إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية .. الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 3/6/2025
في مواجهة تحركات ترامب الثورية، نتنياهو ينشغل في الهرب من الواقع
بقلم: يوسي ميلمان
خلال سنوات تمت مقارنة اسرائيل، احيانا بدون حق، مع جنوب افريقيا. هذه المقارنة اصلها في مفهوم الابرتهايد. في جنوب افريقيا، الفصل العنصري كان بين البيض والسود، وفي اسرائيل يتم التعبير عنه في التمييز ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن الآن المقارنة هي ذات صلة اكبر من ناحية اخرى: العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على نظام الاقلية البيضاء في بريتوريا، والتي في نهاية المطاف تغلبت عليه.
اسرائيل تسير في الطريق الآمنة الى هناك. المجتمع الدولي يفحص منذ سنوات فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على اسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين. ولكن باستثناء التصريحات الهجومية فان الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن هي صغيرة وهامشية – حظر مؤقت للتزويد بالسلاح أو محاولة وسم منتجات الشركات الاسرائيلية التي تعمل في المناطق. حكومات اسرائيل لم تتاثر بالفعل، الكلاب نبحت والقافلة سارت.
لكن في هذا الاسبوع يبدو أنه حدث شيء معين. حكومات كندا وبريطانيا وفرنسا نشرت تحذير غير مسبوق في شدته، هددت فيه بخطوات ضد اسرائيل اذا لم يتم وقف الحرب في غزة وادخال المزيد من المساعدات الانسانية الى القطاع. بعد يوم تم فرض العقوبة الاولى عندما اعلن وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، بأن بلاده قررت تعليق المحادثات حول اتفاق التجارة مع اسرائيل.
المقلق والخطير بشكل خاص هو المنحى الذي يظهر في تعامل الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع اسرائيل. في هذا الاسبوع نشرت “واشنطن بوست” بان مصادر رفيعة في الادارة الامريكية حذرت من انهم سيتخلون عن اسرائيل اذا لم تقم بانهاء الحرب والسماح بادخال المساعدات الانسانية الى القطاع الذي يتم تجويعه. السفير الامريكي في اسرائيل، مايك هاكبي، رد على التقرير بكلمة واحدة “كلام فارغ”. مع ذلك هناك احداث كثيرة تدل على أن ترامب، الذي يقوم بتشكيل نظام عالمي جديد بواسطة “الدبلوماسية التجارية” التي تمقت النزاعات، سئم من مناورا التملص والتخندق لنتنياهو.
التعبير البارز على ذلك هو البشرى عن الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية التي عقدها ترامب مع السعودية وقطر ودولة الامارات اثناء زيارته فيها في الاسبوع الماضي. حجم هذه الاتفاقات، تقريبا تريليون دولار، لا يمكن تخيله. هكذا فان ادارة ترامب تتخلى عن المقاربات التقليدية التي املت العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي تميزت بالتأكيد على الدبلوماسية والنظريات الامنية كحل لتسوية الازمات والدفع قدما بالمصالح القومية.
يبدو ان الرئيس الامريكي مل من سياسة اسلافه، التدخل العسكري وسفك دماء جنود بلاده في نزاعات دولية كأداة للتاثير واظهار قوة امريكا. بدلا من ذلك هو يقود مقاربة ترسيخ مكانة الولايات المتحدة والحفاظ عليها كدولة عظمى بواسطة العقيدة التجارية. الخطوات التي يقوم بها ترامب ليست بمثابة اصلاح او تعديل او انحراف عن المعايير. الحديث يدور عن ثورة ستؤثر على العالم حتى بعد ان يغادر البيت الابيض.
اللقاء الدراماتيكي لترامب في السعودية مع الرئيس السوري احمد الشرع يجسد جيدا مقاربته. قبل عقد تقريبا تم اعتقال الشرع من قبل الولايات المتحدة في سجن في العراق، وحتى الاستيلاء على الحكم في دمشق قبل خمسة اشهر كان يعتبر زعيم منظمة ارهابية جهادية. يمكن تخيل أنه لو يحيى السنوار كان ما يزال على قيد الحياة لما تردد ترامب في الالتقاء معه.
ان استعداد ترامب لتجاهل ماضي الشرع الارهابي وغض النظر عن المنظمات الارهابية في باكستان (رغم غضب رئيس الحكومة الهندي نراندرا مودي)، والموافقة على اجراء محادثات مباشرة مع مبعوثي حماس – كل ذلك يكمن في انه يفكر بمفاهيم الامكانية الكامنة في الاقتصاد لدول في ازمات وحروب. بالنسبة له فانه يوجد لباكستان وسوريا وايضا لغزة فرصة للخروج من الازمة والفقر والتخلف والدمار.
لكن ترامب هو ايضا قصير النفس وسريع الانفعال ويفقد اهتمامه بسرعة. فاذا رأى أن من يحاورونه في مجال الاعمال الدولية لا يستجيبون بالوتيرة التي تناسبه فانه يشعر بالتعب ويقوم بقطع الاتصال.
اوكرانيا ورئيسها فلودومير زيلنسكي مثال واضح على ذلك. ترامب في الحقيقة يسعى الى انهاء الحروب في العالم واقامة سلام استقرار، التي ربما ستمكنه من الحصول على جائزة نوبل، ولكنه غير مستعد لاعطاء كل وقته لزعماء مماطلين. المماطلة هي ايضا التي تميز خطوات رئيس الحكومة نتنياهو، الامر الذي يتعب ترامب ويبعده عن المشاركة. ترامب ومساعدوه يرسلون لنتنياهو رسالة جوهرها واحد: اذا لم تنضم للتحركات العالمية والشرق الاوسط الجديد الذي نشكله، فأنت في ورطة. سنتركك لوحدك أنت واسرائيل بقيادتك.
