الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 10/12/2024
اسرائيل استغلت سقوط النظام السوري واحتلت جبل الشيخ وكأنه وعد الهي
بقلم: ب. ميخائيل
لا شك أن الله له يد في هذا الموضوع. هو فقط يستطيع أن يكون دقيق الى هذه الدرجة في التزامن: قبل يوم من تقديم الزعيم لشهادته. وبعد بضعة ايام على بيان امنستي عن الابادة الجماعية في قطاع غزة. في الايام التي ظهر فيها (مرة اخرى) بأن صفقة التبادل تقف على الباب، وأنها يمكن أن تدخل السموتريتشيين الى معضلة معينة. لا يوجد تزامن ناجح اكثر من اجل اسقاط الديكتاتور السوري.
الله فقط هو القادر على أن يكون دقيق بهذه الصورة. ذريعة اخرى لبيبي من اجل تأجيل شهادته (هو مطلوب في غرفة العمليات تحت الارض، بالضبط في نفس اليوم وفي نفس الساعة). فرصة اخرى للمتهم كي ينسب لنفسه، “أنا أمرت”، حدث كوني آخر، بالاساس – ملعب احتلال تم تقديمه على طبق من فضة. الذي بدون شك سيسهل كثيرا على السموتريتشيين التمسك بالكراسي، حتى لو، لا سمح الله، تم التوصل الى صفقة في الجنوب.
يا الله، برافو، مرة اخرى اثبت بأنك أنت فقط القادر على جلب معجزات ناجحة جدا للسيدة ستروك.
المحللون يقولون بأنه الآن سيحدث شجار كبير بين المجموعات المسلحة التي تريد ايجاد لنفسها مراكز قوة ونقاط سيطرة. المجموعة المسلحة الاولى التي سارعت الى احتلال منطقة ونقطة سيطرة هي اسرائيل. هذه غريزة غير قابلة للسيطرة عليها وهي تندلع في اللحظة التي تشاهد فيها ملعب فارغ. في هذه الاثناء نحن اخذنا فقط “جبل الشيخ السوري”. فهو الآن لم يعد سوري. لقد تغير من يملكونه. وبعد قليل سيأتي القطار التحتي وبعده القطار العلوي والكشك والتذاكر والمستوطنة الاولى. الجيش الذي سيدافع عنها والحزام الامني الذي يحيط بها سيتوسع الى درجة أن لا يكون أي مناص من اقامة مستوطنة اخرى على الحدود، التي ستكون بحاجة للدفاع عنها بجدار أمني وبالمسيرات.
بسهولة كبيرة سيتم ضم جبل الشيخ السوري ايضا الى ارث اجدادنا. مندوب من الحاخامية الرئيسية سيعلن للمستوطنين بأن محصولهم من الجوافا يحتاج القلفة وسنة بوار لأنه حسب الشريعة “جبل الشيخ السوري” يوجد ضمن حدود الوعد الالهي. لذلك هناك حاجة الى تعيين حاخام لهذا المكان ومفتش للحلال وبركة للتطهر، وبالطبع مجلس ديني، والمصادقة على جلوس الرجال والنساء بشكل منفصل في جلسات المجالس المحلية، ايضا مدرسة عامة للاولاد الذين تعتبر توراتهم مهنتهم، هي فقط مسألة وقت.
الآن، حتى قبل مرور 24 ساعة على الانقلاب المعجزة، بدأت تظهر في الشبكات خرائط لحدود الوعد الالهي، لأنه في نهاية المطاف اذا افادنا اللعب بهذه الورقة المجنونة فلماذا نكتفي بجبل الشيخ السوري؟ في كتاب العهد وعد الله ابراهيم بأكثر من ذلك بكثير. لا يمكنني تصديق كم هو أكثر من ذلك.
المناسبة، أيها القراء الاعزاء، هل عرفتم أنه حسب التراث اليهودي القديم فان الله وابراهيم التقيا حقا في المنطقة التي تم تحريرها للتو بين جبل الشيخ السوري ومزارع شبعا. هناك، بين الكثير من جثث الحيوانات وعد الله ابراهيم ببلاد حدودها مثل حدود امبراطورية حالمة – من البحر المتوسط، على طول النيل وحتى اسوان، ومن هناك مرورا بالسعودية في خط مباشر الى الخليج الفارسي، ومن الخليج على طول نهر الفرات حتى تركيا تقريبا، بما في ذلك اجزاء واسعة من العراق وسوريا، وجزء من الكويت وكل لبنان. هذا غير سيء من اجل شعب صغير لديه جنون عظمة. هناك ايضا خرائط سخية اكثر.
في هذه الاثناء في المنطقة المحررة، المتحدث باللغة العربية باسم الجيش ارسل اوامر للقرى التي تم تحريرها. الدورية التقطت صورة في المكان ويمكن الافتراض بأن رجال الآثار في الطريق من اجل تأكيد سيطرتنا على المكان. في وزارة الاديان سيطالبون بميزانية لاقامة نصب تذكاري للبهائم المقطعة التي قدمت ارواحها من اجل ارض اسرائيل وشعب اسرائيل. ايضا وزارة التعليم اظهرت الاهتمام.
ماذا بشأن ستروك؟ هي بالتأكيد تصرخ فرحا لأنه تأكدت مرة اخرى قدرتها السحرية، لكن الآن تنقصها القبعة والمكنسة.
———————————————
هآرتس 10/12/2024
في طريقه الى منصة الشهود، نتنياهو يُفسد دولة إسرائيل
بقلم: مردخاي كرمنتسر
من سيقف اليوم على منصة الشهود، هل هو الشخص أو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؟. محظور الخضوع لما تتم مشاهدته وكأن الامر يتعلق بمشهد طبيعي. رئيس حكومة ومتهم بمخالفات جنائية خطيرة لا يسيران معا، هما الامر ونقيضه. الواقع، بسبب ذلك، هو مشهد سريالي لا يمكن معرفة مكانه في دولة سليمة، ولا يجب أن يتكرر مرة اخرى. طالما أن ثقافتنا السياسية (قبل أي تسوية دستورية أو قانونية) لا تُملي في هذه الحالة وقف أو تعليق الولاية حتى انهاء الاجراءات القانونية، فاننا نشهد على انفسنا بأن احترام القانون والادارة السليمة والنموذج الشخصي الذي يجب أن تبثه القيادة، كل ذلك محشور لدينا في الزاوية. فرئيس الحكومة هو المسؤول عن طهارة المعايير والأداء الصحيح للوزراء. من هنا تأتي صلاحيته والتي احيانا تتحول من حق الى واجب، اقالة وزير من منصبه. كيف يمكن للمتهم نتنياهو أن يلعب هذا الدور باخلاص؟ بالتأكيد ليس عن طريق اقالة يوآف غالنت بسبب اختلاف مواقفهما.
واضح أن الاتهامات الموجهة لنتنياهو هي شخصية تماما، لكن هل هي لا تنعكس ايضا علينا جميعنا، وحتى على القضاة؟ هذا من خلال مكانته كرئيس للسلطة التنفيذية، وبقوة التفويض الذي اعطاه الناخبون له، والكنيست التي منحته الثقة وجعلته ممثلنا الاكبر. هذا الانعكاس يؤثر بكل الطرق على الناس؛ هم ينظرون الى انفسهم في المرآة ويرون نتنياهو. هناك من يجعلهم هذا المنظر يهدأون ويستمتعون، وحتى ربما يتفاخرون. وهناك من يجعلهم يمتلئون بشعور الاحترام، احترام السلطة. وهناك من يشمئزون. عندما يريد رئيس الحكومة بدء محاكمته كما يبدو بدون أي مبرر موضوعي، الشهادة في الغرف المغلقة. وعندما يريد كشف سر في أذن المحكمة فانه يريد الاستفادة من التأثير غير الموضوعي بصفته رئيس الحكومة. المحكمة فعلت جيدا عندما رفضت هذا الطلب.
مكانة رئيس حكومة في منصبه، الذي يقدم الشهادة في محاكمته اثناء حرب ما زالت مستمرة ولم يتم تحقيق أي هدف من اهدافها، في المقام الاول اعادة المخطوفين، هو رئيس حكومة سيء من ناحيتين. سيء للمحاكمة التي تجد صعوبة في النظر الى رئيس الحكومة الذي يتولى منصبه كأحد المتهمين، وسيء لادارة شؤون الدولة، وعلى رأس ذلك الحرب. شؤون الدولة تحتاج التفرغ الكامل والمطلق، الذي لا يمكن تحقيقه عندما يكون رئيس الحكومة يتم التحقيق معه لفترة طويلة ومتواصلة كشاهد. لو أن مصلحة الدولة كانت امام ناظريه لكان نتنياهو أخذ اجازة مؤقتة من المنصب من اجل التفرع لدفاعه القانوني. في المقابل، اذا قرر عدم تقديم شهادته، فان المارد سيخرج من القمقم. فنتنياهو يعرف بأن شهادته ستؤدي الى ادانته.
منذ شعر نتنياهو بأن التحقيق معه هو جدي وثقيل الوزن فقد قام بالقاء وضعه الشخصي، كشخص يتم التحقيق معه وكمشبوه ومتهم، كظل ثقيل على حياتنا في هذه البلاد. رئيس الحكومة الذي يعتقد منذ فترة طويلة بأنه فوق الشعب، يرى نفسه متضررا من اجباره على الوقوف في هذا الوضع. اضافة الى شعوره فقد تولدت لديه مصلحة قوية، مصلحته تملي عليه اضعاف اجهزة انفاذ القانون بدون استثناء ونزع شرعيتها. رئيس الحكومة اصبح عدو سلطة القانون في الدولة، سلطة القانون التي بكونه رئيس الحكومة كان يمكن أن يدفع بها قدما ويطورها.
