الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجيهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

إسرائيل اليوم 27/9/2024

نتنياهو بين ائتلافه الداعي الى استمرار القتال في لبنان وضغوط القوى العظمى

بقلم: شيريت افيتان كوهين

مع أن رئيس الوزراء نتنياهو يوجد بعيدا في نيويورك هذه الأيام لكن لما يخرج عنه ينتظره وزراء حكومته الذين تركهم في إسرائيل وكذا الامريكيون الذين يحاولون ان يفرضوا عليه وقف نار في الشمال بشروط خسارة.

حين تكون كفاءاته الخطابية هي السلاح الأقوى لديه، فانه سيصعد ليخطب في الأمم المتحدة مع محاولة لان يجمع في رزمة واحدة هجمات ضد حزب الله مع إمكانية لاتفاق.

الوعي الدولي لرئيس الوزراء يوجد في اثر المهمة الكبرى التي هي إعادة الامن لمواطني إسرائيل. يشعر نتنياهو بالحاجة لان يهديء الساحة الدولية التي تؤشر الى أن الائتمان الذي اعطي لإسرائيل للحرب ضد اعدائها نفد – لكن بخاصة الأمريكيين الذين باتوا اقل فأقل عطفا لاحتياجات الامن الإسرائيلية.

الى جانب ذلك عليه ان يوفر أيضا جوابا لسكان الشمال ولوزراء حكومته من غير المستعدين لانهاء المعركة في لبنان في هذه المرحلة.

وحسب محافل في محيطه، سيحاول نتنياهو بمحاولات سياسية ولفظية ان يشرح كيف يخوض الحرب بكل قوة من جهة ويواصل مسار هجمة البيجر والتصفيات التي أذهلت العدو، وباليد الأخرى لا يغلق الباب على التسوية. اذا اعترفنا بالحقيقة، يوجد فجوة كبيرة بين مطالب الائتلاف لحرب تؤدي الى استسلام حزب الله وبين مخططات نتنياهو للخطوات التالية.

من ناحيته فان خطوات متدرجة أخرى في تصفية واقتطاع القدرات من حزب الله مما يؤدي في النهاية الى اتفاق 1701، هي الخطة المفضلة. السؤال هو اذا كان نصرالله سيبدي اهتماما لاتفاق من هذا النوع ام سيفضل التملص والانتظار الى أن تفرض فرنسا والولايات المتحدة على إسرائيل وقف نار بدون شروط.

النموذج الذي وضعه السنوار في غزة في موضوع الاتفاقات كفيل بان يتبين بان نصرالله يفضل دفع الثمن بالدم شريطة أن تجد إسرائيل نفسها على الركبتين من الناحية السياسية. من جهة أخرى خطة السنوار هذه لم تنجح، كما ينبغي الاعتراف. إسرائيل تقاتل في الحرب الأطول في تاريخها لكن دون أن تكون مطالبة بان تتوقف حتى هذه اللحظة.

من ناحية نتنياهو هذا هو السيناريو الأفضل: رفض نصرالله الذي يسمح بمزيد ومزيد من الضربات دون الانجرار الى حرب واسعة والى محادثات جانبية عن اتفاقات. بهذه الطريقة، إسرائيل ستتمكن بالفعل من تقريب عودة سكان الشمال الى بيوتهم لكن مع امن في علامة استفهام كما يشهد سكان غلاف غزة، الذين تلقوا اتفاقات سيئة وهدوء لمديات مرحلية وفي نهايتها مذبحة.

حبل نجاة سياسي

قبل اكثر من أسبوع تلقى غالنت ونتنياهو من الكابنت تخويلا بإدارة خطة الهجوم في الشمال وللحظة قصيرة عادت الحالة المثالية الى مطارحنا. فقد عاد الرجلان للعمل بشكل مشترك وتوقفت التوترات ليوم او يومين وكان وزراء الحكومة في حظر للمقابلات. بعد أسبوع من ذلك يبدو اننا عدنا الى النقطة إياها مع هجمة تصريحات عن وقف نار قريب بينما يوجد نتنياهو في الجو في طريقه الى الولايات المتحدة مع قدرة رد محدودة.

على مدى ساعات كان يبدو أن نتنياهو وقع باحرف أولى على اتفاق وقف نار بدون شروط. وزير الدفاع لم ينفِ الشائعات، وحتى التوقف اللحظي في الهجمات في لبنان خدم الرسالة. وفقط عندما عاد نتنياهو ليكون حاضرا في الاتصالات واصدر بيانا عن استمرار الهجمات ضد حزب الله، توقفت الاحبولة الإعلامية وعادت الى حجمها الطبيعي: محادثات عن اتفاق محتمل موجودة، وطلب انسحاب حزب الله الى ما وراء الليطاني موجود وحتى ذلك الحين فان حزب الله على بؤرة الاستهداف.

نتنياهو، الذي بنى خطة المراحل للجيش بعد أن عرض الجيش البدائل عليه ولم تقبل، معني بحبل نجاة سياسي آخر لانهاء المهمة في لبنان.

لكن كما أسلفنا أشار الامريكيون اليوم بطرق متعددة الى أن الـ Don’t  قريبة. اذا كان الجدول الزمني سيتقدم كما كان مخططا، فيحتمل أن يكون أيضا دخول بري الى لبنان لاجل دحر حزب الله الى الوراء، لكن رغم الإنجازات المبهرة لا توجد رغبة في هذه المرحلة لربطها في صالح خطوة ساحقة بسبب اضطرارات موضوعية.

الإشارات التي تأتي من ايران تبين أن هناك أيضا يفهمون بانهم سينهون هذه الجولة بهزيمة نكراء ولهذا فهم يطالبون بالاتفاقات وبالتأجيل حتى الههجوم التالي على إسرائيل. خبراء عسكريون يستجدون استغلال الزخم لاجل استكمال المعالجة لحزب الله وعدم الندم بعد ذلك وخبراء سياسيون يطالبون بمراعاة التعب المادي الإسرائيلي، مثلما أيضا الميزانية المحدودة، لاجل قبول اتفاق الان والتخطيط بشكل افضل للحرب التالية. لهاتين الخطتين توجد اثمان خسائر، ويجدر بالذكر: خطوة محدودة تحقق نتيجة محدودة لكن ثمنها أيضا محدود.

——————————————–

يديعوت احرونوت 27/9/2024

رغم المساعي الامريكية والفرنسية لوقف النار، في الجيش يستعدون للمناورة البرية

بقلم: رون بن يشاي المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت

سلسلة الضربات التي وجهها سلاح الجو هذا الأسبوع لحزب الله في لبنان كانت ذروة خطوة اعدت في هيئة الأركان على مدى السنين. وقد تغيرت الخطط وفقا للمعلومات الاستخبارية التي تجمعت في الجيش منذ انتهاء حرب لبنان الثانية في 2006. كما أن اسم الحملة تغير بضع مرات الى أن خرجت الى حيز التنفيذ تحت عنوان “سهام الشمال”.

وكانت الدفعة الكبرى في عهد رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي وقائد سلاح الجو السابق عميكام نوركين. كوخافي، في عصف الادمغة الذي اجراه مع أعضاء هيئة الأركان، بلور مفهوما استراتيجيا يقضي بانه في ضوء التهديد الصاروخي والبري الهائل الذي يحدق من جيش إرهاب حزب الله، فان إسرائيل ملزمة “بخطة صناعية” لتدمير قدرات المنظمة.

وقد استندت الخطة الى دروس حرب لبنان الثانية. وتضمن بنك اهداف إسرائيل في حينه مئات قليلة من الأهداف التي انهى سلاح الجو من الهجوم عليها في غضون بضعة أيام. وحسب الاستنتاجات، التي بدأ بوضعها رئيس الأركان الأسبق آيزنكوت، كان ينبغي لشعبة الاستخبارات ان تنتج بنك من الاف الأهداف الجاهزة مسبقا، وتحسين قدرتها على جمع المعلومات في ظل الحرب عن اهدفا مصادفة يكون ممكنا مهاجمتها في غضون بضع دقائق.

