
لندن- “المسار الاخباري”:
بدأ الضمير الغربي خاصة في أوروبا يصحو أمام الهجمة الوحشية لإسرائيل في تقتيل الفلسطينيين، حيث شهدت العلاقات الدولية حول هذا الملف تطورات، وإن كانت محتشمة، فهي ذات دلالة رمزية كبيرة تبدأ من تهميش الرئيس دونالد ترامب لإسرائيل في زيارته للشرق الأوسط، إلى قرار المفوضية الأوروبية إعادة النظر في العلاقات مع تل أبيب.
وأمام إصرار حكومة بنيامين نتنياهو على الاستمرار في تهجير الفلسطينيين وشن هجمات متتالية تخلف بمعدل لا يقل عن ستين قتيلا يوميا، لم يبرمج البيت الأبيض إسرائيل كمحطة ضمن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط، بل ذهب للبحث عن اتفاق مع الحوثيين في اليمن يوفر الحماية للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية دون ضمان الحماية للسفن الإسرائيلية. وهو قرار أثار دهشة العديد من المراقبين.
أوروبيا، تزعمت إسبانيا الموقف الأوروبي منذ بداية العدوان على الفلسطينيين، وإن كانت قد سجلت تطورات خلال الأيام الأخيرة عندما نادى رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بضرورة معاقبة إسرائيل، ووصفها بدولة الإبادة، وطالب بحرمانها من المشاركة في التظاهرات الدولية كما جرى مع حرمان روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا. ونجح في استصدار قرار من البرلمان الإسباني الثلاثاء الماضي، يعلق التعامل العسكري على مستوى التدريب والصفقات مع الجيش الإسرائيلي.
وبعد أكثر من سنتين من الصمت، استيقظ ضمير الاتحاد الأوروبي، رغم أن المفوض السابق المسؤول عن العلاقات الخارجية والدفاع جوزيب بوريل كان يشدد على ضرورة تحرك الاتحاد لأن ما يجري في قطاع غزة هو جرائم ضد الإنسانية حسب تصريحاته الكثيرة.
وقد قررت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس ابتداء من الثلاثاء، بناء على طلب ”أغلبية كبيرة“ من الدول الأعضاء -17 من أصل 27- مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي الأداة الرئيسية للتبادلات السياسية والتجارية الثنائية منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 2000.
وقالت: “من الضروري ممارسة الضغط لتغيير الوضع”، وذلك بعد اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين تناول بالبحث الملف الأوكراني وخاصة الفلسطيني بعد تفاقم الوضع المأساوي لسكان غزة المحاصرين عسكرياً والذين لا يكاد يصلهم أي نوع من المساعدات الإنسانية التي تعرقلها إسرائيل منذ أكثر من شهرين.
ويبقى التغيير الرمزي والعملي هو الموقف البريطاني؛ لأن لندن هي من خلقت إسرائيل وأرست سياسة الدفاع عنها في الغرب، حيث انضم رئيس حكومة لندن كير ستامر الاثنين، إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني في التنديد ”بشدة“ بتوسيع نطاق الحرب في غزة والمعاناة الإنسانية ”التي لا تطاق“ التي يتعرض لها الفلسطينيون الذين يتضورون جوعاً على يد الحكومة الإسرائيلية، مع التهديد باتخاذ ”إجراءات ملموسة“ إذا لم ترفع الأخيرة قيودها.
وعمليا، وضع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي هذه التحذيرات موضع التنفيذ المباشر في مجلس العموم، بإعلانه تعليق المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. وهكذا، سجلت السياسة البريطانية تجاه الملف الفلسطيني خلال اليومين الأخيرين تطورات مذهلة لم تكن مرتقبة.
ويبدو أن الضمير الغربي وخاصة الأوروبي بدأ ينهج سياسة قريبة من تلك التي ينهجها ضد روسيا في الملف الأوكراني، أي فرض عقوبات ضد إسرائيل كما فرضها ضد موسكو. وبدأ يعمل بمقولة بعض حكماء الغرب ومنهم الوزير الأول الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان، بأن صمت الغرب وخاصة أوروبا القريبة جغرافيا من العالم الإسلامي والعربي مما يحدث في فلسطين، سيتولد عنه عقود من غياب الثقة في عالم يتغير لصالح الصين وأمم الجنوب، ويفقد فيه الغرب هيمنته التاريخية، وستكون أوروبا هي الخاسر الأكبر.