الى الأبد سيتم تذكر هذا المشهد، حتى لو كان سرياليا، مشهد نتنياهو ومجموعة المتملقين الحقيرين، في المحكمة المركزية، وهو يهاجم اجهزة انفاذ القانون، على رأسها المفتش العام للشرطة السابق الشيخ، والمستشار القانوني السابق للحكومة مندلبليت. وينسب لهم حياكة مؤامرة ضده بدوافع سياسية. للخجل الشديد، هذا الهجوم لم يحصل على الرد المناسب.
هكذا انفعل وحدث انقلاب في الخلق، وحتى تشعب وتوسع ليشمل جميع منظومات الحكم. لم تعد “دولة اسرائيل ضد نتنياهو”، بل “نتنياهو ضد دولة اسرائيل”. نفس الشخص، الذي كانت مصلحة البلاد بكل نقائها تقف نصب عينيه، وقع فريسة مصالحه الخاصة كمتهم جنائي، وهي مصالح على الاغلب تتناقض مع المصلحة العامة. بين هاتين المجموعتين من المصالح، أعطى وزن حاسم لمجموعته الخاصة. لا يقل خطورة عن ذلك – في كل قرار حكومي، في كل سياسة يتم وضعها، لا يعرف مواطنو اسرائيل ما الذي يحرك نتنياهو: اعتبارات ليست ذات صلة أو مصالحه الشخصية. لولا الوطنية غير العادية للمواطنين وحبهم للوطن، لكان مشكوك فيه أن تتمكن اسرائيل من شن الحرب، بنجاح عسكري كبير، عندما يقودها شخص لا يمكن الوثوق بدوافعه.
ليس فقط أبناء عائلة نتنياهو والمقربون منه يعملون في المعركة من اجله. كل من يخضعون له يوظفون (التنافس فيما بينهم) في جبهة نتنياهو ضد دولة اسرائيل. فكرة تسوية تضارب المصالح التي ستحل قضية ولايته في الوقت الذي هو متهم فيه بمخالفات جنائية، ليست إلا نكتة سيئة وسبب للبكاء. التعامل مع القانون تعرض للازدراء العميق. حيث أنهم الآن لا يترددون في استخدام القانون كخرقة بالية. عندما توجد مشكلة لدى أي من “رجاله” مع القانون الحالي، على الفور يتم طرح مبادرة لملاءمة القانون مع الاحتياجات الفورية، وتحليل أي اثم، حتى بثمن تعريض الامن للخطر. لم يعد هناك مشرعون ليخدموا ما هو جدير بالمجتمع، بل من اجل توفير احتياجات شخصية أو احتياجات مجموعات، ولتذهب المساواة امام القانون الى الجحيم.
محاكمة نتنياهو تجتاز الآن مرحلة، وربما لن يكون بالامكان اصلاح ما تم تشويهه. الى حين تقديم لائحة الاتهام بدأ هذا الملف يلفظ الانفاس. الاسلوب المستخذي والخانع للمتهم والدفاع، الذي تمت ادارة المحاكمة به حتى الآن، هو نموذج للكيفية التي لا يجب بها ادارة قضية. هذه حالة متطرفة تعلمنا عن ضعف عام لمنظومة القانون – اطالة الاجراءات فيها. من اللحظة التي لم يشمل فيها الوزير ياريف لفين هذا الموضوع في “الاصلاح القضائي” كان واضح للجميع بأن الاصلاح لم يأت للتحسين، بل للتدمير. ويل للعيون التي ترى أن: وزير مسؤول عن منظومات حكومية حيوية في الدولة يعمل على تدميرها.
من السائد التفكير بأن المشكلات الحقيقية لنتنياهو في الوقت الذي سيقدم فيه شهادته، ستبدأ عندما سيكون عليه الاجابة على اسئلة المدعية العامة في التحقيق المضاد. بدون الانتقاص من الصعوبة التي تنتظره في المستقبل، لا ينبغي للمرء تقليل التحديات التي تواجه دفاعه بالفعل في التحقيق الرئيسي: كيف يمكن تجنب الفجوة التي لا يمكن سدها بين مرحلتي التحقيق؟ كيف يمكن اخفاء غطرسة نتنياهو وتعاليه وحقيقة عدم احترامه للمحكمة؟ كيف يمكن كبح ميله للكذب، حتى عندما تكون الحقيقة خيار؟.
———————————————
يديعوت احرونوت 10/12/2024
انهيار المحور الشيعي وشرق أوسط جديد
بقلم: يوسي يهوشع
وقف النار في لبنان، انهيار نظام الأسد والتقارير عن التقدم في المفاوضات لاتفاق يعيد المخطوفين والمخطوفات من غزة خلقت عرضا عابثا وكأن صافرة النهاية للحرب هي مسألة ساعات وأيام. غير أن احداث اليوم الأخير تشهد على جبهات فاعلة ومعتملة وعلى الكوارث الزائدة التي تأتي الى جانبها.
في لبنان سقط أربعة مقاتلي مظليين في الاحتياط، لأول مرة منذ بداية وقف النار. القوة التي هي من لواء يعمل من 7 أكتوبر ويقاتل بتميز زائد بحثت عن وسائل قتالية لحزب الله في قرية لبونا، نزلت الى مجال تحت الأرض وقتلت بانفجار أدى الى انهيار المجال، فيما أن انتشال الجثث هو الاخر تواصل لساعات طويلة. من التحقيق الاولي يتبين أن العبوة زرعتها وحدة خاصة. القوة من المظليين في الاحتياط لم تطلع على ذلك والنتيجة هي كارثة كان يمكن منعها. من الصعب التقليل من خطورة الخلل العملياتي الذي يتطلب تحقيقا جذريا يشرح للعائلات الثكلى وللجمهور كيف وقع وما الذي جرى عمله كي لا يتكرر: حتى لو صمد وقف النار، فان قوات عديدة ستضطر الى الدخول الى مثل هذه المناطق وغيرها. ومحظور حظرا باتا ان يأتي الخطر بسبب خلل دراماتيكي في نقل المعلومات.
في الجنوب أيضا يتعين على الجيش ان يستوضح بعمق الحادثة التي سقط فيها ثلاثة مقاتلين وأصيب 12 آخرين (ثلاثة منهم بجراح خطيرة) عقب صاروخ مضاد للدروع اطلق نحوهم. المقاتلون استعدوا لان يصعدوا الى شاحنة محصنة في طريقهم الى الديار. خلية مخربين تمركزت قرب الحامية، شخصت الحركة وفتحت نار مضاد الدروع والسلاح الخفيف. وكانت الإصابة فتاكة والأخطر من ذلك – زائدة: في الجيش حظروا حركة الشاحنات في المجال في وضح النهار، بالضبط من الخوف الذي تحقق. في قيادة المنطقة الجنوبية بدأوا في التحقيق بالحدث وستطرح النتائج على العائلات الثكلى وعلى الجمهور الغفير.
كما اسلفنا، القاسم المشترك بين الحادثتين هو المسافة المأساوية بين مقاتلين يعودون الى قواعدهم بسلام وبين الحياة التي فقدوها والعائلات التي تحطمت. وعليه، فمن المهم أن نذكر ان هذا ليس قدرا: لم يكن هنا تبادل للنار مع العدو في المعركة بل جزء من ثمن حرب متواصلة وساحقة، ما يؤثر بالضرورة أيضا على انفاذ القواعد في الميدان. صحيح انهم في الجيش يتصدون لمثل هذه الاحداث وغيرها من اليوم الأول للحرب لكن لا شك ان الانتباه والتركيز مع حلول اليوم الـ 500 يختلفان جدا عن وضعهما في اليوم الخمسين.
جبهة أخرى هي امام الحوثيين في اليمن الذين اطلقوا بنجاح مُسيرة تفجرت في يافنه بدون اخطار. صحيح ان منظومة الدفاع الجوي تعترض معظم التهديدات لكن هذه المرة اجتازت المُسيرة أراضي إسرائيل وكشفت بعد أن اجتازت سدروت واختفت مرة أخرى بعد ان لاحظتها الرادارات ولاحقتها الطائرات الحربية. في الجيش يحققون لماذا لم تشغل الصافرة بل وسيفحصون ردودا محتملة في اليمن حيث تواصل الهجمات مرة كل بضعة أيام. شمال الغور أيضا غير هاديء: فقد لاحظ الجيش مخربين مسلحين اثنين واحبطهما بمُسيرة، للمرة الثانية في غضون أسبوع.
كل هذا يحصل في الوقت الذي تتطلع فيه عيون العالم الى سوريا وكذا الاهتمام الإسرائيلي الناشيء عن ذلك. أولا، الطواقم القتالية للمظليين وغيرها من القوات تواصل العمل في المنطقة العازلة في صيغة “دفاع متقدم” منعا لتهديدات جديدة بعد سقوط نظام الأسد. لكن الجزء الهام والمشوق هو اعمال سلاح الجو الذي يدمر بشكل منهاجي ما تبقى من جيش الطاغية الفار: عشرات عديدة من الأهداف وبينها مخزونات سلاح مختلفة يتم الهجوم عليها على موجات كي لا تسقط في ايدي معادية وتشكل تهديدا على إسرائيل. حرية العمل مطلقة: الإيرانيون قطعوا الاتصال، لحزب الله يوجد ما يكفي ويزيد من المشاكل وللروس أيضا لم يعد ملحا أن يفحصوا أي طائرة تجتاز الحدود، متى ولماذا. ومع ذلك، مرغوب فيه تبريد النشوى التي تسمع هنا وهناك في ضوء انهيار المحور الشيعي. يدور الحديث عن بشرى هامة لإسرائيل وضربة قاسية لإيران. لكن حتى الان في كل مرة يظهر فيها “شرق أوسط جديد” يحصل شيء ما يدفعنا لان نسأل اذا كان لا يزال يمكننا ان نسترد القديم.
