
المسار الاخباري: تنقل إسرائيل نفاياتها إلى الضفة الغربية، محولةً الأراضي الفلسطينية إلى مكب ضخم للنفايات السامة. من جهة، تنقل إسرائيل نفاياتها بشكل “منظم” إلى شركات إسرائيلية رسمية تدير مكبات ومحارق نفايات في الضفة الغربية، لكن من جهة أخرى تساعد إسرائيل على نمو شبكات تهريب كبرى في جنوب الخليل لحرق النفايات الإلكترونية، مطورة سوقا سوداء تدر أرباحاً على مشغليها بنحو 28.5 مليون دولار سنوياً، لكنها تخلق كارثة بيئية حقيقية دفعت المنظمات الاستيطانية إلى المطالبة بفرض سيادة إسرائيلية على هذه المناطق التي خلقتها أصلا ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقرير نشره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”.
مكب كبير
تستغل إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لإقامة منشآت لمعالجة النفايات التي تنتجها بدلاً من معالجتها داخل أراضي 48. يتم نقل النفايات الخطرة، مثل الحَمْأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي، النفايات الطبية، والزيوت المستعملة، والمذيبات، والمعادن، والنفايات الإلكترونية، والبطاريات، إلى الضفة الغربية، ما يحولها إلى “ملاذ بيئي” أو “مزبلة” للنفايات الإسرائيلية.
فرضية الملاذ البيئي تشير إلى ممارسة غير قانونية وغير أخلاقية تقوم بها الشركات في الدول “المتقدمة” حيث تُفرض قوانين بيئية صارمة والتي تنقل نفاياتها الملوثة إلى دول أو مناطق ذات تنظيم بيئي ضعيف.
تسعى هذه الشركات إلى تقليل تكاليف الامتثال البيئي، ما يؤدي إلى تدهور البيئة في الدول المستضيفة وزيادة التفاوت البيئي العالمي. لكن في السياق الفلسطيني، لا يشير “الملاذ البيئي” إلى علاقة دولة متقدمة (إسرائيل) مع دولة مستضيفة ضعيفة (الضفة الغربية)، وإنما إلى علاقة استعمارية معقدة.
تنظر إسرائيل إلى الضفة الغربية باعتبارها فضاء للتوسع الاستيطاني اليهودي وعليه فإن البنية التحتية للمستوطنات والمتعلقة بجمع النفايات، أو التخلص منها، أو إعادة تدويرها، تعتبر متطورة، وتوفر بيئة خضراء وأكثر أماناً، لكن في المقابل تستغل إسرائيل التجمعات الفلسطينية، أو الأحياء البعيدة عن المستوطنات، لتحويلها إلى مكب نفايات يعتبر هو الأكثر خطورة في منطقة الشرق الأوسط ويتيح لإسرائيل تطوير سياسات المحو بوسائل بيئية؛ إذ تتسبب هذه المكبات في كارثة بيئية وصحية تتعلق بتلوث المياه الجوفية وإبادة الثروة الحيوانية والنباتية.
ومن جهة ثالثة، تقمع إسرائيل أي محاولات من السلطة الفلسطينية (التي تعتبر أصلاً جهازاً غير منظم وارتجالياً فيما يخص التخلص من النفايات) لتطوير قطاع إدارة النفايات الصلبة والسائلة، وتحرص على ضمان عدم تطوير البنية التحتية الفلسطينية المتعلقة بإعادة تدوير النفايات، أو التخلص منها، ما يتيح لما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية بإدارة الفجوة البيئية بين الإسرائيليين والفلسطينيين كوسيلة أخرى لخلق واقع طارد للفلسطينيين، قد يتكشف مستقبلاً بشكل أكبر مع ازدياد عدد السكان وتفاقم المخاطر الصحية على الفلسطينيين.
ومن جهة رابعة، ونتيجة لسياسات الاستعمار في إدارة الفجوة البيئية الكبيرة، تحمل منظمات استيطانية يمينية السلطة الفلسطينية المسؤولية عن ذلك، متجاهلة التشريعات الإسرائيلية القامعة، وتدعو إلى فرض تشريعات إسرائيلية تتعلق بمجال البيئة حتى على مناطق “أ” و”ب” (حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو).
الشركات الإسرائيلية المسؤولة عن معالجة النفايات في المناطق الصناعية في الضفة الغربية
تعمل عدة شركات إسرائيلية على معالجة النفايات القادمة من داخل إسرائيل في منشآت مقامة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومن أبرزها:
• إكو ميديكال (Eco Medical) وتعمل في المنطقة الصناعية بمستوطنة “معاليه إفرايم” إلى الشرق من قرية دوما ومتخصصة في معالجة النفايات الطبية الحيوية والمعدية القادمة من المشافي والمختبرات في إسرائيل. تقدر النفايات الطبية التي تعالجها الشركة بنحو 3,300 طن سنوياً.