واعتقد المفهوم الجديد أيضا بانه في ضوء وسائل التدمير الهائلة التي لدى حزب الله على الحرب ان تكون قصيرة قدر الإمكان لاجل منع الاف الخسائر في الأرواح ودمار لا يوصف في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ان هدف تقصير مدة الحرب ألزمت سلاح الجو بان يبني قدرة جديدة تماما تتيح له أن يدمر بشكل صناعي وسريع سواء الأهداف التي كانت في بنك الأهداف أم تلك التي تنتجها الاستخبارات في اطار القتال. ويتطلب الامر مخزون من الذخيرة الدقيقة والقدرة التكنولوجية التي تسمح لكل طائرة من سلاح الجو أن تطلق عشرات الذخائر الدقيقة في اثناء طلعة واحدة نحو اهداف مختلفة. ولهذا الغرض أقيم في قواعد سلاح الجو مصانع ذخيرة تركبت فيها أجهزة دقة على قنابل حديدية “غبية”.

قلب المعادلة

لسلسلة الضربات النارية هذه توجد ثلاثة اهداف:

الهدف الأول هو ضرب قدرات الصواريخ والمُسيرات للمدى المتوسط والقصير لدى حزب الله.

الهدف الثاني هو تدمير البنى التحتية العسكرية وأساسا الضرب الشديد لقدرات الأداء والنشاط لقوة الرضوان. القوة، التي تعد بين 4 الاف و 6 الاف مقاتل موزعة الان في جنوب لبنان، في بيروت، في البقاع وفي سوريا. والهدف هو احباط قدرات قوة الرضوان على تنفيذ خطوات برية داخل إسرائيل وضرب قدرتها على خوض معارك دفاع في حالة دخول الجيش الإسرائيلي الى مناورة في لبنان.

الهدف الثالث هو استراتيجي، ويتمثل في قلب معادلة الردع بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. فقد قال مصدر كبير في هيئة الأركان ان “علينا أن نحول حزب الله من جيش إرهاب ليعود الى منظمة عصابات مثلما فعلنا لحماس.

 فيلق الأجانب الشيعي

كل هذا حصل على خلفية الجهود الدولية للوصول الى تسوية. ليس واضحا بعد اذا كان الطرفان سيقبلان الاقتراح الأمريكي الفرنسي لوقف نار في ساحة لبنان. لكن يمكن القول انه في الأيام التسعة الاولا نجحنا في أن نحول الميل الى صالحنا بشكل دراماتيكي. الشروط العسكرية و/او الدبلوماسية لاعادة سكان الشمال الى بيوتهم تحسنت بشكل كبير ويحتمل جدا ألا نحتاج الى خطوة برية قوية من شأنها ان تؤدي الى حرب إقليمية.

ملاحظة تحذير: الطريق لا تزال طويلة والمبادرة لوقف نار وتسوية دبلوماسية قد تتشوش. فنصرالله قد يصر على طرح شروط لا يمكن لإسرائيل أن توافق عليها، بينما الوزيران سموتريتش وبن غفير يضغطان على نتنياهو لرفض الاقتراح.

وقف النار في الشمال سيوضح للسنوار بانه تتبدد الاحتمالات لحرب إقليمية ترفع عنه وعن الغزيين الضغط العسكري الإسرائيلي، مما قد يشجعه على التوجه الى صفقة. كما أن وقف النار سيزيد الاحتمالات لتسوية دبلوماسية تسمح بعودة السكان الى بيوتهم وتعفي من خطوة برية مفعمة بالخسائر والدمار وتوقف التدهور في شرعية إسرائيل في الساحة الدولية.

لكن لوقف النار توجد نواقص جدية. فقد تفقد إسرائيل زخم الضغط العسكري على حزب الله ويسمح لنصرالله بالانتعاش من الصدمة وإعادة بناء القيادة ودائرة المستشارين وبلورة استراتيجية قتالية تتلاءم والظروف الجديدة. كما انه برعاية الهدنة يمكن للايرانيين ان يرسلوا بسرعة قوات من الميليشيات الشيعية من اليمن، العراق، افغانستات وباكستان الى لبنان لملء صفوف حزب الله.

اذا لم يتضمن اتفاق وقف النار المؤقت بنودا تمنع ترميم حزب الله أو يفرض انهاء القتال في غزة، فان إسرائيل اغلب الظن سترفض التوقيع عليه. وعلى أي حال، واضح أن حملة سهام الشمال قلبت الجرة رأسا على عقب، في جبهة لبنان على الأقل.

 لا للغرق في الوحل

بشكل غير مفاجيء، قررت إسرائيل تحويل جبهة الشمال الى جبهة القتال الأساس بسبب اضطرارات وليس كنتيجة لقرار استراتيجي واعٍ. إسرائيل ارادت تسوية دبلوماسية في الشمال لسببين أساسيين:

الأول، حرب في الشمال، واساسا اذا ناور الجيش داخل لبنان، قد تكون طويلة ومليئة بالدمار والضحايا وتلزم بتجنيد احتياط كامل لزمن طويل. الجيش الإسرائيلي قد يجد نفسه يغرق في الوحل اللبناني مثلما مثل في الشريط الأمني في جنوب لبنان والعبء الاقتصادي سيكون جسيما للغاية.

السبب الثاني هو الخوف من التدهور الى حرب إقليمية لا تريدها لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة.

وهكذا تكون إسرائيل دخلت الى المعركة في لبنان كنتيجة للاضطرار وليس كنتيجة للتخطيط. وفي الثناء للقيادات السياسية والعسكرية يقال انهم غيروا بسرعة شديدة التخطيطات الاصلية وانتجوا خطة حديثة تتشكل من سلسلة ضربات نارية تتعاظم بالتدريج وتشدد الضغط على حزب الله لكن يمكن وقفها في كل نقطة زمنية لاجل السماح للتسوية.

وقال هذا الأسبوع ضابط كبير في سلاح الجو شارك في التخطيط ان الهدف كان “تغيير الوضع في لبنان من أساسه من خلال تغيير ميزان القوى بيننا وبينه حزب الله بشكل دراماتيكي”. ويقول مصدر سياسي ان إسرائيل ارادت تسوية في لبنان دون الاضطرار الى مناورة برية ودون اشعال حرب إقليمية. وجاءت هذه التطلعات فوجدت تعبيرها في قرار الكابنت الذي في اعقابه انطلق الجيش الى المعركة في الشمال ويتيح للقادة ان يقرروا المناورة داخل لبنان.

اعتبار هام في قرار غالنت ونتنياهو كان حقيقة أن لا إدارة بايدن ولا آيات الله في طهران يريدون حرب إقليمية. الامريكيون يعارضون المناورة البرية وضرب الضاحية والبنى التحتية لدولة لبنان بحيث لا يضطر الإيرانيون للتدخل. فالايرانيون لا يريدون التورط في حرب فرصهم للانتصار فيها ليست عالية طالما لا يوجد لهم سلاح نووي. وقد تبين لهم ان إسرائيل قادرة على أن تلحق ضررا جسيما بقدرات حزب الله العسكرية وهم لا يريدون أن يفقدوا ذراعهم الأساس. وليس اقل أهمية تتطلع ايران بتأثير الرئيس الجديد الى التقرب من الغرب لاجل إزالة العقوبات الاقتصادية عنهم. وهذا يشكل لإسرائيل رافعة ضغط سياسية سواء على ايران ام على الولايات المتحدة. اما في الجيش في كل الأحوال فيعتقدون بانه بدون مناورة برية لن يكون ممكنا إعادة نحو 60 الف نازح الى بيوتهم الملاصقة لحدود لبنان.

——————————————–

هآرتس 27/9/2024

يناورون حول الهدنة؛ مع الأوراق قريبة من السبطانة

بقلم: عاموس هرئيلِ

المحلل العسكري لصحيفة هآرتس

طوال يوم، بين ساعات مساء أول أمس وساعات بعد الظهر أمس سجل انخفاض في قوة النيران على جانبي الحدود بين اسرائيل ولبنان. الهدنة الصغيرة قطعت بهجوم جوي لاسرئيل آخر في حي الضاحية في بيروت الذي قتل فيه قائد رفيع في حزب الله. الاحداث على الارض ترتبط بشكل وثيق بالتطورات الاخرى: الاقتراح الامريكي – الفرنسي لوقف اطلاق النار الذي تم عرضه أمس؛ سفر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك؛ نوبات غضب شركاءه في الائتلاف من اليمين المتطرف عندما اثيرت احتمالية حدوث هدنة في القتال.

