إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

إسرائيل اليوم 30/1/202

التجريد هو المفتاح لتسوية إقليمية جديدة

بقلم: مئير بن شباط رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق

بينما يصل التوتر والانفعال لعودة ستة مخطوفين آخرين الى إسرائيل الى الذروة في القدس وفي واشنطن يبحثون منذ الان في المراحل التالية. ليس فقط تلك المتعلقة بالصفقة مع حماس بل في سياق أوسع – في خطوات لتحقيق رؤيا الرئيس الأمريكي وخططه للشرق الأوسط.

سيلتقي رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس ترامب في واشنطن الأسبوع القادم. من الصعب التقليل من أهمية هذا اللقاء. ليس فقط لان الرسالة التي يطلقها هذا اللقاء لمجرد انعقاده، بعد نحو أسبوعين فقط من ترسيم الرئيس ولقائه الأول في هذه الولاية مع زعيم أجنبي، بل في أهدافه والنتائج المرتقبة منه: تنسيق استراتيجي بين الدولتين، في سلسلة طويلة من المواضيع الإقليمية والثنائية والتي لها تداعيات بعيدة الأثر، على المديين القصير والبعيد. فالتوجهات التي ستصدر عن هذا اللقاء ستوجه الجهود الرسمية، السياسية والأمنية، في الدولتين.

يصل نتنياهو الى البيت الأبيض وفي يده قائمة طويلة من الشكر على خطوات وقرارات اتخذها ترامب منذ الأيام الأولى من ولايته. فاضافة الى صفقة المخطوفين ستضم هذه القائمة قرارات عن تحرير ارساليات القنابل الثقيلة والجرافات لإسرائيل، فرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الغاء العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على منظمات ومواطنين إسرائيليين، وقف التمويل الأمريكي للاونروا وبالطبع البادرة الطيبة لنتنياهو بدعوته لهذه الزيارة.

ترامب، الذي اثبت منذ أيامه الأولى بانه لا يخشى تحطيم الأطر والمنظومات الفكرية، فسيطلب من إسرائيل أن تسمع موقفا واضحا بالنسبة لمبادرته لنقل فلسطينيين من غزة الى دول أخرى. سيبدي تفهما لصمتها الرسمي في هذا الشأن، لكنه سيشدد بان تأييدها هو شرط لبذل جهود الإدارة لفحص هذا الاتجاه.

 كل شيء يرتبط بكل شيء

ولئن كان في مركز الزيارة ستكون المسألتان “الثقيلتان” – السعودية وايران، ولكن سرعان ما سيتبين بان كل شيء يرتبط بكل شيء. سيكون من الصعب الفصل بينهما وبين مسائل غزة، الضفة، سوريا ولبنان.

بالنسبة للسعودية يبدو أن مطالبها لاتفاق دفاع (مع الولايات المتحدة) ونووي مدني قابلة للحل. العوائق في الطريق للتطبيع ترتبط بمسألة غزة والضفة. نتنياهو سيطلب التفضيل بين الرغبة لاستئناف القتال في غزة وبين استكمال صفقة المخطوفين (المرحلة الثانية) والدفع قدما بمفاوضات مع السعودية. في كل صيغة تدعي تحقيق الأهداف الثلاثة سيطالب بالتطرق أيضا للبعد الزمني – في ضوء معانيه.

عالق إضافي هو الطلب السعودي لفتح “مسار سياسي يؤدي الى دولة فلسطينية”. نتنياهو على ما يبدو سيوضح انه بعد 7 أكتوبر الأحاديث عن “دولة فلسطينية” هي جائزة لحماس، فما بالك ان السلطة الفلسطينية بنفسها تدعم بشكل غير مباشر المخربين ويصعب عليها التصدي للارهاب حتى في المناطق التي تحت مسؤوليتها مثلما نرى في جنين وطولكرم.

 ايران قبل الكل

عودة الى غزة: تصريحات مسؤولي الإدارة بان حماس لن تحكم في القطاع هي هامة، لكن هناك ضرورة لايضاحين رئاسيين: الأول – الصراع لا يتلخص في اسقاط حكم حماس. الهدف الأهم هو التجريد المطلق لغزة من قدرات عسكرية ومن كل ما يمكن أن يهدد إسرائيل على مدى الزمن. الثاني: الولايات المتحدة لن تساهم في نموذج سلطوي يسمح لحماس بان تختبيء خلفه وتعمل برعايته. لقد سبق أن كنا في هذا الفيلم في الساحة اللبنانية، والدروس من هناك لا تزال تكوينا.

وقبل كل شيء – ايران. الولايات المتحدة مطالبة بتغيير فوري للنهج تجاهها. مغازلات إدارة بايدن للايرانيين زادت جسارتهم واضعفت مكانة الولايات المتحدة في المنطقة كلها. في طهران فسروا هذا كضعف وكبوليصة تأمين لعدم استخدام القوة ضدها. في المنتدى الاقتصادي الذي عقد مؤخرا في دافوس حذر مدير عام وكالة الطاقة الذرية من أن طهران “تضغط على دواسة البنزين في تخصيب اليورانيوم”. ايران هي التهديد على السلام والاستقرار في العالم. هجمة الصواريخ على إسرائيل قدمت تجسيدا لذلك. بالمقابل، نجاح إسرائيل والوضع الداخلي الصعب لإيران يثبتان التفاؤل بالنسبة لجدوى الصراع العادل ضدها. ترامب يضرب عينيه لتحقيق سلام إقليمي. وهو لا يمكنه أن يحقق ذلك دون أن يحل المشكلة الإيرانية. عليه أن يخصص زمنا للجهد السياسي (بخاصة قبيل موعد الغاء آلية السناب باك – في أكتوبر القريب القادم) والمواصلة بقوة أكبر من النقطة التي أنهى فيها ولايته الأولى.

——————————————-

معاريف 30/1/202 

النظام السوري الجديد، وتعزز مكانة تركيا وقطر، كل هذا يقلق مصر

بقلم: ميخائيل هراري

انهيار نظام الأسد استقبل بالإيجاب في الساحة الإقليمية والدولية، رغم الخلفية الإسلامية الراديكالية لرجال النظام الجديد. احدى الدول القليلة التي ترد بشكل متحفظ على التغيير هي مصر. وزير الخارجية المصري لم يسارع لزيارة دمشق واكتفى بمكالمة هاتفية مع نظيره السوري الجديد، وحتى هذا بعد ثلاثة أسابيع من انهيار نظام الأسد. ويتخذ الاعلام المصري خطا منضبطا وحذرا وأحيانا حتى معاديا، تجاه النظام الجديد.

بضعة عوامل أساسية تقبع في أساس الحذر والتخوف في القاهرة. أولا، الصعود الى الحكم لجماعة إسلامية أصولية، قاتلت حتى وقت غير بعيد في صفوف القاعدة، ليس مثابة أنباء طيبة في القاهرة. والتخوف هو إمكانية حقنة تشجيع لتيار الإسلام السياسي في المنطقة بعامة وفي مصر بخاصة. فحركة الاخوان المسلمين متجذرة عميقا في المجتمع المصري رغم أن يد السيسي قاسية تجاهها. المخاوف من عودة رياح الربيع العربي التي رفعت الى الحكم التيار الإسلامي، هي مخاوف مفهومة.

تركيا هي احدى الرابحين الأساس من التغيير الدراماتيكي في دمشق. فقد دعمت أنقرة في السنوات الأخيرة احمد الشرع ومنظمته وهي تنتظر المردودات على ذلك. همها الأساس هو الأقلية الكردية في سوريا، لكن معقول ان ترغب في تعزيز مكانتها كاللاعب الاقليمي الأكثر نفوذا في الدولة مع خروج ايران وروسيا. وهذه المسيرة تصطدم بالمصالح المصرية. الحكم في أنقرة يعد هو أيضا من الإسلام السياسي وحليفته هي قطر. الهامش الذي نشأ في العقد الأخير وضع مصر في مركز الدبلوماسية الإقليمية وقد استفادت من مكتشفات الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط. والنية التركية للتوقيع على اتفاق بحري مع سوريا من شأنه ان يؤثر سلبا على مصر – (مثلما على إسرائيل أيضا).

ساحة ليبيا تشكل مصلحة امنية – اقتصادية أولى في سموها بالنسبة لمصر. فليبيا منقسمة الان بين حكمين، بشكل لا يساهم في استقرارها. والتخوف المصري هو أن تستغل تركيا مكانتها الإقليمية الجديدة كي تعزز خطواتها في ليبيا، الى جانب التقارير عن نية روسية لنقل تواجدها البحري في البحر المتوسط من سوريا الى ليبيا.

