
المسار : لكي تقف “النهار” على واقع تفكير اللبنانيين في الحرب، أعدت، تعاوناً مع “الدولية للمعلومات” استطلاع رأي شمل نحو ألف شخص، قد يعبّرون، وربما ليس تماماً، عن المزاج العام. والعيّنة تبقى عيّنة، حتى لا نقول إنها الحقيقة، والإجابات عن الأسئلة قد لا تكون دائماً دقيقة تماماً، لا لنقص في الاستطلاع، بل لبعض التقيّة لدى المستطلعين الذين لا يأمنون أحياناً لوجهة المعلومات، فيقولون بعكس ما يضمرون. والاستطلاع الذي تم بمهنية عالية وخبرة دقيقة، أعادت فيه “الدولية للمعلومات” البحث في أرقام دخلنا عبرها في نقاش، وبعض التشكيك.
جرى الاستطلاع في الفترة الممتدة ما بين 25 آذار و2 نيسان 2025، وشمل 1,200 شخص توزعوا بطريقة تناسبية على الأقضية اللبنانية كافة. وبلغت نسبة الرفض 33.4%.
توزعت العينة وفقاً للجنس على الشكل الآتي: 57.3% (687 استمارة) من الذكور و42.8% (513 استمارة) من الإناث.
واعتبر 65.3% من المستطلعين أن الحل الأفضل للوضع في لبنان هو إلغاء الطائفية السياسية وإقامة الدولة المدنية، بينما رأى 8.8% أن اعتماد النظام الفيديرالي هو الحل. وأشار 4.6% إلى أن التوافق الوطني بين جميع اللبنانيين يشكل حلاً للوضع الراهن في البلد، في حين يعتقد 2.7% أن الحل الأمثل يكمن في حصر السلاح، وبسط سلطة الدولة، وانتشار الجيش اللبناني على جميع الأراضي اللبنانية.
ولعلّ ما يلفت النظر في الاستطلاع هو شبه إجماع اللبنانيين على اعتبار اسرائيل عدواً اولّ (75.3%) وهذا يدل على اجتماع اللبنانيين في مواجهة العداء الخارجي، خصوصاً بعد، وفي ظل، الحرب الدائرة منذ اكثر من سنة. ولعلّ هذا التقارب يستمر في معظم الملفات.
الى ذلك، قيّم 78.6% من المستطلعين دور إيران في لبنان على أنه سلبي (56% سلبي جداً و22.6% سلبي إلى حد ما)، في حين قيّمه 14.3% فقط بالــ”إيجابي” (10.1% إيجابي إلى حد ما و4.2% إيجابي جداً) . وفي توزيع النتائج وفقًا للطائفة، قيّم المستطلعون من مختلف الطوائف دور إيران في لبنان بالـ”سلبي” (سلبي جداً وسلبي إلى حد ما) بنسب تراوحت بين 72% و96%، باستثناء المستطلعين من الطائفة الشيعية الذين سجّلوا 50.7% فقط كتقييم سلبي لدور إيران في لبنان، مقابل 40% لدورها الإيجابي.
هذا جزء من الأرقام والنتائج التي سنعيد نشرها كاملة في كتيّب عن “مركز النهار للبحوث والتدريب”، يسلط الضوء على حقائق ومعطيات وأنماط تفكير، وتقاربات وتباعدات، تعكس حال المجتمع اللبناني. هذه الأرقام تحتاج إلى قراءة معمّقة، تفيد في التركيز على ما يجمع اللبنانيين للبناء عليه مستقبلاً، ومعالجة الخلل في نقاط التباعد، كيما نصل إلى بناء دولة تقي ناسها شرّ الحروب.
إلى أي مدى أنت قلق من عودة الحرب؟
رئيس دائرة الدراسات السياسية والدولية في الجامعة اللبنانية – الاميركية الدكتور عماد سلامة:
“بالرغم من تصاعد الهواجس حول احتمال عودة الحرب الأهلية في لبنان، إلا أن هناك عوامل جوهرية تقلّل من إمكان هذا السيناريو وتزيد من منسوب التفاؤل بشأن الحفاظ على السلم الأهلي.