نتنياهو قال دائما انه يفهم في الاقتصاد، لكن بالذات في لحظة الحقيقة، حيث يجلس في البيت الابيض رئيس يطور عقيدة تجارية، فان نتنياهو يهرب من الواقع ويجر اسرائيل معه الى الاسفل، الى حضيض غير مسبوق.
بدلا من الانضمام الى القوة الاقتصادية للسعودية والامارات مقابل انهاء الحرب واعادة المخطوفين واعادة اعمار قطاع غزة، تحت نظام غير حماس، فان نتنياهو الذي تطارده محاكمة فساد، ويحركه دافع البقاء في الحكم، يدهور اسرائيل الى العزلة الدولية، الذي يحولها الى دولة منبوذة بما يشبه جنوب افريقيا. من دولة تعتبر الدولة العظمى امنيا في المنطقة تهبط اسرائيل الى مكانة اللاعب الثانوي، الذي بالتدريج سيصبح لاعب غير مهم في ملعب ترامب وكل العالم.
في حينه حذر رئيس الحكومة السابق اهود باراك من التسونامي السياسي الذي ينتظر اسرائيل المسيحانية، التي تسعى الى ضم المناطق. وها هي امواج هذا التسونامي تقترب من شواطيء اسرائيل.
‏——————————————
يديعوت احرونوت 3/6/2025
غزة زاوية مقديشو
بقلم: آفي كالو
كتاب مارك باودن “Black Hawk Down” الذي كتب قبل اكثر من عقدين، اصبح مع السنين اسطورة سينمائية وابداعا هاما في صحافة الحرب الحديثة. فقد أجاد الكتاب في تحويل حدث عسكري مأساوي الى حكمة عميقة عن تعقيدات الحروب عديمة التعريف الواضح. ورغم ذلك، أصر رؤساء امريكيون على مدى السنين على تكرار الخطأ إياه في القرن الافريقي وفي الصومال – حين جربوا فرض النظام في الفوضى في دول ضعيفة مثل أفغانستان والعراق، وبقدر ما في ليبيا أيضا. هذه التجارب انتهت باخفاقات مدوية. أفغانستان أصبحت عش دبابير الإرهاب؛ العراق في عصر ما بعد صدام حسين أصبحت امتدادا للحرس الثوري الإيراني؛ اما ليبيا فاصبحت بؤرة عدم استقرار إقليمي.
بعد نهاية سنتين ونصف من ولاية حكومة نتنياهو السادسة، واضح للجميع أن ليس في يدها أي قدرة على أن تدير خطابا استراتيجيا عاما متقدما بالنسبة لقطاع غزة، وعمليا – ليس لها هذه القدرة على الاطلاق. لا بينها وبين نفسها (في ضوء البطانية المسيحانية لرئيس الوزراء نتنياهو من لحظة اقامتها في ضوء الاضطرارات القضائية لرئيسها)؛ لا بينها وبين الجيش الإسرائيلي وأجهزة الامن في ضوء انعدام القدرة على تطوير خطاب نقدي، معقد وموضوعي في مسائل الساعة الملحة. وبالتأكيد ليس بينها وبين “شركائها” في العالم. العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل هي أيضا عزلة إسرائيلية عميقة تؤثر جدا على ساحات العمل من ايران عبر اليمن وحتى قطاع غزة. هذا، مع استثناء واحد – لبنان، حيث قيادة آلية تنفيذ ضمان وقف النار هي بالأساس للجيش الإسرائيلي وليس للدولة – والنتائج بناء على ذلك.
واضح ان حكومة إسرائيل تهرب من البشرى بالنسبة لمستقبل غزة. فهي غير معنية ببديل حقيقي آخر لحكم منظمة الإرهاب كي تحافظ على الرواية التي تسمح بحرب المئة سنة في غزة لكن لا تبقي أيضا “عنوانا” مسؤولا ما في القطاع – لا منظمات دولية ولا حتى جهات محلية في الميدان – وبالتأكيد لا البديل الأسوأ لحكم عسكري إسرائيلي في القطاع. بغياب حسم واضح بالنسبة لمستقبل القطاع من شأن هذا ان يتدهور الى وضع فوضى تجعله مقديشو الشرق الأوسط: منطقة تسودها الفوضى وتشتت القوة، تتحكم فيها فصائل مسلحة ذات أفكار راديكالية تتصارع فيما بينها على النفوذ من خلال استخدام القوة، توزيع الغذاء وجباية الخاوة. هذا ليس سيناريو مخيف من دولة ممزقة وبعيدة – بل واقع محتمل يتشكل هنا والان على مسافة سفرية قصيرة من مركز البلاد.
في سيناريو خطير وحيال انعدام الوسيلة المقلق والمتواصل لحكومة إسرائيل، هذه الفوضى لن ترتدي بالضرورة شكل منظمة الإرهاب مؤطرة بل كفيلة بان تنشأ من رعاع عنيف ومنفلت. هؤلاء هم أجزاء واسعة من الجمهور الغزي الذي يعد اكثر من مليوني نسمة ويتعرضون في العقود الأخيرة لمسيرة ممنهجة في كراهية إسرائيل. التخوف الذي بموجبة على مسافة دقائق عن الحدود تقوم مقديشو الفلسطينية هو مشكلة عويصة لا تتطلب فقط تعزيز الامن الجاري والباهظ بل يمس باحساس الامن الحيوي جدا لاعادة بناء ثقة بلدات الغلاف، إعادة السكان الى بيوتهم وازدهار متجدد لاحد اقاليمنا الجديدة في البلاد.