تشارك مصر بشكل نشط في مساعي الوساطة لوقف النار في غزة وهي تنظر بالإيجاب الى الاتفاق. ومع ذلك معقول الا تكون متحمسة للمكانة المركزية التي للدوحة في الموضوع وقلقة من الآثار المتوقعة على مكانة حماس في القطاع. لقد أدارت القاهرة في اشهر الحرب الطويلة سياسة كانت مريحة لإسرائيل، رغم النقد الحاد الذي وجهته لإسرائيل في عدة مسائل. ينبغي الافتراض بان الاعتراض الإسرائيلي على إعطاء دور للسلطة الفلسطينية والامكانية المعقولة لان ترمم حماس قوتها في القطاع لا تخدم المصلحة المصرية. وبعامة، آثار الحرب على علاقات الدولتين ليست واضحة بما يكفي.

بعامة، المكانة الإقليمية لمصر ضعفت منذ الربيع العربي، بما في ذلك عقب الازمة الاقتصادية في الدولة. مراكز الاهتمام انتقلت الى الخليج، وصفقة محتملة إسرائيلية – سعودية ستعطي هذا تعبيرا دراماتيكيا. ضعف مصري، داخلي واقليمي، لا يخدم المصلحة الإسرائيلية. من المهم ان يفهموا في القدس التغييرات. السلام الإسرائيلي – المصري هو حجر زاوية لعموم التطورات الإقليمية منذ التوقيع عليه، ومصر لا تزال هي الدولة العربية الأهم، رغم ضعفها الان.

——————————————-

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 30/1/2025 

بعد اتفاق إطلاق سراح الرهائن ماذا ينبغي فعله بقطاع غزة؟

بقلم: عوفر جوترمان

تعمل الصفقة التي تم التوصل إليها لإطلاق سراح الرهائن على إعادة تشكيل مسار الحملة العسكرية في قطاع غزة، ولكنها تترك إسرائيل في مواجهة تحديات استراتيجية معقدة. وبينما قد تحقق الصفقة هدف إعادة الرهائن إلى ديارهم، فإنها ستسلط الضوء أيضاً على الفشل في القضاء على حماس. فاسرائيل لم تنجح في إقامة بديل للمنظمة خلال الأشهر الطويلة من الحرب. ونتيجة لهذا، ستستمر حماس في فرض تحديات أمنية ومدنية. وبالمقارنة مع الخيارات مثل فرض الحكم العسكري، أو الضم، أو استمرار الوضع الفوضوي الحالي، يبدو أن الحل الأكثر توازناً بالنسبة لإسرائيل هو إنشاء إدارة تكنوقراطية محلية، بدعم من الدول العربية المعتدلة، مع الحفاظ على حرية إسرائيل في العمل العسكري. وستركز هذه الإدارة التكنوقراطية على استقرار غزة الإنساني، وإعادة التأهيل الاقتصادي، وإنشاء بديل لحكم حماس، ووضع الأساس لإعادة إعمار القطاع على المدى الطويل.

تعمل صفقة إطلاق سراح الرهائن على تحويل طبيعة الحملة العسكرية في قطاع غزة. فبعيداً عن الرغبة الطبيعية في رؤية المواطنين الإسرائيليين يعودون من أسر حماس، فليس من المبالغة القول إن إطلاق سراحهم يحمل أهمية تاريخية. فالصفقة تدعم الأخلاق اليهودية في فداء الأسرى، والأخلاق الإسرائيلية في المسؤولية المتبادلة، ومبدأ جيش الدفاع الإسرائيلي بعدم ترك أي شخص خلفه. وعلاوة على ذلك، تأتي الصفقة في وقت تم فيه تفكيك الهياكل العسكرية لحماس، على الرغم من أن المنظمة لا تزال القوة المهيمنة في معظم قطاع غزة. لقد هدأت حدة القتال، ويمكن أن يستفيد جيش الدفاع الإسرائيلي من توقف القتال الدؤوب لإعادة تنظيم نفسه والاستعداد للمرحلة التالية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الضغوط الدبلوماسية من الرئيس ترامب لإتمام الصفقة قبل توليه منصبه رسميًا تركت إسرائيل مع القليل من البدائل.

ورغم أن الاتفاق يحقق أحد الأهداف الثلاثة المعلنة للحرب ــ إعادة الرهائن ــ فإنه من حيث المبدأ سيجعل من الصعب تحقيق الهدفين الآخرين: تدمير جيش حماس وقدراتها على الحكم في قطاع غزة. وسوف يعمل وقف إطلاق النار، والتقليص الأولي للوجود العسكري في المرحلة الأولى من الاتفاق، والانسحاب الكامل لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي من القطاع في المرحلة الثانية، على منع العمليات العسكرية المكثفة التي تهدف إلى استئصال حماس من القطاع.

ولكن في واقع الأمر فإن استمرار النشاط العسكري في قطاع غزة بنفس الطريقة التي كان عليها من قبل، من دون استراتيجية سياسية موازية، سيفشل في تحقيق هدف القضاء على حماس. فخلال الحرب، حافظت حماس على السيطرة المدنية على قطاع غزة، واستولت على المساعدات الإنسانية، وفرضت سلطتها من خلال قوات الأمن الداخلي، واستغلت سيطرتها والظروف المدنية المزرية لمواصلة تلقين الجمهور من خلال شبكة الدعوة. وعلاوة على ذلك، تشير التقارير إلى أن حماس قامت بتجديد صفوفها في جناحها العسكري، وإن كان هذا بمجندين صغار السن وعديمي الخبرة ـ وتحولت إلى استراتيجية الإرهاب والعمليات الفدائية ضد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي.

وكان الفشل في القضاء على حماس – وخاصة كحركة تحظى بدعم شعبي بين سكان غزة – أمراً لا مفر منه بمجرد أن اتضح أن إسرائيل، لأسباب خاصة بها، لم تكن تعمل على إقامة بديل في قطاع غزة أو حتى خلق الظروف الملائمة لظهور بديل. إن الدراسة المقارنة لعمليات نزع التطرف في الأنظمة التي اتسمت بالإيديولوجية المتطرفة والعنف ــ من ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية إلى طالبان في أفغانستان ونظام البعث في العراق ــ تكشف عن درس رئيسي: وهو أن النجاح لا يعتمد فقط على الهزيمة العسكرية الكاملة للنظام المتطرف، بل وأيضاً على الجهود النشطة الرامية إلى زراعة بديل محلي أكثر اعتدالاً في مكانه. إن المجتمع الفلسطيني في غزة لا يرى أي أفق أيديولوجي أو سياسي أو حكومي يتجاوز ما تقدمه حماس كمسار للتعافي من الدمار وبناء واقع مختلف. وفي ظل هذه الظروف، تكافح توقعات الجمهور لكي تتجاوز إطار حماس، ولا يؤدي الاستمرار في القتال إلا إلى تغذية صناعة الجهاد، التي تظل المؤسسة المستدامة الوحيدة في قطاع غزة.

ولكن ماذا بعد؟ في الأمد القريب، وعلى مدى الأسابيع المقبلة، قد يتطور الاتفاق مع حماس في اتجاهين مختلفين. الاحتمال الأول هو التقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تشمل إنهاء الحرب والانسحاب الكامل لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي من غزة. والاحتمال الثاني هو انهيار الاتفاق أثناء الانتقال إلى مرحلته الثانية، مما يؤدي إلى استئناف القتال. وسوف تعتمد النتيجة على ثلاثة لاعبين رئيسيين: حماس، التي من غير المرجح أن تسلم كل الرهائن المتبقين، حيث تسعى إلى الاحتفاظ بهم كأوراق مساومة من أجل بقائها؛ والحكومة الإسرائيلية، التي ستواجه ضغوطا سياسية وجماهيرية متضاربة على الصعيدين المحلي والدولي؛ وإدارة ترامب، التي من المتوقع، مثل دورها الحاسم في التوسط في الاتفاق الحالي، أن تمارس ضغوطا مباشرة على إسرائيل وضغوطا غير مباشرة على حماس ــ من خلال قطر ومصر ــ لتوجيه الديناميكيات في غزة بما يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأوسع للإدارة.