أولى هذه العوامل هو الذاكرة الجماعية المؤلمة للحرب الأهلية (1975–1990)، والتي لا تزال حاضرة في وجدان اللبنانيين. الجميع يدركون الأثمان الكارثية التي دفعتها البلاد من دمار بشري وعمراني، وما تركته من جراح لم تندمل بعد.
ثانيًا، هناك وعي عميق لدى معظم الافرقاء السياسيين باستحالة أن يتمكن أي فريق لبناني من الانتصار على الآخر أو فرض رؤيته بالقوة، مما يُضعف الدافع نحو أي مواجهة مسلحة. يضاف إلى ذلك غياب القدرات المالية والعسكرية الفعلية لدى أي من الأطراف الداخلية لخوض حرب طويلة، في ظل أزمة اقتصادية خانقة أثرّت على كل الفئات.
أما دوليًا، فهناك انعدام لأي غطاء خارجي للحرب، لا بل يظهر إجماع إقليمي ودولي على ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان، وسط اقتناع بأن أي انتصار مفترض لا يترّتب عليه مكاسب استراتيجية حقيقية.
ومع ذلك، يبقى القلق موجودًا: حوالي 50٪ من اللبنانيين يعتقدون أن احتمال الحرب مرتفع أو مرتفع جدًا. هذا القلق مبرر في ظل العصبيات الطائفية، ووجود السلاح خارج إطار الدولة، وتفلت الحدود، وتفاقم الفقر، وعدم الاستقرار الاجتماعي، وهي كلها عناصر يمكن أن تُستغل لتأجيج الصراع. انما يبقى الأمل في تمسك اللبنانيين بالعيش المشترك والمصالح الوطنية المشتركة، وفي وجود جيش موحد ومؤسسات رسمية قادرة على ردع العابثين وضمان الاستقرار، بما يُحفّز نحو بناء دولة عادلة واقتصاد منتج ومستقبل آمن لجميع اللبنانيين”.
برأيك ما هو الحل الأفضل للوضع في لبنان حالياً؟
يقول الباحث وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية وجيه قانصو لـ”النهار” إن “الحرب تركت ندوباً لم تندمل إلى الآن واندمالها لا يكون فحسب بإعادة المهجّر إلى قريته. الحرب سبّبت فرزاً بقي كما هو. الحلّ في لبنان لا بد أن يحصل كما في جنوب أفريقيا على أن تمحى آثار الحرب. ومن المهم العمل للخروج من المكونات الاجتماعية المنفصلة إلى المجتمع اللبناني. وعلى المستوى السياسي، لا خيار سوى الدولة القوية في تطبيق القانون والدستور”. وينوّه “باتفاق الطائف الذي درسته ورأيته دستوراً يصلح لانتظام المجتمع اللبناني والقيم فيه علمانية. إنه قدّم حلولاً لإلغاء الطائفية السياسية. إنه الأفضل ويمكن القيام بتعديلات فرعية عليه لكنه مشروع يصلح بمبادئه ليكون مشروع وطن ودولة”.
ويلفت قانصو إلى أن “النظام الفيدرالي الطائفي هروب وليس حلاً. اللامركزية ممكنة مع إعطاء مساحة للمناطق تخفّف من مركزية السلطة، لكن الفيدرالية الطائفية تقسّم لبنان والمبالغة بالخصوصية تجعل الخصوصية مضخّمة ما يأخذ لبنان إلى كيان لبناني آخر بمضمون ثقافي مختلف”. ويستنتج أن “الحلّ يتمثل بالجرأة في تجاوز العقبات. إن التحدي في الوصول إلى دولة قوية مكتملة الشروط من سيادة وقوة ومكافحة الفساد، ما يسمح بمعجزات بعيداً عن تقطيع المجتمع وتشظيه. التوافق الوطني ينطلق من تماسك المجتمع والتشديد على أن تكون الدولة اللبنانية هي الإطار الجامع لكل اللبنانيين وحماية الحريات وترك المجتمع يطلق طاقاته الحيوية. نحتاج مجتمعاً فاعلاً مع مدى حيوي للبحث العلمي”. في تأكيده، إنّ “حصر السلاح بمثابة بديهية لا تحتاج نقاشاً أو حواراً لأنها من مسلّمات الدولة اللبنانية”.
عن النهار اللبنانية