أهم الاخبارإسرائيليات

هآرتس : قد تستغربوا ذلك، أيضا اليمين غير متحمس لضم الضفة

بقلم:  تسيون هيرش – هفلر وآخرين

المسار : استبدال الإدارة الحاكمة في الولايات المتحدة يبث روح جديدة في حلم الوهم القديم، ارسال الفلسطينيين الى مكان آخر. ولكن الاحلام لا توجد فقط في اليمين. ففي هوامش اليسار الراديكالي الإسرائيلي توجد معتقدات دينية مشابهة، وهي أنه اذا فقط طلبنا العفو بشكل جميل، فنحن سنشهد تحول عجيب للمجتمع الفلسطيني، من العسكرة الى السلام. أين يترك ذلك معظم الجمهور في إسرائيل؟ الأغلبية تدرك أن الفلسطينيين لن يختفوا، وأنه لا يمكن مواصلة حكمهم بدون تعريض للخطر طابع إسرائيل اليهودي والديمقراطي، أيضا لا يمكن التعويل على السلام الخيالي بعد جرائم الحرب لـ 7 أكتوبر.

الاستطلاعات التي أجريت في مجموعة البحث “تمرور” أظهرت أن الجمهور اليهودي في إسرائيل يدرك المعضلة التي تواجه الدولة: رغم صدمة 7 أكتوبر والازمة العميقة فان الكثير من مواطني الدولة ما زالوا يعتبرون الانفصال عن الفلسطينيين، باتفاق أو بشكل احادي الجانب، هو الحل المفضل على الضم. 50 في المئة من الجمهور يؤيدون الانفصال احادي الجانب أو باتفاق، و25 في المئة يؤيدون الضم بشكل أحادي الجانب (هذا حتى كانون الأول 2024).

كيف يمكن تفسير تأييد الانفصال احادي الجانب أو الثنائي في فترة معقدة جدا من ناحية أمنية؟ الإجابة تكمن في المصيدة التي توجد فيها إسرائيل، بين التهديد المتوقع من استمرار السيطرة على المناطق وبين التهديد الذي يمكن أن يتطور في اعقاب الانسحاب منها. استمرار السيطرة والضم الرسمي أو الزاحف للمناطق يأتي بثمن باهظ، يتمثل بالثلاثة ملايين فلسطيني، الذين يهددون طابع الدولة اليهودي اذا حصلوا على الجنسية، ويهددون طابع الدولة الديمغرافي اذا لم يحصلوا عليها. ربما يوجد ثمن للانسحاب من المناطق، أيضا الإرهاب ضد الدولة وسكانها، وهي تهديد اصبح ملموس بشكل خاص بعد 7 أكتوبر.

هذه المعضلة التي برزت جدا اثناء الحرب تتمثل بعدة توجهات بعيدة المدى. الأول هو أن معظم الجمهور اليهودي في إسرائيل لا يؤيد حل الدولتين، لا سيما بعد احداث 7 أكتوبر. منذ العام 2018 هناك انخفاض مستمر في تأييد الجمهور اليهودي لحل سياسي يتمثل بالدولتين (من 47 في المئة في 2018 الى حضيض غير مسبوق هو 25 في المئة في كانون الأول 2024). ولكن هذا لا يعني بأن معظم الجمهور يؤيد مواصلة السيطرة في المناطق، 25 في المئة من الجمهور يؤيدون انفصال إسرائيلي مبادر اليه، يعتبر اخلاء للمستوطنات التي توجد شرق العائق الأمني ومواصلة نشر الجيش الإسرائيلي في جميع المناطق، الى أن يصبح بالإمكان التوصل الى اتفاق.

المعنى هو أن نصف الجمهور في إسرائيل يؤيد خطوة الانفصال عن منطقة الضفة الغربية، سواء باتفاق دائم وفوري أو بخطوات محسوبة تمهيدا لاتفاق مستقبلي. عند إضافة الى هذا العدد مواطني إسرائيل العرب، الذين يوجد في اوساطهم اغلبية واضحة، 60 في المئة، تؤيد الاتفاق الدائم، و20 في المئة تؤيد انفصال مبادر اليه، حيث أن اغلبية مواطني الدولة، اليهود والعرب، يرحبون بمستقبل فيه أراضي الضفة لن تكون جزء من دولة إسرائيل.

