دوليعربي

هذه تفاصيل إسقاط الجيش الجزائري لمسيّرة “تركية الصنع” اخترقت الحدود.. ومالي تؤكد أن الطائرة تعود لها

المسار الاخباري : في تطور لافت، أعلن الجيش الجزائري إسقاط طائرة استطلاع بدون طيار مسلحة بالقرب من مدينة تين زاوتين الحدودية مع مالي، وهو ما نفاه الجيش المالي الذي تحدث عن عطب تقني أصاب الطائرة. وتعرف العلاقات الجزائرية المالية منذ أشهر توترا بسبب جنوح باماكو نحو الحل الأمني في مواجهة مشكلة الأزواد.

وأورد بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، أن وحدة تابعة للدفاع الجوي عن الإقليم بالناحية العسكرية السادسة للجيش الجزائري، تمكنت ليلة أول نيسان/أبريل 2025، من رصد وإسقاط طائرة استطلاع بدون طيار مسلحة بالقرب من مدينة تين زاوتين الحدودية، وذلك بعد اختراقها المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين”. وأضاف البيان أن “هذه العملية النوعية، تأتي لتؤكد مرة أخرى، اليقظة العالية والاستعداد الدائم لوحدات الجيش الوطني الشعبي في حماية حدودنا البرية والجوية والبحرية من أي تهديد يمس بالسيادة الوطنية”.

ووفق ما أظهرته الصور المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الطائرة من طراز أكينجي Akinci، التي تصنّعها شركة بايكار Baykar التركية. وكانت مالي قد اشترت ما لا يقل عن طائرتين من هذا الطراز العام الماضي، واستخدمتهما في عمليات عسكرية ضد انفصاليين مسلحين، بالإضافة إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيمات إرهابية في المنطقة. وهذه المرة الثانية التي يعلن فيها الجيش الجزائري، عن عملية ضد طائرة اخترقت المجال الجوي في تلك المنطقة، إذ سبق له السنة الماضية أن كشف عن عملية إبعاد طالت طائرة دخلت الأجواء الجزائرية.

واللافت أن الجيش المالي، رفض الإشارة إلى دخول الطائرة للأجواء الجزائرية تاركا الغموض حول عملية إسقاطها علما أنها تمثل أحد أهم مكونات أسطوله الجوي. وقال بيان القوات المسلحة المالية الصادر يوم الثلاثاء 1 أبريل، إن الطائرة سقطت بالقرب من “تينزاواتين” (توجد مدينة بنفس الاسم في الجهة المالية) في منطقة كيدال، مبرزا أن موقع السقوط كان “غير مأهول بالسكان”. كما أكد البيان أن الطائرة كانت تنفذ “مهمة عادية لمراقبة الأراضي المالية”، وأن الإجراءات الأمنية المتبعة “منعت أي انفجار للأسلحة المحمولة على متنها”. وذكرت القوات المالية أن “تحقيقًا فُتح على الفور” لتحديد الأسباب الدقيقة للحادث، مؤكدة أن “الرأي العام سيتم إطلاعه بانتظام على نتائج التحقيق”. كما أكدت “القيادة العسكرية المالية” أن هذا الحادث لن يؤثر على “إرادة وقدرة القوات المسلحة المالية على مواصلة مهامها في حماية مالي وسكانه”، وفق البيان.

وكانت الصفحات التابعة لتنظيمات الأزواد التي تطالب بالحكم الذاتي والاستقلال عن مالي، أول من أذاع خبر إسقاط الطائرة المسيرة، حيث نشرت صورا لها مع حديث عن إسقاطها عبر صواريخ تابعة لهذه التنظيمات، قبل أن يصدر الجيش الجزائري بيانه الذي أكد فيه أن قوات الدفاع الجوي عن الإقليم التابعة، هي نفذت العملية. وتعد هذه الوحدة من نخبة الجيش الجزائري، وتتمتع بإمكانات كبيرة في الرصد والتتبع بفضل أنظمة الرادارات التي تمتلكها، وهو ما يضمن تغطية دقيقة للمجال الجوي الجزائري.