سواء تقدم الاتفاق إلى المرحلة الثانية أو انهار إلى تجدد القتال، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن تجنب المناقشة حول البدائل الاستراتيجية الطويلة الأجل لقطاع غزة يضر بإسرائيل. إن وقف الحرب وسحب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من دون تحقيق الاستقرار في القطاع أو إنشاء بديل لحماس من شأنه أن يخلق فراغاً في السلطة من شأنه أن يعزز حكم حماس. وعلى نحو مماثل، فإن استئناف القتال من دون إنشاء بديل قابل للتطبيق لحماس من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مماثلة. ومن الناحية الاستراتيجية، فإن هذين السيناريوهين يشكلان أشكالاً مختلفة من نفس النهج ــ نهج يحافظ على سيطرة حماس على غزة ويعيد فعلياً فرض سياسة إسرائيل التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإن كان ذلك في ظل ظروف جديدة: الحفاظ على حرية إسرائيل في العمل دون هزيمة حماس، والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول ولكن تجنب إعادة بناء البنية الأساسية المحلية والاقتصاد، وبالتالي إدامة حالة من الفوضى المستمرة في القطاع.

إن البديل الذي قد ينشأ إما عن قرار إسرائيلي أو تدريجياً نتيجة لعدم الاستقرار الحالي، هو الغزو العسكري الكامل لغزة وفرض الحكم العسكري. ومن شأن هذا الخيار أن يعمل على تعظيم القدرات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، وخاصة بمجرد رفع القيود المفروضة على استخدام القوة ــ والتي كانت مقيدة في السابق بسبب المخاوف على سلامة الرهائن الأحياء ــ الأمر الذي يساعد في قمع حماس عسكرياً. ولكن المخاطر والتحديات التي يفرضها هذا النهج كبيرة. فمن الناحية العسكرية، سوف يحتاج جيش الدفاع الإسرائيلي إلى إرسال قوات كبيرة لفترة طويلة، والاستمرار في تحمل الخسائر في حرب استنزاف مطولة ضد تكتيكات حرب العصابات التي تنتهجها حماس. ومن الناحية الدبلوماسية، سوف يعمل الاحتلال العسكري، في المستقبل المنظور، على القضاء على احتمالات التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وعرقلة بناء التحالف الإقليمي، وتعميق عزلة إسرائيل الدولية، وزيادة الضغوط الدبلوماسية العالمية. ومن الناحية الاقتصادية، سوف يتطلب الحكم العسكري من إسرائيل أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن غزة، بما في ذلك إدارة الشؤون المدنية وجهود إعادة الإعمار ــ وهو جهد يكلف عشرات المليارات من الشيكلات من ميزانية الدولة (حيث لن تتدفق أي مساعدات إنسانية دولية إلى القطاع تحت الاحتلال). وحتى بعد تحمل كل هذه التكاليف، لا يوجد ما يضمن القضاء على حماس. ففي حين سيتم قمع المنظمة وإضعافها، فإنها لن تختفي ومن المرجح أن تستمر في الوجود كقوة سياسية وأيديولوجية مهيمنة في غزة.

إن النسخة الأكثر تطرفاً من الحكم العسكري هي الضم الجزئي أو الكامل لقطاع غزة، وهو الموقف الذي تدعمه بعض الفصائل داخل الائتلاف الإسرائيلي، ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، من قبل نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي (وإن كان غالباً دون فهم كامل لتداعياته). وفي حين أن هذا الخيار لا يقدم أي مزايا عسكرية على الحكم العسكري، فإن تكاليفه أعلى بكثير. على الصعيد الدبلوماسي، ستشتد عزلة إسرائيل الدولية، وستتجمد عملية التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وقد يتعرض الاستقرار الإقليمي ــ إلى جانب اتفاقيات السلام مع مصر والأردن ــ للخطر. وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فإن منح الجنسية الإسرائيلية لمليوني مقيم فلسطيني من شأنه أن يشكل تهديداً للمشروع الصهيوني نفسه. والواقع أن الدعوات إلى تعزيز “الهجرة الطوعية” لا تشكل جريمة حرب واضحة فحسب، بل إنها أيضاً غير عملية. وعلاوة على ذلك، فإن ضم أجزاء فقط من قطاع غزة بدون سكانه الفلسطينيين من شأنه أن يؤدي إلى العواقب الدبلوماسية الكاملة للضم الكامل في حين لا يقدم أي فوائد استراتيجية حقيقية لإسرائيل.

وعلى النقيض من البدائل الإشكالية التي عرضناها آنفاً، لم تستجب إسرائيل بعد للاقتراح الذي تقدمت به مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن بإنشاء إدارة تكنوقراطية في قطاع غزة. وسوف تتألف هذه الإدارة المقترحة من بيروقراطيين ومهنيين محليين لا تربطهم أي صلة بحماس ـ التي يوجد منها الآلاف في غزة، وكثيرون منهم ينتمون إلى حركة فتح. وسوف تحظى هذه الإدارة بدعم إدارة دولية إقليمية مكلفة بتحقيق الاستقرار في القطاع وإرساء الأساس لإعادة تأهيله. وتعترف الدول العربية التي تقف وراء الاقتراح بأن إسرائيل سوف تحتاج في المراحل الأولية إلى الاحتفاظ بحرية العمليات لمكافحة الإرهاب ومنع حماس من استعادة قوتها ـ وهي مصلحة مشتركة. ولكن إسرائيل ترددت في قبول الاقتراح بسبب شرط مشاركة السلطة الفلسطينية. وسوف تحتاج السلطة الفلسطينية إلى طلب المساعدة الإقليمية والدولية وإنشاء قوة شرطة للحفاظ على النظام العام في غزة. والحكومة الإسرائيلية حذرة من هذا الخيار، حيث تنظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها منصة لإقامة دولة فلسطينية، في حين تشكك في قدرتها على مكافحة الإرهاب بفعالية، نظراً لتاريخها في التحريض والتطرف. ورغم أن هذا ليس الحل المثالي لإسرائيل ــ إذا كان مثل هذا الحل موجوداً أصلاً ــ فإنه يظل الحل الأكثر قابلية للتطبيق في ظل الظروف الحالية.

ومن جانبها، وافقت حماس على مبادرة مصر لإنشاء لجنة مدنية، الأمر الذي مهد الطريق فعلياً لإدارة تكنوقراطية. وينبع هذا القرار من اعتراف حماس بأنها ما دامت تحتفظ بالسيطرة المدنية على قطاع غزة، فسوف تكافح من أجل تأمين المساعدات الخارجية اللازمة لإعادة الإعمار. وفي الوقت نفسه، هددت حماس باستهداف أي كيان أجنبي يعمل في القطاع، وخاصة إذا تعاون مع إسرائيل. ومع ذلك، فمن المرجح أن تتجنب المعارضة المباشرة لهيئة إدارية تحت إشراف السلطة الفلسطينية، وخاصة إذا كانت تضم قوات عربية من مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وسوف تكون الأولوية الأولى للإدارة التكنوقراطية هي استقرار الأوضاع الإنسانية في غزة. وبالتدريج، يمكنها التحول إلى إعادة بناء البنية الأساسية والاقتصاد، وتطوير قوة أمنية للحفاظ على النظام العام ومكافحة الإرهاب، وتعزيز نزع التطرف داخل الحكم والحياة اليومية ــ وخاصة في نظام التعليم. ويعتمد نجاح هذه الجهود على المشاركة المباشرة والمساعدة من الدول العربية، التي لا تشكل داعمين ماليين أساسيين فحسب، بل وتقدم أيضاً خبرات قيمة في مكافحة التطرف، نظراً لتجاربها السابقة في التعامل مع الجماعات الإسلامية المتطرفة.

بالنسبة لإسرائيل، يظل ضمان أقصى قدر من الحرية العملياتية أمرا ضروريا للقضاء على التهديدات والدفع نحو نزع سلاح حماس، بدعم من الجهات الفاعلة العربية والدولية. وبمجرد إبرام صفقة الرهائن وتهدئة القتال في غزة، ستواجه إسرائيل صعوبة متزايدة في الحفاظ على الحرية العملياتية ومنع حماس من تقويض الإدارة التكنوقراطية – تماما كما مارس حزب الله السيطرة على النظام السياسي في لبنان. وقد ينطوي الضمان المحتمل على احتفاظ إسرائيل بالحق في إجراء عمليات عسكرية في غزة حسب الحاجة في مرحلة لاحقة، مبررة كإجراء للدفاع عن النفس.