يبدو أن الفوضى التي تلوح في القطاع مع انقضاض الجمهور الجائعة على مراكز توزيع المساعدات في رفح تؤكد كم هو تلعثم ا لحكومة في الموضوع يجرنا جميعا في فراغ خطير؛ وكم كانت صفقة مخطوفين شاملة ولا تزال امر الساعة وبداية المخاض لترتيب “اليوم التالي”، فضلا عن جانبها القيمي، الإنساني واليهودي الكامن في قلب الحاجة لاعادتهم، وجميل ساعة واحدة مبكرا.
——————————————
هآرتس 3/6/2025
بينما احتفلت إسرائيل اندفعت ايران نحو النووي
بقلم: ألوف بن
تقري الوكالة الدولية للطاقة النووية حول ايران الذي نشر في نهاية الاسبوع الماضي، كشف كيف أن تغز الخطى ووصلت الى مكانة قريبة جدا من ترسانة السلاح النووي، في حين ان اسرائيل غارقة في وحل غزة. هذه البيانات تعرض وبدقة هندسية انجاز ايران وتضع في محل شك اعلانات النصر لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على المحور الذي تقوده طهران.
هاكم الحقائق: في بداية الحرب، في تشرين الاول 2023، كانت ايران تمتلك 128.3 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة. قبل اسبوعين كان لديها 408.6 كغم من اليورانيوم المخصب، أي اكثر من ثلاثة اضعاف. الان مطلوب من ايران درجة واحدة اخرى من التخصيب كي تتمكن هذه المادة المتفجرة من ان تصبح قنبلة نووية. البنية التحتية، المعرفة والقدرة، توجد منذ زمن في يدها، والوقت المطلوب للتخصيب النهائي يصل الى صفر تقريبا. حسب خبير الطاقة الامريكي ديفيد البرايت، فان اسلوب فقط مطلوب لانتاج اليورانيوم المخصب لقنبلة واحدة في منشأة بوردو. المخزون الذي يوجد لدى ايران يكفي لانتاج 10 رؤوس حربية نووية. ويوجد لديها مادة لتغذية اجهزة الطرد المركزية لشهرين أو ثلاثة اشهر.
حسب التقارير فانه في السنة الاولى للحرب حافظت ايران على وتيرة تخصيب اليورانيوم. الانقلاب حدث في 5 كانون الاول 2024، في ذلك اليوم بدأوا في تغذية اجهزة الطرد المركزي باليورانيوم المخصب بمستوى 20 في المئة من اجل مراكمة كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب بالمستوى الاعلى الذي يصل الى 60 في المئة، بوتيرة اعلى سبعة اضعاف مما كان في السابق، ونقل “العتبة النووية” الى نقطة الانطلاق قبل الاخيرة. الوكالة الدولية للطاقة النووية لم تجد أي دلائل على مشروع نشيط لتركيب رؤوس حربية نووية. ايضا المخابرات الامريكية تقدر بأنه لا يوجد مثل هذا التطوير. وعلى فرض أنهم على حق، فان ايران بحاجة الى وقت اضافي من اجل تركيب القنابل على الصواريخ التي يمكن أن تصل الى اسرائيل. مع ذلك، مراكمة المادة المتفجرة هي المرحلة الاكثر حسما في الطريق الى السلاح النووي.
الايرانيون عملوا في وقت مريح. ففي كانون الاول الماضي الولايات المتحدة كانت في فترة الانتقال بين الرئيسين جو بايدن وترامب، الادارة التاركة كانت منهكة من الهزيمة في الانتخابات والخشية من عودة ترامب، وترأسها رئيس مريض وجد صعوبة في اداء عمله. اسرائيل كانت مصابة بثمل النصر بسبب انهيار حزب الله ونظام الاسد، وتستعد لاحتلال قطاع غزة وطرد سكانه بعد ترك بايدن ويرفع ترامب القيود عن الجيش الاسرائيلي.
في 20 كانون الاول نشرت في “وول ستريت جورنال” مقابلة مع نتنياهو، التي تبجح فيها بالنصر في الحرب وبالضربة القاسية التي وجهتها اسرائيل لايران. هو لم يقل وربما لم يعرف، بانه في حينه كان مهندسو الذرة يعملون في بوردو على القفزة الاكبر نحو القنبلة. عدو اللدود، الزعيم الاعلى علي خامنئي، استغل الفرصة لتثبيت حقائق استراتيجية تضع في الظل تبجح نتنياهو.
علي خامنئي كان يمكنه انقاذ “حلقة النار” التي اقامتها ايران حول اسرائيل لو أنه دفع حلفاءه لوقف النار في بداية الحرب. ولكن خامنئي اختار مواصلة القتال والمخاطرة باطلاق الصواريخ على اسرائيل. بعد ذلك شاهد بعجز هجوم البيجرات ضد حزب الله واغتيال حسن نصر الله وسقوط الاسد وتدمير غزة والقصف الاسرائيلي الذي دمر الدفاعات الجوية في بلاده. القدرة العسكرية التي طورتها ايران خلال سنوات انهارت دفعة واحدة، لكن ليس بالصدفة، لعبة الشطرنج كانت في صالح ايران. فخامنئي قام بالتضحية بـ “الوكلاء” وركز على القدرة النووية. بالذات في الوقت التي ظهرت فيه ايران متعبة وضعيفة اكثر من أي وقت مضى، قامت بتسريع تخصيب اليورانيوم.