———————————————
إسرائيل اليوم 10/12/2024
تحديات عديدة تقف امامها إسرائيل بعد سقوط الأسد
بقلم: د. يهودا بلنغا
في 16 تشرين الثاني 2024 أحيوا في سوريا 54 سنة على “ثورة الإصلاح”، موعد صعود حافظ الأسد الى الحكم في سوريا. أحد – لا في دمشق، لا في طهران ولا في الغرب – لم يرَ إمكانية ان في غضون أسبوعين نظام الأسد سينهار. وها هو – ما لا يصدق حصل. الثوار، المنظمات المتفرعة عن القاعدة، بالتعاون مع جهات علمانية في المعارضة السورية، مثل “جيش سوريا الحر” وبمساعدة تركيا، نجحوا في 12 يوما من الحرب في اسقاط النظام الذي في الجولة السابقة نجا نحو عقد من الحرب العنيفة والاجرامية.
لكن فضلا عن الدعم التركي، ما الذي وقف الى جانب الثوار؟ ثلاثة عوامل أساسية: الأول، ضعف ايران وروسيا – حليفتي الأسد لم تساعداه في لحظة الحقيقة. وبينما يمكن لهذا بالنسبة للايرانيين ان يعتبر تراجعا تكتيكيا فان روسيا فقدت تماما معاقلها في سوريا، وعمليا مرساها الأخير في الشرق الأوسط. الثاني، ضعف الجيش السوري – جيش استنزف بعد اكثر من عقد من الحرب، وبات يعتمد أكثر فأكثر على متطوعين او على وكلاء شيعة. والثالث، الدرس الذي تعلمه الثوار من الجولة السابقة – الحاجة للسيطرة على المناطق المأهولة في سوريا في الغرب وتفضيلها على الأراضي الشاسعة في الشرق.
الوضع الجديد ينطوي على نجاحات ومزايا مثل اضعاف “معسكر المقاومة” بقيادة ايران، ويخلق فرصا للهجوم على منشآت النووي الإيراني. لكن باسقاط نظام الأسد توجد أيضا بضعة مخاطر، بالتقدير الحذر من شأنها أن تتحدى إسرائيل والساحة الشرق أوسطية في السنوات القادمة.
التحدي الهام الأول هو منع سقوط الوسائل القتالية الخاصة لدى سوريا – الصواريخ، منظومات الدفاع الجوي والسلاح الكيماوي – البيولوجي (ترسانة هائلة كانت في عهد الأسد الاب هي الأكبر في العالم) – في أيدي الثوار. وعليه، فثمة أهمية كبيرة لحاجة إسرائيل لان تواصل، مثلما تفعل الان (حسب مصادر اجنبية)، هجماتها على مخزونات السلاح السورية كي تتأكد من الا تصل الى ايادٍ معادية.
التحدي الثاني هو تموضع منظمات الجهاد الموالية للقاعدة ولمحافل إرهابية أخرى على الحدود مع إسرائيل. انعدام الوحدة في أوساط الثوار من شأنه أن يؤدي الى معارك داخلية على الحق في قيادة المعسكر او على الطريق الصحيح لتصميم سوريا في اليوم التالي لبشار. الأثر المباشر لهذا الامر هو إقامة كانتونات او مناطق سيطرة منفصلة في الحدود الشمالية، يحاول فيها الثوار الإسلاميون مواصلة الجهد الجهادي لاسقاط الأسد في اتجاه إسرائيل أيضا.
الثالث، في الصراع الدائم في الشرق الأوسط بين الدين والقومية، بين الإسلام والقومية، فان البندول يتحرك الان باتجاه الإسلاميين. هكذا كان في العقد الماضي بعد سقوط الأنظمة في مصر، في تونس، في اليمن وفي ليبيا، هكذا من شأنه ان يكون الان أيضا. منظمات مثل تحرير الشام أو احرار الشام، التي تتطلع الى “استعادة المجد” وتجديد أيام الإسلام الماضية ستسعى بالحماسة الدينية لاستغلال الفرصة والتمرد على أنظمة عفنة وضعيفة في المنطقة.
ان توثيق المصالح المشتركة بين عمان والقدس، الى جانب تعزيز العلاقات بين أبناء الأقليات في سوريا، ولا سيما الدروز والاكراد، يمكنه أن يساعد إسرائيل على التصدي للواقع الجديد الذي سيتبلور لدى الجارة من الشمال.
———————————————
هآرتس 10/12/2024
ايران وان كانت خائبة الأمل من الأسد لكنها لم تتنازل عن سوريا بعد
بقلم: تسفي برئيل
وزير الخارجية الايراني، عباس عراقجي، اصبح يوجد لديه تفسير مرتب للظروف التي أدت الى سقوط نظام الاسد. ففي مقابلة مطولة مع التلفزيون الايراني قال إن الجيش السوري هو الذي خذل الرئيس. “المتمردون اخذوا في الحسبان المواجهة بين ايران واسرائيل وانشغال روسيا في اوكرانيا، لكن يبدو أن العامل الرئيسي لنجاحهم الاخير هو أن الجيش السوري لم يصمد”، قال عراقجي. “لو أن الجنود قاتلوا لما سقطت حلب. وأنا اقول ذلك بثقة مطلقة. نحن عرفنا عن المؤامرة الطويلة للمتمردين، حتى عن حجم القوات التي تدربت”. وقد اضاف بأنه في الاسبوع الماضي تحدث حول ذلك مع الرئيس المعزول بشار الاسد، وأنه هو نفسه تأثر من وضع الجيش السوري وتفاجأ من أنه لا يوجد لديه أي دافعية.
يبدو أن عراقجي لا يبالغ. فالجيش السوري تفكك وهرب في اللحظة التي بدأت فيها المعارك، والاسد كما يبدو عرف بأنه غير مستعد لمواجهة قوات المتمردين – الذين خلال السنين قاموا باعداد انفسهم وتسلحوا استعدادا للحرب مع الجيش السوري. وحتى قادة المتمردين في هيئة تحرير الشام (اتش.تي.اس)، قالوا إنهم تفاجأوا عند رؤية كيف أن الجيش السوري اختفى، لذلك فانهم ببساطة واصلوا المعركة. خلال عشرة ايام وصلوا الى دمشق تقريبا بدون أي مقاومة حقيقية.
جتى أن جنود المتمردين قالوا إنهم وجدوا في المخازن التي سيطروا عليها شاحنات ودبابات فارغة من الوقود، ومدافع اصابها الصدأ وبدون قذائف، وهجر لمخازن الذخيرة. عندما بدأت المواجهات كبار القادة واصحاب الرتب المتوسطة هربوا، وفي اعقابهم الجنود العاديين الذين خلال سنين حاربوا مع راتب قليل وشروط خدمة قاسية. قبل بضعة ايام من بداية الحرب الحالية قرر الاسد رفع رواتب الجنود 50 في المئة، لكن حتى هذه الزيادة لم تكن كافية لبعث الحياة واثارة الدافعية في اوساط الجنود. البعض منهم تم تجنيدهم بشكل قسري وتم ارسالهم بدون اعداد أو تجربة لمواجهة المتمردين المدربين.
ايران كانت تدرك جيدا ضعف الجيش السوري، ليس من الآن. ففي السابق تعرض الاسد الى انتقاد شديد من قبل قادة كبار في حرس الثورة، وحتى من قبل قاسم سليماني، قائد قوة القدس الذي تم اغتياله في كانون الثاني 2020، بسبب أن الجيش السوري هو جيش فاشل. القادة قالوا إنه ليس فقط الجيش السوري غير قادر على مواجهة اعداء من الخارج مثل اسرائيل، بل ايضا هو غير قادر على السيطرة على المناطق التي اعاد احتلالها من المتمردين وداعش. ولكن تفسير الوزير الايراني تنقصها خلية جوهرية واحدة، اذا كانت ايران قد عرفت عن “المؤامرة الصهيونية – الامريكية” لاسقاط النظام، حسب رأيه، وعن الوضع البائس للجيش السوري فلماذا لم ترسل قوات للمساعدة؟. في مقابلة اخرى فسر عراقجي بأن سوريا لم تطلب المساعدة وقال: “لو أن سوريا طلبت المساعدة لكانت ايران ستناقش هذا الطلب”. ولكنها لم توافق ولم تهب لمساعدته وانقاذ ذخرها الاستراتيجي الوحيد بعد أن تلقى حزب الله ضربة شديدة على يد اسرائيل، وحماس خرجت من “حلقة النار”.
حتى الآن نحن لا نعرف اذا كانت ايران قد اتخذت قرار التخلي عن الاسد استراتيجيا وسياسيا. ولكن لا يوجد أي خلاف بأن ايران لديها ضغينة على الرئيس السوري الذي فضل بشكل مفهوم ضمنا طلب اللجوء في روسيا وليس في طهران. اضافة الى ذلك ليس فقط أن سوريا لم تساعد ايران على عدم المشاركة بشكل ناجع في “جبهة المقاومة”، بل هي ايضا منعت المليشيات المؤيدة لايران من العمل من اراضيها ضد اسرائيل؛ وتجاهلت الهجمات التي نفذها سلاح الجو الاسرائيلي ضد الاهداف الايرانية؛ في دمشق ايضا تمت تصفية في نيسان الماضي محمد رضا زاهدي، قائد قوة القدس في سوريا ولبنان. ورغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها ايران للاسد إلا أنها حصلت على مقابل مالي قليل، الى درجة أن البرلمان في ايران اسمع انتقادا شديدا لسياسة مساعدة الاسد “الناكر للجميل”، وعلى الاحتمالية المعدومة في أن تعيد سوريا لايران الدين الذي يبلغ 30 مليار دولار، الذي يبدو أنه ذهب هباء الآن.
لكن العلاقات مع سوريا لا تقاس بميزان الربح والخسارة، الاقتصادية والعسكرية. خلال سنوات كانت سوريا الدولة الوحيدة التي منحت ايران موطيء قدم استراتيجي في الشرق الاوسط العربي (الى أن انضم العراق اليها بعد اسقاط صدام حسين في 2003). خلافا لدول اخرى، التي حاولت ايران السيطرة فيها بواسطة منظمات سرية أو “جمعيات خيرية”، في سوريا حصلت على مكانة الشريك، وايضا شكلت ممر النقل الحيوي الى لبنان، الذي سيطرت فيه ايران بواسطة حزب الله.