ومن بين المزايا الأخرى للإدارة التكنوقراطية المحلية قدرتها على العمل كأساس لحل أوسع للقضية الفلسطينية في إطار مبادرة إقليمية أوسع، وخاصة تلك التي تقودها إدارة ترامب. يمكن أن تساعد مثل هذه الآلية الحاكمة في استقرار المنطقة وإظهار استعداد إسرائيل للسماح بالحكم الذاتي الفلسطيني – وهو عامل مهم في تلبية طلب المملكة العربية السعودية بمسار واضح نحو إنشاء دولة فلسطينية. وكلما نجحت الإدارة التكنوقراطية في تلبية تفويضها وعملها بشكل فعال، كلما اكتسبت قدرا أكبر من الاستقلال. وفي الوقت نفسه، إذا خضعت السلطة الفلسطينية لإصلاحات ذات مغزى ترضي إسرائيل والدول العربية المعتدلة، فقد تتمكن تدريجياً من تعزيز علاقاتها بهذه الإدارة في غزة.

وفي الختام، يسلط تحليل الخيارات المتاحة “لما بعد” الحرب في غزة الضوء على الإدارة التكنوقراطية المحلية باعتبارها الخيار الأقل إشكالية بين مجموعة من الخيارات غير الكاملة التي تواجه إسرائيل. ويحقق هذا النهج التوازن بين ضرورة إنشاء بديل لحماس في غزة ــ بدعم من الدول العربية المعتدلة ــ وضرورة الحفاظ على المسؤوليات الأمنية والحرية العملياتية لإسرائيل. وهو يقدم إطاراً لتجنيد الدول العربية للاستثمار في استقرار المجال المدني وجهود إزالة التطرف في غزة قبل مطالبة السلطة الفلسطينية بتولي السيطرة، وخاصة إذا لم تخضع السلطة الفلسطينية لإصلاحات كبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا النموذج لإسرائيل بالاحتفاظ بنفوذها على العملية السياسية التي يبدو أن إدارة ترامب على استعداد لدفعها كجزء من رؤيتها لإنشاء إطار إقليمي جديد.

——————————————-

هآرتس 30/1/202

بقينا مع الرغبة في القتال، لكن بدون هدف

بقلم: يوسي كلاين

قبل فترة قصيرة كنا رأس الحربة للعالم الحر في صراعه ضد محور الشر. فجأة تمت اقالتنا. نحن لم نعد كذلك. هذه ليست حربنا، هذه حربهم، قال ترامب قبل اسبوع، وكان يقصدنا. العفو، لقد تمت اهانتنا. ما معنى “هذه حربهم“؟. في نهاية المطاف، منذ قبل فترة قصيرة، قال نتنياهو إن حربنا هي حرب العالم الحرب. فهل هي الآن كذلك؟ هل تم عزلنا؟ كيف حدث ذلك؟.

ما حدث هو أن العالم مل. العالم الذي يفصل الدين عن الدولة تعب من النزاعات الدينية التي ليس لها حل. لقد مل من مناقشة مسألة هل حقنا في البلاد هو وثيقة قانونية أو معتقد ديني. هذه حربهم وليست حربنا، قال ترامب، وكان يقصد أنه بالنسبة له ليقتل أحدنا الآخر.

لأنه اذا تنازلنا عن الديمقراطية فكيف سنستطيع المحاربة باسمها. اذا من اجل ماذا نحارب؟ هذا يرتبط بمن يسألون. سموتريتش مثلا، سيحارب من اجل دولة شريعة. جيد، هذا هو حلمه وحقه. ولكن من اجل ماذا يحارب من هو ليس سموتريتش؟ من اجل حقه في البقاء على قيد الحياة؟ من اجل مستقبل افضل لاولاده هو يستطيع تحقيقه حتى في اماكن بدون 200 يوم احتياط وبدون أن يكون ياريف لفين وزير العدل.

اذا حاربنا وبقينا على قيد الحياة فأي دولة نحن نريد؟.

ذات يوم عرفنا، ذات يوم كنا نقتبس وثيقة الاستقلال، أن الدولة “ستكون قائمة على اسس الحرية، العدالة، السلام، المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية”. ولكن بعد 77 سنة فهمنا أن تحقيق هذا الهدف هو فوق قوتنا. تنازلنا. بقينا مع الرغبة في القتال، لكن بدون هدف نحارب من اجله. عندها توجهنا الى الله.

الله الذي ليس هو الهنا، هو هدف مريح للحرب. في ملعب الاله نحارب ضد من يشتم ويهين اله جيش اسرائيل، حسب تعبير العميد عوفر فنتر. وعندما لم يكن الفلسطينيون هدف جذاب حلمنا بأن نحارب الاسلام العالمي باسم العالم الحر، وأن نكون الولد الذي يسد باصبعه الثقب في السد. حلم رائع. بدون احتلال وانقلاب نظامي. عندها جاء ترامب وقام بطردنا. حسنا، قلنا، اذا لم ندعم الاغيار فسنتعزز باليهود. الطرد من العالمية عزز الايمان المحلي. لا يجب اقناعنا بتفوق الهنا على اله العرب.  ففي نهاية المطاف نحن تربينا على ذلك. ولكن عندها جاء 7 اكتوبر ومعه الغضب من الاهانة والتوق الى الانتقام.

منذ ذلك الحين نحن لا نتوقف عن الانتقام، باستمرار وشغف.

في كتابه بعنوان “هذا وذاك يأكله السيف”، مذكرات شخصية عن حرب 7 اكتوبر، يصف المؤلف وعالم الانثروبولوجيا آساف حزاني جندي يقوم بتمزيق القرآن امام انظار أسرى حماس. هذا هو انتقامي، شرح الجندي. أي أن مبعوث الهنا ينتقم من الههم. هكذا تتحول ساحة الحرب الى “ساحة دينية”، القادة فيها هم المكابيون والجنود هم الذين يلبون نداء “من سيحارب من اجل الله”.

النقاش حول من لديه اله اكبر يمكن أن يتواصل لاجيال ويعيل الكثير من الجنرالات والسياسيين. جميعهم يحاربون باسم الله بدون فرق في العرق أو الدين. الجيش الذي يريد استيعاب الحريديين بدأ في التحول هو نفسه الى جيش حريدي. لا يوجد فرق بين الحاخام ايلي سدان من المدرسة الدينية عيلي وبين آية الله خامنئي، اللذان يتحاربان باسم الله. وطلب العميد فنتر من الله، “وفّق طريقنا، من فضلك، لأننا ذاهبون للقتال من اجل شعبك”، هو طلب جميل حتى باللغة الفارسية.

التقرب من الله في الجيش يجعلنا نحصل على المصادقة بأثر رجعي على اعمال القتل والنهب. الآن لا يتحدثون عن ذلك. هزيمة 7 اكتوبر علمتنا أنه من الافضل اخفاء ذلك. الشر في نظر الله تعلمنا القيام به عندما لا يكون مصور في المحيط. الاخفاء يمنعنا من الاشمئزاز من انفسنا. والاسوأ من ذلك هو يخفي سرورنا من مشاهدة الانقاض في غزة، التي لم تعد قابلة لحياة البشر.

الحرب باسم الله تحل محل الحرب باسم الامن. هي تنزلق من الجيش الى جهاز التعليم وجهاز القضاء. شباب غير مؤهلين ولكنهم مليئين بالايمان سيحلون في الجيش محل شباب أكثر تأهيلا وتدريبا، الذين سيرفضون الخدمة في جيش سياسي – ديني وسيذهبون الى صنع حياة مهنية في الهايتيك. تحت غطاء “الامن” تم تنفيذ اعمال مشينة على الاغلب. الغطاء الذي يوفره الله اكبر باضعاف.

——————————————-

هآرتس 30/1/202 

مخيم جنين اصبح مقفرا

بقلم: هاجر شيزاف

بعد اسبوع من بدء الجيش الاسرائيلي لعملية “السور الحديدي” فان مخيم جنين للاجئين اصبح شبه فارغ من سكانه. البعض منهم يقولون بأن الجيش اجبرهم على المغادرة وقام بتدمير ممتلكاتهم. وحسب آخرين فان هذا بسبب نقص المياه والكهرباء، الى جانب الخوف من المستقبل بعد أن تم استبدال حصار السلطة الفلسطينية بحصار الجيش الاسرائيلي.

