الاستيطان وتطهير غزة: بين “التطهير العرقي الفعلي” والواقع المرير تحت وطأة الاحتلال الصهيوني

المسار الاخباري: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا أعده إيشان ثارور، تساءل فيه عما إذا كانت إسرائيل تقوم بعملية تطهير عرقي فعلي، أم تطهير بحكم الأمر الواقع، مشيرًا إلى أن الجماعات المؤيدة للاستيطان، وبعض نواب الكنيست، تجمعوا على بعد أميال قليلة من شمال غزة الذي يتعرّض للقصف والتدمير من أجل الدعوة للاستيطان في غزة.

وقال: “على بعد أميال قليلة من غزة، اجتمع عددٌ من الساسة البارزين، في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقدّموا رؤاهم الكبرى لمستقبل غزة”.

بن غفير: ما نحتاج إلى فهمه أن العديد من الإسرائيليين قد غيّروا تفكيرهم. إنهم يدركون أنه عندما تتصرف إسرائيل وكأنها المالك الشرعي لهذه الأرض فهذا يؤدي لنتائج

وقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، في اجتماع لإحدى المنظمات الاستيطانية الكبرى: “إذا أردنا ذلك، فيمكننا تجديد المستوطنات في غزة”، وأضاف أنه سيشجع “النقل الطوعي” للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، المنكوبة بالحرب، إلى خارج المنطقة، وعودة المستوطنين اليهود، بما في ذلك أولئك الذين أجبرتهم حكومتهم على الخروج من غزة في عام 2005.

وقال بن غفير: “لقد تعلمنا هذا العام أن كل شيء في أيدينا”، قبل أن يحدد ما اعتبره الإرث الرئيسي للهجوم الإرهابي الذي شنته حركة “حماس” على جنوب إسرائيل، قبل أكثر من عام.

وأشار ثارور إلى ما قاله بن غفير: “نحن أصحاب هذه الأرض. نعم، لقد شهدنا كارثة رهيبة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن ما نحتاج إلى فهمه، بعد مرور عام واحد، هو أن العديد من الإسرائيليين قد غيّروا تفكيرهم. لقد غيّروا عقليتهم. إنهم يدركون أنه عندما تتصرف إسرائيل وكأنها المالك الشرعي لهذه الأرض، فهذا يؤدي لنتائج”.

ويعلق ثارور على التغير في العقلية والتفكير الذي يمجّده بن غفير، مؤكدًا أنه يتسم بقدر كبير من القسوة في التعامل مع أعدائه المفترضين، سواء “حماس” أو “حزب الله” في لبنان، حيث كانت إسرائيل تفعل “كل ما نريد”، كما قال بن غفير، في حملتها العسكرية المستمرة.

وتؤكد كلماته على معتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لا يزال يتحدث عن “النصر الكامل” ضد أعداء إسرائيل، حتى عندما يريد عددٌ كبير من قادة الغرب الموافقة على اتفاق لوقف الأعمال العدوانية في كل من غزة ولبنان. وتقول السفيرة الفرنسية في الولايات المتحدة لورا بيلي: “في النهاية، لا يوجد خيار سوى المسار الدبلوماسي”، مضيفة أن متابعة الحل العسكري فقط ستعرض أمنها للمزيد من المخاطر ويجعلها محاطة فقط بأعداء.

ويقول ثارور إن غزة دُمّرت بالكامل تقريبًا، وخلال عام من القصف الإسرائيلي المتواصل، قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بمن فيهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال. كما نزح نحو مليوني شخص، في موجة تلو الأخرى من الهجمات الإسرائيلية. وتزداد الكارثة الإنسانية التي تتسع بسبب الحرب سوءًا، حيث تضغط إسرائيل على شمال غزة، ولا يزال نحو 400,000 فلسطيني يعيشون وسط الدمار.

وقال إن الغارات الجوية العقابية التي شنّها الطيران الإسرائيلي، في الأيام الماضية، قتلت أعدادًا كبيرة، حيث وصف السكان شمال غزة بأنه مشهد جهنمي من الأنقاض والأطراف البشرية المتناثرة.

وصف عمال الإنقاذ كيف منعت السلطات الإسرائيلية جهود الإنقاذ، ما أدى لموت الناس تحت الأنقاض، في وقت نفدت فيه الأدوية من المستشفيات، وتوقفت محطات التحلية عن العمل

ووصف عمال الإنقاذ لمراسلي الصحيفة كيف منعت السلطات الإسرائيلية جهود الإنقاذ، ما أدى لموت الناس تحت الأنقاض، في وقت نفدت فيه الأدوية من المستشفيات، وتوقفت محطات التحلية عن العمل بسبب عدم توفر الوقود، لأنه لم يدخل أي من المواد الإنسانية إلى شمال غزة، حسب منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان.