المتشككون سيقولون إن طرح الأسئلة حول السلام المأمول أو أي حل سياسي بدون طرح أخطار واثمان، تنشيء عرض خاطيء لموافقة ساحقة في أوساط الجمهور، حيث أن أسئلة بلاغية مثل من يؤيد تصفية الإرهاب كثيرون سيردون عليها بالإيجاب. من اجل مواجهة هذا الانتقاد وجهنا سؤالين آخرين عرضنا فيهما الثمن الأعلى (الذي ليس بالضرورة أن يكون مؤكد) لكل سيناريو، وسؤال واحد للاختيار من بين عدة خيارات.

السؤال عن تأييد الاتفاق الدائم مع الفلسطينيين اذا كان الثمن سيكون ازدياد الإرهاب، في الاستطلاعات الستة بين حزيران 2023 (قبل 7/10) وحتى كانون الأول 2024، 10 في المئة فقط من الجمهور في إسرائيل أيدوا. ولكن حول سؤال تأييد مواصلة السيطرة في المناطق أو الضم، اذا كان الثمن سيكون ضياع هوية الدولة اليهودية والديمقراطية، أيضا عندها اكثر بقليل من 10 في المئة أيدوا ذلك.

هكذا، واضح أن ثمن كل سياسة يحولها الى بديل مقبول اقل، لكن في نهاية المطاف يجب الحسم: هل يجب البقاء في المناطق أو الانسحاب؟. إزاء هذين الخيارين فان الجمهور في إسرائيل انقسم الى قسمين: نصفه يؤيد الاتفاق الدائم حتى لو كان الثمن سيكون الإرهاب. والنصف الثاني يفضل البقاء في المناطق حتى بثمن تغيير هوية الدولة اليهودية. هذه المعضلة برزت أكثر في 7 أكتوبر. في الاستطلاع السابق معظم الجمهور، 54 في المئة، كان مستعد لدفع الثمن الأمني للانسحاب من المناطق من اجل الحفاظ على الهوية اليهودية والديمقراطية.

كما يمكن التوقع، في أوساط الجمهور الذي يعتبر نفسه يسار، 70 في المئة فضلوا الانسحاب من المناطق على الضم، عندما تم عرض ثمن كل بديل عليهم. ولكن من المفاجيء أن الأغلبية التي تعتبر نفسها في الوسط السياسي (60 في المئة)، وثلث الذين يعترون انفسهم يمين، يفضلون الانسحاب من مناطق الضفة رغم الثمن المحتمل الذي يتمثل بالصواريخ والإرهاب.

اذا عزلنا عن اليمين اليمين المتطرف (الذين اجابوا برقم 1 في السلم الذي يتكون من 1 – 7 بشأن الموقف السياسي)، حتى في اوساطهم 35 في المئة يؤيدون الانسحاب من أراضي الضفة حتى إزاء التداعيات المحتملة لهذه العملية. هذا استنتاج هام يدل على أن المنطق الذي يوجد في الانفصال عن الفلسطينيين يتحدث أيضا لقسم من رجال اليمين عندما يطلب منهم مواجهة التداعيات بعيدة المدى لمواصلة السيطرة على المناطق.

بخصوص تأييد الضم، في أوساط أعضاء الوسط تأييد الضم هو 10 في المئة فقط. وفي أوساط اليمين واليمين المتطرف التأييد هو 40 في المئة و50 في المئة على التوالي. الجمهور اليهودي في إسرائيل، وحتى جمهور اليمين، يخشى من الإرهاب. ولكنه يخاف بدرجة لا تقل عن ذلك من ثمن فقدان الهوية اليهودية والديمقراطية للدولة.

بالذات في هذه الاثناء من عدم اليقين والخوف من المستقبل تظهر حكمة الجمهور. تأييد الانفصال لا ينبع من “حب إسماعيل”، بل من الوعي الرصين بأنه: لا يوجد خيار. ربما بالذات الآن حيث تتحطم الأوهام، فقد حان الوقت لاتخاذ قرار حكيم، واجراء نقاش عام جدي حول المستقبل الذي نريده هنا. مستقبل يضمن أمننا، ولكن أيضا يحافظ على هويتنا. بكلمات التحذير ليهوشفط هركابي التي قالها قبل أربعين سنة: لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية.