
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
عن “N12” 13/3/2025
إسرائيل 2025: دولة تحت الوصاية !
بقلم: يوسي شلاين
في خضم الحملات الانتخابية الأميركية في سنة 2024، وخلال إحدى المناظرات مع المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، شدد ترامب على أن إسرائيل لن تكون موجودة من دونه، وقال: “ستختفي إسرائيل خلال عامين، إذا تم انتخاب هاريس”، وأضاف بعدها: “إذا لم يتم انتخابي، فإن إسرائيل ستموت”.
هذا ما قاله ترامب، ولم تُوجَّه إليه أيّ انتقادات من القدس. عملياً، إسرائيل الرسمية، أو كما يقال “اليمين الكامل”، صمتت بخضوع، وفرحت ورقصت عندما انتُخِب ترامب – عمرنا ازداد.
يعتبر ترامب إسرائيل دولة واقعة تحت الوصاية، وإسرائيل تتقبل ذلك بخنوع.
عملياً، اختارت حكومة نتنياهو تبنّي نهج “الوصي – ومن تحت الوصاية” كاستراتيجية قومية، وأن تخضع للوصي عليها. لم يعد هناك دبلوماسية، أو سياسة مستقلة، نحن ننتظر ما سيقوله ترامب، أو توجيهات من مبعوثه الخاص ويتكوف.
إسرائيل أدمنت على وصاية ترامب
يردد نتنياهو وشركاؤه المعزوفة الآتية: ترامب يحمينا من إيران، ويمكن أن نتفرغ لاغتيال الأعداء من الداخل: أولاً، رئيس “الشاباك”، ورئيس المحكمة العليا، والمستشارة القضائية للحكومة.
أمّا المخطوفون؟ في جميع الأحوال، إنهم أبناء وبنات المخلص ترامب. لدينا ثقة بواشنطن، والآن، يمكننا الحفاظ على السلطة، ومنح الحريديم الأموال، وتمرير قانون التهرب من الخدمة العسكرية، وألّا نخاف بتاتاً.
ترامب أيضاً لا يتعامل مع حلفاء آخرين على أنهم شركاء في القيم، إنما كجهات يتم دعمها، ويجب أن تكون شاكرة.
إنه يحترمهم ما داموا يأكلون من يد السيد، وأحياناً، من أحد أتباعه. قرر ترامب أن يتحول خليج المكسيك إلى “خليج أميركا”، وفعلاً تغيّر هذا في الخرائط الرسمية الفدرالية، حتى إن “غوغل الخرائط” غيّر اسمه من “خليج المكسيك” إلى “خليج أميركا”.
أمّا قناة بنما، فباتت أميركية مرة أُخرى، وستتحول كندا إلى الولاية الأميركية الواحدة والخمسين، والمعادن الأوكرانية تابعة لأميركا، وزيلينسكي، أصلاً، سيُباد خلال 3 أيام من دون أميركا.
هكذا يفكر دونالد ترامب. والأغلبية الأميركية تصفق للإمبراطورية التي تفرض الضرائب، بشرط ألّا تنهار البورصة.
يعتقد ترامب أن أميركا فقط هي المهمة، والوحيدة، ومن دونها، لا وجود للعالم، ولا غنى عنها، والحلفاء ليسوا سوى مُلحقين موقتاً، وفي حال لم يكونوا شاكرين، فإنهم لا يستحقون الدعم؛ ستتم معاقبتهم كالأولاد، ويجلسون بخجل أمام الأهالي خلال المحاضرات الأخلاقية. صحيح أن كندا هي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، لكنها بالنسبة إلى ترامب ليست سوى دولة هامشية وتابعة، وكل محاولة منها لرفع رأسها، أو نسيان هذه الحقيقة، أو التفكير باستقلالية، سيتم الرد عليها من خلال التركيز على “مَن الرئيس هنا”.
دائماً ما تعامل ترامب مع رئيس الحكومة الكندية، جاستين ترودو، على أنه “ولد كبير”.
لقد استهتر به. أمّا زيلينسكي أوكرانيا فهو ليس سوى أداة في اللعبة، وليس بطلاً للديمقراطية والحرية. وحده ترامب هو المركز، ووحده “رجل السلام” والبطل العالمي الذي يُطعم أوكرانيا. ببساطة، دخل زيلينسكي في حالة بلبلة بسبب الأوروبيين وبايدن الضعيف الذي سمح له بالاعتقاد أنه مستقل.
ترامب، الذي طرد زيلينسكي من البيت الأبيض، قرأ خلال الأسبوع رسالة خضوعه بفخر، في خطابه للأمة أمام الكونغرس.
بنما أيضاً وغرينلاند، وحتى دول أوروبية أعضاء في “الناتو”، تعيش كلها بفضل ترامب. ترامب يستضيف ماكرون، والثاني يسير بين النقاط كي لا يستفزه، فالرئيس الأميركي يمكن أن يتحول من وصيّ إلى عدوّ في أيّ لحظة استفزاز، مثل المافيا.
ثمن التبعية لأميركا
هذا النهج في التعامل مع الحلفاء، عبر الوصاية – المافياوية، يكسر كلياً البنية التاريخية القيَمية للغرب.
إن هذه الوصاية تسمح بصفع الولد وإذلاله، ثم منحه حضناً صغيراً، وبعدها الاستخفاف به، وتسمح أيضاً بتوزيع الشهادات الجيدة على الإنجازات، ومعاقبة الولد والإشارة إلى أنه يجب عليه دائماً إبداء الاحترام للوالد الكبير – ترامب.
“الاحترام” و”عدم الاحترام” هما مصطلحان موجودان دائماً في قاموس الرئيس الأميركي الذي ينبع في الأساس من رؤية أن كلّ هذه الشراكة مبنية على رغبة طرف واحد قوي يستطيع الحياة من دون الطرف الضعيف.
إسرائيل في عهد نتنياهو تبنّت نهج الوصاية الترامبي هذا، حتى أنها تدمنه.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن جيراننا، مثل مصر والأردن، يبحثون عن مسارات بديلة، يبدو أننا دخلنا الـ(All In). في المقابل، ستحصل السعودية على معاملة خاصة ومختلفة لأنها تملك المال – الكثير من المال.
إسرائيل، بالنسبة إلى ترامب، هي قصة حب للضحية القوية التي يمكن أن تموت في كل لحظة، لكن على الرغم من ذلك، فإنها لا تزال حية. يقوم نتنياهو ببناء نموذج الخنوع – ينفّذ كلّ ما يقوله الملك، ويحصل على امتيازات.
والأهم الحفاظ على الائتلاف. طبعاً، ترامب يتنكر أيضاً للثقافة العربية “الحمساوية”، البدائية في نظره، وإسرائيل بالنسبة إليه موجودة على الجانب الصحيح. إن تحوُّل إسرائيل إلى دولة تحت وصاية ترامب أصبح في القدس استراتيجية قومية.
دائماً ستقول إسرائيل نعم لكلّ ما يطلبه لأنه يحافظ علينا أكثر مما نستطيع أن نحافظ على أنفسنا. إنه الوصيّ الكبير، وإذا أتقنت إسرائيل اللعبة بشكل صحيح، فستحصل على رضاه. لا يوجد لدى إسرائيل دبلوماسية مع الأميركيين، لقد عدنا إلى الوصاية الكلاسيكية – التي عرّفها صديقي، أهارون كليمان، بالقول إن الدبلوماسية من دون مكانة سيادية هي التي ميّزت اليهود خلال سنوات الشتات، حين كانت الجاليات اليهودية تابعة لحاكم، أو ملك، وكان عليها الاعتماد على المبعوثين الخاصين، من دون أن تكون لها مناطق حُكم، أو دولة، أو جيش، وذلك لتفادي الشر.
يوجد لدى ترامب أيضاً بعض السفراء الإسرائيليين، مثل ميريام أديلسون الأميركية، وديرمر الأميركي، ونتنياهو الأميركي. فالوصاية أميركية دائماً، وليست إسرائيلية، يُضاف إليها بعض الإسرائيليين من أصحاب العقارات في ميامي، والطبخة جاهزة.
في عهد ترامب، انهيار إسرائيل وشيك دائماً. صحيح أنهم يمدحون دولة الابتكار، لكنهم يفهمون أيضاً أنه يمكن أن يتم احتلالها وتشتعل بالنار خلال ساعات، إن لم تصل أميركا للمساعدة. الدولة تحت الوصاية تستجدي، وتشرح أن أعداءها في المنطقة هم أعداء أميركا، وستصل الأمور إلى الشكر على محاربة ترامب لمعاداة السامية في الجامعات الأميركية، وأيضاً على سياساته ضد اليهود الليبراليين الخوَنة. إن صهيونية بايدن التي أنقذتنا بعد السابع من تشرين الأول، نُسيت.
إذاً، ماذا ينتظرنا؟ النتيجة هي استمرار هدم الرواية الصهيونية الليبرالية الرسمية، وكراهية إسرائيل في أوساط كثيرة تنتظر نهاية ولاية ترامب. سيتذكرون أننا صوّتنا ضد أوكرانيا، وستتذكر مصر أننا عاملناها باستخفاف، وسيعاني اليهود جرّاء مزيد من موجات الكراهية. لكن المهم، الآن، هو أن “الرب يحبني… وهذا أفضل وأفضل”. الأب ترامب يحافظ علينا في الأزمة المقبلة، من دون استراتيجية، ومن دون تعريف للهوية الإسرائيلية. وبعد أن يذهب ترامب؟ لا، سيبقى لدينا عامان إضافيان.
—————————————-
معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 13/3/2025
اتجاهات الخطاب العام في الساحة الفلسطينية
بقلم: أوريت بيرلوف
في حين تقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية السائدة دعاية حماس – مؤكدة على انتصار فكرة الجهاد، وإذلال إسرائيل، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وإحباط التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وبقاء المنظمة عسكريا ومدنيا في قطاع غزة – فإن الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية يقدم صورة مختلفة وأكثر تنوعا. وتتضمن هذه الصورة انتقادات شديدة لحماس، ومخاوف من تكرار حرب قطاع غزة في الضفة الغربية، وحتى الرغبة في استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع.
في مجال الوعي:
على العكس من رواية السابع من أكتوبر: في السابع من أكتوبر، ابتهجت الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بـ “الهزيمة” التي ألحقتها حماس بإسرائيل. لقد كان يُنظر إلى إسرائيل على أنها مهانة، وكان الفلسطينيون فخورين بالمنظمة، معربين عن دعمهم الصوتي والواضح لها، ومعتبرين أن ما فشلت الدول العربية في فعله لإسرائيل، نجحت في فعله. لكن بعد أكثر من 500 يوم وحرب مكثفة بين إسرائيل والمنظمة، سُجِّل تغيير كبير في هذا الاتجاه. وسيكون من الصعب أن تجد في قطاع غزة من يفسر أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول على أنها انتصار. وبشكل عام، يحمل الجمهور الغزي حركة حماس مسؤولية الكارثة التي حدثت في القطاع، ويقول إن المنظمة تسببت له ولمواطنيه بأكبر كارثة في التاريخ الفلسطيني. ويتضمن الحديث حتى الشتائم حول اليوم الذي قررت فيه حماس تنفيذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبدلاً من الشعور بـ”حرب الاستقلال” الفلسطينية، يستخدم الخطاب مصطلحي “الهولوكوست” و”الإبادة الجماعية”.
الوعي والردع – حول العلاقة بين جنين وجباليا: لقد حفرت صور الدمار والتهجير والموت التي بثتها قناة “الجزيرة” القطرية للعالم أجمع في الوعي الفلسطيني بشكل خاص والوعي العربي بشكل عام. ومن الممكن رؤية التأثير الهائل الذي يخلفه القتال في جباليا، في شمال قطاع غزة، على الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذين يتراجعون عن إحراق المنطقة. لقد أدى الخوف من تكرار سيناريو جباليا في الضفة الغربية إلى ردي فعل: فقد فرّت الغالبية العظمى من سكان مخيم جنين للاجئين وحتى طولكرم من منازلهم عندما بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي في دخول المنطقة خوفاً من أن يدفنوا تحت الأنقاض. كما ضعفت قيمة “الصمود” بشكل كبير، وتزايد الضغط الشعبي على المنظمات الإرهابية لوقف القتال.
“نحن لسنا درعا بشرية”: في الخطاب السائد في قطاع غزة اليوم هناك فهم واضح على أن دماء محمد ضيف أو يحيى السنوار، قادة مجزرة السابع من أكتوبر، لا تساوي أكثر من دماء مواطني غزة. وخلال الحرب، تعرضت قيادة حماس في قطاع غزة لانتقادات شديدة لاختيارها الاختباء داخل المناطق المأهولة بالسكان وتحت حماية النازحين، مما تسبب في عمليات قتل واسعة النطاق بين سكان غزة، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال. وينظر الجمهور في غزة إلى الاستخدام الساخر من جانب حماس له باعتباره “درعاً بشرياً” غير شرعي. ولم تذرف الدموع ولم تخرج أي مظاهرات بعد علمهم باغتيال ضيف والسنوار وغيرهما من كبار قادة التنظيم.
الرغبة في العودة إلى فترة ما قبل انقلاب حماس عام 2007: يشير الخطاب العام في غزة كما يتم التعبير عنه على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن العديد من سكان غزة يفضلون حاليًا عودة السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع. ولكن يجب التأكيد على أن هذا التفضيل لا يعبر عن تعاطف مع السلطة الفلسطينية وزعيمها أبو مازن الذي ينظر إليه على أنه خائن، بل عن رغبة قوية في العودة إلى حياة أكثر عقلانية من دون خوف أو الحاجة إلى التسول للحصول على الماء والغذاء.
قضية السجناء:
تراجعت قيمة إطلاق سراح الأسرى: تراجعت فكرة ضرورة دفع ثمن باهظ لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. ومن خلال الخطاب العام في غزة، نستطيع أن نتعلم أن كثيرين ليسوا على استعداد لدفع الثمن لإطلاق سراح الأسرى. ويشير كثيرون بسخرية إلى أنه إذا كان لدى إسرائيل نحو 5000 أسير قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذا العدد تضاعف بعد الحرب.
كما أن الغضب الحقيقي تجاه حماس يتجلى بوضوح من خلال العروض العسكرية التي تقام خلال احتفالات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. ويقال إن حماس يجب أن تركز في هذه المرحلة على توفير الغذاء والماء والمأوى، وكذلك الملابس والخيام للنازحين، وليس على المسيرات التي لا معنى لها. إن الاعتقاد بأن هذه الاحتفالات تساهم في رفع معنويات سكان قطاع غزة هو اعتقاد خاطئ، إذ إنها لا تؤدي إلا إلى زيادة الإحباط والانتقادات لحماس.
النكبة والعودة:
ومن العبارات التي تتردد في الخطاب الغزّي: «أردنا العودة إلى حيفا وعكا، والآن نطلب العودة إلى بيت حانون وجباليا». ويشير سكان غزة إلى خسارة الأرض والنزوح باعتبارها الدليل الأوضح على هزيمة حماس و”المقاومة”. ومن بين الأمور التي لوحظت أن معبر رفح يقع تحت سيطرة الأوروبيين، بينما يقع معبر نتساريم تحت سيطرة ضباط المخابرات المصرية، ويتم توفير الغذاء من قبل الأميركيين.
العالم العربي:
“العرب لا يريدوننا” – هناك فهم عميق بأن الدول العربية لم تعد مهتمة بالمساعدة في القضية الفلسطينية. ولا توجد دولة عربية مستعدة لاستقبال الأسرى المحررين أو اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها. هناك أيضًا تصريح مفاده أن زعماء الدول العربية يفضلون القضاء على حماس على استيعاب السكان الفلسطينيين.
ويجب أن نتذكر أن حركة حماس لا تزال تحظى بدعم قوي بين سكان قطاع غزة. يدعم حوالي 20-30 في المائة من جميع سكان قطاع غزة حركة حماس وأيديولوجية المنظمة، ومن المتوقع أن يستمروا في دعمها في أي وضع. وحتى الأحداث التي يراها الفلسطينيون بمثابة “إبادة جماعية” وتشريد لم تدفع هذه الجماعة المتشددة إلى تغيير مواقفها.
ويمكننا أن نرصد اتجاهاً مماثلاً وأكثر دراماتيكية في الضفة الغربية. يشير الخطاب العام إلى تراجع حاد في التأييد والشعبية لحركة حماس بشكل خاص ومنظمات المقاومة بشكل عام. ويشير الخطاب العام في الضفة الغربية إلى القلق من تكرار سيناريوهات غزة: الحصار، والمجاعة، والنزوح، والدمار الواسع النطاق داخل مخيمات اللاجئين وخارجها. وهذا هو تفسير غياب المظاهرات المساندة والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي الداعية للانتفاضة، كما لاحظنا في بداية الحرب. وهذا هو التفسير أيضاً للدعوات في المساجد إلى الامتناع عن الانضمام إلى منظمات “المقاومة” أو المشاركة في المظاهرات، فضلاً عن غياب النشاط الاحتجاجي ضد السلطة الفلسطينية (مرة أخرى، على النقيض من الاحتجاجات في بداية الحرب). وفي مقابل دعوات حماس هذه الأيام للبقاء في مخيمات اللاجئين، هناك دعوات لإخلائها وتجنب المواجهة مع قوات الجيش الإسرائيلي.
وعلى وجه التحديد، فيما يتصل بالخطاب في قطاع غزة، ورغم الضربات الثقيلة التي تلقاها حماس والانتقادات التي وجهت إلى المنظمة بسبب الكارثة التي ألحقتها بالمنطقة، فإنه لا يوجد هناك أي شعور واسع النطاق بـ”الاستسلام” في الخطاب العام هناك. وبحسب الخطاب فإن هذا الشعور لن ينشأ إلا إذا تحققت ثلاثة سيناريوهات: طرد قيادة حماس من القطاع، ونزع سلاح المنظمة، ووقوع نكبة أخرى، وتنفيذ خطة الرئيس ترامب لهجرة سكان غزة إلى الدول العربية.
ولكن الحرب لم تنتهي بعد، ومستقبل قطاع غزة لا يزال يكتنفه الغموض. ومن الصعب بالتالي تقييم ما إذا كانت اتجاهات الخطاب المعروضة في هذه المقالة سوف تستمر، أو ما إذا كانت شعبية حماس سوف ترتفع مرة أخرى في قطاع غزة والضفة الغربية. وهناك عامل آخر قد يؤثر بشكل كبير على دعم حماس، فضلاً عن منظمات “المقاومة” الفلسطينية الأخرى، بالضرورة على حساب الدعم لفتح والسلطة الفلسطينية، وهو اتجاه ونتائج الصراع مع إسرائيل، الذي يتصاعد حالياً في الضفة الغربية.
——————————————
هآرتس 13/3/2025
يجب الاعتراف بقيود القوة: حماس تسيطر على غزة، معها يجب أن نتحدث
بقلم: جدعون ليفي
في نهاية المطاف حماس ستبقى. بعد 17 شهر دموية حماس بقيت قائمة. بعد مئات الجنود الإسرائيليين وعشرات الآلاف من سكان غزة القتلى حماس بقيت. بعد تدمير بابعاد دريزدن، حماس بقيت. بعد عدد لا يحصى من وعود إسرائيل حماس بقيت. عمليا، فقط حماس بقيت في قطاع غزة. يجب الاعتراف بذلك واستخلاص الدروس.
ما لم يتم تحقيقه في 17 شهر لن يتم تحقيقه بعد 17 شهر أخرى. ما لم يتم تحقيقه بالقوة الأكثر بربرية في تاريخ إسرائيل لن يتحقق بعد المزيد من القوة البربرية. حماس هنا من اجل أن تبقى. هي تضررت بشكل كبير من ناحية عسكرية، لكنها ستنهض. سياسيا وفكريا هي تعززت في الحرب. بعد أن قامت باحياء القضية الفلسطينية التي قالت إسرائيل والعالم بأنه يجب نسيانها. حماس بقيت وإسرائيل لا يمكنها تغيير ذلك.
لا يمكنها تتويج جسم آخر في غزة. ليس فقط لأنه مشكوك فيه أن يكون مثل هذا الجسم، بل بالأساس لأن هناك قيود للديكتاتورية. هي لا يمكنها استبدال نظام لشعب آخر، مثلما فعلت الولايات المتحدة ذلك ذات يوم. لذلك، الحديث عن “اليوم التالي” هو أمر مضلل. لا يوجد يوم بعد حماس، ويبدو أيضا أنه لن يكون في القريب. لأن حماس هي الجسم السلطوي الوحيد في غزة، على الأقل في الواقع الحالي الذي يصعب تغييره. “اليوم التالي”، لذلك، سيكون يوم مع حماس. يجب التعود على ذلك.
الاستنتاج الأول من ذلك هو بالطبع عدم الجدوى من استئناف الحرب. هذه ستقتل آخر المخطوفين، إضافة الى عشرات الآلاف من سكان القطاع. أيضا في نهايتها الثانية حماس ستبقى. ولكن هذا الوضع الصعب أيضا يبقي ثغرة للتغيير في غزة، اذا استوعبت إسرائيل والولايات المتحدة عملية بقاء حماس. هذه منظمة صعبة وعنيفة، لا بديل لها. كان من الأفضل أن يكون لغزة حكم آخر – مثلا حزب اشتراكي ديمقراطي من السويد، لكن هذه الاحتمالية لا تلوح في الأفق في القريب.
من “حكم العشائر” المضحك ومرورا باستيراد السلطة الفلسطينية الى غزة على جنازير الدبابات الإسرائيلية، وحتى “حكومة التكنوقراط” المعقدة – كل ذلك أحلام وردية. ملك غزة سيكون من حماس، أو سيتم تتويجه بموافقتها. لا يمكن تتويج أي أحد في غزة، ولا حتى محمد دحلان الكاريزماتي رغم أنف حماس. السلطة الفلسطينية التي تحتضر ببطء في الضفة الغربية، هي أيضا لن تبعث الى الحياة فجأة في غزة. من أراد حكم آخر في غزة كان يجب عليه التفكير في ذلك عند الانفصال، الذي كان يجب تنفيذه في اطار الاتفاق مع السلطة. ولكن في الاختيار بين الجيد والسيء إسرائيل ستفضل دائما الخيار الثاني.
حماس هي اذا اسم اللعبة، سواء اردنا ذلك أم لا. هذه ليست حقيقة تبث الامل بشكل خاص، لكن يجدر الاعتراف بقيود القوة، وهو الامر الذي تجد إسرائيل والولايات المتحدة صعوبة فيه. بدلا من منع حرب أخرى من اجل “تدمير سلطة حماس” يجب التعود على وجودها. من هنا من الجدير محاولة التحدث معها حتى بعد 7 أكتوبر، بالأساس بعد 7 أكتوبر.
الانتقام، قمنا به بشكل كامل. وتمت معاقبة القادة والقتلة والمغتصبين والخاطفين ومساعديهم. منذ 17 شهر وإسرائيل تجري مفاوضات مع حماس، حتى لو لم تكن مباشرة. الولايات المتحدة تحدثت مباشرة مع حماس والسماء لم تسقط. وقد أدت المحادثات الى اتفاقات التزمت بها حماس، الامر الذي لا يظهر فقط قوتها، بل أيضا الوفاء بوعودها. لو أن إسرائيل التزمت بالوعود كما فعلت حماس لكنا الآن في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة في اتفاق وقف اطلاق النار.
لو أنه كان في إسرائيل سياسي لديه الشجاعة والرؤية، الامر عديم الاحتمالية كما يبدو، لكان سيحاول التحدث مع حماس. بشكل مباشر وعلني وامام الجميع، في غزة أو في القدس. نحن غفرنا لألمانيا، وسنغفر لحماس اذا ظهر لديها زعيم شجاع. في هذه الاثناء من الجدير تحديها ومحاولة ذلك. هناك القليل مما سنخسره من ذلك مقارنة بالخسارة في جولة أخرى هستيرية من القصف والتفجير.
——————————————
يديعوت 13/3/2025
أفكار المبادرة المصرية صعبة لكنها اكثر واقعية من خطة ترامب للتهجير
بقلم: افي يسخاروف
هكذا، فجأة، في مؤتمر صحفي واحد، يبدو أنه توفيت (حتى قبل ان تولد حقا) خطة الرئيس ترامب للترحيل. أمس، في بداية لقاء في البيت الأبيض مع رئيس وزراء ايرلندا، ميهال مارتن، قال الرئيس الأمريكي ان “أحدا لا يطرد فلسطينيين من غزة”. ليس واضحا اذا كان هذا القول ولد بالشكل ذاته مثلما ولدت خطة الترحيل قبل نحو شهر – أي بلا تخطيط، بامتشاق من تحت الابط. وفي كل حال، لمعارضي خطة الترحيل، مثلما لمؤيديها أيضا، توجد مفاجآت كثيرة أخرى في الأشهر القريبة القادمة كون الحديث يدور مع ذلك عن رئيس غير متوقع. يحتمل أن نعود لنشاهد فكرة الترحيل وللتراجع عنها أيضا مرة أخرى في كل بضعة اشهر. ويحتمل أيضا ان يطلق ترامب الى الهواء عدة خطط أخرى واقعية الى هذا الحد او ذاك. في السطر الأخير: حكومة إسرائيل يمكنها أن تكف عن توبيخ رئيس شعبة الاستخبارات امان الذي اعرب عن تساؤلات حول فكرة الترحيل والعودة الى الحديث عن خطط واقعية أكثر.
وهنا يوجد حقا منذ الان سبب حقيقي للقلق من ناحية حكومة نتنياهو. فبينما يتحدث ترامب عن انه لن يطرد أي فلسطيني من غزة، في الدوحة في قطر اجتمع وزراء خارجية الدول العربية التي تقف خلف المبادرة المصرية لحل الازمة في غزة. ممثلو الأردن، مثل، السعودية، اتحاد الامارات، قطر بالطبع وحتى ممثل السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ. يمكن التقدير بان في نيتهم ان يسوقوا في لقائهم مع مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، فكرتهم لقطاع غزة في “اليوم التالي”، الفكرة التي ليست مقبولة من إسرائيل في هذه المرحلة.
تتضمن الخطة العربية تخلي حماس عن الحكم في القطاع ونقله الى لجنة مدنية تكون تابعة للسلطة الفلسطينية الى جانب قوات دولية على مدى ستة اشهر، ولاحقا حكم السلطة الفلسطينية في القطاع. هذا الى جانب اعمار القطاع بميزانية نحو 53 مليار دولار. المشكلة الكبرى للمبادرة العربية الجديدة هي أن هذه لا تتضمن قولا صريحا عن نزع سلاح حماس رغم أنه يمكن الفهم بانه لن يكون لحماس تواجد مسلح في القطاع اذا ما تحققت الخطة. وهذا بالطبع هو التحدي الأكبر للدول العربية. “حمل حماس على الموافقة على نزع سلاحها وبالتوازي التخلي عن الحكم في القطاع. هذه الأفكار تبدو صعبة على التحقيق وربما حتى متعذرة لكنها على ما يبدو اكثر واقعية من خطة الترحيل التي سارعت إسرائيل الى عناقها.
في هذه الاثناء، رغم التحديات الأمنية الهائلة التي تقف امامها دولة إسرائيل، يواصل وزراء الحكومة التصرف مثل المرض الذي يهاجم فيه الجسم أجهزة المناعة لديه، وليس اقل من ذلك. رئيس الوزراء نتنياهو يشدد النبرة ضد رئيس الشباك رونين بار والجهاز الذي يقف على رأسه ويطلق افضل منتخب ابواقه في قنوات البيت الإعلامية كي يهاجموا بار. كما أن أعضاء الكابنت لديه لا يوفرون الكلام، مثل ميري ريغف في اقوالها اثناء جلسة الكابنت ضد مندوبي الشباك والجيش كان يمكن لها أن تكون مضحكة لو لم تكن محزنة. فريغف قالت لمندوبي الجيش والشباك حسب القناة 13 “لا يحتمل أن نكون لا نزال في وقف نار ولا يوجد تحرير لمخطوفين”. وذلك رغم أن ريغف أيضا تعرف بان هذا قرارا من المستوى السياسي فقط وليس للجيش او الشباك. ومرة أخرى، كأفضل التقاليد، أعضاء حكومة نتنياهو الذين يعرفون انهم مسؤولون عن هذا الإخفاق، الذي يوجد فيه وقف نار ولا يوجد فيه تحرير مخطوفين، يلقون بالذنب على جهاز الامن. يا للعار سبق أن قلنا.
——————————————-
هآرتس 13/3/2025
بلا كهرباء لا ماء نقي في غزة
بقلم: جاكي خوري
عندما اعلن وزير الطاقة ايلي كوهين في يوم الاحد الماضي بأن إسرائيل ستوقف إيصال الكهرباء الى غزة، اعتبر هذا التصريح تافه جدا: الكهرباء تم قطعها عن غزة في 7 أكتوبر، باستثناء خط تم ربطه مباشرة بمحطة التحلية، مع ذلك، حتى هذه الخطوة توجد لها تداعيات شديدة. ففي وسط غزة وجنوبها مثلا تم خفض توفير المياه النقية بـ 70 في المئة في اعقاب القرار. سكان غزة الذين هم في الأصل يعانون من نقص كبير في المياه منذ بداية الحرب، وجدوا انفسهم الآن، في ذروة شهر الصوم رمضان، بدون مصادر لمياه الشرب تقريبا بصورة مطلقة.
أمس الأربعاء نشر اتحاد مدن قطاع غزة تحذير مما سماه “كوارث صحية وبيئية خطيرة” بسبب منع الكهرباء والمياه، ودعا الى تدخل دولي فوري. حسب التنظيم فان قطع الكهرباء عن محطة التحلية في دير البلح شل نهائيا الخدمات الإنسانية الأساسية في المنطقة وسيتسبب بتفشي سريع للامراض والأوبئة. أيضا اليونسيف حذرت من أن غزة تعاني من نقص كبير في المياه، وأن 10 في المئة فقط من السكان يحصلون على مياه صالحة للشرب.
روزيليا بولين، ممثلة اليونسيف في غزة، اضافت بأنه في تشرين الثاني الماضي نجح 600 ألف غزي في الحصول مرة أخرى على المياه النقية، لكن بعد ذلك تم قطع طريق وصولهم للمياه. على هذه الخلفية اعلن أمس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا” بأن هناك حاجة الى مساعدة إنسانية تنقذ الحياة في غزة. منسق المنظمة، مهند هادي، أكد أنه يجب توفير الاحتياجات الأساسية للسكان، بما في ذلك المياه.
إضافة الى سكان غزة فان النقص المتفاقم بالمياه يمس أيضا المخطوفين الإسرائيليين في القطاع، 47 من أبناء عائلات المخطوفين الأحياء والاموات والمحررين قدموا التماس أمس للمحكمة العليا على قرار الحكومة وقف الكهرباء كليا. في الالتماس كتبت العائلات إن القرار تم اتخاذه “مع تجاهل واضح لتحذيرات الجهات الأمنية والصحية بشأن التداعيات المباشرة على حياة المخطوفين”. حسب قولهم فان “وقف الكهرباء يعرض للخطر بشكل مباشر، حقيقي وفوري، حياة المخطوفين وصحتهم وسلامتهم الجسدية. وضعهم سيتفاقم الى درجة تعريض حياتهم للخطر الفوري”. مقدمو الالتماس حتى ذكروا شهادات لمخطوفين تم تحريرهم مؤخرا، من بينهم ايلي شرعابي واربيل يهود، الذين قالوا إن كل قرار لحكومة إسرائيل للمس بالغزيين أدى الى الانتقام والتنكيل الشديد من قبل حماس.
مثل ازمة الكهرباء أيضا ازمة المياه في القطاع غير جديدة. عند دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ توقع سكان غزة حدوث تحسن في الموضوع، لا سيما بعد أن تم ادخال مياه صالحة للشرب – المياه المحلاة كان يجب أن تستخدم للغسيل والاستحمام. في اشهر الازمة حاول السكان تخزين مياه الامطار أو إقامة منشأة تحلية خاصة، لكن الكمية كانت صغيرة جدا ولم توفر احتياجات السكان. وائل السيد، وهو احد سكان دير البلح، قال لمركز الاعلام الفلسطيني بعد بيان إسرائيل، بأن خدمات مياه البلدية لا تصل الى بيته لأنه يعيش في منطقة منخفضة. عائلته استخدمت بئر للجيران من اجل الحصول على المياه، والجيران يأخذون سعر الوقود لتشغيل المضخة. حسب قوله فان ثمن لتر السولار هو 50 شيكل في السوق السوداء، بعد منع إسرائيل التزويد بالوقود. هو يدفع 200 شيكل في الأسبوع من اجل الحصول على ألفي لتر من المياه للاستحمام.
المياه تأتي الى المناطق المدمرة بشاحنات خاصة، التي تنتظر في طوابير طويلة لملء الخزانات. المياه يتم نقلها في علب الغذاء الصغيرة والدلاء، والفلسطينيون يضطرون الى تقليص استخدامها. جميل النشاصي، أحد سائقي الشاحنات، قال لمركز الاعلام بأنه هو أيضا يعتمد على السولار من السوق السوداء لتشغيل الشاحنة أو الحصول على المياه النقية من المحطة. السائق قدر بأنه اذا استمرت إسرائيل في اغلاق المعبر امام الشاحنات فان ثمن ألف لتر مياه الشرب التي يتم سحبها من الآبار سيبلغ في الفترة القريبة القادمة 125 شيكل.
منذر شبلاق، مدير عام سلطة المياه في بلديات شاطيء غزة قال لصحيفة العربي الجديد القطرية بأنه عند وقف الكهرباء فان محطة تحلية المياه عادت للعمل على المولدات، والإنتاج انخفض الى 3 آلاف كوب في اليوم بدلا من 18 ألف. حسب قوله فان سلطة المياه تعتمد الآن بشكل كبير على الخط الإسرائيلي الذي تم وقفه، والعملية الاسرائيلية من بداية هذا الأسبوع يمكن أن تضر بشكل كبير بتوفير مياه الشرب والاستهلاك اليومي للمياه. حتى أن شبلاق قدر بأن الآبار التي تعمل بالوقود يمكن أن تتوقف خلال أسبوع – عشرة أيام على الأكثر.
——————————————-
يديعوت احرونوت 13/3/2025
موافقة لبنان على مفاوضات مباشرة اعترافا بحكم الامر الواقع لدولة إسرائيل
بقلم: رون بن يشاي
يمكن لنا ان نفهم رؤساء المجالس والبلديات في الشمال حين يتعاطون بشكل كبير لاتفاقات لجنة التنسيق في موضوع لبنان التي انعقدت في الناقورة اول أمس. وسبب الشك هو انه من الصيغة الغامضة للتفاهمات التي اتفقت عليها اللجنة يمكن الوصول الى الاستنتاج بان الجيش الإسرائيلي في نهاية الامر وبعد زمن غير بعيد سينسحب تماما من أراضي جنوب لبنان حتى الخط الأزرق. اذا كان هذا لا يكفي، فحسب الاتفاقات يمكن بسهولة الوصول الى استنتاج آخر: ان حتى هذا الخط الأزرق لن يبقى في مساره الحالي في الحدود بين لبنان وإسرائيل بل سينتقل الى الخلف في 13 نقطة.
رغم احتجاجات رؤساء المجالس والبلدات، أضاف مصدر حكومي كبير في القدس ان إسرائيل لا تتطلع الى إبقاء الجيش الإسرائيلي في أراضي لبنان وانها تأمل في تحقيق ترتيبات أمنية مستقرة على طول الحدود دون التواجد الدائم في أراضي لبنان.
لا يمكن الاستخفاف بهموم رئيس المجلس المحلي المطلة، دافيد ازولاي ورئيس المجلس الإقليمي موشيه دافيدوفيتس اللذين يتذكران جيدا، كيف تحول قرار الأمم المتحدة 1701 الى ورقة فارغة من المضمون. فقد خرق حزب الله كل بند من بنوده بشكل فظ وتموضع على مسافة امتار عن الحدود وهكذا عرض للخطر البلدات المحاذية لها (كما ان طائرات سلاح الجو واصلت التحليق في سماء لبنان، بخلاف تعهد إسرائيل في اتفاق 1701).
لكن الوضع في لبنان اليوم يختلف قطبيا عن الوضع الذي كان في نهاية حرب لبنان الثانية، وهذا يبرر فحصا لاتفاقات لجنة التنسيق بمناظير أخرى ووفقا لمعايير أخرى.
أرضية مريحة للمفاوضات
في 2006 خرج حزب الله ونصرالله باحساس بالنصر الساحق على إسرائيل في حرب لبنان الثانية. كل العالم العربي اعجب بهما، ناهيك عن الطوائف الأخرى التي لم تتجرأ في لبنان أصلا على التشكيك بقوتهما. اما اليوم فالوضع معاكس. فارق أساسي آخر واضح أيضا في الإدارة الامريكية التي في 2006 طلبت من إسرائيل وقف الحرب فورا مقابل قرار ضعيف من الأمم المتحدة. أما اليوم فادارة ترامب تدعم إسرائيل على مدى كل الطريق.
اليوم، يمكن الإشارة الى ثلاث انعطافات. الأول – ان حزب الله ضعف جدا، وفي لبنان نشأت لأول مرة شروطا لتغيير سياسي، عسكري، جوهري وهام. مجرد انتخاب الجنرال عون رئيسا للبنان يجسد حقيقة أن في الظروف الحالية كف حزب الله عن أن يكون العنصر العسكري والسياسي المسيطر في لبنان، واذا ما التزمت حكومات إسرائيل بتعهداتها لمنع ترميم قوة حزب الله، فثمة احتمال جيد لتآكل عميق في قدرة حزب الله وحركة أمل على تهديد إسرائيل وتهديد الطوائف الأخرى في لبنان.
عامل آخر خلق لإسرائيل ارضا مريحة للمفاوضات مع حكومة لبنان هو الاسناد الذي نتلقاه من الرئيس الأمريكي ترامب. فترامب يطالبنا بحزم بامر واحد فقط: الا تستأنف الحرب في لبنان. في هذا الموضوع، تجدر الإشارة الى ان صهر الرئيس ترامب هو رجل اعمال لبناني مسيحي ثري، يهمس في اذنه وهو يريد أولا وقبل كل شيء تخليص لبنان من الازمة العميقة التي يوجد فيها منذ بضع سنوات. كما انه مستعد لان يتحدث معنا ويسمع ما تريد إسرائيل.
العامل الثالث الذي يعمل لصالحنا هو الرغبة الشديدة للدول العربية السُنية المعتدلة بقيادة السعودية، اتحاد الامارات وقطر أيضا لايقاف لبنان على قدميه، حكما واقتصادا. من ناحيتها المعنى هو أن يكون تطبيع يتعزز فيه الجيش اللبناني، بقيادة مسيحية وسُنية أساسا ويحافظ على الامن في داخل لبنان وفي حدوده، بما في ذلك منع تهريب السلاح لحزب الله من سوريا. منذ الان يثبت الجيش اللبناني إرادة للعمل بل وحتى قدرة عمل تنفيذية لم نراها في الماضي.
هذه العوامل الثلاثة تتيح لحكومات إسرائيل الالتزام بالتعهدات التي قطعتها لمبعوث إدارة بايدن عاموس هوكشتاين قبل سنتين ومؤخرا أيضا في اثناء جهود الوساطة التي قام بها لتحقيق وقف النار.
الحوافز الامريكية
لم تنشر حكومة إسرائيل في أي مرة بشكل رسمي التفاهمات التي اقترحها هوكشتاين كحافز وكاغراء – ليس فقط لحزب الله بل وايضا لرؤساء الطوائف غير الشيعية في لبنان – للوصول الى وقف نار وإقامة حكومة جديدة دون مراعاة املاءات حزب الله.
فقد عرض هوكشتاين على اللبنانيين بانه بعد ان يتحقق وقف النار تبدأ مفاوضات لتعديل الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة كحدود بين إسرائيل ولبنان في أيار 2000. حزب الله وأمل، التنظيمات الشيعيان يطالبان بتعديل هذا الخط في 13 نقطة بما في ذلك في منطقة هار دوف.
وعد آخر من هوكشتاين انه في ظل وقف النار سيبحث في إعادة معتقلين لبنانيين، معظمهم من رجال حزب الله وأمل، لدى إسرائيل.
المسألة الثالثة التي لم يجمل هوكشتاين شيئا هي خمسة استحكامات السيطرة التي اقامتها إسرائيل في أراضي لبنان كي تمنع اقترابا محتملا لمسلحين من الحدود (ليس فقط حزب الله بل حماس والجهاد الإسلامي) واطلاق نار في تصويب مباشر الى أراضيها. لكن إدارة ترامب ايدت مؤخرا وجود هذه الاستحكامات الإسرائيلية في أراضي لبنان. إسرائيل أعلنت مسبقا بانها لا تعتزم إبقاء الجيش الإسرائيلي في هذه الاستحكامات الى الابد، وانها مبدئيا ستكون مستعدن لاخلائها في اللحظة التي يتحقق فيها تغيير حقيقي في جنوب لبنان من مسلحي حزب الله.
ينبغي الايضاح: من زاوية نظر أمنية، ما تتطلع اليه إسرائيل هو منع وضع يتاح فيه تسلل لمخربين الى داخل أراضي إسرائيل، وبالتأكيد هجوم واسع على الحدود مثلما كان في الجنوب في 7 أكتوبر 2023. فيما يتعلق بامن بلدات الحدود، القاعدة هي أن يتواجد الجيش الإسرائيلي دوما بينها وبين العدو الذي يوجد او سيكون موجودا في جنوب لبنان. وعليه فاذا بقي الجيش اللبناني مخلصا للجنرال عون وتعززت الحكومة في لبنان وأدت وظيفتها واطاعها الجيش فان إسرائيل في الاتفاقات الدائمة يمكنها أن تطلب وتحصل على ترتيبات امنية لن تؤثر عليها تعديلات الحدود هنا وهناك.
الرابحون والخاسرون
كما أسلفنا، إدارة ترامب وموفدها الى لبنان يطالبان ان تلتزم إسرائيل بتعهداتها كما قطعتها لهوكشتاين كشرط لمواصلة التأييد لإسرائيل. وعليه فان موافقة اسرائيل على البحث في مكانة خمسة الاستحكامات العسكرية الإسرائيلية في داخل لبنان وفي تعديلات الحدود التي يطالب بها حزب الله وفي تحرير المعتقلين اللبنانيين هي خطوة صحيحة تكتيكيا واستراتيجيا على حد سواء لان هذا يعطي فرصة وإمكانية للرئيس عون ولرئيس وزراء لبنان الجديد لتعزيز مكانتهما على حساب حزب الله وبشكل يخدم أمن إسرائيل أيضا.
ان تعزيز مكانة عون ورئيس الوزراء السُني لديه، رئيس المحكمة السابق، هو أيضا السبب الذي جعل إسرائيل توافق على تحرير خمسة سجناء لبنانيين منذ الان. وكما أن إسرائيل حصلت على مقابل معتبر، وهي موافقة مبدئية من لبنان لاجراء مفاوضات دبلوماسية مباشرة وليس عسكرية على المسائل الثلاثة موضع الخلاف. بمعنى ان دبلوماسيين مدنيين من وزارة الخارجية في إسرائيل سيتباحثون مع دبلوماسيين مدنيين لبنانيين. ان مجرد موافقة لبنان على مفاوضات دبلوماسية مباشرة يشكل اعترافا بحكم الامر الواقع لدولة إسرائيل وهذا انجاز بحد ذاته.
وختاما، توجد إسرائيل في هذه اللحظة في جهود استقرار في الجبهات باستثناء الجبهة الإيرانية، والاتفاقات في لجنة التنسيق في لبنان تشكل جزءً من الجهد للوصول الى تسوية دائمة. صحيح أن وزير الدفاع كاتس قال امس ان إسرائيل ستبقى في سوريا دون قيد زمني، لكن من المهم الإشارة، الى أنه في سوريا أيضا، اذا ما توفرت ترتيبات امنية مرضية، ينبغي الافتراض بان إسرائيل ستخرج من منطقة الفصل.
——————————————-
هآرتس 13/3/2025
اعتقلوه في نيويورك واقتادوه إلى لويزيانا: كاذب.. إسرائيل لم تقتل سوى 48 ألفاً!
بقلم: عنات كام
ضحية إدارة ترامب الأولى، وقديس اليسار المعذب هو محمود خليل، المواطن السوري من أصل فلسطيني، الذي اعتقلته سلطات الهجرة الأمريكية. حتى كتابة هذه السطور، أوقف قاض فيدرالي في نيويورك إجراءات طرد خليل من الولايات المتحدة حتى عقد جلسة بشأنه، يتوقع الأربعاء، وليس واضحاً إذا كان ذلك بحضوره. هذا الاعتقال يضع عدة تحديات دستورية مهمة؛ أن خليل في الواقع اعتقل في نيويورك، لكنه نقل بسرعة وبشكل سري إلى منشأة اعتقال في لويزيانا ليمثل أمام قاض هناك بالتحديد، في ولاية معادية للمهاجرين، ويسهل على محاكمها إصدار حكم بالحبس والطرد.
على رأس القضايا الدستورية التي ستكون في محل اختبار لحالة خليل – الذي وصل إلى الولايات المتحدة كطالب وتزوج من مواطنة أمريكية، ولديه الآن بطاقة إقامة – ثمة حرية تعبير مثبتة في التعديل الأول بالدستور. من يؤيدون خليل سيحاولون عرض ذلك بهذه الصورة، لكن خليل غير معرض لخطر الطرد بسبب تطبيق حقه في التظاهر وحرية التعبير، بل لأن القانون الأمريكي يتطرق بشكل صريح إلى مهاجر، مؤيد أو يتبنى نشاطات إرهابية أو يقنع الآخرين بالمصادقة على أو تأييد نشاطات إرهابية أو منظمة إرهابية” (الترجمة الحرة لي للبند 1182 في قانون الولايات المتحدة، الفصل الذي يتناول غير المقبولين في الهجرة).
خليل، الذي كان من قادة المظاهرات في جامعة كولومبيا في ذروة الحرب بغزة، سيحاول طرح نفسه كـ “مؤيد لفلسطين”، لكن تم عرضه في مواقع الأخبار كناشط رئيسي في “كواد” (مؤيدو مقاطعة الأبرتهايد في جامعة كولومبيا). في 3 تشرين الأول الماضي، نشرت هذه الجمعية بياناً مطولاً ومفصلاً عن “استمرار النضال”، بين اقتباسات وإلهامات لينين وماو تسي تونغ (المسؤولين عن عشرات ملايين الضحايا)، وصورة طفلة فلسطينية تبتسم لمشاهدة الصواريخ الإيرانية على تل أبيب (المحتلة) وعرض موت رئيس حزب الله حسن نصر الله كموت الشهداء – تم الادعاء هناك بقتل 186 ألف فلسطيني في القطاع في السنة الأخيرة منذ أن “تصاعدت الإبادة الجماعية في غزة عقب عملية حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي العنيف والمتواصل”. للدقة، نشر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة أن وزارة الصحة الفلسطينية أبلغت في 4 آذار عن 48 ألف قتيل فلسطيني حتى ذلك الموعد، أي أقل من ربع العدد الذي ادعي قبل نصف سنة.
حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور تسمح أيضاً بنشر الأكاذيب، وإذا كان يريح جامعة كولومبيا نشر مثل هذه الأكاذيب في غرف الطلاب، فهذا شأنهم. ولكن قوانين الهجرة تسمح بعدم إدخال مؤيدين للإرهاب إلى الولايات المتحدة، ولن يجد محامو خليل صعوبة لدحض هذه الاتهامات.
إذا وضعنا قضايا الدستور والهجرة جانباً، فإن خليل مثال كلاسيكي لشخص اجتاز الحدود الخفيفة، لكن الواضحة، بين من يؤيد فلسطين ومن يؤيد حماس. ممكن ومرغوب فيه أن تعارض العنف غير المتناسب، الذي تستخدمه إسرائيل في غزة، مع الإضرار بالسكان المدنيين بدون تمييز. ويمكن ومرغوب فيه التطلع إلى التعايش بين الشعبين، في إطار دولتين أو أكثر؛ لكن من غير المحتمل في أي حال تأييد منظمة إرهابية قاتلة، التي تشمل نشاطاتها حرق الأطفال في الأسرة، والناس الذين يؤيدون هذه المنظمة ليسوا شركاء لليسار المؤيد للسلام في إسرائيل. نجح اليمين في طمس الحدود وتحويل كل مؤيد لفلسطين إلى مؤيد لحماس. (“لا أبرياء في غزة”). محظور علينا ارتكاب نفس هذا الخطأ وتحويل كل مؤيد لحماس إلى مؤيد لفلسطين. يجب أن تكون الحدود واضحة.
——————————————-
هآرتس 13/3/2025
نتنياهو وحرب الوقود وجودي.. وإسرائيل في الانقلاب النظامي: نعيش حالة انهيار وتفكك
بقلم: يوسي كلاين
نحن في حرب أهلية بقوة منخفضة وناعسة وزاحفة، حرب بوجود طرف واحد. الحكومة تحارب ضدنا، وتضع حولنا شبكة قوانين، وتمس بحرية التعبير والمساواة وحقنا في محاكمة نزيهة. ننشغل بالمخطوفين. في هذه الأثناء نتلقى ونبتلع ونهضم. لنا معدة حديدية. ماذا هناك؟ قانون لحصانة أعضاء الكنيست، قانون حظر الإبلاغ عن جرائم حرب، قانون لتسييس المحكمة وقانون لتهرب الحريديم. نتلقى ونصمت. اعتدنا على ذلك. وصمتنا عندما دفنت نتائج اللجنة التي تشكلت لفحص كارثة ميرون والـ 45 ضحية. هكذا نستوعب.
من حسن الحظ أن هناك حرباً. لقد نسينا أننا كنا شعبين قبل سنة ونصف. جاءت الحرب وها نحن جميعنا إخوة و”معاً سننتصر”. انتهى هذا. نواصل من حيث انتهينا في 7 تشرين الأول. نحن الآن لسنا ضد نتنياهو فقط، بل ضد من هو مستعد للتضحية بالمخطوفين ويرفض تشكيل لجنة التحقيق. الحروب تجمع. نتنياهو يعرف ذلك. دائماً ستكون لديه حرب واحدة في الأجواء: مرة إيران، مرة حماس، مرة المستشارة القانونية للحكومة ورونين بار. الحرب دراماتيكية دائماً، ووجودية ومصيرية. ترفض معارضة الانقلاب النظامي، وترفض الانتخابات ولجان التحقيق. الجيش مستعد دائماً، ونير دبوري مستعد. مستعد لماذا؟ لكل شيء؟ لحرب خاصة لنتنياهو أيضاً؟
الجيش الإسرائيلي أيضاً يبتلع ويصمت. الوضع سيئ جداً، لكن لا أحد يعرف كيف يخرج منه. من يعرف يصمت، فإذا تحدث سيعلقونه بتهمة “التحريض” و”الدعوة للتمرد”، أو بدون سبب. ماذا عن المعارضة؟ في التصويت على لجنة التحقيق كان في القاعة 53 عضو كنيست من الائتلاف، و45 عضواً من المعارضة. أين الباقون؟ عملوا مقاصة في الحضور بينهم؟ لماذا لا يبلغون عن ذلك؟
المعارضة لا تريد استبدال نظام الحكم، تريد أن تكون جزءاً منه. لن توسخ بدلتها في مظاهرات، ولن تناضل ضد رجال الشرطة، ولن تقف إلى جانب المتظاهرين. بل ستجلب بيضاً وطحيناً للكعكة، لكنها لا تريد خبزها. ليس لديها طريق جديدة أو أفكار تغيب عن هذه الحكومة. وستنتظر التعليمات من أمريكا.