الآن وصل خامنئي ونتنياهو الى الامتحان الحقيقي الذي سيحدد نتيجة الحرب وميزان القوة في الشرق الاوسط. ايران كما يبدو تقدر بان اسرائيل غير قادرة على تدمير مشروعها النووي، سواء بسبب نقص السلاح المناسب أو بسبب معارضة ترامب الذي يخشى من التورط العسكري ومن ارتفاع اسعار النفط، ولأنه يفضل اتفاق نووي جديد. نتنياهو يحاول التلميح الى ان المنع العلني لترامب لمهاجمة اسرائيل في ايران هو في الحقيقة موافقة بصمت على عملية مفاجئة، تعطي للامريكيين هامش “انكار”. كل طرف يتصرف وكأن الاوراق لديه، وينتظر القرار الحاسم في البيت الابيض، اما اتفاق نووي يدحرج المشكلة الى المستقبل أو “أم المعارك”.
——————————————
إسرائيل اليوم 3/6/2025
بعد 600 يوم من الحرب الرئيس ترامب الذي سيقرر موعد وشروط نهايتها
بقلم: ايال زيسر
في 10 حزيران 1967 وصلت حرب الأيام الستة الى نهايتها. حرب متوجة بانجازات وانتصارات غيرت وجه دولة إسرائيل والشرق الأوسط. في ذاك اليوم سيطرت قوات الجيش الإسرائيلي على هضبة الجولان، وصلت الى قناة السويس وأنهت احتلال يهودا والسامرة، بما في ذلك القدس الشرقية والحرم فيها.
لقد كان النصر الإسرائيلي واضحا وحاسما، وكان الحكام العرب اول من اعترفوا علنا بهزيمتهم واوقفوا النار في الخطوط الجديدة التي انتشر الجيش الإسرائيلي على طولها.
وها نحن بعد اقل من ثلاثة أسابيع من انتهاء الحرب وتحقق النصر وجدنا ان المصريين استأنفوا النار، اجتازوا القناة وهاجموا استحكامات الجيش في الجانب الإسرائيلي منها. بعد بضعة اشهر من ذلك تمكنوا من اغراق بارجة “ايلات”. هكذا بدأت “الحرب ما بعد الحرب”، والتي عرفت لاحقا باسم “حرب الاستنزاف”. بعد بضعة أسابيع من ذلك استأنف السوريون النار في هضبة الجولان، وهكذا جررنا الى حرب طويلة ومضرجة بالدماء سقط خلالها اكثر من الف جندي إسرائيلي. حرب الاستنزاف شكلت مدماكا هاما للعرب في بناء قوتهم واستعدادهم العسكري لحرب يوم الغفران.
حتى حرب يوم الغفران يجدر أن نتذكره كانجاز عسكري مبهر. لقد نجح الجيش الإسرائيلي في الانتعاش من المفاجأة التي تعرض لها، صد هجوم العدو والسيطرة على أراضيه. غير أن هنا أيضا لم يحقق وقف النار الهدوء، اذ ان السوريين استأنفوا القتال الى أن وُقعّ في أيار 1974 اتفاق فصل القوات في جبهة الجولان.
عمليا، المرة الوحيدة التي انتهى فيها نزاع عسكري بهدوء تواصل حتى اليوم هو عندما وقع مناحم بيغن على اتفاق سلام مع مصر. وشرح بيغن لمنتقديه بان “مصاعب السلام افضل من عذابات الحرب”، وبالفعل حقيقة هي ان الحدود المصرية، التي كانت حدودا شكلت لها تهديدا وجوديا على مدى الـ 25 سنة من استقلالها، أصبحت بجرة اتفاق سياسي حدودا هادئة.
يعلمنا كل هذا بان النصر في الحروب الإسرائيلية – العربية ممكن وقابل للتحقق وكفيل بان يجلب معه مكاسب هائلة لدولة إسرائيل. لكن لا يدور الحديث في أي مرة عن “نصر مطلق” الذي هو مثابة شعار لا يوجد وراءه شيء. الحكمة هي أن نفهم
ما يمكن وما لا يمكن تحقيقة، واساسا الحفاظ على ثمار انتصاراتنا. المثال الواضح على ذلك هو حرب الاستقلال. هذه الحرب كانت الأطول والاصعب في حروب إسرائيل. نجح الجيش الإسرائيلي في هزيمة عرب بلاد إسرائيل والجيوش العربية التي اجتاحت كي تساعدهم، وانجازاته أدت الى انعطافة إقليمية وديمغرافية تاريخية.
لكن الحرب انتهت بنصر مطلق، إذ انه عندما وقعت اتفاقات الهدنة بقيت غزة تحت سيطرة مصرية، الجيش الأردني تحكم بالحرم وبشرقي القدس، والسوريون انزلوا اقدامهم في بحيرة طبريا.
لكن لإسرائيل كان في حينه دافيد بن غوريون. زعيم حقيقي، اعظم من قام لنا وقاد الدولة الى الانبعاث والنصر. عظمته كانت في معرفته متى يتوقف. فقد فهم بانه توجد نقطة يكف فيها استمرار القتال عن خدمة اهدافنا القومية بل ويمكنه أن يقضم من انجازاتنا. ولهذا فقد أوقف القتال ومنح الأولوية لاعادة بناء الجيش، بناء المجتمع والاقتصاد واستيعاب الهجرة. كل هذا كان النصر الثاني في الحرب “المطلق” اكثر من سابقه.
لا تحتاج الحكومة الحالية أن تخترع شيئا او ان تعنى بمناورات تفكير استراتيجية، اذا كان الامر يتجاوز قدرتها. كل ما تحتاج ان تفعله هو ان تسير في اعقاب الحكومات السابقة. فهذه عرفت متى تقول كفى، وكيف تحافظ على النظر وتحقق مكاسبه بل وامتنعت عن تسويق أوهام وكأنه في النزاع الذي نعيشه توجد انتصارات مطلقة.