بعد حوالي سنة على حرب استنزاف باهظة الثمن ومؤلمة على الحدود الشمالية، فان احداث الايام العشرة في لبنان التهمت كليا كل الاوراق. منذ بدأ بالاطلاق نحو اسرائيل في 8 تشرين الاول الماضي فقد املى حزب الله العديد من الخطوات على الجبهة الشمالية. بواسطة اطلاق النار نحو المستوطنات قرب الحدود فرض حزب الله اخلاء السكان، والابقاء على قوات الجيش الاسرائيلي في الشمال، وساهم بذلك بشكل كبير في نضال حماس في قطاع غزة. اسرائيل في الحقيقة قتلت تقريبا 500 من نشطائه واغتالت شخصيات رفيعة وافرغت قرى في جنوب لبنان من السكان، لكنها لم تنجح في اجبار حزب الله على وقف النار. كلما قصف اكثر صمم الحزب على زيادة اطلاق النار واطالة مداه الى أن غطى بالتدريج معظم منطقة الجليل وهضبة الجولان. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تعهد مرة تلو الاخرى بمواصلة الاطلاق طالما أن اسرائيل تحارب في غزة.

الاحداث التي وقعت منذ 17 ايلول فصاعدا غيرت الصورة بدرجة معينة. هجمات البيجرات واجهزة الاتصال التي نسبت لاسرائيل، وتصفية قائد رفيع هو ابراهيم عقيل، والجرح (المقدر) لعلي كركي، وسلسلة التفجيرات الشديدة التي دمر فيها جزء كبير من قدرة حزب الله على اطلاق الصواريخ، للمدى القصير والمتوسط، كل ذلك غير ميزان القوة واثر على حسابات حسن نصر الله. في هذه الاثناء رد حزب الله كان حذر جدا. وهذا الرد ينعكس في قرار اطلاق صباح أول أمس صاروخ بالستي وحيد على مشارف تل ابيب، بعد أن قتل اكثر من 700 لبناني في الهجمات منذ الاسبوع الماضي والآلاف اصيبوا (معظم القتلى، كما يبدو، هم من رجال حزب الله رغم أن هناك ايضا خسائر كثيرة في اوساط المدنيين). الصاروخ، الذي حسب اقوال حزب الله وجه الى مقر قيادة الموساد، تم اعتراضه.

في جهاز الامن الاسرائيلي يستعدون لسيناريوهات رد اكثر شدة. ولكن على الاقل في هذه الاثناء يبدو أن هذا ليس فقط نتيجة المس بسلسلة قيادة حزب الله. حسن نصر الله حتى مساء يوم الخميس حذر من الانزلاق الى معركة شاملة. اطلاق حزب الله لم يوجه حتى الآن الى مراكز المدن الكبيرة. يبدو أنه يقول لنفسه إنه طالما أنه يمتنع عن قتل جماعي للمدنيين الاسرائيليين فان اسرائيل لن تضرب الضاحية، الحي الشيعي في جنوب بيروت. في العام 2006 صادق للكركي على اطلاق الصواريخ نحو حيفا، التي قتل فيها مدنيون. اسرائيل ردت بعمليات قصف اخرى للضاحية، وبعد سنتين عرض غادي ايزنكوت، الذي كان في حينه قائد المنطقة الشمالية، عقيدة الضاحية التي هددت بتدمير معاقل حزب الله في الضاحية. ربما أن حسن نصر الله لا يريد تكرار الخطأ.

ضبط النفس النسبي الذي اظهره رئيس حزب الله حتى الآن اثار المفاجأة في الجانب الاسرائيلي. هو يمكن أن يدل على القوة المخيفة للضربات التي تكبدها حزب الله، وخوف أسياده في طهران من أن تتسبب زيادة قوة النيران في فقدان نهائي لمشروعهم الكبير – ترسانة السلاح الضخمة التي اقاموها لحزب الله بعد حرب لبنان الثانية، التي هدفها الاساسي كان ردع اسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية في ايران. ايضا اسرائيل حتى الآن لا تضرب بكل القوة. بعد الهجوم الكبير في بداية الاسبوع قلص سلاح الجو نطاق الهجمات. وفي حين أن احتمالية حدوث عملية برية في جنوب لبنان تزداد باستمرار في الاستوديوهات فيجدر التذكير بأنه حتى الآن تم تجنيد فقط لوائي احتياط.

رغم الفروق الواضحة إلا أنه يوجد خطوط تشابه معينة بين التخبطات الآن مع تخبطات الايام الاولى لحرب 2006. اسرائيل هاجمت في حينه صواريخ المدى المتوسط التي اخفاها حزب الله في بيوت في لبنان (عملية “الوزن النوعي”) ردا على اختطاف جنديي الاحتياط. بعد بضعة ايام من القتال كانوا مترددين فيما يتعلق باستخدام خطة اخرى، “كاسرة الجليد”، كان اسمها. بعض الجنرالات، من بينهم ايزنكوت وموشيه كابلنسكي، اوصوا رئيس الحكومة ورئيس الاركان دان حلوتس بالتوجه الى هجوم جوي شديد وقصير، وبعده اعطاء فرصة لوقف اطلاق النار، الذي في غيابه ستدخل القوات الى عملية برية في جنوب لبنان. فعليا، حكومة اولمرت لم تعمل بحزم على الحل السياسي، حزب الله اختار مواصلة القتال، والعملية تدحرجت الى شهر آخر من القتال البري المتردد، بدون حسم، الى أن تدخلت الدول العظمى وفرضت وقف اطلاق النار.

في هذه المرة حجم الضرر والمصابين من حزب الله كبير بدرجة لا تقدر. وفي المعادلة هناك متغير آخر وهو، المراسلون الذين يتابعون ما تفعله عائلة نتنياهو بنسبون اليه وزن كبير، مطالبة زوجة رئيس الحكومة باطالة تواجد الزوجين في نيويورك خلال نهاية الاسبوع، وليقفز المدنيون والجنود. الزوجان نتنياهو يوجد لهما مصلحة شخصية في تهدئة النفوس ليومين آخرين على الاقل، كما أن الاستقبال الذي سيحظى به في الامم المتحدة مرهون بقوة الهجمات. صباح أمس نشرت احاطات متناقضة بدرجة معينة في وسائل الاعلام، في البداية تم اقتباس مصدر في مكتب رئيس الحكومة، الذي أكد على أنه “يوجد ضوء اخضر لوقف النار لغرض المفاوضات”. بعد ساعة تقريبا نفى المكتب النبأ الذي نشر في شبكة “سكاي نيوز” حول التوصل الى وقف لاطلاق النار، وقال إن “رئيس الحكومة حتى لم يرد على العرض الامريكي – الفرنسي”. الى أن هبط نتنياهو في نيويورك كان قد تم استكمال الانعطافة الكاملة. رئيس الحكومة تنصل من التفاهمات الاولية التي تم التوصل اليها مع الادارة الامريكية، وتساوق مع المتطرفين في حكومته: الهجوم في لبنان سيستمر حتى اشعار آخر، على الاقل. يمكن فقط تخيل قوة الغضب في الادارة الامريكية من هذه الخدعة الاخيرة.

لكن هناك المزيد من الاعتبارات ثقيلة الوزن التي تشغل نتنياهو. هجوم جوي جديد في الشمال يستهلك ذخيرة دقيقة، لأنه في مرات كثيرة نحتاج الى ضرب منصة اطلاق وصاروخ واحد، تكون مخبأة في بيت. الاعتماد على الولايات المتحدة مرتفع جدا، ومن اجل اقناع الادارة الامريكية في تسريع توفير ذخيرة اخرى يجب اظهار نية حسنة واثبات أن اسرائيل ليست العائق أمام الحل الدبلوماسي.

بين علامات استفهام

مهمة الوساطة الامريكية تتم بصورة غير مباشرة من خلال الفرنسيين ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي هو ايضا رئيس حركة أمل الشيعية. الامريكيون يحاولون تقديم سلم لحسن نصر الله كي ينزل عليه عن شجرة الالتزام بمواصلة القتال الى جانب حماس، الذي تبين أنه خطأ بالنسبة له. يبدو أنهم يأملون في أن الهدنة لثلاثة اسابيع لغاية التفاوض يمكن أن تحلي له حبة الدواء المرة.