كل شيء على الطاولة الآن. لا حاجة للكتابة وليس هناك من نقنعه. أصبح الفساد متجذراً بعمق في الثقافة السياسية، إلى درجة أن الانتخابات باتت بين الفاسدين لدينا والفاسدين لديهم. الفاسد الرائد لا يجري المقابلات. ما الذي سيقوله؟ هل سيقول إنه يريد استبدال المستشارة القانونية للحكومة لإنهاء المحاكمة بصفقة؟ وأنه يجب إقالة رئيس “الشاباك” لوقف التحقيق في الخيانة؟ هو لم يعد يمثل أحداً. لحل المشكلات نتوجه من فوق رأسه مباشرة إلى السلطان مثلما في الإمبراطورية العثمانية.
حتى الآن لم تمر حكومة تكره الدولة بهذا القدر. هي تكره جهاز القضاء و”الشاباك”، لا ثقة لها بالشرطة أو وسائل الإعلام، ولا تؤمن بالدولة التي تديرها، نحن لا نثق بها. هي تحلق فوق رؤوسنا مثل قمر صناعي انفصل عن القاعدة وفقد الاتصال. نحن منفصلون أيضاً، منفصلون عن الذين كانوا في السوبرماركت في الوقت الذي رافقنا فيه توابيت المخطوفين. ولا نعرف كيف أن أيال غولان يملأ ستاد بلومفيلد رغم أننا مزقناه إرباً. يوجد هنا شعبان غير راضيين عن بعضهما، أو عن الدولة التي يعيشان فيها.
هل يمكن أن يؤدي هذا إلى حرب أهلية؟
لا. ولكن سيكون تمرد، شخصي وتقريباً سري. من يعارضون الحكومة لن يصعدوا بالدبابات على الكنيست، ولن يسيطروا على التلفزيون. لن يتقاتلوا، بل سينفصلون، وسيستغلون الثقافة والدخل، وسينفصلون عن الدولة بدون مغادرتها. سيعيشون في مدن وأحياء خاصة بهم. سيتملصون من خدمة الاحتياط وسيتسلحون بجوازات سفر أجنبية. لن يبدأوا عصياناً في دفع الضرائب. ستودع أموالهم في ملاجئ ضريبية أجنبية، وسيتعلم أولادهم في مدارس خاصة، منهاج التعليم فيها بإشراف الأهل. الدولة لن تنهار، ستتفكك. الفجوة تتسع، والأثرياء يزدادون ثراء والباقون سيفقرون. سنصبح أكثر فقراً وأقل تعليماً، ولكن سنكون أكثر فخراً وصهيونية.
——————————————-
إسرائيل اليوم 13/3/2025
“لقاء الناقورة جزء من خطة واسعة تشمل التطبيع”.. للإسرائيليين: لا ترهنوا أمنكم لـ “مصدر سياسي”
بقلم: مئير بن شباط
في بيان رئيس الوزراء عن اللقاء المنعقد في الناقورة بمشاركة مندوبي إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا ولبنان، جاء أنه تقرر تشكيل ثلاث مجموعات عمل مشتركة: الأولى، للبحث في خمس نقاط تسيطر فيها إسرائيل على جنوب لبنان. والثانية مسألة الخط الأزرق ونقاط الحدود موضع الخلاف. والثالثة موضوع السجناء اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل.
باسم “مصدر سياسي”، علم أن هذه المباحثات جزء من خطة واسعة، وأن إسرائيل تتطلع إلى “التطبيع مع لبنان”، وتقدر بأنه هدف قابل للتحقق، عقب التغييرات التي وقعت في بلاد الأرز. بناء على ذلك، شرح أن تحرير السجناء اللبنانيين الخمسة كبادرة إسرائيلية طيبة استهدفت التأثير على الأجواء وتعزيز الرئيس اللبناني جوزيف عون حيال حزب الله وأمل معارضيه من الداخل.
في قناة “الميادين” اللبنانية أوضحوا بأن تشكيل اللجان الثلاث جزء من تنفيذ قرار 1701 لن يؤدي إلى محادثات سياسية مباشرة، ولا يمكن اعتباره إعلان نوايا عن التطبيع.
إن مشاركة إسرائيل في محادثات الناقورة وإن تمت في إطار وقف النار، لكن ليس واضحاً إذا كانت إسرائيل قد جرت إلى ذلك، أم ترى فيه فرصة. إذا كانت المبادرة جاءت من جانب الولايات المتحدة وفرنسا، فيمكن أن نعزو هذا إلى رغبتهم في الإبقاء على الزخم الإيجابي الذي نشأ عقب اتفاق وقف النار وانتخاب الرئيس عون. لهذا النهج، فإن تشكيل أجهزة الحوار، حتى وإن كان لأهداف محددة، يسمح بتوسيع الحوار والانتقال إلى اتجاهات أخرى.
لكن إسرائيل ترى أن الدخول إلى هذه المسيرة ينطوي على مخاطر أيضاً. أولاً وقبل كل شيء، صرف الانتباه عن هدفها الأساس في الساحة اللبنانية: منع إعادة تموضع حزب الله برعاية عودة السكان الشيعة. وثمة مخاطر أخرى، وهي الصعود إلى مسار يؤدي إلى تعظيم الاحتكاك مع لبنان بدلاً من التوافقات، مثلما هو أيضاً إحياء خلافات توفر علة ومبرراً لمواصلة الصراع ضدنا. في وضع تخلو جعبتنا من صيغة ذات احتمالات طيبة لحل الخلافات، فلا تأكيد من صحة البدء أو التعمق في البحث فيها، بخاصة وحزب الله و”أمل” ينفخان في قذال الرئيس عون ولن يسمحا له بالمرونة.
حزب الله، الذي تحول في هذه الحرب من درع لبنان إلى “مخرب لبنان”، قد يعرض وجود المباحثات عن الحدود كإنجاز تحقق بفضل حربه المصممة ضد إسرائيل.
تعلمت إسرائيل بتجربتها المريرة من حيث تقديم بادرات طيبة لأنظمة حكم ضعيفة لأجل تعزيزها في وجه معترضيها من الداخل. في الغالب، كان تأثير هذه البادرات كزبد على ماء، واستدعى مطالب إضافية. من الصواب أن يتخذ بتقنين بذلك، مقابل أمور ملموسة من الجهة التي تحصل عليها أو من الوسطاء.
إن هدف إسرائيل الأساسي هو منع إعادة نشوء تهديد أمني تجاهها من جنوب لبنان. وثمة قيمة بأنها ستمارس قوتها من خلال تحقيق هذه الهدف، ولا تكتفي بجهود الجهات المحلية أو بجهود طرف ثالث.
إن القرار الإسرائيلي لمواصلة السيطرة في النقاط الخمس في لبنان ضروري أيضاً للحفاظ على رافعة ضغط على لبنان لتنفيذ تعهداته بانسحاب “حزب الله” من شمالي الليطاني. لا يجب التراجع عن ذلك، في هذه اللجنة أو غيرها. لكن الأهم هو السياسة التي ستنفذها إسرائيل عملياً بشأن الخروقات. من الصواب مواصلة الهجوم على كل خرق ويجب إسناد قواتنا كيلا تتردد في عملها. على القادة أن يعرفوا بأن إسرائيل مستعدة لمخاطرة التصعيد كنتيجة لرد على العودة لسياسة الاحتواء.
—————–انتهت النشرة—————–