في الأسبوع الماضي أحيينا 600 يوم على الحرب في غزة، وواضح أنه رغم انجازاتنا نصر مطلق لن يكون فيها. في اقصى الأحوال “نصر مطلق” للرئيس ترامب الذي سيقرر موعد وشروط نهايتها. ومن لا يتعلم من التاريخ من شأنه أن يجد نفسه “يأكل السمك الفاسد ويطرد من المدينة”.
——————————————-
هآرتس 3/6/2025
حماس تتطلع الى استخدام الموافقة على منحى ويتكوف لانجاز يضمن مستقبلها
بقلم: تسفي برئيل
اسرائيل تفسر توسيع الحرب في غزة بان الضغط العسكري المتزايد الى جانب الظروف الانسانية القاسية التي يفرضها الجيش الاسرائيلي ستجبر حماس على الموافقة على خطة ويتكوف الجديدة. ولكن في هذا الافتراض يوجد عدد من الاخطاء والتناقضات، التي لا تتساوق مع الهدف العلني وهو اعادة المخطوفين وتدمير حكم حماس في غزة.
الضغط العسكري – المفهوم المغسول لحجم القتل الكبير والقصف الممنهج للبنى التحتية ومن بينها شل الخدمات الصحية المجانية وتدمير مصادر المياه وتجويع مخطط له ونقل قسري للسكان – لم يثمر حتى الآن نتائج حقيقية. المخطوفون لم يتم تحريرهم، وحماس ما زالت الجسم الوحيد الذي يمكن ان نجري المفاوضات معه. تصفية طبقات قيادة حماس، العسكرية والسياسية، في غزة وفي الخارج، قوضت في الواقع قدرتها على السيطرة في القطاع وحرمتها من الكثير من قدرتها العسكرية، لكن هذه النتائج لم تضر بمكانتها كجسم حصري يقرر مستقبل صفقة اطلاق سراح المخطوفين.
في الاشهر الاخيرة اثبتت حماس ان رافعة الضغط السياسية المستخدمة عليها، التي نسبت لقطر ومصر وتركيا، هل رافعة محدودة. وبدرجة لا تقل عن ذلك بفضل السياسة الارتجالية وعديمة التخطيط لاسرائيل. فسيطرتها على معبر رفح واغلاقه مثلا، اضرت في الواقع بدرجة كبيرة بالسكان، وفي نفس الوقت الغت رافعة ضغط مهمة كانت في يد مصر، وهي الخطوة التي استفادت منها قطر.
رافعة الضغط القطرية تعتمد على منظومة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تطورت خلال عشرات السنين بتشجيع من اسرائيل، وعلى أن دولة الامارات استضافت على اراضيها قيادة حماس الخارج. ولكن اذا كانت اسرائيل والولايات المتحدة طلبت في بداية الحرب من قطر تهديد قيادة حماس بالطرد وحتى تنفيذ هذا التهديد، بعد ذلك تبين أنه حتى لو تم تنفيذ تهديد الطرد فان ذلك لن يكون له أي تأثير على قرارات يحيى السنوار أو قرارات من حلوا مكانه في غزة. هم في الاصل تعاملوا مع قيادة حماس الخارج باعتبارها مندوبة ليس لها أي سلطة لاتخاذ القرارات.
بشكل عام، الان ايضا يصعب تقدير ميزان القوة بين خليل الحية، المسؤول عن غزة باعتباره حل مكان السنوار، وعز الدين الحداد قائد الذراع العسكري لكتائب عز الدين القسام في غزة. وزير الدفاع اسرائيل كاتس اطلق في الاسبوع الماضي تهديد بحسبه هما اللذان سيأتي عليهم الدور في التصفية. وسيكون من المهم رؤية من ستختار اسرائيل لاجراء المفاوضات معه حول المخطوفين بعد تصفيتهما. ربما هذا التهديد يشير الى انها قامت بسحب يدها من احتمالية تحريرهم.
في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل مطالبة دول الوساطة باستخدام الضغط على حماس، فان من عرفوا حدودهما هما ستيف ويتكوف وترامب. قرار الرئيس المصادقة على اجراء مفاوضات مباشرة مع حماس هو تحطيم لطابو كان يشكل حجر الاساس في السياسة الامريكية. هذا انجاز سياسي هام لحماس، لكنه بحد ذاته لا يعتبر هدف. فمن جهة حماس، دور الولايات المتحدة هو توفير الضمانات المطلوبة لضمان وقف اطلاق النار وبعد ذلك انهاء الحرب في اطار الاتفاق.
هذا الانجاز الاستراتيجي سيضمن ليس فقط بقاء حماس، بل ايضا مكانتها بصفتها الجهة التي تؤثر على حل “قضية غزة”. حماس تامل أن الضغط السياسي الامريكي سيؤدي الى تقييد الضغط العسكري الاسرائيلي. وربما بالذات هنا تكمن احتمالية تنفيذ خطة ويتكوف، تحقيق تحرير المخطوفين، حيث ان حماس بمساعدة التصرف المشوش لاسرائيل، نجحت في بناء معادلة تقول بان تحرير المخطوفين يرتبط بـ “تحرير” غزة من اسرائيل. هذه، كما يظهر حسب خطة ويتكوف، صيغة تميل الولايات المتحدة للتعايش معها بسلام، بالاساس ازاء الابعاد الكارثية للازمة الانسانية.