في السنة والنصف الاخيرين ظهر شرخ في هذه الشراكة عندما قررت الدول العربية اعادة سوريا الى الجامعة العربية. ودول عربية رائدة مثل دولة الامارات ومصر والسعودية استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. ايضا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدأ بحملة مصالحة تمهيدا لاستئناف العلاقات مع الاسد. وايران نفسها بدأت في بناء لنفسها بديل سياسي عندما قامت بسباق دبلوماسي لاستئناف علاقاتها مع جيرانها، في البداية مع دولة الامارات وفي السنة الماضية مع السعودية، وحتىأنها قطعت مسافة طويلة لاستئناف علاقاتها مع مصر.
سوريا تضع الآن تحديا جديدا امام ايران وامتداداتها، لا سيما امام حزب الله. وايران يجب عليها الاعتراف بأن ما كان ليس ما سيكون. في نفس المقابلة مع التفزيون الايراني المذكورة اعلاه احسن عراقجي رسم التغيير والتحديات التي يضعها الوضع في سوريا امام طهران. وحسب قوله فان التطورات الاخيرة “لا تعني أن المقاومة ستتوقف بدون سوريا. هل نحن متعلقون باليمن؟ هل اتصالنا مع غزة مفتوح؟”. عراقجي قصد بأنه لا حاجة الى وجود تواصل جغرافي بين ايران وامتداداتها، وأن الامر يتعلق بفكرة. واوضح عراقجي بأن “المقاومة ستجد طريقها لأن هذا هدف يضع هدف يعرض نموذجا وليس حرب كلاسيكية. محظور التفكير بأن هذه الرحلة ستتوقف عندما ستخرج سوريا من دائرة المقاومة”.
حسب اقوال عراقجي فان خروج سوريا من الحلقة اصبح حقيقة، لكنها لا تعني القطيعة الكاملة مع النظام الجديد الذي سيتشكل في دمشق. يبدو أن أبو محمد الجولاني، الاسلامي الراديكالي الذي حارب ضد المليشيات المؤيدة لايران في سوريا، لا يعتبر شريك طبيعي للنظام في ايران. ولكن في المنطقة نمت تحالفات، على الأقل تعاونات “غير طبيعية”، مثل العلاقة التي تطورت بين ايران وطالبان في افغانستان، والمصالحة التي لم يتم استكمالها بعد بين السعودية والحوثيين، أو الاتفاقات المحددة التي وقعت عليها ادارة ترامب وادارة بايدن مع طالبان، والتعاون بين اسرائيل وقطر التي قوت بشكل جيد حماس والذي يخدم الآن جهود اطلاق سراح المخطوفين.
ايران نشرت في هذا الاسبوع بأنها بدأت في اقامة علاقات مع “النظام الجديد” في سوريا، أي مع قيادة “هيئة تحرير الشام”، وأن هناك نقاشات حول “المصالح المشتركة”. بالمناسبة، الجولاني لم يقم حتى الآن بنفي هذه الاتصالات، ولم يصدر تصريحات واشحة يمكن فهم نواياه السياسية منها. في الحقيقة يصعب في هذه الاثناء التفكير بالمصالح المشتركة أو المصالح التي يمكن أن تكون مشتركة بين ايران والنظام الجديد في سوريا. فالنظام لم يخطو بعد خطواته الاولى، باستثناء تعيين رئيس جديد للحكومة، محمد البشير، الذي كان رئيس “حكومة الانقاذ” التي ادارت محافظة ادلب من قبل “هيئة تحرير الشام”. ولكن المصالح هي مفهوم ديناميكي، مرن ويرتبط بالفائدة والحاجة. واذا لم تجد سوريا أي رد على احتياجاتها في اماكن اخرى فان ايران يمكن أن تكون العنوان.
———————————————
معاريف 10/12/2024
إسرائيل تحسن جدا مكانتها الاستراتيجية في اعقاب التغييرات في سوريا
بقلم: د. موشيه العاد
“لا تناوش إسرائيل”، كان “أمر رئاسي” خفي نقله حافظ الأسد الى ابنه بشار، حين كان الاب على فراش الموت.
وبالفعل، السلالة العلوية، التي بدأت حكمها في 1970، حرصت جدا على الا تستفز إسرائيل. فقد تعرضت عائلة الأسد لالاف الهجمات، اعمال القصف، تصفية المفاعل – وباستثناء رد اعلامي سخيف لم ترد. ينبغي الإشارة الى أنها في تدخلها العسكري في دول أخرى، كلبنان، وفي تأييدها لمنظمات الإرهاب كفتح، حماس، الجهاد الإسلامي وحزب الله، ازعجت عائلة الأسد إسرائيل بلا نهاية.
الحدود الدولية لإسرائيل مع سوريا، منذ التسوية المرحلية في 1974، كانت الاهدأ من ناحيتنا. مرة واحدة فقط اصطدم الأسد الاب بالجيش الإسرائيلي – في حرب لبنان 1982، في معركة السلطان يعقوب. لكن حتى هذه المعركة الشاذة خطط لها الأسد الاب بدهاء. تحت غطاء الحرب مع إسرائيل بعث الزعيم السوري بالاف الجنود الى مدينة حماة، حيث ثار الاخوان المسلمون ضد النظام السوري. أرادوا الإطاحة بالحاكم العلوي الذي تحكم بملايين السُنة. بعد بضعة أيام احصيت نحو 20 الف جثة لمسلمين سُنة في المدينة. العالم لم ينتبه للمذبحة الجماعية لانه كان منشغلا بحرب لبنان. “قضية حماة” تصب ضوء على المبدأ الآخر الذي تبنته عائلة الأسد. فابنة الطائفة العلوية، طائفة لم تضم الا 11 في المئة من سكان سوريا، خاضت العائلة معركة بقاء متواصلة وعديمة الآثار المليئة بحملات الإبادة الجماعية داخل أراضي الدولة.
لا يمكن ان نعرف بعد اذا كان انتصار الـ 18 جماعة من الثوار الذين احتلوا سوريا، بمن فيهم إسلاميون وجهاديون، هو بشرى طيبة ام سيئة للعالم وللشرق الأوسط. ولكن منذ الان يمكن أن نلاحظ تواصل مسيرة بدأت في بداية سنوات الالفين – سقوط الطغاة العرب بداية كان هذا صدام حسين في العراق. بعد ذلك القذافي ليبيا والان الأسد في سوريا. هذا لا يعني أن الأنظمة في مصر، الأردن، المغرب، قطر، البحرين والامارات هي ديمقراطية نقية وبالتأكيد يوجد تخوف على استقرارها، لكن الطغاة الثلاثة الذين أُسقطوا في العقود الأخيرة هم شهادة على نهاية عصر الدكتاتوريات.
في نهاية الامر، إسرائيل تحسن جدا مكانتها الاستراتيجية في اعقاب التغييرات في سوريا. وهذا يتجاوز كثيرا الاستيلاء على جبل الشيخ السوري. فالداعمتان الاساسيتان في سوريا، ايران وروسيا، تختفيان مؤقتا من الساحة وتحسنان قدرة إسرائيل على التحكم في المنطقة. حزب الله مضروب ومعزول، بالضبط مثل حماس والجهاد الإسلامي.
لدولة إسرائيل كان، مع قيامها سبعة أعداء لدودين: مصر، سوريا، الأردن، لبنان، السعودية، ليبيا والعراق. مصر والأردن وقعتا معنا على اتفاقات سلام. العراق، ليبيا وسوريا سقطوا وكفوا عن ان يشكلوا تهديدا حقيقيا، والسعودية قريبة من اتفاق مع إسرائيل. لإسرائيل سيكون اسهل الان التصدي للنووي الإيراني ولمنظمات إرهاب جديدة، اذا ما قامت، دون الغلاف السوري. من غير المستبعد ان نبكي على رحيل الأسد الابن اذا ما وعندما تكون الفوضى في سوريا تشبه تلك التي في العراق او في ليبيا. لكن توجد أيضا إمكانية ان ينتظم هناك حكم مرتب، برعاية الولايات المتحدة ودول في أوروبا. وعندها، من يدري، فان سفارة إسرائيلية في دمشق أيضا لن تكون مثابة حلم.
———————————————
يديعوت احرونوت 10/12/2024
عن التخوف في الأردن مكان للقلق
بقلم: سمدار بيري
الخوف الكبير في أروقة الحكم الأردني هو الا يكون التالي في الدور بعد سوريا، وثمة لهذا الخوف سبب. في مملكة فيها 11.5 مليون نسمة – 60 في المئة منهم فلسطينيون، يوجد أيضا 1.3 مليون لاجيء سوري – معظمهم يعتبرون معارضين للحكم في دمشق، بعضهم، ممن يحظون بملاحقة خفية، مشبوهون كوكلاء للنظام السوري السابق. كما يوجد أيضا نحو مليون لاجيء عراقي يخلقون وجع رأس آخر لأجهزة الامن الأردنية. مبعوثون امريكيون يطلعون قصر الملك على الأوضاع باستمرار وذلك في الوقت الذي تسود فيه قطيعة بينه وبين إسرائيل.
بين الأردن وسوريا يمر خط مباشر من الاستياء: سوريا الأسد رفضت ان تبيع أو تتبرع بمياه شرب ومنتجات زراعية للاردن. الأسد ورجاله سخروا من الملك واعطوا أكثر من انطباع بان سوريا ستفتح أبوابها لكل خطة إيرانية للسيطرة على الأردن. وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي سافر الى طهران بعد هجوم الصواريخ والمُسيرات الإيرانية التي كانت تستهدف اسرائيل لكن بعض منها سقط في المملكة. الربط بين ايران وسوريا ترك قوات الامن والاستخبارات الأردنية متحفزة.