الرسائل الاولى التي استقبلت من حسن نصر الله أول أمس كانت سلبية، كما يبدو ايضا بسبب السؤال كيف يمكن للطرفين العمل في فترة وقف اطلاق النار، كجزء من الدفاع عن النفس. الخيار من ناحية حزب الله ليس فقط بين وقف اطلاق النار وحرب شاملة وهزيمة، ربما أنه سيختار مواصلة ادارة حرب استنزاف، التي في اطارها يحافظ على مدى نيران واسع ويحاول التشويش لفترة طويلة الحياة في شمال البلاد، بدرجة ابعد بكثير من المناطق التي هاجمها بشكل ثابت حتى الاسبوع الماضي.

حول وقف اطلاق النار، اذا تم التوصل اليه، تثور علامات استفهام اخرى. كيف ستمنع اسرائيل حزب الله من كسب الوقت من اجل أن ينهض، ويرمم سلسلة القيادة والسيطرة، وربما اعادة تسلحه؟ ماذا ستفعل اذا استأنف حزب الله قوافل السلاح المهربة من سوريا الى لبنان؟ وحتى اذا انزلقت الاسابيع الثلاثة وتحولت الى اتفاق للمدى الطويل، كيف يضمنون أن هذا الاتفاق سيؤدي الى هدوء طويل في الشمال وعودة السكان؟.

رؤساء المجالس الاقليمية على طول الحدود في الجليل يظهرون مؤخرا القلق من جانبين في انتشار حزب الله: “قرى خشبة القفز والبنى التحت ارضية. الادعاء هو أن حزب الله ينتشر في قرى شيعية قرب الجدار بشكل يسمح لرجال قوة الرضوان بالانطلاق سريعا للاقتحام الى داخل اراضي اسرائيل، مع استخدام البنى التحتية التي توجد في الطرف اللبناني. في الجيش الاسرائيلي، وبالاساس في قيادة المنطقة الشمالية، هناك ضباط يعتقدون أن احتلال المنطقة حتى نهر الليطاني واعادة اقامة المنطقة الامنية التي تركت في أيار 2000، هو شرط الحد الادنى لوضع نهاية للحرب. آخرون يحذرون من تورط مزدوج، في البداية في معارك وبعد ذلك الاحتفاظ بالارض، ويذكرون أن اقامة شبكة مواقع بتكلفة اقتصادية وعسكرية باهظة لن تمنع اطلاق حاد المسار لصواريخ من فوق المواقع نحو المستوطنات القريبة من الجدار.

الجنرال احتياط يعقوب عميدرور هو أحد المستشارين المؤثرين الآن في حاشية نتنياهو (اثنان آخران هما العميد احتياط آفي ايتام ويعقوب ميغل (لا يوجد لهؤلاء الثلاثة منصب رسمي). من بعض ظهورات عميدرور مؤخرا يمكن المعرفة عن نوايا رئيس الحكومة. نتنياهو يستعد لاحتمالية اندلاع حرب طويلة في غزة وفي لبنان ايضا. هو يضع الآن لبنان في المقام الاول لأن المخاطرة التي يتعرض لها من حماس في غزة تقلصت جدا (عميدرور لا يشرح لماذا لم يتوصل الى هذا الاستنتاج قبل بضعة اشهر). بخصوص عملية برية فانها لا تطرح كموضوع لا يمكن التنازل عنه. وحسب قوله اذا ابعد اقتراح الوساطة رجال حزب الله الى ما وراء الليطاني فانه لا توجد حاجة الى ارسال الجنود الى داخل لبنان. وفي ظل غياب ذلك فلن يكون مناص من فعل ذلك.

عدة مرات في الايام الاخيرة، رغم العمليات المثيرة للانفعال للجيش والاستخبارات، ثار الشك في أننا في الواقع نشهد لعبة “بوكر” شرق اوسطية واسعة. عملية اصطدام واسعة على الارض ما زالت لا تبدو مؤكدة. ربما أن اسرائيل ما زالت تحاول التوصل الى انجازات في الحرب بدون استخدام القوة البرية.

——————————————–

معاريف 27/9/2024

المؤامرات الإيرانية لتقويض النظام الأردني ستهدد أيضا استقرار النظام السعودي

بقلم: د. عنات هوكبرغ – مروم خبيرة في الجغرافيا السياسية، الازمات الدولية والإرهاب العالمي

في ظل المواجهة المحتدمة ضد حزب الله في لبنان وتصعيد الصراع ضد حماس في قطاع غزة، يتعاظم التهديد الأمني على إسرائيل من الحدود الشرقية مع الأردن. فبينما تتبنى المملكة الأردنية موقفا مؤيدا للغرب الى جانب التأييد لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة فهي التي تعتبر عاملا استراتيجيا للاستقرار في الشرق الأوسط تجد صعوبة في مواجهة المحاولات المكثفة للتسلل والسيطرة من جانب ايران. فتآمر ايران الخطير على استقرار الاسرة المالكة والنظام الأردني والذي يتواصل منذ سنوات طويلة تعاظم على نحو خاص منذ 7 أكتوبر، بينما صغر المملكة، ضعف النظام، الضائقة السياسية – الاقتصادية للاردن واساسا موقعه الجغرافي بين سوريا، العراق، إسرائيل والسعودية يجعله هدفا جذابا لإيران. فهذه تسعى لان تضرب نسيجه الاجتماعي، مثلما تضرب أيضا امنه، سيادته ووحدته الإقليمية.

وفي اطار ذلك فان زعامة الملك عبدالله الثاني وقدرته على أن يتصدى في آن معا سواء نزاعات إقليمية مركبة ام لتوترات وتحديات داخلية تقف قيد الاختبار. ضائقة اقتصادية (مثل دين قومي بمقدار 46.6 مليار دولار وبطالة وصلت في شهر أيار الى 21.4 في المئة)، ضعف ديمغرافي (نحو 3.5 مليون لاجيء يشكلون نحو 30 في المئة من السكان) وتعلق بمساعدة امنية واقتصادية (مثل مساعدة أمريكية تقدر بـ 1.5 مليار دولار في السنة) تعظم هشاشة المملكة وانعدام استقرارها. الأردن يعتبر في نظر طهران كتهديد أمني ينبع ضمن أمور أخرى من كراهيتها التاريخية للنظام الملكي العلماني ومشاركته في الائتلاف المناهض لإيران من اتفاق السلام الذي وقعه النظام في 1994 مع إسرائيل وكونه قاعدة لعمل الجيش الأمريكي والقوات الغربية ضدها. وبالتالي، فان الحرص على امن واستقرار المملكة الصغيرة من الشرق حرج. يدور الحديث عن مصلحة استراتيجية أهميتها لإسرائيل، السعودية ودول أخرى هائلة.

وضع طواريء إقليمي

ليس صدفة ان نشرت صحيفة سعودية شعبية مؤخرا تصريحات رسميا يقضي بان “حكومة السعودية ترى في استقرار الأردن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة السعودية”. باستثناء استئناف العلاقات بين الرياض وطهران (اذار 2023) ومساعي ايران للامتناع عن مواجهات مع السعودية، اتحاد الامارات ومصر، حلفاء الأردن، فان قيادة السعودية – التي ترى في كل محاولة لتقويض الاستقرار في المملكة الأردنية اجتيازا لخط احمر – غير مستعدة لتحويل جارتها الى هدف للارهاب. هذا وضع سيزيد الفوضى في العالم العربي، باسم تأييد الفلسطينيين في غزة.

فضلا عن ذلك، في نظر المملكتين، اللتين تتقاسمان حدودا طويلة تمتد لمسافة 731 كيلو متر ماضيا ثقافيا – تاريخيا، الى جانب مصلحة استراتيجية مشتركة لصد تعاظم ايران والتهديد الإيراني – يدور الحديث عن ساعة طواريء هي من اكثر الساعات شدة وصدمة. فالخطوات الاستفزازية من جانب طهران تستهدف تعزيز النفوذ الإقليمي وتثبيت قوة ومكانة “محور المقاومة”. وبالتالي، فان هزس الاستقرار الأمني وتقويض النظام في الأردن، ضمن أمور أخرى من خلال تصعيد الإرهاب من جانب ميليشيات مؤيدة لإيران تعمل في المملكة وكذا في العراق وفي وسوريا، وتسلل خلايا إرهاب إضافية (شيعة من أفغانستان وباكستان) بما في ذلك ميليشيات حوثيين من اليمن – تحمل تداعيات جغرافية سياسية وأمنية عديدة.