• شركة غرين أويل (Green Oil) وتعمل في المنطقة الصناعية غرب مستوطنة “أريئيل” وتتعامل مع معالجة الزيوت والشحوم المستعملة. تقدر النفايات التي تعالجها الشركة بنحو 5 آلاف طن سنوياً.
• شركة إي إم إس (EMS) وتعمل في المنطقة الصناعية بمستوطنة “شيلو” شرق رام الله ومسؤولة عن إعادة تدوير النفايات الإلكترونية والبطاريات ومعالجة المعادن الثقيلة. وتعد منشأة “EMS” الوحيدة المخولة إسرائيلياً بإعادة تدوير البطاريات الإلكترونية في إسرائيل.
• شركة إم. تي. إيه (M.T.A) وتعمل في المنطقة الصناعية بمستوطنة “ميشور أدوميم” شرق القدس وتعالج المذيبات الكيميائية الخطرة الناتجة عن الصناعات الإسرائيلية المختلفة.
• شركة كومبوست أور (Compost Or) وتعمل في الأغوار الشمالية وتعالج الحمأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي الإسرائيلية، ويتم استخدامه كأسمدة في المستوطنات. هذه المنشأة تستقبل 225,000 طن من الحمأة الناتجة عن محطات معالجة مياه الصرف الصحي الإسرائيلية.
• شركة توفلان (Tovlan) وتعمل أيضاً في الأغوار الشمالية وهي مكب ضخم يستقبل النفايات من المستوطنات الإسرائيلية والمناطق المدنية داخل إسرائيل.
• شركة بولكوم (Polcom) وتعمل في المنطقة الصناعية بمستوطنة “كدوميم” قرب قرية كفر قدوم غرب نابلس، وتعالج العبوات الفارغة للمواد الخطرة.
• شركة الكل للتدوير (All Recycling) وتعمل في منطقة بركان الصناعية الإسرائيلية قرب مدينة سلفيت وتعالج النفايات الإلكترونية.
• شركة تالوس (Talos) وتعمل في منطقة ميتاريم الصناعية الإسرائيلية شرق خربة زنوتة في الخليل، وتتعامل مع معالجة الزيوت المستعملة.
• شركات أوفك (R.A. Ofek) وغرين دَنلُوب (Green Dunlop) وزِمورا (Zemora) وكلها تعمل في المنطقة الصناعية الإسرائيلية بمستوطنة “عطاروت” (شمال مدينة القدس، على الطريق الواصل إلى مدينة رام الله) وتعالج نفايات البناء والنفايات الصلبة المختلفة.
فضلاً عن التخلص من نفايات المناطق الصناعية الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإن هذه الشركات مسؤولة عن تحويل ما يقارب 350 ألف طن من النفايات الخطرة سنوياً من داخل إسرائيل إلى الضفة الغربية. وتطبق دولة الاحتلال معايير بيئية صارمة داخل حدودها، لكنها تسمح للمستوطنات في الضفة الغربية بتشغيل مصانع معالجة النفايات بمعايير أقل صرامة، ما يجعل تشغيلها هناك أرخص وأقل تكلفة على الشركات.
كما تقدم الحكومة الإسرائيلية إعفاءات ضريبية ودعماً مالياً مباشراً للشركات التي تنقل عمليات معالجة النفايات إلى المستوطنات. ويشير تقرير لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية إلى أنه لا يتم نشر معلومات رسمية حول كميات النفايات التي يتم إرسالها إلى الضفة الغربية أو تأثيرها البيئي، ما يمنع الفلسطينيين من أي إمكانية للاعتراض أو تنظيم هذه الأنشطة.
شبكات تهريب النفايات الإلكترونية في جنوب الخليل
من أخطر أنواع النفايات التي يتم التعامل معها في الضفة الغربية هي النفايات الإلكترونية المهربة من إسرائيل، حيث يتم تهريب ما بين 57 و64 طنا سنوياً، ثم حرقها لاستخراج المعادن الثمينة مثل النحاس.
هذا الأمر يؤدي إلى مستويات عالية من التلوث، وتقدر التكلفة الصحية والبيئية الناتجة عن ذلك بنحو 242 مليون شيكل سنوياً. تنتج عن هذه الحرائق ملوثات خطرة، مثل الديوكسينات والجسيمات الدقيقة والمركبات العضوية المتطايرة وأول أكسيد الكربون، ما يسبب مشاكل صحية خطيرة تشمل أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان. يتأثر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين بهذا التلوث، تبعاً لاتجاه الرياح وانتشار الملوثات في الجو، وفق تقرير مركز مدار.