معبر الحدود الأردني جابر، القريب من بلدة درعا السورية، مغلق منذ نهاية الأسبوع الماضي. وزير الداخلية الأردني مازن الفراية اعلن بانه سيسمح فقط لعبور الشاحنات والمواطنين الأردنيين الفارين من سوريا، بعد فحوصات متشددة. للاجئين السوريين في الأردن تم الايضاح بانهم في هذه اللحظة لن يجتازوا الحدود وقد احتفلوا بسقوط الأسد برفع اعلام المعارضة في شوارع عمان.
وكالات الاستخبارات الامريكية تفتح عيونا كبيرة في المملكة. كما أن الملك ومحافل الاستخبارات والجيش لا يغمضون عيونهم بخاصة على أعضاء الحركة الإسلامية التي يجلس 16 مندوبا منهم في البرلمان الأردني. وثمة تخوف من انه بعد تثبيت الحكم الجديد في دمشق، الذي لم تنكشف هويته الحقيقية بعد، سيكون ارتباط بينه وبين الحركات التمردية في الأردن. من تحادثت معهم في الأردن يحذرون من أن النوايا الحقيقية للنظام الجديد في سوريا غير واضحة وتستوجب المتابعة. كما ان العلاقة مع تركيا واستعداد اردوغان لم ينكشفا بعد.
في هذه الاثناء اكراد سوريا على بؤرة الاستهداف، التركية على الأقل. وايران هي الأخرى في الصورة. بعد أن تنتعش من الضربة التي تعرضت لها مع سقوط الأسد وتجاهل الحكم الجديد في سوريا لها، فانها لن تتنازل عن محاولة السيطرة على الأردن.
ليس واضحا حاليا اين يختبىء ماهر الأسد، شقيق الرئيس المعزول وقائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري. التحقيق مع مهربي المخدرات والسلاح من سوريا الى المملكة أدى اليه كمسؤول وكرابح اكبر من تهريب مخدر الكبتاجون الى الأردن وأجهزة الامن الأردنية تلاحقه.
———————————————
هآرتس 10/12/2024
تعقيباً على أحداث سوريا.. رسالة: يجب تأجيل محاكمة نتنياهو.. فالثلاثاء غائم جزئياً
بقلم: يوعنا غونين
بدءاً بـ “أنا أتهم” لإميل زولا، وحتى “رسالة من سجن برمنغهام” لمارتن لوثر كينغ، فإن التاريخ مليء بالرسائل المؤثرة، التي أظهر كتابها قدرة مدهشة على الصياغة، والتطلع إلى تغيير الواقع للأفضل. الرسالة التي نشرها أمس 12 وزيراً في الحكومة وطالبوا فيها تأجيل تقديم نتنياهو لشهادته بسبب الانقلاب في سوريا، لا تنتمي إلى هذه الفئة، بل تنتمي أكثر لفئة الاختبارات المهينة، التي يطلب من أعضاء طائفة اجتيازها لإثبات إخلاصهم للزعيم. ولكن لأنها تعكس صورة الحكومة جيداً، فهي جديرة بالقراءة.
الموضوع: المطالبة بتأجيل جلسات محاكمة رئيس الحكومة على خلفية الوضع الأمني الاستثنائي. الصيغة الرسمية هدفت إلى بث الشعور بأن الأمر يتعلق برسالة حقيقية، كتبها أشخاص مثل وزراء، وليس رسالة ابتزاز مأخوذة من أحرف في صحف، أو رسالة يرسلها أشخاص مثل “مجموعة مهرجين”.
طبقاً لدورنا كأعضاء في الكابينت السياسي الأمني: الكابنيت مسؤول عن بلورة سياسة الحكومة في مجال الخارجية والأمن. الرسالة أرسلت طبقاً لدور الموقعين الآخر، مجموعة من خادمي لنتنياهو. في الجلسة التي عقدت، طرح أعضاء الكابنيت، بدون أي تنسيق مسبق، انتقاداً شديداً على الطلب من رئيس الحكومة المثول في المحكمة. ما الذي حدث فجأة، جميعنا نردد صفحة الرسائل بشكل مستقل. يبدو أن السيدة تحتج أكثر من اللزوم، قالت الملكة في “هاملت”، عن شيء كهذا.
“على خلفية الوضع الأمني الاستثنائي الذي ينبع من الانقلاب في سوريا، فإن سقوط ديكتاتور في الشرق الأوسط، الذي كرهه شعبه وعزل دولته، هو حدث مأساوي بالنسبة لنتنياهو. إضافة إلى ذلك، ربما يكون الطقس يوم الثلاثاء غائماً جزئياً، وهو مناخ مشوش وغير مناسب لتقديم شهادة كاذبة.
“الوضع الذي نعيش فيه يقتضي سلوكاً مسؤولاً وفهماً عميقاً لسلم الأولويات الوطنية”: خذوا مثالاً، لم نكلف أنفسنا عناء إرسال رسائل مستعجلة حول مواضيع مثل التخلي عن المخطوفين، والانهيار الاقتصادي، ومكانة بائسة لإسرائيل في العالم. هذا أيضاً لأن كل ذلك بسببنا. وهذا غير لطيف قليلاً، لكن بالأساس لأنه من الواضح لنا أن محاكمة نتنياهو هي الموضوع الأهم لمستقبلنا، أي مستقبلنا السياسي الشخصي.
“كأعضاء في الكابنيت السياسي الأمني، ومطلعين على كل المعلومات المتعلقة بصورة الوضع الأمني”: لا يتضمن 7 أكتوبر.
“من سيتجاهل هذا الإنذار الخطير ربما يجد نفسه المسؤول عن إخفاقات أمنية والتاريخ سيحاكمه”: زغموند فرويد وصف آلية الدفاع التي تجعل الشخص يلقي صفاته ودوافعه على الآخرين، التي سيجد صعوبة في مواجهتها. “هذا التأثير يحول العالم إلى نسخة من الوجه غير المعروف للإنسان.”، كتب كارل يونغ. في نهاية المطاف، نفس هؤلاء الوزراء الذين قادوا الانقلاب النظامي المتوحش، تجاهلوا التحذيرات الخطيرة لأجهزة الأمن، وهم المسؤولون عن الفشل الأمني المخيف. وإذا استمروا في التهرب من لجنة التحقيق، فالتاريخ سيحاكمهم. ربما هذه هي اللحظة الوحيدة التي تتسم بالصدق في الرسالة. حتى لو كانت تلك اللحظة المكبوتة التي تظهر في السطور بشكل لا يمكن السيطرة عليها.
عن الموقع: وزير التعليم، الذي تدهور طلاب إسرائيل بسرعة في فترته. وكذا وزيرة المواصلات التي في فترتها وصلت حوادث الطرق إلى رقم قياسي في العشرين سنة الأخيرة. ووزير المالية الذي بفضله انهار التصنيف الائتماني. ووزير الأمن الوطني الذي يشجع الإرهاب اليهودي. ووزير عدل يتخيل تحطيم جهاز القضاء. ووزيرة استيطان همها التهام ميزانيات ضخمة على حساب التعليم والرعاية الاجتماعية. هؤلاء الستة ليس لهم ما يفعلونه عدا إرسال هذه الرسالة التي تثير الشفقة.
———————————————
هآرتس 10/12/2024
غزة: اقتراح “تسوية مؤقتة” في 6 بنود.. تعهد من الطرفين وضمانات دولية
بقلم: يوسي بن آري
عملية أرنون، التي جرت في حزيران وأنقذ فيها بعض المخطوفين (من بينهم نوعا ارغماني) من غزة، أدت إلى إنزال كل المخطوفين إلى الأنفاق. كانت هذه خطوة منطقية وحيوية من قبل حماس لتجنب اقتحامات مركزة أخرى للجيش الإسرائيلي. كما نذكر، عمليات إنقاذ كهذه التي نجحت في السابق أحرجت حماس، وإسهام كل منها كان كبيراً جداً، ليس فقط للمخطوفين الذين تم تحريرهم ولعائلاتهم، بل أيضاً لمعنويات الإسرائيليين الوطنية.
إن نشر فيلم “الجهاد الإسلامي” في 15 تشرين الثاني، الذي ظهرت فيه صرخة مؤثرة أطلقتها ساشا تروبنوف، وفيلم حماس الذي نشر في 7 كانون الأول الذي سمع فيه صراخ تسنغاوكر ووجه لوالدته عناف، وهي بطلة النضال من أجل تحرير المخطوفين، هو نشر لم يأت صدفة، بل يثبت أن التنظيمات الإرهابية في القطاع أصبحت تتوق إلى “إغلاق هذا الملف” والتوصل إلى تسوية.
لقد تحطموا، وهم يحتضرون الآن، ولا يوجد ما يتوقعونه من العلاقة “غير المنقطعة” مع حزب الله، المنظمة المهزومة. توجه التركيز الإسرائيلي والعربي والدولي إلى ما يحدث في سوريا. وإسرائيل الآن تعتبر منتصرة، ومكانة رئيس الحكومة نتنياهو السياسية كمفاوض تعززت. لكن الأسوأ هو تهديد ترامب بـ “ستحل جهنم عليهم” إذا لم تنته قضية المخطوفين حتى موعد تسلم منصبه في كانون الثاني.
النشرات الإخبارية في الفترة الأخيرة تلمح باستئناف محتمل لإجراء تسوية. وظهر نتنياهو كملتزم بذلك أكثر مما من ذي قبل. وحسب أقوال ممثلي عائلات المخطوفين الذين التقوه في 8 كانون الأول الحالي، فقد قال: “لقد نضج الوقت لعقد صفقة لتحرير المخطوفين… أنا أعرف أن المخطوفين لن يعودوا إلا بصفقة. وأنا مستعد لوقف إطلاق النار للدفع قدماً بإعادتهم”.
