولادة في غزة تقريباً أصبحت أنقاضاً. وبعد ذلك، ستأتي خطة “احتلال لبنان”.

——————انتهت النشرة——————