يدور الحديث عن وضع حد خطير للغاية يشكل تهديدا حقيقيا على استقرار المملكة السعودية، مثلما أيضا على الوضع الراهن في أوساط الدول العربية والعالم الإسلامي. إضافة الى ذلك هذا منحدر سلسل يؤشر الى جدية نوايا ايران في التوجه الى تفاهم إضافي في ازمة الشرق الأوسط. هذا تفاقم سيشعل كل المنطقة، يوسع التنسيق والارتباط بين الفروع الكثيرة وبين ساحات الصراع المختلفة وسيجر دول أخرى الى جانب قوى عظمى عالمية بما فيها روسيا الى حرب شاملة ضد إسرائيل.

على هذه الخلفية، فان علاقات عمان – الرياض تلقى معنى جديدا واهمية استراتيجية. وهذا يتجاوز حقيقة انه يوجد انعدام تماثل هائل الى جانب تعلق متبادل بين الأردن والسعودية. فعلى الرغم من العداء التاريخي، الفوارق الاستراتيجية والخلافات العميقة بينهما (مثلا في مسألة الوصاية الأردنية الى الأماكن المقدسة في القدس، او مسيرة التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل)، عظمة اللحظة والقرب الجغرافي يشكلان فرصة لتعزيز العلاقات بين الدولتين. أي بلورة علاقات ثقة بين زعيمي المملكتين وتوثيق الاتفاقات ومظاهر التعاون المختلفة ضمن أمور أخرى في المجال الأمني مثلما أيضا في مجالات التجارة والبنى التحتية. وهذا بخاصة على خلفية الضائقة الاقتصادية للاردن، الذي اعلن عن خسارة مداخيل بمبلغ نحو 250 مليون دولار في الشهر، مثلما يفهم من منشورات رسمية لحكومة عمان وفي ضوء تعلقها باموال المساعدات من مصادر اجنبية بما فيها السعودية (التي تعهدت الى جانب اتحاد الامارات بان تحول لها هذه السنة 2.5 مليار دولار).

ان نظرة ثاقبة اكثر تبين أن الانشاء المحتمل لطريق التجارة والنقل الدولي (IMEC) يربط بين الهند، الشرق الأوسط وأوروبا عبر دول الخليج بما فيها السعودية من المتوقع أن ينتج لها غير قليل من الفوائد الاستراتيجية ويخدم مصالح هامة وبعيدة المدى لإسرائيل أيضا. كل هذا، ضمن أمور أخرى، مع مراعاة التقدم في “رؤيا 2030” وتطوير الخطط الطموحة لابن سلمان ولي العهد السعودي (مثل إقامة المدينة المستقبلية نيوم) الى جانب رفع مستوى تموضع السعودية كمركز اقتصادي عالمي. هذا إضافة الى نمو حجم التجارة الثنائية مع الأردن (مثلا، حجم الاستيراد الأردني من السعودية بلغ 3.79 مليار دولار في 2022 مقابل تصدير عام وصل الى 2.31 مليار دولار) الى جانب ترفيع مكانة المملكة وادعائها الحيوي في المنطقة الجغرافية السياسية الأمنية الإقليمية.

 ممزقة بين المصالح

في نظرة استراتيجية واسعة، فان عمان التي توجد تحت تهديد امني وجودي، تناور كما اسلفنا بين جملة لاعبين، مصالح وتحديات مركبة. مثلا، بين دعوات الجمهور الأردني لالغاء اتفاق السلام ومقاطعة إسرائيل، وبين الحاجة لزيادة حجم المساعدة الأمنية وتكثيف القوات الإسرائيلية على طول الحدود المشتركة، بخاصة بعد العملية في معبر اللبني في 8 أيلول. يوجد لها مصلحة قوية لمنع تهريب المخدرات، السلاح والذخيرة التي تصل اليها أساسا من سوريا فتنتقل منها الى إسرائيل والى منظمات الإرهاب الفلسطيني التي تعمل في الضفة الغربية (مثلا، مؤخرا نشر أنه بين كانون الثاني وتموز 2024، فان نحو 4 الاف اردني تسللوا الى إسرائيل وان ميليشيا مؤيدة لإيران تعمل في العراق بل وهددت بتسليح 12 الف مقاتل اردني بسلاح إيراني).

ان الخطوات التآمرية الأردنية تتضمن ضمن أمور أخرى إقامة الاف المساجد الشيعية في ارجاء الدولة الى جانب تشجيع ودعم مظاهرات التأييد المؤيدة للفلسطينيين والتي تحظى بتغطية واسعة تترافق ودعاية لاذعة في وسائل الاعلام العربية. يتبين ان الحديث يدور عن جهود تجنيد مكثفة للسكان الأردنيين (الذين نحو 50 في المئة من 11.3 مليون نسمة هم من اصل فلسطيني و 66 في المئة مؤيدون لحماس). كل هذا بهدف ربطها بالمصالح الإيرانية في اطار صراع الوعي والعملي غايته تشديد الكراهية لإسرائيل والمس باستقرار النظام الأردني وتجنيد شباب اردني وجهات متطرفة تساعد في تحويل المملكة الى جبهة إضافية في الصراع ضد “الكيان الصهيوني”.

ليس صدفة ان قال الملك عبدالله الثاني في خطابه في  الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي انعقدت هذا الأسبوع ان “حكومة إسرائيل تشجع خرق الوضع الراهن في الحرم”. على خلفية تعقيد وضع الأردن وعلاقاته مع إسرائيل وفي ضوء التوتر الكبير الذي يسود بين الملك وبين حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، هذا نقد حاد موجه ضدها، الى جانب إشارة او دعوة للمساعدة تستهدف تشديد تفجر الوضع الأمني والحاجة للامتناع عن خطوات معينة وتنفيذ أفكار استفزازية (مثل نقل لاجئين غزيين الى الأردن). إذ انه باستثناء حقيقة أن اتفاق السلام والشراكة الاستراتيجية بين الأردن وإسرائيل هما عنصران مركزيان في المفهوم الأمني القومي لكل واحدة منهما، فان هز استقرار المملكة الهاشمية من شأنه أن يخلق “أثر دومينو”، فتاك. بمعنى ان يؤدي الى اهتزاز بنيوي لامن إسرائيل وكذا للسعودية كما أسلفنا، مثلما للشرق الأوسط كله. والى ذلك فان احتدام المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية ونتائج الحرب في القطاع ستقرر بقدر كبير المكانة الإقليمية للاردن مثلما ستقرر مصير النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

——————————————–

هآرتس  27/9/2024

على ايران ان تحسم اذا كانت مكانة حزب الله تستحق سحق لبنان

بقلم: تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس

“18 ساعة تكفي من اجل الوصول من بيروت الى كاليفورنيا، أو من اجل السفر من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي. ولكن منذ صباح يوم الاثنين وحتى صباح يوم الثلاثاء حدث “الخروج” المتسرع والقسري والمثير لليأس لاكثر من مليون شخص دفعة واحدة. 18 ساعة على الاقل قضاها سكان جنوب لبنان في محاولة لقطع مسافة تبلغ 80 كم”. هكذا وصف المراسل اللبناني يوسف بازي رحلة هرب مئات آلاف السكان من المناطق التي تتعرض للقصف في الجنوب للبحث عن مأوى وملجأ.

الصور والافلام التي تنشر في الفترة الاخيرة في الشبكات الاجتماعية تشبه بشكل كبير الصور التي تمت مشاهدتها في بداية الحرب في قطاع غزة. ايضا هناك تحول مئات الآلاف الى لاجئين للمرة الثانية، وبعد ذلك للمرة الثالثة والرابعة، في الوقت الذي كان يتم أمرهم بالانتقال من “منطقة آمنة” الى منطقة اخرى وبالعكس. حزب الله تعهد بالمساعدة في اعادة بناء القرى والبلدات التي هدمت بعد انتهاء الحرب. اضافة الى ذلك حزب الله نشر قائمة مفصلة لوجبات المساعدة التي يقدمها للمهجرين، والمبالغ التي خصصها لاستئجار شقق لمن تم تدمير بيوتهم. ولكن في الفوضى الكبيرة التي حدثت فانه لا أحد يعرف الى أين يتوجه، ولا أحد يعرف كيفية العثور على المحتاجين.