ما يمكن فهمه من طبيعة الصفقة التي تتم مناقشتها، هو أنها ستكون جزئية فقط، المرضى وكبار السن ومن يحملون الجنسية الأمريكية. ليس بالصدفة أن ممثلي عائلات المخطوفين طلبوا من نتنياهو “العمل الآن على إطلاق سراح جميع المخطوفين، الأحياء والأموات. جميعهم حالات إنسانية”. الأفلام التي نشرت أثبتت شيئاً آخر مهماً جداً وهو وضع المخطوفين الفظيع وهم يموتون في الأنفاق، الذين ستكلفهم كل ساعة إضافية لهم هناك حياتهم. هم يحتاجون إلى أشعة الشمس، جسدياً ونفسياً.
إذا لم يتم تنفيذ الصفقة دفعة واحدة، هاكم ملخص اقتراح لـ “تسوية مؤقتة لإنقاذ الحياة”، بادرة حسن نية أخرى للطرفين، الإسرائيليين والفلسطينيين، التي ستسهم بشكل كبير من كل النواحي.
أولاً، الموافقة على وقف مؤقت وشامل لإطلاق النار في القطاع، بما في ذلك كل العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك.
ثانياً، عملية مشتركة بين الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر وحماس، لإيجاد نقطة مناسبة على الأرض في القطاع، يمكن إحضار جميع المخطوفين إليها، الأحياء والأموات.
ثالثاً، بناء قاطع أمني قوي حول المكان، تقيمه هذه الجهات، لا يمكن أي طرف ليست له علاقة، من الاقتراب (من المنطقي السماح لحماس بأن تكون في الدائرة الداخلية).
رابعاً، إدخال قافلة مساعدات أمريكية (ليس الصليب الأحمر) تنقذ الحياة إلى نقطة التجمع، التي ستكون فيها طواقم طبية، تشمل الأدوية والغذاء والماء والاحتياجات الأساسية الأخرى المطلوبة للمخطوفين. كل ذلك على هيئة مستشفى ميداني متواضع، يمكنه حل أي مشكلة صحية ملحة.
خامساً، تعهد إسرائيلي بالامتناع عن أي محاولة إنقاذ للمخطوفين بالقوة وإجراء بحث عن المخطوفين، بالأساس الجثث التي دفنت والتي لا تعرف لحماس و”الجهاد الإسلامي” مكانها. أي معلومات حول ذلك، بما في ذلك المعلومات التي لدى طاقم الجنرال نيتسان ألون، سيتم نقلها إلى طاقم خبراء أمريكي، وإذا كانت حاجة إلى مهنيين أجانب آخرين، من أجل استغلال هذه الفترة المؤقتة للعثور على مخطوفين بالحد الأقصى، كي لا يتم تفويت هذه الفرصة.
سادساً، هذه ليست لعبة أحادية الجانب. فعلى إسرائيل إعطاء أشياء ثمينة أخرى، بدءاً بإطلاق سراح سجناء فلسطينيين و/أو خطوة مهمة أكثر، وهي الموافقة على المرحلة الأولى: الانسحاب من جنوب القطاع (مثل الانسحاب من منطقة رفح – خان يونس)، والعودة إلى الحدود. في موازاة كل ذلك، يجب إجراء محادثات كثيفة للتوصل أخيراً إلى التسوية، التي ستكون إعادة المخطوفين إلى إسرائيل موضوعها الرائد. هذا ما يستحقونه، وهذا ما نستحقه جميعنا.
بالإجمال، هذه “التسوية المؤقتة”، مع الإضافة أو بموازاة صفقة أولية جديدة لاستبدال مخطوفين بسجناء، الاتفاق الذي سيخرج كل المخطوفين من “البئر”، يمكن أن تكون عملية إنسانية كبيرة، خطوة متعددة الأطراف لنوايا حسنة، وربح كبير للجميع، وبالنسبة لنا ضمادة أخرى للجرح العميق من7 أكتوبر.
———————————————
هآرتس 10/12/2024
“فرصة.. لم لا نحتل جبل الشيخ وجولان السوريين؟” إسرائيل: من يكترث للبيان المصري؟
بقلم: أسرة التحرير
التفسير الذي أعطاه الجيش الإسرائيلي لدخول قواته إلى المنطقة العازلة التي على حدود سوريا والسيطرة على جبل الشيخ السوري في أعقاب سقوط نظام الأسد في سوريا، هو أمني صرف. فقد لاحظ الجيش الإسرائيلي بأن الثوار ورجال المنظمات استولوا على مواقع عديدة للجيش السوري قرب الحدود مع إسرائيل، بعد أن انسحب هذا وسعى لإبعادهم عن هناك.
رئيس الوزراء نتنياهو هو الآخر أعلن بأن الجيش الإسرائيلي يدخل إلى المنطقة العازلة وإلى الجولان السوري للدفاع، لأن “جنود سوريا تركوا مواقعهم”.
غير أن نتنياهو غير قادر على الاكتفاء بالشؤون الأمنية. ولهذا سارع لتصدير “صورة نصر” في الحدود السورية، وفي سياق حديثه كانت بذور الشغب قد دست للمستقبل. “هذا يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط”، أعلن، وبعد أن شرح بأنه مع سقوط نظام الأسد “سقطت حلقة مركزية في محور الشر الإيراني”. وكالمعتاد، نسب لنفسه الإنجاز (“هذه نتيجة مباشرة للضربات التي أوقعناها على إيران وحزب الله”)، وشدد على أن سقوط النظام يخلق “فرصاً جديدة”، مهمة جداً، لدولة إسرائيل”.
إن خليطاً “تاريخياً” و”فرصاً جديدة” هو خليط متفجر وخطير، يغمز لكل أولئك الذين يحلمون بتوسيع أراضي إسرائيل. هذا كل ما يحتاجونه لتحقيق حلمهم. وبالفعل، اليمين المتطرف في الحكومة ووسائل الإعلام لم ينتظر الجيش الإسرائيلي، ودعا إلى احتلال جبل الشيخ السوري أولاً. بالنسبة لهم، لا توجد مسألة – سقوط الأسد يوم تاريخي يخلق فرصة لإسرائيل لحملة احتلالات إضافية.
يفهم نتنياهو المخاطر الكامنة وراء السيطرة على أرض لا تعود لإسرائيل لزمن طويل. وإذا نسي، فقد سارع الجيران في مصر لتذكيره؛ فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً تشجب فيه “احتلالاً إضافياً لأراضي سوريا”، و”محاولة فرض واقع جديد على الأرض”. وفي الأيام الأخيرة، شرح الجيش بأن “الوضع في سوريا حالياً ليس تحت السيطرة. ثمة قوة إسلامية متطرفة تصعد، ويجب رؤية ما تؤول إليه الأمور”. ثمة منطق في ذلك. لكن ما يبدأ كإدارة مخاطر أمنية، قد يصبح – تحت حكومة عديمة المسؤولية ورئيس وزراء سائب – خطأ تاريخياً سيكلف ثمناً باهظاً. فتغيير الوضع الراهن في أرض معترف بها كأرض تعود لسوريا، يخلق سبباً جديداً للمواجهة. حتى لو لم يكن بشكل فوري، فإن السيطرة على أراض أثبتت الآن بأنها لا تساعد الأمن.
في 7 أكتوبر تعلمت إسرائيل ما هو ثمن عدم الاكتراث والغرور. إسرائيل لا تحتاج لاستغلال “فرص جديدة” بل عليها أن تدافع عن نفسها ضد مخاطر جديدة.
يجمل برئيس وزراء مسؤول عن الكارثة الأكبر في تاريخ إسرائيل، أن يتخلى عن “صور نصر” عابثة ويبدي تواضعاً أكبر.
———————————————
“واشنطن بوست”: بعد الأسد.. الكثير من الوعود والمخاطر وعدم اليقين
بقلم: ديفيد أغناطيوس
أصبحت سوريا حالياً عبارة عن فسيفساء عنيفة، مع سيطرة الجماعات المدعومة من تركيّا على غربها حتّى دمشق، وميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتّحدة تسيطر على الشمال الشرقي، وجماعات أخرى مدعومة من الأردن تهيمن على جنوب البلاد.
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب ديفيد أغناطيوس، يتحدث فيه عن المرحلة المقبلة في سوريا بعد سقوط النظام السوري، وتصدّر “هيئة تحرير الشام” المشهد.
إنّ الانهيار المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد، ربّما يحمل سمّاً سيظهر في اضطرابات وعدم استقرار إقليمي، لأنّ إعادة توحيد سوريا ستكون مهمّة شاقّة بعد أكثر من عقد من الصراع الدموي، وستشكّل تحدّياً لحوكمة مستقرّة عاجلاً أم آجلاً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
لقد غادر الأسد دمشق إلى موسكو يوم الأحد، وترك سوريا، التي أصبحت تحت سيطرة جماعة متمرّدة مدعومة من تركيا تسمّى “هيئة تحرير الشام”.
وتحاول القوى الإقليمية العربية تثبيت استقرار عملية الانتقال السياسي، من بينها دولة الإمارات، التي حاولت منذ أشهر إقناع الرئيس الأسد بالابتعاد عن إيران، لكنّ الأسد تردّد لفترة طويلة، وفي نهاية المطاف “تخلّى عنه حلفاؤه السابقون، والجيش السوري لم يرد القتال، ولم تظهر إيران وروسيا دعمهما”، كما أشار ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
قال الرئيس جو بايدن: “لقد سقط نظام الأسد أخيراً، وهو المدعوم من موسكو وطهران، وهذه خطوة استراتيجية ضخمة في الاتّجاه الصحيح”. كذلك، أوضح مسؤولون في إدارة البيت الأبيض أنّ الولايات المتّحدة تسعى إلى إيجاد بديل للأسد بوسائل علنية وسرّية منذ العام 2011. مع ذلك، وكما حذّر بايدن أنّ المتغيّرات قد تجلب “لحظة من المخاطرة وعدم اليقين للمنطقة”. وقد خفت حدّة الفوضى في دمشق بفضل قرار “هيئة تحرير الشام” الإبقاء على رئيس الوزراء السوري الحالي بتشكيل حكومة مؤقّتة تحت حمايتها، حسب ما علمت من مسؤول كبير في إدارة بايدن. وقالت الجماعة المذكورة إنّها تنوي الإبقاء على المؤسّساتِ الإدارية الحكومية الحالية، بما في ذلك الجيش ما من شأنه أن يسهّل عملية الانتقال. ويبدو أنّ قطر، التي كانت لفترة طويلة داعماً سرّياً لـ “هيئة تحرير الشام”، تقود الجهود العربية لتشكيل حكومة انتقالية تحت رعاية الأمم المتّحدة. وأكّد بيان قطري صدر مؤخّراً “ضرورة الحفاظ على المؤسّسات الوطنية ووحدة الدولة لمنعها من الانزلاق إلى الفوضى”.