حسب الاونروا فانه في 2023 كان مسجل في مخيم جنين 23 ألف نسمة. الآن لا يمكن الدخول الى مركز المخيم الذي تم افراغه، لكن في الاطراف ما زال يوجد اشخاص. على الحدود بين مدخل المخيم الرئيسي وبين المدينة يوجد المستشفى الحكومي، وفي مدخله تم وضع حاجز عسكري لتفتيش من يدخلون. حسب مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (اوتشا) فقد تم فصل المياه والكهرباء عن المستشفى. الآن المياه يتم توفيرها هناك بالصهاريج، وتمت اعادة التزويد بالكهرباء. مدينة جنين ايضا تأثرت من هذه العملية، ويبدو أن الشوارع فيها فارغة. حسب وزارة الصحة الفلسطينية فان 15 فلسطيني تقريبا قتلوا في جنين وفي القرى المحيطة بها منذ بداية العملية. في الجيش قالوا إن معظم القتلى هم من المخربين، لكن السكان المحليين يقولون إن معظمهم غير مرتبطين بمجموعات مسلحة.

في يوم الثلاثاء تجمع 70 شخص من السكان الذي تم اخلاءهم في مركز للمكفوفين، الذي اصبح ملجأ في مدينة جنين. احد الاخصائيين النفسيين من الهلال الاحمر قام بتشغيل الاطفال الذين كانوا يهيمون في الشوارع، والبالغون جلسوا بدون عمل. “العملية الآن اصعب مما كان في العام 2002 (عملية “السور الواقي”)”، قالت امرأة من المخيم (63 سنة)، التي غادرت عند دخول الجيش الاسرائيلي. “في حينه كان الحصار من طرف واحد. الآن نحن بعد 45 يوم من حصار السلطة”، اضافت بالإشارة الى أنه في بداية كانون الاول اعلنت السلطة عن عملية ضد المسلحين في المخيم، الذين سمتهم “خارجين عن القانون”.

حسب قول هذه المرأة فانه خلال شهر ونصف عاشت بدون كهرباء وبدون تزويد منظم بالمياه. “كانت لدينا مصابيح تعمل بالبطارية وكنا نشعل النار في الليل. خزان المياه الذي يعود لي مليء بالثقوب، لم نتمكن من وضع خزان جديد على السطح لأنه كان قناصة على الاسطح”، قالت واضافت. “السلطة الفلسطينية لم تتمكن من تفكيكنا. نحن كنا سعداء من أننا تخلصنا من حصارها. بعد ذلك جاء الاسرائيليون فجأة. هذه هي الصعوبة”. عندما دخل الجيش الاسرائيلي، الذي تسميه بـ “اليهود”، الى المخيم، قررت هي وعائلتها المغادرة. هذه هي المرة الرابعة التي تبيت فيها في مركز المكفوفين اثناء العمليات العسكرية للجيش الاسرائيلي في المخيم. “هناك مواطنون ليس لديهم أي علاقة بذلك. اليهود لا يفرقون بين صغير وكبير. نحن اصبحنا نزلاء هنا في المركز”، قالت بابتسام.

يبدو أن سكان المخيم الذين جاءوا الى المركز لا يعرفون ما الذي حدث في المكان الذي قاموا بمغادرته. المرأة التي جلست على شرفة الملجأ المؤقت سألت المراسلين هل يمكن العودة الى المخيم. عندما ردوا عليها بـ “لا”، عبرت عن القلق على القطط التي تركتها خلفها، واضافت بأنها مدللة وتأكل فقط السردين من العلبة.

ثائر، نازح آخر من هذا المكان قال إنه خرج من المخيم بعد القصف من الجو. وعندما استيقظ وشاهد حوامة على النافذة: “الحوامة  كانت تقول إنه يوجد حظر للتجول. في احياء اخرى الحوامة كانت تقول للناس بأنه يجب عليهم الخروج من بيوتهم”، قال. “عندما خرجوا اخذوا معهم فقط القليل من الملابس والمال. في الحي الذي اعيش فيه لم يبق أي أحد. بيوت الحي مقتحمة ومحروقة أو مدمرة”. الطريق التي تؤدي من المخيم الى الخارج كانت صعبة على ثائر بشكل خاص، لأنه معاق ويجلس على كرسي متحرك، بسبب أن الجيش دمر الشوارع بجرافات “دي 9. كل الشارع فيه حفر ومليء بالمياه، وحتى من يستطيع المشي لا يمكنه فعل ذلك حتى كما يجب. يوجد كبار سن ومرضى”.

في نهاية المطاف وصلوا الى الحاجز الذي سمح منه الجيش لسكان المخيم بالخروج الى المدينة. هم اجتازوا عملية فحص، وفي كل مرة سمحوا لخمسة اشخاص بالمرور. حسب قوله العملية استمرت ساعة ونصف.

قرب جزء المخيم الذي سمي “المخيم الجديد” يمكن رؤية بعض سكان المخيم، منهم الذين يعيشون بشكل عام في داخل المخيم، الذين عند بداية العملية هربوا الى عائلاتهم التي توجد في هذه المنطقة. رائحة مياه المجاري التي كانت تفوح في الهواء حولت الوجود في المكان الى أمر صعب – في اعقاب الحفريات والتدمير للبنى التحتية من قبل الجيش، الذي حول الشوارع الى مكان لا يمكن للسيارات السفر عليها وقاموا بتفجير انابيب مياه المجاري. في مناطق اخرى دمر الجيش المباني القريبة من الشوارع في المخيم. أحد السكان الذين تم اخلاءهم من وسط المخيم وانتقلوا الى “المخيم الجديد”، هو شخص عمره 57 سنة وأب لسبعة اولاد، الذي حسب قوله قام بالنزوح قبل اربعة ايام بعد أن اقتحم الجنود بيته وطلبوا منه اخلاءه. “لم اقم باخلاء بيتي لأنه يوجد لدي 100 رأس من الاغنام، وابلغت ذلك للمنسق (قسم في السلطة مسؤول عن الارتباط بين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي)”، قال. “قالوا إن هذا على ما يرام. فجأة دخل الجنود وضربوني ورفعوا يدي. كسروا البيت وقالوا لي بأنني أنا واولادي يجب أن نخرج ونذهب الى المدينة.

حسب قوله، رغم أنه قال للجنود بأنه يعمل في السلطة، إلا أن ذلك لم يساعده. “لقد كسروا البيت أمام ناظري. وزوجتي بدأت تبكي”، قال. “لقد سمحوا لي باطعام الاغنام التي هي عزيزة علي قبل أن نغادر”. احدى البنات قالت لي بأنه عندما كانوا في البيت شعرت بأنه كان يرتجف، بعد تفجير الجيش كما يبدو لبيت مجاور. “عندما خرجنا رأينا كل الجرافات – كل ما يرونه يقومون بهدمه. لقد هدموا الصيدلية ومغسلة للسيارات”، قال الأب. “كل الحي اشتعل بالنار. معظم البيوت التي اضروا بها تعود لاشخاص عاديين”.

المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي قال: “الجيش الاسرائيلي لا يقوم باخلاء السكان في يهودا والسامرة. فيما يتعلق بادعاء مشاكل في الكهرباء والمياه فان الادارة المدنية نفذت 50 عملية تنسيق من اجل التمكين من حياة سليمة بقدر الامكان في ظل العملية لسكان جنين. في غضون ذلك تم ادخال موظفي البلدية المهنيين في مجال الكهرباء والمياه بهدف معالجة المشاكل في محيط المخيم. كل المشاكل تم علاجها خلال ساعات، والآن الكهرباء تعمل في المخيم. واذا كان هناك انقطاع محدد للكهرباء فان العمال ينفذون نشاطات لاعادتها. بخصوص ادعاءات عن نقص في المياه – في بداية النشاطات تم اغلاق مصدر المياه الرئيسي بالتنسيق مع الطرف الفلسطيني وذلك من اجل السماح للقوات بالقيام بعمليات باستخدام ادوات هندسية في المساحات التي تم فيها زرع عبوات بدون التسبب بفيضانات، الامر الذي يمكن أن يؤدي الى كارثة صحية”.

في الجيش اضافوا: “الجيش الاسرائيلي يستخدم معدات هندسة من اجل ازالة عبوات ناسفة زرعها المخربون في المخيم وفي داخل بنى تحتية مدنية. هذه العبوات تعرض للخطر القوات وسكان المخيم. في هذا الوضع يلحق في بعض الاحيان ضرر بتلك البنى التحتية. الجيش الاسرائيلي يعمل طوال الوقت لتقليص الاضرار بالبنى التحتية المدنية بادنى حد ممكن، وهو يريد التأكد من أن الاضرار التي تنشأ عن النشاطات العملياتية تتم فقط من اجل هدف عملياتي طبقا للقانون والاجراءات الملزمة بهذا الشأن. في موازاة ذلك الجيش الاسرائيلي يعمل مع الادارة المدنية على السماح باصلاح البنى التحتية التي تضررت من نشاطات احباط الارهاب في مناطق مأهولة، التي يتم استغلالها من قبل المنظمات الارهابية”.