الحكومة في لبنان تحاول تهدئة السكان، ووزير الاقتصاد أمين سلام نشر بأنه “لا يوجد نقص في المواد الاساسية”. “الاحتياطي يكفي على الاقل لشهرين، وهناك ما يكفي من الوقود”، قال. ولكنه اعترف بأن هناك صعوبة في تحريك قوافل المواد الغذائية والوقود نحو الجنوب، الى ما وراء صيدا، بسبب عمليات القصف الاسرائيلية التي حسب قوله لا تميز بين الاهداف العسكرية والمدنية. “عندما يقوم الجيش الاسرائيلي بضرب شاحنات الغذاء وسيارات الاسعاف… فان هناك خوف كبير وخطر، لكن يجب علينا ايجاد الحلول، لأنه من غير المعقول توقف نقل المواد الاساسية لسكان الجنوب”، شرح سلام وكأنه محلل وليس الوزير المسؤول عن ايجاد الحلول. السكان الذين تعودوا الى الوعود العبثية وعجز الزعماء لا ينتظرون الى أن تجد حكومتهم النظرية الحلول. فهم ينقضون على محلات السوبرماركت ومحطات الوقود والمخازن، ويضطرون الى دفع ثمنا باهظا مقابل الربط بين غزة ولبنان، الذي جرى باسمهم بمبادرة من حزب الله.

بما يشبه اوضاع كثيرة اخرى، وحتى بما يشبه ما حدث في اسرائيل منذ فترة قصيرة، عندما ادرك اللبنانيون أن الحكومة لا تعمل أو لا تستجيب لاحتياجاتهم، خرجوا هم ايضا الى مبادرات شخصية. فهم يقومون بجمع الغذاء والملابس والسلع الاساسية للاطفال ويقومون بتوزيعها على المهجرين، هؤلاء لا يمكنهم سد النقص الذي حدث في الدولة في مجالات كثيرة. وبالتالي، المشكلة الرئيسية التي تظهر هي توفير الكهرباء. فقط في الشهر الماضي اغلقت شركة الكهرباء الوطنية محطة الطاقة الاخيرة في الدولة بسبب نقص الوقود. ومنذ ذلك الحين وصلت في الحقيقة ارسالية وقود من الجزائر، وارسالية اخرى يتوقع أن تصل من العراق. ولكن في هذا الاسبوع اعلن وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، بأنه اذا يصل تزويد جديد فان الكمية الموجودة في المخازن ستكفي لـ 12 يوم فقط، هذا قبل أن تقرر اسرائيل المس بالبنى التحتية للطاقة في لبنان.

رغم أن الكثير من البيوت في لبنان يوجد فيها مولدات، إلا أنه بدون توفير مستمر للوقود ايضا هذه المولدات يمكن أن تتوقف. اضافة الى ذلك منذ أن بدأت الهجرة الكبيرة من الجنوب فان كمية الكهرباء المستهلكة في بيروت ومحيطها ازدادت بثلاثة اضعاف، الامر الذي يزيد العبء. التغييرات الديمغرافية المفاجئة يوجد لها ايضا نتائج اجتماعية مهددة، حيث أن معظم المهجرين جاءوا من القرى الشيعية. وعندما يتوجهون الى الشمال، سواء الى مدينة طرابلس السنية أو الى الاحياء المسيحية في بيروت، فانه تبدأ الاحتكاكات بين المواطنين. وفي هذه الاثناء هذا الامر وجد تعبيره بالاساس بازالة صور حسن نصر الله عن سيارات المهجرين. ورغم ذلك فانه كلما استمرت المعاناة والغضب، والخوف من ظهور خارطة ديمغرافية جديدة في لبنان، فان هذه الاحتكاكات قد تؤدي الى صراعات عنيفة تصبح ساحات قتال بين الطوائف.

في الايام الاخيرة تحاول وسائل اعلام حزب الله تبديد الانطباع القاسي للضائقة. فهي تصف كيف أن اعضاء الحزب ينظمون الاسرة والطعام للمهجرين. في الحزب ينفون التقارير التي بحسبها حوالي نصف سكان الضاحية هربوا من بيوتهم، ويحاولون اقناع الناس بأن موجة الهجرة “ستستقر وستتم معالجتها من قبل اعضاء الحزب”. ولكن في الوضع الذي لا يوجد فيه في الحزب منظومات اتصال قوية، والنشطاء المدنيون فيه مجندون للجهود القتالية وملء صفوف المقاتلين الذين قتلوا فان حزب الله قريب من مفترق طرق لاتخاذ قرار. هذا يمكن أن يجبره على الموافقة على اقتراح لوقف مؤقت لاطلاق النار، وبعد ذلك الموافقة على تسوية سياسية معينة.

في هذا المفترق اللعبة لا توجد فقط في يد حسن نصر الله. الضغط الدولي والعربي آخذ في الازدياد، اضافة الى الانتقاد الشديد، ليس فقط لحزب الله بل ايضا لايران”.صحيفة “عكاظ” السعودية نشرت في هذا الاسبوع مقال استثنائي من ناحية حدته، انتقد بالاساس انجرار لبنان الى الحرب. “حرب لبنان الثالثة بدأت، وسببها ليس الحكومة بل احزاب ومليشيات سلبت حق الدولة والشعب في حياة كريمة”، كتب في المقال. “هذا سر غريب جدا من اسرار لبنان، الذي فيه الحكومة اضعف بكثير من الاحزاب الى درجة أن الوضع وصل الى درجة شل كل الحكومة. هذا وضع خطير جدا، الدولة فيه توجد تحت حماية حزب، وهي تواجه اسرائيل من اجل مصالح ايرانية، وليس مصالح لبنانية أو عربية”. هذا الانتقاد الذي يعكس المزاج السائد في البلاط الملكي في السعودية يقوض ارادة القتال لدى حزب الله ويلغي راية التضامن مع الفلسطينيين التي يرفعها من اجل تبرير هذه الحرب. اضافة الى ذلك هذا الانتقاد موجه مباشرة الى طهران، بين السطور في هذا المقال، التي وضعت لنفسها هدف استراتيجي، تحسين علاقاتها مع الدول العربية واستئناف العلاقات مع دولة الامارات والسعودية والطموح الى استئناف علاقاتها مع مصر ايضا – هي التي تطلق النار على قدمها. بواسطة وكيلها في لبنان فان ايران تسيطر على دولة عربية وتعيد مرة اخرى الى الخطاب العام العربي الخوف من “تصدير الثورة الاسلامية”.

هذه جبهة سياسية لا تريد ايران أن تخسر فيها. الرئيس الايراني، مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية الايراني عباس عراكتشي، يحاولان تسويق سياسة خارجية جديدة. هما يريدان الدفع قدما بالحوار مع الغرب، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من اجل رفع العقوبات. حتى أن الزعيم الاعلى في ايران، علي خامنئي، قال نحن لا نلغي الدبلوماسية اذا كانت تحقق مصالح الدولة. وفي نفس الوقت طهران ترسل اشارات عن استعدادها لاستئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي، هذه جعلت حتى رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، يقول بأن ايران جدية في نواياها، وأنه يتوقع أن يقوم بزيارة طهران في الشهر القادم والالتقاء مع بزشكيان.

رغم ذلك ربما أن ايران يجب عليها قبل ذلك تسديد الورقة اللبنانية. ممثلو المانيا، فرنسا وبصورة غير مباشرة امريكا، يجرون منذ ايام اتصالات كثيفة مع جهات رفيعة في ايران، وتشارك في ذلك دول عربية مثل سلطنة عمان وقطر واتحاد الامارات. حسب بعض التقارير فان ايران رفضت في هذه الاثناء طلب حزب الله مساعدته في تورط عسكري. في المقابل، ممثلو المليشيات الشيعية في ايران والحوثيون ورجال حزب الله، الذين التقوا في يوم الاثنين الماضي في بغداد، تعهدوا بشكل علني بالمشاركة في الحرب وارسال آلاف المقاتلين عبر سوريا اذا قامت اسرائيل بغزو لبنان.

ولكن عندما يكون موضوع على الطاولة اقتراح امريكي – فرنسي لوقف النار لمدة ثلاثة اسابيع، فان حزب الله وايران يجب عليهم تقرير الذخر الاستراتيجي الذي يريدون الحفاظ عليه. هل سيختارون مواصلة الحفاظ على قدرة حزب الله على السيطرة في لبنان في الوقت الذي فيه الضغط الداخلي في الدولة آخذ في الازدياد، أو أنهم يريدون الحفاظ على مكانة وسمعة حزب الله على اعتبار أنه هو الذي يدير “وحدة الساحات”، والجهة التي دفعت الثمن الاكبر، باستثناء حماس، مقابل اسهامه في نضال الفلسطينيين على ظهر مواطني لبنان.

