يديعوت أحرنوت : مَن يحلم بالاستيطان في غزة وبالسيطرة حتى الليطاني يعيش في عالم غير واقعي

 

بقلم: يديديه ياعر

بعد سنة من الحرب الدموية، يمكن القول، إن ميزان القوى في الميدان تغيّر تغيّراً جوهرياً.

في تشرين الأول 2023، بدت إسرائيل كأنها غير مستعدة لسيناريو متعدد الجبهات. مثلما حدث في “يوم الغفران”، قبل 50 عاماً، وعلى الرغم من كل الألم والصدمة، فإن الجيش الإسرائيلي تمكن من التعافي من الكارثة، ودمّر “حماس” عسكرياً في الجنوب، وهو يدمر الآن “حزب الله” في الشمال. ولا يمكن الحديث عن النصر، ما دام المخطوفون في غزة، لكن يمكن بالتأكيد الحديث عن هزيمة. لقد ذهبت عقود من الجهد الاستراتيجي الإيراني أدراج الرياح، ومُنيت بفشل ذريع. فالسلاح الإيراني الحاسم، والصواريخ والمُسيّرات، جرى تحييدها بأكملها تقريباً من خلال الدفاع الجوي المتعدد الطبقات. وبقي تأثير هذا السلاح هامشياً بكل المقاييس، على الرغم من الإصابات المؤلمة، والقوات التي بنَتها إيران في الميدان هُزمت. ولا يستطيع حلفاؤها الحوثيون والعراقيون أن يحلوا محلها. فشل المحور الإيراني، حتى لو كنا لا نزال أمام سلسلة ضربات، وضربات مضادة، وعلى الرغم من وضع إسرائيل السيئ في العالم، أكثر من أيّ وقت مضى.

في مثل هذا الوضع، من الطبيعي أن يكون التوجه في تحديد الإنجاز العسكري بالبقاء في كل نقطة وصلنا إليها في غزة، وفي الجنوب اللبناني. “كيف تعيدون لهم الأرض، بعد كل التضحيات والقتلى، بتسوية سياسية؟ لقد سبق أن شهدنا ذلك، في غزة، وفي لبنان”. هذه هي المواقف التي نسمعها من كل اتجاه. وما يجري الحديث عنه هنا هو تجربة الماضي المؤلم، وفي نهاية الأمر، هذه هي تجربتنا. لكن بحسب وجهة نظر أينشتاين، فإن تكرار الخطأ عينه يؤدي إلى النتيجة عينها، وحدّد أحدهم التجربة بأنها السير قدماً من خلال النظر في المرآة إلى الخلف.

لقد خرجنا من لبنان، بعد 18 عاماً من احتلال بيروت. ومن غزة، بعد 38 عاماً من احتلالها، بعد حرب “الأيام الستة”. يصبح الدفاع عن جيوب ومناطق فصل مكلفاً، بمرور الزمن، ويغدو ثمن القتلى من الجنود والمدنيين كبيراً. من جهة أُخرى، يمكن تحسين التسويات السياسية، على الرغم من الندوب على أجسادنا، عبر الاستفادة من دروس الماضي، ومن خلال نظرة جدية إلى المستقبل. وفي جميع الأحوال، ليس لدينا خيار آخر.

مَن يحلم بالسيطرة على منطقة فاصلة حتى الليطاني، مع حُكم عسكري ومستوطنات في غزة، والدفاع عن المستوطنات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى القوات المطلوبة في هضبة الجولان، وفي وادي الأردن، والجبهات المتوقعة في مواجهة الميليشيات العراقية، يعش في عالم موازٍ للواقع. ليس لدينا ما يكفي من الفرق العسكرية، حتى لو ارتدى كل طلاب اليشيفوت الزي العسكري، وهذا لن يحدث. ولن نجد لبنانياً واحداً مستعداً لكي يتجند في “جيش لبنان الجنوبي” مرة أُخرى، كذلك، لن نجد فلسطينياً سيتجرأ على التعاون مع حُكم عسكري إسرائيلي. وسيقع كل العبء على قوات الاحتياط. وليس لدى إسرائيل القدرة على تحمُّل هذا العبء. هذه الأحلام واهية.

من جهة أُخرى، يشكل التغيير الدراماتيكي في ميزان القوى العسكرية فرصة لتسويات ثابتة، أو محسّنة على الأقل. غزة مدمرة تدميراً جذرياً. وستستغرق إعادة بنائها أعواماً طويلة. هناك آليات تسمح لنا بالتصدي لإعادة تنظيم قوات “حماس” العسكرية، وكلّ مَن يحاول بناء مثل هذه القدرة. وقبل كل شيء، لقد تعلمنا درس 7 تشرين الأول بدماء عشرات الآلاف. لم يبقَ في لبنان مَن يلقي خطابات، ويتحدث فيها عن خيوط العنكبوت. الدمار في بيروت والجنوب أكبر من الدمار في مستوطناتنا الشمالية. وستكون لهزيمة “حزب الله” أصداء أُخرى، وسيطرة الحزب على الدولة ضعفت. لقد نضجت الأرضية من أجل تسويات جديدة. ومثلما قلنا، لا يوجد خيار آخر، الغزيون واللبنانيون باقون هنا، وكذلك نحن.

لا تزال الطريق طويلة. سيتآمر نظام الملالي على أيّ تسوية نصل إليها مع جيراننا. نحن بحاجة إلى وقوف الأميركيين إلى جانبنا بشكل فعال. وهذا سيكون له ثمن، السير على طريق “دولتين لشعبين”، سواء مع ترامب، أو مع هاريس. لكن ما دامت إيران آمنة، فلن يتحقق الأمن هنا. ستستمر المواجهة مع الإيرانيين، لكن يجب أن تنتهي الحرب في الجبهة القريبة بشكل يمكن من خلاله إعادة كل المخطوفين والتفرغ لإعادة بناء “غلاف غزة” والشمال. إذا لم تعلن إسرائيل حتى اليوم كيف ستفعل ذلك؛ الآن، حان الوقت لكي تفعل ذلك، بينما تقوم قواتها بـ”تنظيف” الجنوب اللبناني من “حزب الله”، وتطارد بقايا “حماس” في غزة، وهذا ضروري.