——————————————

هآرتس 30/1/202

قوانين الاونروا لن تخفي اللاجئين بل ستضيف الفوضى فقط

بقلم: روزا روزنسكي

في اروقة الامم المتحدة والكنيست يزداد مؤخرا الانشغال بوقف التعاون بين اسرائيل والاونروا. اليوم ستدخل الى حيز التنفيذ القوانين التي تحظر نشاطات الوكالة في اسرائيل وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وتحظر أي علاقة بينها وبين سلطات الدولة. باستثناء التصريحات المتكررة ضد هذه القوانين فانه لا يوجد في أيدي المجتمع الدولي والدول الممولة للوكالة أي طرق ناجعة لمنع هذه العملية.

في الايام القريبة القادمة سيغادر اسرائيل حوالي 25 موظف دولي يعملون في الوكالة في الضفة وفي شرقي القدس، بعد انتهاء تأشيرات دخولهم. في القطاع اسرائيل تصمم على عدم السماح لموظفي الاونروا الجدد بالدخول الى قطاع غزة، لكن الذين يتواجدون فيها لا ينوون المغادرة، وفي الاونروا يخططون لمواصلة العمل هناك طالما يمكن ذلك. الاونروا اعلنت ايضا بأنها لا تنوي اخلاء المباني التي توجد فيها في شرقي القدس رغم طلب صريح من اسرائيل، الذي وجد التأييد الصريح من الولايات المتحدة.

ايضا في اسرائيل لا يوجد حتى الآن أي فهم واضح كيف سيتم تنفيذ هذه القوانين. في جلسة تم عقدها هذا الاسبوع في لجنة المالية تبين أنهم في بنك اسرائيل لا يعرفون اذا كان واجب قطع العلاقات مع الاونروا يسري ايضا على البنوك. هذا السؤال يمكن أن يتدحرج ويصل الى المستشارة القانونية للحكومة، والافتراض السائد هو أنه من اجل هذا الموضوع فان البنوك لا يعتبر “سلطة” من سلطات الدولة. ورغم حسب، حسب الاونروا، عمليا قام بنك لئومي بتجميد مبلغ 2.8 مليون دولار يعود للوكالة. ومن غير الواضح هل وكيف ستتعامل الدولة مع رفض الاونروا لاخلاء المباني التابعة لها في شرقي القدس، ويمكن جدا أن هذا السؤال سيصل في نهاية المطاف الى المحكمة. عندها سيخلق شرك بروح العصر: هل المحكمة، التي بلا شك هي سلطة من سلطات الدولة، مخولة بمناقشة امور تتعلق بالاونروا، التي حسب القوانين الجديدة هي غير مخولة بالاتصال بها.

غير المعقول والامر السخيف تكمن ايضا حول جوانب اساسية واكثر حيوية تتمثل بالتعاون بين سلطات الدولة والاونروا. في الجيش الاسرائيلي رفضوا الرد أمس، قبل يوم من دخول القوانين الى حيز التنفيذ، على سؤال هل سيقومون بالاتصال مع الاونروا في حالة تعرض الحياة للخطر، مثلا، عندما تكون حاجة الى اخلاء سكان في اعقاب عمليات للجيش الاسرائيلي في مخيم لاجئين في الضفة أو في قطاع غزة.

في القدس يقولون إن اسهام الاونروا في الجهود الانسانية في غزة ليست كبيرة مثلما يدعون في الامم المتحدة. هناك يعرضون بشكل دائم ارقام تقول بأن الاونروا تطعم فعليا نصف سكان القطاع تقريبا، الدور الرئيسي للوكالة في مجال الصحة والتعليم في القطاع وفي الضفة – ايضا في اسرائيل لا ينفون ذلك. اسرائيل تقول إنه لن يكون من الصعب استبدال الاونروا بهيئات اخرى تابعة للامم المتحدة، وأن المعارضة في قيادة المنظمة تنبع من اعتبارات سياسية واعتبارات مناوئة لاسرائيل. في المقابل، في الامم المتحدة يقولون بأن التفويض الوحيد للاونروا، الذي يمكنها ضمن امور اخرى من تشغيل عشرات آلاف أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، غير قابل للاستبدال، وبالتأكيد ليس بقرار اداري. من اجل تغيير الانظمة واستبدال المنظمة التي تأسست في 1949، هناك حاجة الى قرار جديد من الجمعية العمومية. في كل الحالات لا يبدو أن اسرائيل، أو الامم المتحدة، يتوقع أن تتراجع عن موقفها في القريب.

الادعاء الرئيسي الذي ترتكز اسرائيل اليه في مطالبتها وقف نشاطات الوكالة هو أن نشاطاتها “مشوبة بالارهاب“. الاونروا من ناحيتها تقول إنه باستثناء عشرة موظفين، الذين عرضت اسرائيل أدلة على مشاركتهم في مذبحة 7 اكتوبر، والذين تمت اقالتهم من الوكالة أو قتلوا، لا يوجد في يدها ما يكفي من الأدلة من اجل القول بأن عشرات العاملين الآخرين، الذين عرضت اسرائيل اسماءهم عليها، مرتبطين بحماس. في الاونروا يقولون ايضا بأنهم ما زالوا يحققون في ادعاءات حول عاملين آخرين.

لكن الاتهامات للاونروا ترتبط بشكل مباشر بالدور الرئيسي الذي تقوم به في المجتمع وفي ادارة الفلسطينيين – سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. الاونروا، التي هي المشغل الثاني من حيث حجمها في المناطق والتي تلعب دور يشبه دور الدولة خلال عشرات السنين، اصبحت نموذج في المشهد المجتمعي الفلسطيني، ونتيجة لذلك فان نسيج العاملين فيها يعكس تماهي الكثير من الفلسطينيين مع حماس.

حسب اقوال كثيرين في المجتمع الدولي وفي الوكالة نفسها، فان امكانية الفصل الكامل للاونروا من السياق الحمساوي يمكن أن تتم فقط عند نقل وظائفها لدولة فلسطينية، أو على الاقل للسلطة الفلسطينية، “الدولة التي هي في الطريق”. هذا بالضبط هو الحل الذي تقوم حكومة نتنياهو بفعل كل ما في استطاعتها لتعويقه. بنظرة تاريخية – سياسية فانه بالنسبة لاسرائيل احباط نشاطات الاونروا يرتبط كما يبدو بإزالة قضية اللاجئين – التي من اجل علاجها اقيمت الوكالة – عن جدول الاعمال. ولكن القضية لا يتوقع أن تنزل عن المنصة بدون اقامة الدولة الفلسطينية. لذلك فان عملية اغلاق الاونروا هي نوع من الخداع، ويتوقع فقط أن تزيد الفوضى في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، بالذات في فترة عملية تاريخية دراماتيكية، حيث اسرائيل تحتاج جدا الى الهدوء والنظام مهما كان ذلك هش.

——————————————

يديعوت احرونوت 30/1/202 

مبادرة ترامب نقل غزيين الى دول مجاورة مصلحة اسرائيلية

بقلم: يوسي يهوشع

تناول مصدر رفيع المستوى في هيئة الأركان اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “نقل اكثر من مليون فلسطيني من غزة الى دول مجاورة، وادعى في مقابلة مع “يديعوت احرونوت” بان هذه فكرة ممتازة. وحسب المصدر فاننا نوجد في وضعية جد مركبة الذراع العسكري لحماس فيها لم يهزم بعد، وكذا أيضا الذراع السلطوي. “الى أن تحدث ترامب عن هذا، خافوا في إسرائيل الحديث عن فصل السكان عن المنطقة”، قال المصدر. في إسرائيل يأخذون الانطباع بان الأمريكيين جديين في الموضوع، وهذا ليس ارتجالا من ترامب.

الرئيس المصري السيسي قال امس ان “ابعاد وتهجير الشعب الفلسطيني هو فعل ظالم لن تشارك القاهرة فيه”. وجاءت أقواله بعد قول ترامب: “ليته (السيسي) يأخذ بعضا منهم، نحن نساعد مصر كثيرا، وانا واثق بان بوسعه أن يساعدنا. هو صديقي”.