تقدر الخسائر الصحية والاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء بسبب حرق النفايات في الضفة الغربية بنحو 9.1 مليار شيكل بين العامين 2023 و2030. وفي العام 2022 وحده، قدرت التكاليف الصحية والاقتصادية بما يتراوح بين 880 مليون و1.3 مليار شيكل، وتشمل هذه التكاليف خسائر في الإنتاج الزراعي، والنفقات الصحية، والأضرار البيئية.
في جنوب الخليل، ومنذ أكثر من 15 عاماً، يتم جمع غالبية النفايات الإلكترونية الإسرائيلية ونقلها إلى أربع قرى فلسطينية هي: بيت عوا، دير سامت، الكوم، وإذنا. هذه الأماكن كانت تاريخياً مراكز لتجارة المواد المستعملة، مثل تجار “ألتي زاخن” الفلسطينيين الذين كانوا يجمعون الأثاث المستعمل من إسرائيل قبل أن ينتقلوا إلى النفايات الإلكترونية. وترتبط هذه المحارق الخطيرة بسوق سوداء حيث يتم جمع ما يصل إلى 40,000 طن سنوياً من النفايات الإلكترونية الإسرائيلية، ما يوفر أكثر من ألف وظيفة مباشرة ويدعم 380 مشروعاً، ويحقق إيرادات تقدر بـ 28.5 مليون دولار سنوياً.
تقع هذه المحارق في المناطق المصنفة “ج”، حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية فرض سيطرتها الكاملة، بينما نادراً ما تتدخل إسرائيل لتنظيم هذه الأنشطة. لكن هذه القرى قريبة جداً من الخط الأخضر، ما يجعل النقل عبر الشاحنات ممكناً، ويَسْهُل تهريب الأجهزة الإلكترونية المهملة من المستوطنات الإسرائيلية والمناطق الحضرية الإسرائيلية اليها.
ذريعة الأخطار البيئية
في نهاية العام 2024، قدمت جمعية “يروك أخشاف” اليمينية تقريراً إلى وزارة حماية البيئة الإسرائيلية يوضح الأضرار الناجمة عن سوء إدارة النفايات والصرف الصحي في الضفة الغربية متجاهلة الدور المتعمد للإدارة المدنية في تفاقم المشاكل البيئية وداعية إلى فرض تشريعات إسرائيلية على مناطق “أ”.
بحسب التقرير، فإن تلوّث الهواء الناجم عن حرق النفايات غير القانوني وتلوّث المياه الجوفية بسبب سوء معالجة مياه الصرف الصحي، يسببان خسائر تقدر بـ 1.3 مليار شيكل سنوياً، أي 26 مليار شيكل خلال 20 عاماً إذا لم يتم حل المشكلة، وتقترح إنفاق نحو 3 مليارات شيكل لحل المشكلة على أن الحل يكون عبر فرض هيمنة إسرائيلية وتدخل سافر في شؤون الفلسطينيين بدلاً من رفع القيود عن السلطة الفلسطينية والسماح لها، كما ينص اتفاق أوسلو، بتطوير معالجاتها للمشاكل البيئية.
ويضيف التقرير إلى أن نحو 700 ألف فلسطيني لا يحصلون على خدمات جمع نفايات منظمة، ما يؤدي إلى التخلص العشوائي منها أو حرقها، ما يتسبب بتلوث كبير، بالإضافة إلى فتح الفلسطينيين مئات المواقع غير القانونية لدفن وحرق النفايات، بما في ذلك النفايات الإلكترونية وقطع السيارات، ما يسبب تلوث الهواء والتربة والمياه.
فيما يخص مياه الصرف الصحي، حسب ذات التقرير، فإن الضفة الغربية تتخلص سنوياً من نحو 90 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، 80% منها مصدرها المناطق “أ” و”ب” وباقي التجمعات الفلسطينية. ونحو 38 مليون متر مكعب من مياه الصرف غير معالجة، ما يؤدي إلى تلوث الأنهار والمياه الجوفية وتهديد مصادر المياه الطبيعية. في المقابل، تعالج المستوطنات مياه الصرف الصحي الخاصة بشكل كبير، مع تحويل نحو 50% من المياه المعالجة وإعادة استخدامها للري، لكن يحظر على الفلسطينيين تطوير بنى تحتية مشابهة تخصهم.