وينشط الجيش المالي بكثافة عبر طائرات الدرون في تلك المنطقة، وهي تقريبا الوسيلة الوحيدة التي تسمح له في الاستمرار في تنفيذ هجمات ضد التنظيمات المسلحة في ظل صعوبة حسم المعركة ميدانيا، خاصة مع تراجع قوات فاغنر الروسية التي تدعمه في تنفيذ هجمات مشتركة بعد خسائر فادحة تكبدتها العام الماضي إلى جانب التحرك الدبلوماسي الجزائري الذي أسفر عن تحييد الطرف الروسي عن الانخراط في هذه المعركة التي ترفض الجزائر حلها عسكريا وتشدد على ضرورة أن تعالج في إطار الحوار بين كل الفصائل والدولة المالية.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير لها أن القوات المالية وحلفاؤها من مجموعة “فاغنر” الروسية تراجعوا عن محاولتهم لاستعادة بلدة تينزاواتين القريبة من الحدود الجزائرية. وقد كان مقررا، حسب المصدر ذاته أن تتم هذه العملية في أوائل ذلك الشهر، ردا هزيمة كبيرة تعرضت لها القوات المالية و”فاغنر” في تموز/يوليو الماضي أمام المتمردين في إقليم أزواد.

وكان هذا التراجع المفاجئ نتيجة عدة عوامل، من بينها الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات في يوليو، حيث قُتل 47 جنديًا ماليًا و84 من مقاتلي “فاغنر”، إضافة إلى مشاكل لوجستية وأحوال جوية سيئة. لكن الأهم، كان بروز بُعد دبلوماسي، تمثّل في دور رئيسي هام للجزائر في إجهاض العملية. ونقلت “لوموند” عن مصادرها أن السفارة الجزائرية في موسكو قدمت لوزارة الخارجية الروسية ملفًا مفصلاً يتضمن صورًا ومعلومات استخباراتية حول التحركات العسكرية، محذرة من مخاطر تكرار الفشل العسكري الذي وقع في يوليو. وبفضل هذه التحذيرات، تمكنت الجزائر من إقناع روسيا بالانسحاب من العملية، ما أدى إلى تقليص التوترات قرب الحدود الجزائرية، خاصة أن الجزائر كانت دائمًا حريصة على إبقاء القوات الأجنبية بعيدة عن مجالها الحيوي، سواء كانت قوات فرنسية في الماضي أو قوات “فاغنر” حاليًا.

وتعرف العلاقات الجزائرية المالية حالة توتر بسبب خيارات القيادة العسكرية في باماكو عقب الانقلاب في اعتماد الحل العسكري في حل معضلة الأزواد، وهو إقليم مكون من عرب وطوراق شمال مالي ظل يطالب بتكريس خصوصياته الثقافية والعرقية منذ عدة عقود. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن المجلس العسكري في مالي، إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015 متهما الجزائر بالقيام بـ”أعمال عدائية” ضده من بينها دعم فصائل معارضة له. وردت الجزائر في ذلك الحين، باستدعاء سفير مالي لديها، ماهامان أمادو مايغا، وإبلاغه عن طريق وزير الخارجية شخصيا أحمد عطاف، بأن كافة المساهمات التاريخية للجزائر كانت تصب في صالح تعزيز السلم والأمن والاستقرار، وفق مبدأ وحدة الأراضي المالية.

وفي آخر تصريحاته، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أن الماليين “فهموا أن الجزائر بلد شقيق وليس جارا فقط، لم يحاول أبدا فرض اي شيء عليهم، ونفس الشيء بالنسبة للنيجر، غير أن طرفا ثالثا (لم يسمه) يحاول التأثير من خلال نشر الأخبار الكاذبة”. واشار بخصوص اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، إلى أن الأشقاء الماليين أحرار في استئنافه والعمل به، مشددا على أن الاتفاق لم يوجد للتدخل في الشؤون الداخلية لمالي.