في هذا يكمن تناقض اخر صارخ في سياسة الحكومة. ففي بداية الحرب كان هناك من قدروا ان الضغط الانساني الشديد سيجعل السكان يتصادمون مع حماس ويطالبون بابتعادها عن الحكم. ولكن هذا لم يحدث. في الواقع كانت هناك عدة مظاهرات محلية احتجاجية، لكنها لم تتطور الى عصيان مدني شامل ضد حماس. رغم ذلك نفس هذا الادعاء يستمر في تغذية مبرر الضغط الانساني، حتى عندما في نفس الوقت تقول الحكومة بان حماس فقدت سيطرتها في القطاع. واذا لم يكن هذا كاف فان اسرائيل تقول بأن حماس لا تتاثر على الاطلاق من حجم الدمار ومن عدد القتلى الذي سيصل الى 60 ألف شخص تقريبا، من بينهم نساء واطفال وشيوخ. اذا كان الامر هكذا فمن الذي يستهدفه الضغط الانساني للتاثير عليه.
مقابل هذا التناقض فان اسرائيل تقوم بطرح حجة اخرى، تقول بان توزيع المساعدات الانسانية بواسطة صندوق المساعدات الامريكي، يحرم حماس من مصدر دخل هام، وربما رئيسي. ولكن في نفس الوقت هذا المسار بالذات يعفي حماس من الحاجة الى الاهتمام بالسكان. وتفعيل هذا المسار ينقل المسؤولية عن علاج الازمة الانسانية الى اسرائيل والولايات المتحدة.
مهم التأكيد على ان المساعدات الانسانية لا تصل حتى الان الى معظم السكان، ولا حتى الى نصفهم. وحسب بيانات منظمات الاغاثة في غزة فانه امس تم توزيع 18.720 وجبة غذاء، كل وجبة تكفي خمسة اشخاص ونصف بالمتوسط لثلاثة ايام ونصف. من هنا نستنتج أن حوالي 103 آلاف شخص حصلوا على وجبة طعام لثلاثة ايام قادمة.
اضافة الى ذلك لا يوجد أي يقين في ان هؤلاء السكان لن يحصلوا ايضا في الغد على الوجبات، في حين ان السكان الذين لا يمكنهم الوصول الى مراكز توزيع الطعام سيبقون جائعين. ايضا لا توجد أي طريقة لمعرفة ما اذا كانت بعض الرزم تصل الى حماس في طريقها من مراكز التوزيع الى الخيام السكنية، أو ان رجال حماس انفسهم لا يحصلون على الرزم من منظمات الاغاثة، لأنه حسب شهادات بعض السكان في غزة لم يتم القيام باي تسجيل ولم يتم التاكد من هوية من يحصلون على الرزم.
النتيجة هي ان اسرائيل، التي في البداية عارضت بشدة اشراك منظمات المساعدة الدولية، خاصة منظمات الامم المتحدة، في توزيع المساعدات، اضطرت بواسطة منظمة مساعدة تعمل برعايتها، الى استدعاء “الآن” نفس المنظمات التي ترفض التعاون معها. في هذه الاثناء يجب عليها الموافقة على امكانية أن حماس تستفيد ايضا من القناة الانسانية الجديدة.
لكن حتى لو افترضنا ان الامر يتعلق بـ “مناطق استيعاب” لبرنامج ممتاز، كما يصور ذلك المتحدثون باسم المنظمة الانسانية الامريكية، فانه حسب الخطة الاصلية يتوقع ان يستفيد منها 1.25 مليون شخص فقط. في حين أن حوالي مليون شخص سيبقون بدون أي رد. هذه النتيجة ستضمن استمرار تعرض اسرائيل للضغط الدولي، بسبب الازمة الانسانية، كاداة ضغط لتغيير طبيعة وحجم نشاطاتها العسكرية في قطاع غزة.
مهم التذكير بان اسرائيل وافقت على خطة ويتكوف التي تشمل ليس فقط وقف اطلاق النار لستين يوم، بل ايضا ادخال غير محدود تقريبا للمساعدات الانسانية وتوزيعها من قبل منظمات الامم المتحدة. معنى هذا الامر هو ان حماس ستعود للسيطرة على توزيع المساعدات من اجل توفير احتياجاتها، على الاقل في فترة وقف اطلاق النار، مدته بالمناسبة يمكن تمديدها اذا قرر ترامب فرض اجراء المفاوضات على اسرائيل لانهاء الحرب في اطار الضمانات التي سيعطيها لحماس.
حتى لو تمت صياغة ذلك بشكل غامص أو كاعلان رئاسي، إلا انه سيجبر اسرائيل على اجراء المفاوضات مع حماس.
——————————————
يديعوت احرونوت 3/6/2025
إسرائيل دولة بلا استراتيجية باستثناء شعارات عن نصر مطلق وحرب أبدية
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
مثلما في حالات الضياع الكلاسيكية، ترد إسرائيل على التحديات المتزايدة من جانب الساحة الدولية بالاذى الذاتي. في اعقاب الانعقاد المرتقب في 17 حزيران في الجمعية العمومية للأمم المتحدة للؤتمر الفرنسي – السعودي الذي يخطط فيه لاعتراف دولية واسع بدولة فلسطينية، تحذر إسرائيل من اتخاذ خطوات من طرف واحد، وعلى رأسها ضم مناطق في يهودا والسامرة. فضلا عن زيادة العزلة الدولية (والعميق على أي حال) وضعضعة العلاقات مع العالم العربي، بما في ذلك شطب إمكانية التطبيع مع السعودية فان “سوط” الضم يعزز إمكانية تحقق سيناريو الدولة الواحدة – وهو اكبر التهديدات اليوم على الحلم الصهيوني.