وأضاف السيسي “لن نسمح باقتلاع الفلسطينيين عقب تأثير ذلك على الامن القومي المصري. لن نساوم ابدا على مباديء الموقف التاريخي لمصر في القضية الفلسطينية”. ولاحقا قال أيضا ان القاهرة ستعمل مع ترامب كي تحقق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين. وقال الرئيس المصري ان “مصر حذرت في بداية الحرب من أن الهدف هو جعل الحياة في قطاع غزة متعذرة كي ينزح الفلسطينيون. توجد حقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها. الرأي العام المصري، العربي والدولي يعتقد انه يوجد ظلم تاريخي ضد الشعب الفلسطيني على مدى 70 سنة. ونحن نؤكد الحاجة الى التنفيذ الكامل لوقف النار في غزة”.

كما تناول المصدر رفيع المستوى في هيئة الأركان أيضا إدارة الحرب فقال: “نحن نعمل بعنف لكن المسألة الإنسانية، الاسرى والمفقودين وقيود المساعدة الامريكية تطلبت منا توافقات قاسية. علينا أن نسأل أنفسنا الى اين نواصل من هنا: القصة هي ليس فقط غزة وليس فقط حماس”.

على حد قوله “الضفة هي الحدث الذي امامنا، هي حدث ضخم ونحن نفهم هذا جيدا. نحن نعمل بعنف في طولكرم وفي جنين وهكذا سنستمر. الجبهة هناك معقدة اكثربا ضعاف ونحن نعمل هناك بشكل مختلف منذ الان. أنا افكر بعامة بانه بعد 7 أكتوبر ينبغي التشكيك بالافكار التي كانت لنا وعلى رأسهم أنا أيضا. نحن نقول ان حماس هي العدو في الضفة والأجهزة تساعدنا. من قال ان هذا الوضع سيستمر. من قضى بان حماس هي حرب وفتح هي سلام؟ لقد سبق أن شهدنا مفاجأة استراتيجية واحدة في 7 أكتوبر في غزة، ولا يمكننا أن يحصل هذا مرة أخرى في الضفة. كنا في مفهوم واحد انهار، ومحظور أن ينهار واحد آخر في الضفة”.

ويدعو المصدر الرفيع المستوى السياسي لان يستمع جيدا لتحذيرات رئيس الأركان الفريق هرتسي هليفي عن النقص في المقاتلين وان يسرع تشريع قانون تجنيد يجلب مزيدا من الحريديم الى الجيش ويمدد الخدمة الإلزامية. هنا ينبغي أن نذكر الخطاب الشهير في 2021 لنائب رئيس الأركان في حينه ايال زمير الذي حذر من ان الجيش بحاجة الى كتلة حرجة من المقاتلين. مع النقص الخطير وصلنا الى 7 أكتوبر ومنذ سنة ورئيس الأركان يصرح بانه ينقص عشرة الاف جندي والمستوى السياسي لا يسمع.

——————————————

يديعوت 30/1/202

الحريديم يدعمون وقف الحرب للحصول على “قانون تجنيد” يسمح لهم بالتهرُّب من الخدمة !

بقلم: موران أزولاي

دائماً كان موقف السياسيين الحريديم داعماً لاستكمال الصفقة وتحرير المخطوفين الإسرائيليين في غزة. صحيح أنهم لم يصرخوا، ولم يناضلوا، ولم يتظاهروا، وأيضاً لم يهددوا، ولم يغلقوا الطرقات، ونذكر في السياق ذاته التصريحات الغريبة للوزير اسحق غولدكنوبف [من حزب «يهدوت هاتوراه»] بشأن دعمه الاستيطان في غزة، إلّا إن التقسيم داخل الائتلاف عموماً كان واضحاً: «شاس» و«يهدوت هتوراه» كانا مع الصفقة، بعكس «الصهيونية الدينية»، بزعامة بتسلئيل سموتريتش، و«عوتسما يهوديت»، بزعامة إيتمار بن غفير، الذي استقال فعلاً من الحكومة لهذا السبب.

لكن جرى تغيير خلال الأيام الماضية، وبات الموقف الحريدي الذي كان مسالماً، فجأة، حاسماً أكثر. هناك سلسلة استثنائية من التصريحات والإعلانات العلنية الموجهة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تطالبه بالتقدم نحو المرحلة (ب) من الصفقة – ومعناها الفعلي انتهاء الحرب.

لماذا تحرك الحريديون؟ لماذا باتوا يعبّرون الآن، وبصوت مرتفع عبر الإعلام، عمّا كان يمكن قوله بصمت داخل الغرف المغلقة، مثلما جرى حتى الآن؟ يمكن صوغ الإجابة عن هذا السؤال بشكل معادلة بسيطة: دعم صفقة تنهي الحرب، في مقابل تقليل المعارضة الجماهيرية لـ«قانون التجنيد» ومنع الإعفاء من الخدمة العسكرية لطلاب المدارس الدينية.

كل مرة يُطرح فيها هذا القانون، الذي ننشغل به منذ أشهر، يصبح الوضع برمته أكثر تركيباً. وطبعاً، هذا قبل الحديث عن أنه لا يوجد حتى الآن مجرد مسودة قانون تتفق عليها جميع مكوّنات الائتلاف، ويمكن التعايش معها، بالنسبة إليهم. الآن، يفهم كثيرون داخل المنظومة السياسية أن سبب تصريحاتهم الحالية هو تليين الرأي العام إزاء كل ما يخص القانون الذي يجري التعامل معه على أنه ترتيبات من أجل تنظيم التهرب من الخدمة العسكرية، ونحن وسط حرب دامية.

يفترضون في «شاس» و«يهدوت هتوراه» أنه في حال توقّف القتال، ستتوقف أيضاً الجنازات، وسيقلّ عدد أوامر تجنيد الاحتياط بشكل كبير، وستتوقف قيادات الجيش عن تقديم الشكاوى بشأن النقص في الجنوب – وهو ما سيؤدي إلى تقليل معارضة قانون الإعفاء. وبكلمات أُخرى: إنهاء الحرب هو السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يسمح بتمرير قانون تجنيد مريح.

إنها خطة طموحة، لكن استراتيجية تحقيقها غير واضحة، لأنها تحلّ مشكلة واحدة – وتخلق فوراً مشكلة أُخرى. حتى لو حدث المستحيل، وكان من الممكن في ظروف مختلفة التوصل إلى نص قانون تجنيد مريح بفضل وقف إطلاق النار الدائم – فالحكومة ستنهار، ولن يبقى ائتلاف لتمرير القانون. فالوزير سموتريتش أوضح، ثم أكد أنه سيستقيل من الحكومة في حال لم يتم تجديد الحرب، بعد نهاية المرحلة الأولى من الصفقة، وهو ما ينطبق أيضاً على عودة بن غفير إلى الائتلاف.

تحتاج حكومة إسرائيل الحالية إلى معجزة بشأن كل ما يخص «قانون التجنيد» على الأقل. رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، لا يصغي لاستراتيجيات النواب بشأن قانون التجنيد، ويخصص وقتاً قليلاً جداً للتعامل مع التصريحات على هامش الأحداث. وفي الوقت نفسه، لا يزال مصمماً على قانون تجنيد يمكن ضبطه – وبكلمات أكثر وضوحاً: أعداد مجندين عالية وعقوبات. وبمرور الوقت، يصبح الموضوع مقلقاً أكثر لديوان رئيس الحكومة الذي يريد إنهاء هذه القضية.

بعد شهر تقريباً، وتحديداً في نهاية شباط وبداية آذار، ستُلقي 3 أحداث دراماتيكية بتأثيرها في مستقبل الحكومة: قانون التجنيد، والمرحلة (ب) من صفقة التبادل، وميزانية الدولة. إذا استطاعت الحكومة النجاة من هذه الأحداث الثلاثة، فيمكن القول إن المعجزات تحدث فعلاً.

——————————————

هآرتس 30/1/2025

العالم يعرفنا.. خسرنا ولا طاقة لنا بالحروب الطويلة ولا بـ “محو العملاق”

بقلم: روبيك روزنطال

الجميع يعرفون أننا خسرنا حرب “السيوف الحديدية”، ونتنياهو يعرف، سموتريتش يعرف، وهرتسي يعرف، وكل العالم ينظر إلى الدولة التي دمرت بلاد العدو وقتلت عشرات الآلاف من جنوده ومواطنيه واغتالت قادته وأغلقت كيلومترات من أنفاقه – وخسرت.

لم يتم تحقيق أي هدف من أهداف الحرب. لم يتم “تدمير” حماس، بل تملأ صفوفها من جديد، ولم يذهب سكان غزة إلى أي مكان. ولا أمن لسكان الغلاف الذين لم يعودوا حتى الآن إلى بيوتهم المدمرة، وعشرات المخطوفين لم يعودوا بعد من الأسر. خسرنا سنوات تعاطف العالم معنا، ودخل اقتصاد الدولة إلى عقد من الركود على الأقل، والجيش تآكل، ودوائر التأهيل الجسدي والنفسي توسعت ووصلت إلى كل بيت في إسرائيل.