وكانت قطر قد حثّت على مدى السنوات السابقة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تدعو إلى تشكيل حكومة سورية جديدة تضم أعضاء من النظام والمعارضة. ولكن حالياً أصبحت سوريا عبارة عن فسيفساء عنيفة، مع سيطرة الجماعات المدعومة من تركيّا على غربها حتّى دمشق، وميليشيا كردية مدعومة من الولايات المتّحدة تسيطر على الشمال الشرقي، وجماعات أخرى مدعومة من الأردن تهيمن على جنوب البلاد.
من المؤكّد أنّ الولايات المتّحدة وروسيا ستؤدّيان دوراً دبلوماسيّاً في تشكيل مستقبل سوريا، ولكنّ اللاعبين الإقليميين هم الذين سيكونون من يحسم الأمر. فلقد انقضى الوقت الذي كانت فيه القوى العظمى قادرة على تحديد مسار الأحداث، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ لا فرق. ويشير مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أنّ “الأمر متروك الآن لإسرائيل وتركيّا والسعودية والإمارات والأردن”. كذلك، كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد أعرب عن عدم اهتمامه بلاده بدور في سوريا في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً: “هذه ليست معركتنا، لا تتورّطوا” وفي منشور آخر قال: “بعد التخلّي الروسي عن الأسد، يجب على الرئيس فلاديمير بوتين التفاوض لإنهاء المذبحة في أوكرانيا، أعرف فلاديمير جيّداً، هذا هو وقته للتحرّك، يمكن للصين أن تساعد، العالم ينتظر”.
لا ريب أنّ التحوّل الذي شهدته سوريا في الأيّام الماضية، يتشابه مع 3 أحداث أخرى وقعت في العالم، وكلّ منها يحمل درساً خاصّاً به. أوّلاً، يذكّر سرعة سقوط النظام في سوريا بانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتّحدة في أفغانستان، حين سقطت العاصمة كابول بعد 9 أيّام فقط بيد طالبان، فحين يشعر الجيش أنّه تمّ التخلّي عنه يصاب بالإحباط، وهو ما فعلته الولايات المتّحدة في أفغانستان.
ثانياً، حول الاندفاع السريع لحركة “حماس” عبر سياج غزّة ونجاحها في اقتحام المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية القريبة قبل عام وشهرين، كانت هيئة تحرير “الشام” أيضاً مستعدّة ومدرّبة ومجهّزة تجهيزاً جيّداً في تقدّمها نحو المدن السورية. وقد لعبت تركيا دوراً كبيراً في هذا، كما فعلت قطر بعلاقاتها الطويلة الأمد مع قيادة “هيئة تحرير الشام”.
ثالثاً، تشابه الحدث السوري مع ما حدث في العراق، والذي يُظهر الفوضى التي قد تلي تغيير النظام. فحين أطاحت الولايات المتّحدة بصدام حسين في بغداد في عام 2003، أضرمت شرارة الصراع العرقي والإقليمي الذي لا يزال مستمرّاً حتّى يومنا هذا. وعلى نحو مماثل، لقد دمّرت “إسرائيل” القوّة العسكرية لحركة “حماس” في غزّة، ولكنّ هذا المنطقة أصبحت خارجة عن القانون ومليئة بالعصابات وقطاع الطرق، ولا يوجد فيها أدنى قدر من الاستقرار الإداري.
إنّ إحدى الحقائق المشؤومة هي أنّه منذ بدء الانتفاضة السورية في عام 2011، كانت الجماعات الجهادية هي المجموعات العسكرية الأقوى. وخلال تسلّلي إلى سوريا لأجل تغطيتي لأحداثها في العام 2012، تعرّفت على قوّة هؤلاء بشكل مباشر ، وفي اليوم الذي وصلت فيه إلى حلب، كانت ميليشيا معارضة موالية للغرب تقاتل الجيش السوري، وقد سألت أحد قادتها العلمانيين عمّا إذا كانت “جبهة النصرة” فرع تنظيم “القاعدة، تقاتل إلى جانب قوّاته، فقال بالطبع ومقرّهم على بعد مبنى واحد من مقرّنا، وهم من أفضل المقاتلين”.
إنّ “هيئة تحرير الشام”، التي تقود المعركة التي أطاحت بالأسد، هي من نسل المجموعة التي رأيتها قبل 12 عاماً. وكما أخبرني مسؤول كبير في الإدارة الأميركية مؤخّراً، إلى أنّ ابتهاج البيت الأبيض بزوال الأسد، يقابله الاعتراف بأنّه “لدينا مشكلة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، يبدو أنّه لا يوجد أمل أبداً، إلّا مع وجود سحابة من الغيوم أيضاً”.
———————————————
يديعوت 10/12/2024
حذارِ من النزول عن جبل الشيخ
بقلم: يائير كراوس
نحن على الجبل، ويحظر على الجيش ورئيس الحكومة نتنياهو النزول عنه مجدداً: إن احتلال جبل الشيخ السوري، ونقاط أُخرى مهمة وحيوية للدفاع عن الجولان الإسرائيلي، على امتداد الحدود في المنطقة العازلة، داخل مناطق النظام السوري السابق، هو أكثر من عملية ضمّ أراضٍ موضعية، أو “صورة نصر”، إنه حدث استراتيجي، يستغل واقعاً أمنياً وسياسياً غير مسبوق منذ خمسين عاماً.
هذا الواقع، الذي يرسّم واقعاً جديداً في ميدان من الفوضى والقلق، وفي ضوء العبر المستقاة من “مجزرة” السابع من تشرين الأول، وأحلام بقية أعدائنا المشابهة بتكرار ما حدث آنذاك، يجعلنا نصرّ على أن ما كان لن يتكرر، وأن إسرائيل لن تسمح بفرصة جديدة للأحلام الجهنمية التي يسعى جيراننا لتحقيقها على بقية حدود البلد.
في 31 أيار 1974، تم توقيع اتفاق بين إسرائيل وسورية بشأن وقف إطلاق النار، وفصل القوات، وإطلاق سراح أسرى الحرب، والانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب “يوم الغفران” (بمساحة عرضها نحو 20 كيلومتراً ومساحتها نحو 400 كيلومتر مربع). وكان السوريون شنّوا هذه الحرب، جنباً إلى جنب، مع جيوش عربية أُخرى، في السادس من تشرين الأول، في إطار هجوم مفاجئ، بهدف القضاء على إسرائيل في ظل غفلتها. وفي مقابل الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها، “حصلت” إسرائيل على تعهّد بإنشاء منطقة عازلة بمساحة تقارب الـ 235 كيلومتراً مربعاً، تديرها قوات أجنبية تابعة للأمم المتحدة تُعرف باسم “أوندوف”، والتي تم نشرها على الجانب السوري من الخط.
في حزيران 1974، اكتمل الانسحاب الإسرائيلي، وبعد خمسين عاماً، انهارت المنطقة العازلة مع سقوط النظام السوري الذي كان ملتزماً بالاتفاق. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، وطوال اليوم، دخلت القوات الإسرائيلية إلى المنطقة لضمان عدم إهمال أمن سكان الجولان مرة أُخرى، مثلما حدث على الحدود مع لبنان تحت سيطرة قوات “اليونيفيل”، أو على حدود غزة تحت سيطرة حركة “حماس”. ومن بين النقاط التي أُعيدت السيطرة عليها: قمة جبل الشيخ السوري، ومعبر القنيطرة. وقد جاءت استعادة هذه المناطق، التي يمثل بقاء العدو فيها خطراً على مواطنينا، خشية وقوعها في أيدي نظام المعارضة المهتز، الذي تسيطر عليه تركيا وأردوغان. تزامن هذا التحرك مع موجة هجمات شنّتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على بنى تحتية لـ “الإرهاب” والصواريخ، وفقاً لتقارير عربية، في مطارات في دمشق وجنوب سورية، بالإضافة إلى المناطق الريفية في درعا والسويداء.
لا يبدو أن الجيش الإسرائيلي متحمس كثيراً (هذا إذا شئنا تلطيف القول) للحدث التاريخي الذي يُفترض أن يغيّر الواقع. لقد أوضح الجيش اليوم لمراسلنا العسكري، يوآف زيتون، أن الانتشار ليس سوى انتشار دفاعي ومؤقت في المنطقة العازلة، وذلك نتيجة ظهور مسلحين سوريين مجهولي الهوية في المنطقة خلال عطلة نهاية الأسبوع. لكن، مثلما شهدنا في الأشهر الماضية محاولات العديد من كبار المسؤولين في الجيش بشأن التوصل إلى تسوية سياسية مع حزب الله لتجنّب عملية برية قد تكشف عدداً لا يُحصى من مواقع الهجوم والإطلاق المخصصة لاحتلال الجليل، آمل أن تتبدد أيضاً هذه التوضيحات بشأن “الانتشار المؤقت” في اختبار الواقع. ومثلما هي الحال دائماً، سيُجبَر الجيش والمستوى السياسي-الأمني على مواجهة الواقع وفرض حقائق على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بالرد على التهديدات التي نتمكن من اكتشافها في مناطق العدو.