ايران اثبتت في السابق بأنها مستعدة “لشرب كأس السم”، حسب الزعيم الايراني السابق آية الله الخميني، الذي قال ذلك عندما وافق في 1988 على انهاء الحرب مع العراق. بعد بضع سنوات على ذلك صك الزعيم الاعلى مفهوم “المرونة البطولية” عندما سمح للرئيس حسن روحاني بالبدء في المفاوضات حول الاتفاق النووي في 2013.

في الحرب في غزة ايران وضعت نفسها كمراقب غير مسؤول حتى عن تفعيل وكلائها. في الاسبوع الماضي قال وزير خارجية ايران “في كل ما يتعلق بلبنان فانه من الطبيعي أن يتخذ حزب الله قراراته بنفسه وأن يرد وفقا لذلك”. أي أن هذه قضية خاصة بحزب الله، لا تحتاج أي قرار أو تدخل من ايران. هذه الصورة الظاهرية هي ضرورية الآن، لأن ايران يمكنها الاعتماد عليها اذا قرر حزب الله الموافقة على وقف اطلاق النار بدون المس بمكانتها.

لكن “الحفاظ على الكرامة”، هو فقط مركب واحد في معادلة ايران. الحرب الشاملة أو حتى استمرار الحرب في الاطار الحالي، يمكن أن تزيد بشكل لا يمكن تحمله الضغط الداخلي في لبنان، ومن هنا الخوف ايضا من فقدان سيطرة حزب الله المدنية، وبعد ذلك سيطرته السياسية في لبنان. في هذه الاثناء حزب الله يمكنه الاعتماد على رفض اسرائيل لتبني اقتراح  وقف اطلاق النار والانتظار الى حين ازدياد الضغط الدولي عليها، وتآكل الشرعية ايضا التي حصلت عليها حربها في لبنان.

——————————————–

معاريف 27/9/2024

استغلال النجاحات الإسرائيلية في الجبهة الشمالية لتحقيق مكاسب في غزة

بقلم: عميت يغور

يقوم الجيش الإسرائيلي حالياً بعملية مثيرة للإعجاب على الجبهة الشمالية. وبصورة عامة، كل ما كانت تسعى دولة إسرائيل للقيام به ضد “حزب الله” في بداية حملة شاملة يتم الآن تنفيذه بمهارة، لكن بطريقة مختلفة؛ عبر تقسيمها إلى مراحل، وترك بعض “العصي الكبيرة” لاستخدامها لاحقاً دون دخول حرب شاملة.

إذا ما نظرنا إلى الحرب بعين متفحصة وبنظرة استراتيجية سنجد أن الوقت الراهن يمثل الفرصة الأمثل لاستغلال النجاحات في الجبهة الشمالية لتحقيق مكاسب في غزة.

نعم، في غزة. إن استنزاف قدرات “حزب الله” لا يمر دون أن يلاحظه يحيى السنوار وحركة “حماس” في غزة، ويبدو أن “شهادة التأمين” العسكرية التي كانت “حماس” تأمل إدخالها إلى المعركة ضد إسرائيل في الشمال لتخفيف الضغط على غزة لم تعد تستوفي الشروط المطلوبة الآن، على الرغم من بقاء قدرات أُخرى وجهوزيتها للاستخدام لدى الحزب.

وهكذا، وللمفارقة، ربما يكون الربط بين الساحات الذي نسعى لفصله حالياً، في الواقع، يخدم على المدى القريب المصلحة الإسرائيلية، ويضعف “حماس” أكثر. هذه هي نقطة التي يجب أن “نكسر” فيها الوضع الراهن في القطاع، ونسعى لتحقيق حسم.

ومن الحلول المطروحة في هذه الأيام ما تسمى “خطة الجنرالات”، بقيادة الرئيس السابق لقسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، ولاحقاً رئيس مجلس الأمن القومي، غيورا آيلند. وتهدف الخطة إلى تطهير شمال القطاع من المسلحين عبر إجبارهم على الاستسلام، ويتم ذلك عبر حصار عسكري كامل للمنطقة بعد إخلاء السكان المدنيين، ومن ثم يمكن تكرار هذه الخطة في مناطق أُخرى من القطاع.

لكن خطة الجنرالات هذه تنطوي على عدة إخفاقات مفاهيمية وعملياتية، وحتى إذا حققت النتيجة المطلوبة من وجهة نظرهم فهي لن تغير استراتيجياً الوضع في القطاع.

إن فهمي لحركة “حماس” والسنوار مختلف، فبينما تركز خطة الجنرالات على تقليص قدرة “حماس” على إعادة بناء قدراتها في أثناء المعركة (التمويل، وتجنيد المقاتلين، والإمداد، والدافع)، فإن تحليلي يطال المجال الاستراتيجي أكثر.

أرى أن “حماس” مدفوعة بمنطقَين رئيسين فقط في الوقت الحالي: القدرة على حماية حياة السنوار وعائلته وكبار القادة الذين لا يزالون إلى جانبه، وبقاء سيطرة “حماس” على السكان في قطاع غزة، وهو ما يؤمن لها شرعيتها بعد انتهاء الحرب، ويمثل ركيزة أساسية لإعادة بنائها ونموها مجدداً.

إن الأداة الرئيسة التي يستخدمها التنظيم هي توزيع المساعدات الإنسانية. وفي مقابل رغبة قيادة “حماس” في البقاء، تُدار حالياً الجهود العسكرية في القطاع وفقاً لاستراتيجيا “الصيد”.

لكن إسرائيل لم تنجح في العمل ضد قدرات “حماس” على الحكم بصورة متزامنة مع الجهود العسكرية الإسرائيلية، ولم تبدأ سوى الآن في مقاربة هذا الموضوع بجدية، باستخدام أساليب متعددة، وعبر تعيين مسؤول خاص لهذا الأمر، يعمل في سياق مكتب منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة. وبناءً على ذلك يمكن القول إن “خطة الجنرالات” تعاني جرّاء عدة عيوب جوهرية:

– تضمن هذه الخطة بالذات بذل مزيد من الجهد العسكري من أجل احتلال الأرض، بينما لم تعد الأرض تمثل عاملاً مهماً في نظر “حماس”، لأن مسألة احتلال الأرض في نظرها أمر قابل للتغيير في أي تسوية أو صفقة مع انتهاء الحرب.

– لا تنشئ الخطة سلطة جديدة في القطاع، إنما تعيد السكان الذين يمكن التأثير فيهم إلى أيدي “حماس”، وتفوت فرصة إنشاء حكم بديل في غزة.

– يتطلب تنفيذ الخطة وقتاً، فكل مرحلة من هذه الخطة تحتاج إلى وقت للتنفيذ، وبعد ذلك يحتاج الأمر إلى وقت ليصل الأثر إلى السنوار ورفاقه. ونحن لا نملك الكثير من الوقت، وخصوصاً بسبب مسألة الرهائن.

– يُعد احتلال الأرض سبباً للحرب وفقاً للفهم الدولي، وسيعيد غزة إلى بؤرة الاهتمام العالمي، وخصوصاً في الولايات المتحدة، التي ربما ترى هذه الخطوة تحركاً دائماً من جانب إسرائيل لفرض واقع جديد بعد الحرب دون التنسيق معها. ويمكن أن تتسبب هذه الخطوة أيضاً بتأليب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.

– على الرغم من أن الخطة ربما تكون متسقة مع القانون الدولي، فإن القانون قابل للتأويل من جانب المحامين والقضاة.

لقد رأينا هذا عدة مرات بعد 7 تشرين الأول، وعلى الرغم من أنه كان واضحاً أن “حماس” هي التي هاجمت وارتكبت “المجازر”، فقد أظهر العالم والقانون الدولي تساهلاً تجاهها، وهو ما سيحدث أيضاً عند تنفيذ الخطة، لكن بصورة معكوسة؛ إذ سيُنظر إلى إسرائيل على أنها القوية التي تستغل الوضع من أجل تحقيق احتلال دائم للأراضي من أيدي الضعيف، وربما يثير هذا الطرح قلق الدول المجاورة، وعلى رأسها السعودية، التي ستخشى من خطوة إسرائيلية لتثبيت الحقائق على الأرض.