ان التركيز الإسرائيلي على الحرب في غزة وعلى المناوشات الحادة في البيت يجعل من الصعب ملاحظة حركة تكتونية سلبية تجري في الساحة الدولية ومن المتوقع لها أن تقع على إسرائيل كالتسونامي في وقت قريب قادم. كبار اصدقائها وعلى رأسهم المانيا، إيطاليا وهولندا يصعب عليهم الدفاع عن خطواتها، وبخاصة الحرب في غزة – التي لا ينجح احد في ان يفهم ما هي غايتها الاستراتيجية – وبخاصة حين تترافق واعلانات بروح الإبادة، الاحتلال والتفجير من جانب وزراء في الحكومة. الامر يخلق صورة دولة متطرفة وغير متوازنة لا تراعي الاعتبارات الدولة وتتطلع لتحقيق حلم مسيحاني في ظل التمسك بشعار “وبالاغيار لا يراعي”. وكنتيجة لذلك، يتسع في العالم الخطاب حول مقاطعة إسرائيل وتقليص العلاقة معها ويتعزز الخطر بتحولها الى دولة معزولة.
في إسرائيل لا يفهمون انه في العالم ضعفت بالتدريج ذاكرة مذبحة 7 أكتوبر وتوجد صعوبة في النظر اليها كتبرير للخطوات الحالية في القطاع، التي تترافق ومشاهد لا يراها معظم الجمهور الإسرائيلي. لكن في نظر العالم هي المقدمة الاصيلة للمعركة الحالية. إسرائيل لا يمكنها أن تواصل تعليق الدرك الدولي الذي وصلت اليه بالاعلام السيء او بالميول اللاسامية – حجج تعد إدارة الظهر للمشهد الذي ينعكس منه صورة دولة بلا استراتيجية مرتبة باستثناء شعارات عن نصر مطلق وحرب أبدية.
في الخلفية يتواصل التمسك بالمفهوم المغلوط الجديد الذي بموجبه أمريكا معنا في كل سيناريو، الامر الذي ثبت عكسه حين فاجأ ترامب بالحوار مع ايران، بالاتفاق مع الحوثيين، بالمحادثات مع حماس وباللقاء مع الشرع. هذا، إضافة الى التمسك اليائس بـ “حلم الريفييرا الغزية” التي بقيت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تتمسك بالاخيلة عن دول تفتح بواباتها امام الغزيين – الامر هو الاخر يلحق ضررا بالساحة الدولية.
حتى لو جرى قريبا العمل على تسوية في غزة، يبقى امام إسرائيل التحدي المحتدم من جهة يهودا والسامرة، والذي ينطوي على الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطينية. الامر يجسد مرة أخرى بانه في عقل أصحاب القرار في اسرائيل لا يزال يعشعش عنصر مركزي في المفهوم المغلوط الذي انهار في 7 أكتوبر: الفرضية في أنه يمكن حماية استقرار استراتيجي وتحقيق تطبيع مع العالم العربي حتى بلا بحث، فما بالك حسم، في المسألة الفلسطينية. ولما لم يكن طرأ أي تغيير في تركيبة أصحاب القرار ولم يجرِ أي تحقيق في اخفاق 7 أكتوبر فليس مفاجئا ان يكون هذا المفهوم المغلوط، مثل مفاهيم كثيرة أخرى تثبت وواصل إيقاع الاضرار.
هذا هو الوقت لان نتعلم من الإباء المؤسسين، الذين الى جانب الحلم والتمسك بالاهداف كانوا أيضا ذوي رؤية واعية للواقع وقدرة على الاخذ بالحلول الوسط حين يلزم. في 1949 كان يمكن لبن غوريون أن يكمل احتلال البلاد من خلال السيطرة على يهودا والسامرة وقطاع غزة، لكنه فضل الا يعمل هذا في ضوء الفهم بان السيطرة على عدد كبير من السكان العرب ستخرق الميزان الديمغرافي في دولة ولدت لتوها الى جانب المعرفة بان أساس الجهد القومي يجب أن يتركز على بناء مؤسسات الدولة، المجتمع، الجيش والاقتصاد وان احتلال المزيد من الأراضي والسكان العرب سيمنع تطوير نظام ديمقراطي ويتسبب باحتكاك شديد مع الساحة الدولية.
يتبين أنه يحتمل أن يكون سيناريو أسوأ من بقاء حماس في صورتها الحالية في غزة (حاليا على الأقل) وهو ان نعلق في حرب لا تستند الى اجماع داخلي والى شرعية خارجية. في الوقت الذي تركز فيه إسرائيل على الحرب في غزة، دون أن تصف للجمهور ماذا ستكون تداعياتها الاستراتيجية يتبدد حلم التطبيع ولا تكون قدرة على تركيز الجهد وتجنيد الدعم الدولي في الصراع ضد “خليط اوشفيتس” الذي تطوره طهران بنشاط من خلال برنامجها النووي. إسرائيل قد تحتل غزة لكنها ستجد نفسها امام ترسانة نووية تطرح تهديدا وجوديا بعيد المدى – وكان يفترض بها ان تركز عليه.
ان المجتمع الإسرائيلي ملزم بتوقف عملي في هذه المرحلة. أي النقيد من الحرب الأبدية. الإسرائيليون يستحقون البدء بمعالجة صدمة 7 أكتوبر، وللتوجه الى اشفاء داخلي – أساسا من خلال استرجاع المخطوفين – لاستيضاح مشاكل أساسية حادة انكشفت في اثناء الحرب (مثلا العلاقات بين الحريديم والعرب وبين الدولة)، لترميم المكانة في العالم وبالطبع لبلورة استراتيجية بعيدة المدى وعميقة بالنسبة لغزة، لا توجد في هذه اللحظة ومعقول أن تستدعي في المستقبل معركة واسعة وسيطرة – سيناريو تحقيقة في الظروف الحالية محمل بالكارثة. إضافة الى ذلك، هناك واجب لتحقيق وطني، وهو مشروع عظيم الأهمية يتبدد كلما ابتعدنا عن لحظة نشوب الحرب، وبدونه ستبقى مواضع خلل شديدة يبدو أنها ستعود لتتفجر بقوة اعظم مما في الماضي.