وفي تغريدة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نُشرت على منصة إكس، قال فيها: “يعاني الناس بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر لشمال غزة ويستنفدون بسرعة كل وسائل النجاة”.

ويعلق ثارور أن الأخبار عن الدمار الذي تتعرض له أحياء غزة كانت أخبارًا سارة لدعاة الاستيطان الذين اجتمعوا ليس بعيدًا عن شمال غزة الذي يتعرض للقصف.

وقالت دانييلا وايس، داعية الاستيطان، لمن حضروا المؤتمر: “في أقل من عام، ستشاهدون اليهود يدخلون إلى غزة والعرب يختفون”. وقد نظمت “ناحالا”، الحركة التي تديرها وايس، المؤتمر على مدى يومين.

ووايس شخصية قضت عقودًا من الزمان على هامش التطرف في السياسة الإسرائيلية، ولكنها وقفت شمال غزة، هذا الأسبوع، هي ومنظمتها، بعد منحها حق الوصول إلى منطقة عسكرية مغلقة، بدعم من كتيبة من أعضاء مجلس الوزراء والمشرّعين من الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو. وتحدث الناشطون أمام الصحافيين عن فرص الاستثمار على طول شاطئ غزة. وكان الحاضرون قد أقاموا مجموعة من الملاجئ المؤقتة إحياءً لذكرى عيد العرش اليهودي، لكن رمزية هذا العمل، الذي يقع على مرمى حجر من غزة، لم تغب عن أذهان أحد.

وقال الحاخام دوفيد فيندل من بلدة سديروت: “اليوم نجلس في مساكننا المؤقتة على هذا الجانب من الحدود. وغدًا، سنبني مساكننا الدائمة على الجانب الآخر من الحدود”.

ويقول ثارور إن إفراغ غزة من سكانها ليس جزءًا من السياسة المعلنة لنتنياهو وحكومته. وفي نقاش هذا الأسبوع مع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، قيل إن نتنياهو رفض ما أطلق عليه “خطة الجنرالات”، وهي مقترح لجنرالات متقاعدين تدعو لإفراغ شمال غزة من خلال حرمان السكان من الطعام وقصفهم بشكل لا يرحم.

لكن المؤتمر، الذي نظمته وايس، كشَفَ عن تبنّي الحكومة الإسرائيلية للخطة بوضوح. وقال مشارك لمجلة +972: “نحن في المرحلة التالية من خطة الجنرالات”، وقالت وايس: “الاستيطان يجلب الأمن على المدى البعيد”، وقد “خسر العرب الحق بأن يكونوا هنا”، بسبب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.

حاخام: اليوم نجلس في مساكننا المؤقتة على هذا الجانب من الحدود. وغدًا، سنبني مساكننا الدائمة على الجانب الآخر من الحدود

وقال ثارور إن تصرفات الجيش الإسرائيلي، والخطاب الصادر عن اليمين المتطرف، الذي بات مؤثرًا في السياسة الإسرائيلية، أدى لنداء عاجل من المنظمة الحقوقية الإسرائيلية بيتسليم قالت فيه: “على العالم أن يوقف التطهير العرقي لشمال غزة”، وأضافت في بيانها: “إن حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل حاليًا في شمال قطاع غزة في حملتها لإفراغه مما تبقى به من السكان لا يمكن وصفها، ليس فقط لأن مئات الآلاف من الناس يعانون من الجوع والمرض دون الحصول على الرعاية الطبية والقصف المتواصل وإطلاق النار يتحدّى الفهم، ولكن لأن إسرائيل قطعتهم عن العالم”.

وتبرر إسرائيل الحملة الحالية ضد الشمال بأنها محاولة لمنع مقاتلي “حماس” من إعادة تجميع صفوفهم، وأن الجيش أصدر أوامر إخلاء للسكان، لكن العديد منهم قالوا إنه لا يوجد مكان آمن للذهاب إليه، والطرق إلى الجنوب أغلقها الجيش.

ولكن معاناة السكان لم تجد تعاطفًا على الجانب الآخر من حدود غزة. وبحسب تالي غوتيليب، النائبة عن حزب “الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو، عن الفلسطينيين أثناء مشاركتها في مؤتمر الاستيطان بغزة: “يتعيّن علينا التحدث إليهم باللغة الوحيدة التي يفهمونها” أي “نجردهم من أرضهم”.

المصدر … القدس العربي