لا شك في أننا، بعد انتهاء الحرب، سنرغب في بناء تحالف إقليمي مع هذه الدول، لذلك، وفي رأيي، يمكننا العمل كما فعلنا في لبنان “تحت عتبة الحرب الشاملة” وتحقيق إنجازات ممتازة، من دون اللجوء إلى خطوة الاحتلال والحكم العسكري التي تُعتبر “خطاً أحمر”، وتقيّد استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة، وتعيق قدرتنا على تحقيق الإنجازات هناك، وترسيم اليوم التالي بما يناسب مصالحنا.

ويتمثل اقتراحي البديل (باختصار) في استغلال المعركة في الشمال واستغلال الاهتمام بتلك الجبهة من أجل إنشاء منطقة مؤقتة عازلة في شمال القطاع في أقرب وقت، ومن ثم تطهير المناطق في شمال القطاع وإنشاء “فقاعات إنسانية” يمكن فيها فرض حكم “مختلف” على السكان، بحيث يكون المحرك الأساسي في البداية هو توزيع المساعدات الإنسانية، ويتولى الجيش الإسرائيلي المسؤولية المؤقتة إلى جانب شركات أمنية أميركية مدنية وربما جهات إقليمية أُخرى.

ويمكن توسيع هذه الفقاعات بالتدريج بفضل السكان الذين سيرغبون في الفرار من حكم “حماس”.

وهذه الاستراتيجية ستحيّد “حماس” (أي تجعلها غير ضرورية)، بدلاً من رفعها مرة أُخرى إلى موقعها المركزي الذي كانت تشغله في بداية الحرب. وهذا التحييد سيزيد من الضغط على التنظيم، ومن وجهة نظري، سيساهم أيضاً في التقدم نحو صفقة رهائن بشروط أفضل كثيراً لإسرائيل مما كانت عليه سابقاً، وربما يتضمن ذلك نفي قادة “حماس” من القطاع.

أقترح على دوائر صناعة القرار التفكير في الأمر قبل الاندفاع نحو تبنّي “خطة الجنرالات” من جهة، وربما “الضغط بشدة على دواسة الوقود” الآن تحت غطاء المعركة في الشمال لتفكيك قدرات “حماس” الحاكمة في أسرع وقت ممكن، فالوقت الآن مناسب جداً لفعل ذلك.

——————————————–

هآرتس 27/9/2024

خطة التجويع لغيورا آيلاند كإرهاب نفسي

بقلم: يوسي كلاين

في هذه الحرب تعلمنا بأنه عندما لا نرى فنحن لا نعرف. وعندما لا نعرف فنحن لا نرد. سواء بالأحاسيس أو الأفعال. تعلمنا أن الحياة تكون أسهل عندما نعرف القليل جدا. وعندما يخفون الواقع بذريعة الإرهاب النفسي”. حسب بعض التقارير قُتل في لبنان المئات وفي غزة قُتل عشرات الآلاف. هذا جيد. يجب عليكم الاكتفاء بذلك. لا تقلقوا ، نحن لا نريد المعرفة أكثر.

نحن نتغذى على الدعاية المعلومات التي يتم توفيرها لنا لا نختارها حسب ما يجب معرفته، بل حسب ما يريدوننا في التلفزيون أن نعرفه. هم على حق. الأمر الأخير الذي نريد أن نعرفه هو كم من الأولاد أبناء 10 سنوات قتلوا في غزة، لبنان أو بواسطة اجهزة البيجر المفخخة كل معلومة كهذه هي إرهاب نفسي يضر بالروح القتالية ويخفض المعنويات.

الإرهاب النفسي هو ايضا خطة الجنرال احتياط غيورا آيلاند، التي بحسبها يجب “فرض الحصار” على 300 ألف غزي، الذين “سيتم اخلاؤهم” من بيوتهم عندما سيكون الخيار أمامهم هو إما الهرب أو الموت هذه الخطة تعرضنا على أنفسنا كمتوحشين وعديمي الأخلاق الأساسية. بالتالي، تمس بالروح القتالية لدينا. ولكن لم يتم تسجيل أي انفعال، وقرب بيت آيلاند لم يتم اجراء أي مظاهرة، الاستخدام الذكي لهذه المفاهيم المعقمة الحصار الاخلاء) عملت على تهدئتنا. الخطة ترتكز الى الافتراض المنطقي الذي يقول بأنه اذا لم نقم بتغذية شخص فهو سيموت. مع العرب الموتى لا توجد لنا مشكلة، بالعكس، لیکن عدد أكبر منهم. يجب فقط عرض الحدث الفظيع بحيث لا يظهر من وراء الاقوال المنمقة، وأن لا نمد ايدينا للروموت من اجل رؤية شيء مفرح أكثر.

من الجدير إخفاء الرعب كي لا تثور الاحاسيس والذكريات. اذا قلت “تجويع” أو “ترانسفير” فان وخزة غير مريحة ستظهر في أمعاء البعض منا. شهادات قديمة ستتبادر الى الذهن أيدي رقيقة، جلد وعظم ، تمتد وتتوسل للطعام. هكذا تبدو “المجاعة”. لاجئون يحملون اغراضهم على عربات السوبرماركت ، هكذا يبدو “الإخلاء”. هذا ليس واقعيا سيشرح اهود حمو ، هذا إرهاب نفسي.

كيف يمكننا استيعاب هذا العار؟

لا تقلقوا، نحن لن نشاهد أي شيء في التلفزيون يعرفون ايضا بأنه توجد حدود لرغبة الجمهور في المعرفة برنامج التجويع لغيورا آيلاند سينجح شريطة أن لا تكون عدسات اذا شاهدنا طفلة، حتى لو كانت عربية، وهي تمد يدها النحيفة نحو الكاميرا فاننا على الفور سنبدأ بالعويل مثلما في افضل التقاليد اليسارية. ما لا تراه لا تعرفه وما لا تعرفه هو غير موجود.

ماذا عن ميثاق منع الإبادة الجماعية الذي وقعت عليه إسرائيل؟.

ما هذا السؤال المهين؟ يقولون وهم غاضبون مني. أنت تشير الى أننا… يجب عليك أن تعرف، يقولون لي بأنه ليس كل تجويع هو إبادة جماعية. الإبادة الجماعية، سيقولون ، توجد لها علاقات عامة سيئة، ويمكن تجييرها وتحويلها الى أداة لطيفة من أجل نقل السكان تحت (اسم، لنفترض، “نقل جماعي للمدنيين”).

فضل آيلاند أنه اختار البنود المعتدلة فى الميثاق، فقط التجويع ونقل المدنيين. كانت هناك بنود سيئة أكثر. الحصار سيتولى مهمة التجويع (بدون “انسانى” وهراءات مشابهة). و”الاخلاء” سيشرف عليه سلاح الجو، أي 300 ألف شخص يجب عليهم الهرب الى المناطق التي ربما فيها سيتم قصفهم وربما لا. توجد احتمالية في أن اقتراح آيلاند لإبادة جماعية يهودية حلال ومتواضعة، ستؤدي الى النصر المطلق، أو اذا شئتم، الى الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية.

السؤال هو ليس عدم أخلاقية الخطة من تهمه الأخلاق؟ السؤال هو هل ينتظر المسؤولون عن تنفيذها أوامر اعتقال عندما يذهبون للتسوق في أوروبا. عندها يمكننا الهدوء. آيلاند فحص الموضوع. هذه الخطة تتساوق مع قواعد القانون الدولي، لأنه يسمح بإخلاء السكان من مناطق القتال قبل فرض الحصار.

هل يحتمل أن يعارض الجمهور المتنور؟ لا تقلقوا الجمهور الذي تخلى عن المحتجزين سيوافق على تجويع المدنيين، لا سيما اذا كانوا عربا، بنفس السهولة التي يوافق فيها على الحرب الزائدة في لبنان. لا أحد سيطلب رمي خطة آيلاند في سلة القمامة، مثلما لم يطالب بوقف المغامرة الدموية في لبنان. الجمهور يعرف أنه يمكن وقف الحرب لو أن رئيس حكومة فاسد وثلة جنرالات يعذبهم

الشعور بالذنب أرادوا ذلك.

وماذا عن الترانسفير؟ من الذي يهمه ذلك؟.

—————–