ومثلما هي حال المنطقة العازلة التي تحتلها إسرائيل بحكم الأمر الواقع الآن في سورية، عليها القيام بالأمر نفسه في تلك النقاط التي يحتلها الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية، إذ إن سكان مستوطنات خط المواجهة لن يوافقوا على واقع أمني مختلف.
وإليكم ما ينبغي أن يكون واضحاً للجميع، وما يجب علينا المطالبة بتحقيقه: بقاء قوات الجيش الإسرائيلي متمركزة في المناطق الأمنية الحيوية للغاية لحمايتنا على الحدود السورية في الجولان، الآن وإلى الأبد، إلى أن يتم العثور على شريك في الجانب الآخر لا يسعى لقتلنا واحتلال أرضنا. وبما أنه لا توجد في الوقت الراهن أيّ جهة أُخرى، يمكن للجيش أن يفكر في “تسليمها” المنطقة العازلة في المستقبل المنظور، فعلى الجيش الإسرائيلي عدم الانسحاب من هذه المناطق، أو نقل المسؤولية عنها إلى أيّ طرف، ومن المؤكد ليس إلى “جبهة النصرة” (التابعة لتنظيم القاعدة) التي تتربع الآن على رأس النظام الناشئ، ولا إلى أيّ فصيل من فصائل المعارضة الأُخرى الموجودة في الجانب السوري من الجولان.
في ظل الواقع الحالي، لا توجد أيّ جهة حكومية مستقرة في سورية يمكنها أن تطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسحب قواتنا من هناك، أو نشر قوات “أوندوف” في مواقع الجيش السوري المنهار. هذه القوات الأممية نفسها تحتاج، الآن بشكل خاص، إلى حماية الجيش الإسرائيلي، لأن العشرات من أفرادها يدينون بحياتهم لإسرائيل، التي أنقذتهم بعد سقوط موقعهم القريب من قرية الخضر في يد المتمردين، وتم نهب جميع أملاكهم. إن الاتفاق على فصل القوات، الذي تم توقيعه مع انتهاء حرب “يوم الغفران” في 31 أيار 1974، أصبح اليوم بلا قيمة، وفقد كل شرعيته، بعد “محو” الطرف السوري من الاتفاق وغياب “الجمهورية العربية السورية” من كتب التاريخ، وقد تغيّر الآن ملامحه. عندما نتحدث عن التاريخ، فهذا الحدث تاريخي بامتياز، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتفويت مثل هذا الحدث.
———————————————
يديعوت 10/12/2024
الزلزال السوري: على إسرائيل أن تتعلم من أخطاء الماضي
بقلم: ميخائيل ميلشتاين
الدراما العاصفة التي تجري أحداثها في سورية تهمّش الاعتراف بأن إسرائيل تتعامل مرة أُخرى مع مفاجأة أساسية – بما معناه سيناريو لم يكن في الحسبان مطلقاً، أو أن احتمالات تحقّقه كانت قليلة. صحيح أن العاصفة في سورية مختلفة في ظروفها وإسقاطاتها، مقارنةً بإخفاق السابع من تشرين الأول، لكنها تعكس مؤشرات كانت قائمة، ولم يتم التعامل معها بجدية، ويجب تحليلها في العمق. المطلوب، الآن، وبصورة خاصة لأن الزلزال لا يزال مستمراً في سورية، هو أن نتأكد من أننا نقرأ الصورة في العمق، ونتعرف إلى طبيعة اللاعبين، وهو ما سيساهم في بناء سياسة واعية.
أولاً، علينا فحص حجم الفجوة في فهم الواقع السوري لدى صنّاع القرار والأجهزة الأمنية (خاصة الاستخبارات). وفي هذا الإطار، يجب القول، إن التقديرات السائدة كانت تفيد بأنه على الرغم من الضربات التي تلقاها “محور المقاومة” خلال الأشهر الماضية، وخاصة تلك التي تلقاها “حزب الله”، فإن النظام السوري لا يزال مستقراً. مستقبلاً، يجب الفحص ما إذا كان من الممكن، أو إلى أيّ حد كان يمكن معرفة خطة هجوم المتمردين (الذين من الواضح أنهم ليسوا على رأس سلّم الأولويات الاستخباراتي، اليوم)، ثم يجب فحص التقديرات بشأن دراماتيكية هذا الهجوم وإسقاطاته وسرعته.
استخلاصات 7 تشرين الأول
يبدو أنه كانت هناك فجوة في القضايا كافة. هذا الأمر يعزز السؤال عن مدى فهم وتحليل استخلاصات إخفاق السابع من تشرين الأول، وهل يمكن أن تكون حقيقة أننا واجهنا مفاجأة أساسية أُخرى (على الرغم من أنها مختلفة) تنبع من أنه على مدار 14 شهراً من الحرب، لم يجرِ أيّ تحقيق جدي يسمح بمنع حالات مشابهة. يبدو أنه لا يمكن ضمان عدم تكرار هذه الأخطاء مرة أُخرى، بعد المفاجأة السورية، ويجب التفرغ فوراً لتحليل السيناريوهات الممكنة وطرح توصيات بشأن السياسة الإسرائيلية المطلوبة. عملياً، المفاجأة تجعلنا في وضع غير مريح بشأن قراءة الواقع والتقديرات المستقبلية.
يجري الحوار بشأن جذور السابع من تشرين الأول في الإعلام، أو الأكاديميا، وحتى الآن، لا يرافقه تفكير ثوري. وفي هذا الإطار تبدو الاستخلاصات كأنها منسوخة من تقرير “لجنة أغرانت” التي تتطرق، في أغلبيتها، إلى الأبعاد التنظيمية ومسارات اتخاذ القرارات، مثل التفكير الجماعي، أو الحاجة إلى تفكير نقدي. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات عن التحقيقات، وإلى أيّ مدى تركز على الفجوات والاستجابة الصحيحة.
يجب على عملية الفحص أن تبدأ بفحص كيفية التعامل مع أحداث مشابهة، مثل احتلال العراق في سنة 2003، و”الربيع العربي”، قبل أكثر من عقد. في الحالتين، تعالت أصوات كثيرة في الغرب، وأيضاً في إسرائيل (الاستخبارات والإعلام والأكاديميا) يملؤها التفاؤل وتبشر بـ”شرق أوسط جديد” على الأبواب، وكانت تشير تحليلاتهم إلى أننا أمام تشكّل منطقة مستقرة وليبرالية. وفي الوقت نفسه تم تجاهُل تقديرات أكثر تشاؤماً، صدرت أساساً من الباحثين في شؤون الشرق الأوسط الذين ركزوا على تحليل الميزات الأساسية الثقافية والتاريخية للمنطقة، وأشاروا إلى تحديات واضحة تحولت إلى واقع كئيب، بعد مرور وقت قصير.
يجب الامتناع عن الشعور بالنشوة
على الرغم من سقوط عدوّ مرّ، وتلقّي “محور المقاومة” بقيادة إيران، الذي كان مهيمناً على المنطقة خلال العقود الماضية، ضربات أدت إلى زعزعته، يجب الامتناع من إبداء النشوة المليئة بالشعارات، والتي تتطور في أعقاب إنجازات المعركة في الشمال. لا يوجد في سورية أيّ شيء يمكن أن نستمد منه الأمل بعد الأسد. يدور الحديث عن مجموعات تم دمجها معاً، لديها حسابات مفتوحة ودامية (يمكن أن تندفع بحدة، وخصوصاً ضد العلويين)، وفي الخلفية، لا توجد أيّ ممارسة سياسية ليبرالية، أو مجتمع مدني، أو دولة قومية متماسكة.
سورية متعددة المركّبات والتناقضات على صُعد كثيرة، وهي الآن تشبه، إلى حد بعيد جداً، العراق ما بعد سنة 2003، لكنها تفتقد إلى الصمغ الأميركي الذي حافظ على تماسُك الدولة، حتى لو كان بشكل متقطع. ليس هذا فقط، فالمتمردون لا يشكلون “معسكراً” واحداً فقط، بل مجموعات لديها مصالح متناقضة وأفكار (بعضها جهادية)، تعيش في واقع يشهد كثيراً من التدخلات الأجنبية، ومن ضمنها طهران. وفي هذه الحال، لن يكون من المبالَغ فيه القول، إن سورية ستُقسّم إلى كيانات منفصلة، أو بشكل أكثر دقةً، ستتم مأسسة الوضع المفكك الذي ميّزها على مدار أكثر من عقد.
يجب أن تبتعد طريقة التعامل الواعية عن الأوهام وخلق العناوين. آخر سلوك كهذا كان محاولة نقل الرئيس الأسد إلى المحور العربي المعتدل، وبذلك يتم زرع الفتنة في محور المقاومة. الزلزال الذي وقع في سورية يدفع إلى طرح أفكار جديدة بشأن الحاجة إلى دعم جزء من تنظيمات المتمردين، وهي فكرة تذكّر بتاريخ مرير ومنسي، حاولت فيه إسرائيل صوغ أنظمة حُكم في المنطقة، ويمكن أن تكون مغامرة خطِرة تتطور في اتجاهات متعددة، في الوقت الذي لا تزال إسرائيل تتعامل مع جبهات مفتوحة في غزة ولبنان، وعليها التركيز على إيران.
قبل أن تتطور أفكار اليوتوبيا بشأن بناء “شرق أوسط جديد”، يتوجب على متّخذي القرار وغيرهم ممن يعملون على فهم الواقع، أن يتزودوا بعدة قيَم أساسية: الحذر، والتواضع، والسعي الدائم لفهم الشرق الأوسط في العمق، وهو ما لا يمكن أن يحدث من دون فهم المميزات الثقافية ولغة أبناء المنطقة. هذه الخلاصة ضرورية لكل المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تم تهميشه، بالضبط مثلما حدث بعد “حرب الغفران”.
——————انتهت النشرة——————