ما زال يحلق وهم “سنستأنف القتال” في الأجواء. أي، سنة ونصف الشيء نفسه. ما لم تتم تسويته ستتم تسويته، وما تمت تسويته ستتم تسويته مرة أخرى، مئات الجنود سيقتلون، الأزمة الاقتصادية ستتعمق، الصدمة القومية والشخصية ستتسلل وتصل إلى كل أرجاء الروح، والجيش يستغيث ويطلب المزيد من المقاتلين لملء الصفوف الآخذة في النفاد، وحاخامات الحريديم ومبعوثوهم سيضحكون طوال الطريق إلى صناديق الاقتراع، والمخطوفون المتبقون لن يعودوا. حتى الهدنة القادمة، حتى الصفقة القادمة، حتى المرحلة القادمة للحرب التي سنواصل فيها الخسارة.

قال يعقوب عميدرور إنه أرسل ورقة موقف سميكة إلى نتنياهو ورجاله. الفرضية التي تقول بأن حروب إسرائيل يجب أن تكون قصيرة، انهارت، قال. الآن، جاءت الحروب الطويلة. الفرضية التي خرج ضدها لم تنهر، بل انهارت فرضيته. نحن نخسر في الحروب الطويلة. خسرنا وسنواصل الخسارة. كاهنة الأبواق السوداء، عيريت لينور، التي أعلنت عن الوصية الدينية، “محو العملاق”، التي حسب رأيها تلغي وصية “فداء الأسرى”، يجب أن تفحص من هو العملاق وكيف يتم محوه ومتى. في الحروب التوراتية، قتل الأنبياء والقضاة ومجموعات سكانية بالكامل، حتى المرأة والطفل والشيخ الأخيرين، حتى سبعة أجيال قادمة. النبية عيريت.

لا توجد صورة نصر. لا توجد “ثمار” للنصر. ولكن إذا لم نتمكن من الاستمتاع بثمار النصر، فربما هذا هو الوقت المناسب للاستمتاع بثمار الخسارة. ثمار الخسارة هي ثمار الوعي، ثمار الإدراك الصعب بأن الحروب ليست أسلوب حياة محتملاً لشعب يريد الحياة. ثمار الخسارة هي الانتقال من ساحة الحرب الدموية والعودة إلى أسرة الشعوب وإلى الاتفاقات الدولية وإلى اتفاقات إبراهيم.

ثمار النصر في حرب الأيام الستة كان عمرها قصيراً. بعد ذلك جاء المزيد من الحروب، وجميعها انتهت باتفاقات، وهي النصر الحقيقي. ثمار اتفاق السلام مع الأردن ومصر أنقذت إسرائيل لأجيال. ثمار اتفاق أوسلو الفاشلة رسخت القدرة على العيش جنبا إلى جنب مع الفلسطينيين في “يهودا والسامرة” لجيل أو جيلين. هذا الاتفاق لم يستكمل. يبزغ من لبنان نور خفيف للحكمة، لذلك لم نخسر في لبنان حتى الآن.

الجميع يرى نتنياهو في حالة ضعفه، جسدياً ونفسياً وسياسياً. هذه بالنسبة له اللحظة الأخيرة لوقف الحداد على النصر المطلق الذي أفلت من بين يديه، وفشل في اللحظة التي تم فيها إطلاقه في الهواء كشعار متغطرس، والعودة إلى الحكمة السياسية. وباستثناء ذلك، ستكون مذبحة 7 أكتوبر إرثه المعيب حتى يومه الأخير.

——————————————

هآرتس 30/1/2025

20 سؤالاً لنتنياهو: قد أخرت الصفقة.. ما حالك اليوم مع “النصر المطلق” وسارة؟

بقلم: أوري مسغاف

1- بماذا يختلف اتفاق إعادة المخطوفين ووقف القتال الذي وقعت عليه في هذا الشهر عن الاتفاقات التي وضعت على الطاولة مراراً منذ أيار 2024؟

2- لماذا ترفض عرض صيغة الاتفاق الكاملة على الحكومة والجمهور؟

3- هل يشمل الاتفاق الانسحاب من محور فيلادلفيا، الخطوة التي اعتبرتها حتى الفترة الأخيرة أمراً لا يمكن أن يحدث إلا على جثتك؟

4- هي يشمل الاتفاق تشغيل معبر رفح من قبل رجال السلطة الفلسطينية؟

5- كيف يتساوق فتح ممر نتساريم وعودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى أنقاض شمال القطاع مع التزامك العلني باستئناف القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى في الصفقة؟

6- على ماذا ولماذا قتل عشرات الجنود من الجيش الإسرائيلي في عمليات متكررة في شمال القطاع، بما في ذلك الشهر الذي سبق الاتفاق؟

7- تنفيذ وعدك باستئناف القتال يعني الحكم على المخطوفين الذين سيبقون هناك بالإعدام. هذا عملية انتقائية. كيف خطرت ببالك هذه الخطة؟

8- في 7 كانون الأول 2023، يوم إشعال الشمعة الأولى في عيد الأنوار، وبعد شهرين على المذبحة، أعلنت للمرة الأولى بأننا “على بعد خطوة من النصر”. بعد ذلك، كررت ذلك مرة تلو الأخرى. ماذا عن ذلك؟

9 – وعدت بالقضاء على حماس ونزع قدراتها السلطوية. عملياً، حماس هي التي تسيطر مدنياً وسلطوياً على القطاع، وتدير توزيع المساعدات وتجند مقاتلين جدداً، وتحافظ على قدراتها العسكرية. كيف فشلت في ذلك؟

10 – أنت تصمم على تسمية حرب 7 أكتوبر حرب “النهضة”. في هذه الأثناء، نرى غلاف غزة والجليل مدمرين، وإعادة الإعمار تزحف، وفي الكثير من البلدات حتى لم تبدأ بعد، ولا توجد خطة وطنية لإعادة السكان إلى بيوتهم. عن أي نهضة يدور الحديث؟

11- لماذا لم يتم استغلال وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين في لبنان، من أجل التقدم نحو اتفاق سياسي دائم؟

12- ما خطة حكومتك الاستراتيجية التي ترأسها حول ما يتعلق بلبنان وسوريا، اللتين توجد على أراضيهما الآن قوات الجيش الإسرائيلي.

13- لماذا تستمر أنت ومساعدوك في معارضة تشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص المذبحة والحرب، خلافاً لحرب يوم الغفران وحرب لبنان الثانية، التي طلبت خلالها وبعدها مرة تلو الأخرى تشكيل مثل هذه اللجنة؟

14- هذا الأسبوع تم انتخاب رئيس للمحكمة العليا في إسرائيل. الوزراء والأبواق يديرون ضده حملة تشويه وتشهير، وأعلنوا أنهم لا يعترفون به. لماذا لا تخرج بشكل علني بتصريح ضد هذه الهستيريا؟

15– بعد الحرب التي قتل فيها 800 جندي وأصيب الآلاف، أما تزال تؤيد إعفاء الحريديم من التجنيد؟

16- نشر في وسائل الإعلام هذا الأسبوع بأن زوجتك وابنك يتدخلان من ميامي في عملية انتخاب رئيس الأركان الجديد. هل هذا صحيح؟

17- لماذا ترفض نشر تقرير كامل ومفصل حول حالتك الصحية، كما هو مطلوب وجدير، رغم إجرائك عدة عمليات جراحية وفحوصات طبية في السنة الماضية؟

18- ما هي قصة وجود زوجتك في ميامي منذ شهرين، وغيابها عن شهادتك في محاكمة ملفات الآلاف، وأثناء إجراء العملية الجراحية، بدون أي تفسير رسمي للجمهور؟

19- كيف يمكن لابنك يئير، الذي يعيش في ميامي منذ سنتين، أن يشارك في مضامين تشهير وتآمر ضد هيئة الأركان و”الشاباك” وجهاز القضاء؟

20- أغلبية ساحقة من الجمهور سئمت منك ومن الحكومة. لماذا لا تقدم استقالتك وتذهب إلى الانتخابات لتجدد ثقة الشعب؟

السؤال الإضافي هو: هل ستهبط طائرة “جناح صهيون” في ميامي في الطريق إلى واشنطن، أم أن هناك حدوداً أيضاً؟

—————–انتهت النشرة—————–