المسار الإخباري : تتجلى العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية كإحدى أبرز العلاقات الاستراتيجية المستمرة في الساحة السياسية الدولية، إذ تتجدد كل أربعة أو ثمانية أعوام مع رئيس جديد في البيت الأبيض، ويبدو أن هذا التوجه الثابت نحو دعم الاحتلال الإسرائيلي يستمر بغض النظر عن التوجهات الأيديولوجية للأحزاب الحاكمة. هذه العلاقة التي بدأت بشكل رسمي منذ عام 1948 مع الرئيس الأمريكي هاري ترومان، شهدت تطورًا كبيرًا في أشكال الدعم وآلياته، لتصبح “إسرائيل” الدولة الأكثر تلقيًا للمساعدات الأمريكية على مستوى العالم.
1948 – عهد ترومان: الاعتراف الرسمي و”دولة إسرائيل” تصبح واقعًا بدأت علاقة الولايات المتحدة بالاحتلال الإسرائيلي بشكل فعلي في عهد الرئيس هاري ترومان، الذي اتخذ قرارًا غير مسبوق حين اعترف بدولة “إسرائيل” في اليوم ذاته لإعلانها، في 14 مايو 1948. وبهذا، كانت الولايات المتحدة أول دولة كبرى تعترف بدولة الاحتلال، ما منحها دعمًا سياسيًا هائلًا وأعطاها صبغة شرعية في نظر المجتمع الدولي، رغم الاعتراضات الواسعة من قبل الدول العربية.
الخمسينيات وأوائل الستينيات – الرئيس أيزنهاور وجون كينيدي: البدايات العسكرية في الخمسينيات، ومع صعود دوايت أيزنهاور، كانت المساعدات الأمريكية لإسرائيل محدودة، تركزت على الجانب الاقتصادي. ولكن مع بداية الستينيات، ومع وصول جون كينيدي إلى البيت الأبيض، بدأ تقديم مساعدات عسكرية مباشرة للاحتلال. فقد سمحت إدارته لأول مرة ببيع الأسلحة المتطورة إلى “إسرائيل”، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي وأسلحة متقدمة ساعدت على بناء قدراتها العسكرية.
حرب 1967 وعهد ليندون جونسون: دعم واسع أثناء حرب الأيام الستة في عهد ليندون جونسون، شهدت العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية ذروة جديدة خلال “حرب الأيام الستة” عام 1967، حين تمكنت “إسرائيل” من احتلال أراضٍ فلسطينية وعربية جديدة بدعم أمريكي قوي. وقد وفرت الولايات المتحدة غطاءً سياسيًا ودعمًا لوجستيًا غير محدود خلال هذه الحرب، ما أدى إلى توسيع سيطرة الاحتلال بشكل كبير، ليشمل الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان، وشبه جزيرة سيناء. اعتُبر هذا الحدث نقطة تحول هامة؛ إذ ترسخت الهيمنة الإسرائيلية على هذه الأراضي بفضل الدعم الأمريكي الذي أعاق محاولات المجتمع الدولي لإدانة هذه الإجراءات.
حرب أكتوبر 1973 وريتشارد نيكسون: الجسر الجوي وتدفق الأسلحة استمرت العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” في التطور، وخاصةً في عهد ريتشارد نيكسون. وخلال حرب أكتوبر 1973، حين واجه الاحتلال تحديًا وجوديًا من قبل مصر وسوريا، لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في ضمان استمرار تفوق “إسرائيل”. فقد أقامت إدارة نيكسون جسرًا جويًا طارئًا، يتضمن شحنات ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية لمساعدة الاحتلال في الحفاظ على موقعه. وبهذا الدعم السريع والمباشر، تمكّنت “إسرائيل” من تجنب خسائر كبيرة، مما أكد على دور واشنطن كحليف استراتيجي لا غنى عنه.
اتفاقية كامب ديفيد والرئيس جيمي كارتر: أولى خطوات السلام بمقابل الدعم في أواخر السبعينيات، توصل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام بين مصر و”إسرائيل” عام 1978. هذه الاتفاقية، التي أُبرمت بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، رعتها الولايات المتحدة وأشرفت على تنفيذ بنودها، ما رسخ دور واشنطن كوسيط رئيسي في قضايا الشرق الأوسط. ولكن مقابل هذا السلام، وافق كارتر على زيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، مما حافظ على مكانتها العسكرية في المنطقة.
الثمانينيات وعهد رونالد ريغان: التعاون العسكري والأمني الأوسع في عهد رونالد ريغان، توسعت العلاقة الأمنية والعسكرية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” بشكل كبير، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات التي عززت التعاون الدفاعي، بما في ذلك تطوير نظام الدفاع الصاروخي “السهم” الذي ساعد “إسرائيل” على مواجهة التحديات الأمنية. كما أن إدارة ريغان كانت أول من منح الاحتلال صفة “حليف رئيسي خارج حلف الناتو”، ما أتاح وصولًا أكبر إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
التسعينيات – جورج بوش الأب وبيل كلينتون: اتفاقيات السلام ودعم عملية أوسلو في التسعينيات، شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” تطورًا جديدًا، حيث سعت واشنطن إلى لعب دور فعال في عملية السلام في الشرق الأوسط. في عهد جورج بوش الأب، دعمت الولايات المتحدة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وفي عهد بيل كلينتون تم التوصل إلى اتفاقية أوسلو بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وفي المقابل، استمرت المساعدات المالية والعسكرية لتتدفق إلى الاحتلال.
بيل كلينتون والاتفاقات الاقتصادية أثناء إدارة كلينتون، تمتعت “إسرائيل” بدعم اقتصادي إضافي من خلال اتفاقيات تجارة حرة وامتيازات تجارية جعلتها واحدة من أهم الشركاء التجاريين لأمريكا في المنطقة. كما تضاعفت المساعدات العسكرية بشكل كبير خلال تلك الفترة، ما عزز ترسانة الاحتلال ودعّم تفوقه الاستراتيجي.
خاتمة: دعم بلا حدود ما يزال الدعم الأمريكي “لإسرائيل” يشكل ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية. هذه العلاقة التي استمرت لعقود، تتسم بمرونة استثنائية في التعامل مع الإدارات المتعاقبة، مما يثبت أن مسار الدعم للاحتلال هو أمر ثابت في الاستراتيجية الأمريكية بغض النظر عن التقلبات السياسية.