——————————————
هآرتس 3/6/2025
في الصراع على الماء في غور الأردن، الفلسطينيون هم المتضررون الأساسيون
بقلم: تسفرير رينات
أزمة المياه في غور الأردن اشتدت في الأسابيع الأخيرة على خلفية الجفاف الحاد في الشتاء الأخير، ونبع العوجا، الذي هو الأكبر في المنطقة، جف تماما. هذا الوضع الاشكالي يضاف الى مشاكل عسيرة أخرى تتعلق بقدرة الوصول الى المياه، والتي تعاني منها تجمعات الرعاة الفلسطينيين في الغور بسبب الحواجز التي يفرضها الجيش الإسرائيلي والتنكيلات من جانب المستوطنين. يضخ نبع العوجا كل سنة 13 مليون متر مكعب من المياه بالمتوسط. تتدفق المياه في المنحدر الطوبغرافي في داخل المحمية الطبيعية ناحل يتاف الى مخرج مياه صخري تستخدمه القرى الفلسطينية في المنطقة. النبع يجف مرة كل عشر سنوات اجمالا، بعد الجفاف، لكن الامر يحصل دوما في اثناء تموز. اما هذه السنة فقد جف النبع في بداية أيار مما يجبر الفلسطينيين على شراء الماء من موردين محليين واستجلابها الى المنطقة في ناقلات مياه.
في شمال الغور أيضا مس الجفاف بينابيع وابار المياه. وواجهت تجمعات الرعاة في المنطقة مصاعب جمة في الحصول على المياه حتى قبل ذلك، كنتيجة لسيطرة المستوطنين على مصادر المياه والاضرار التي الحقوها بالمعدات الفلسطينية لنهل المياه وتجميعها. اما الجيش من جهته فقد قيد جدا قدرة الفلسطينيين على الوصول الى احد مصادر المياه الأهم قرب قرية عاطف. هنا أيضا يضطر الفلسطينيون لان يعتمدوا على موردي مياه محليين.
كما يؤثر النقص على البؤر الاستيطانية والمزارع غير القانونية التي أقامها المستوطنون في غور الأردن في السنوات الأخيرة. في اعقاب جفاف نبع العوجا بدأوا يستخدمون خط المياه القائم في احدى المزارع لاهداف أخرى ونشروا نداء للتبرع من اجل تمديد خط من بؤرة “ملاخي هشالوم” الذي في ظهر الجبل. وبالتوازي ازدادات التقارير عن الاعتداءات والتهديدات من جهتهم كجزء من جهودهم لتعزيز سيطرتهم على الأرض. إضافة الى ذلك يطالب المستوطنون الادارة المدنية بان تزود المزارع والبؤر في المنطقة بالمياه من بئر عين ساميا احد الينابيع الكبرى بين السامرة وغور الأردن. وبزعمهم، فان جفاف نبع العوجا جاء جراء نهل الفلسطينيين للمياه الجوفية في عين ساميا قبل أن تواصل المياه النزول في سفوح الجبل شرقا.
رغم الجفاف، يوجد لشركة مكوروت في غور الأردن نحو 25 حفرية تؤخذ منها المياه الجوفية. المياه لا تورد للتجمعات الفلسطينية التي تبقى منقطعة أيضا عن شبكان أخرى كالكهرباء.
من الناطق بلسان الإدارة المدنية جاء: “الإدارة مسؤولية عن ربط مصادر المياه في المناطق ج. التجمعات السكانية موضع الحديث (والمقصود تجمعات الرعاة الفلسطينيين – رينات) هي غير قانونية ولهذا فهي لا ترتبط قانونيا بشبكات المياه. سلطات المنطقة تعمل على إيجاد جملة حلول لتوريد المياه للمتواجدين في المكان، وهذا على سبيل النزاهة”.
——————————————-
هآرتس 3/6/2025
اهمية خطاب يئير غولان في 2016، الآن هي أكبر بسبعة اضعاف
بقلم: عوزي برعام
يئير غولان هو بالنسبة لرجال اليمين الغطاء على عارهم. هم يحاولون التمسك باقواله لاخفاء عورتهم. اقواله “الدولة العقلانية لا تقتل الاطفال كهواية” لم تكن تصريحه الاول الذي جعل اليمين يخرج عن اطواره. خطابه في ذكرى يوم الكارثة في 2016 أدى الى الانقضاض عليه، وقضى على حياته المهنية العسكرية المجيدة، التي في ذروتها كان نائب رئيس الاركان.
أنا قرأت مرة اخرى هذا الخطاب، ووجدت أن اهميته على خلفية الوقت الحالي أكبر بسبعة اضعاف. لقد صمد امام امتحان الزمن: “في يوم الكارثة من الجدير مناقشة قدرتنا على اجتثاث من اوساطنا بادرة عدم التسامح. بادرة العنف، بادرة التدمير الذاتي في الطريق الى التدهور الاخلاقي”.
بعد ذلك لمح غولان الى قضية اليئور ازاريا: “في الحساب القومي، وفي محاسبة النفس الوطنية، يجب علينا اضافة ظواهر تقض المضاجع. قبل عدة اسابيع طرح للنقاش العام موضوع طهارة السلاح. طريقنا دائما يجب أن تكون طريق الحقيقة وتحمل المسؤولية. امام ضياع المعايير الآن، بعد تسعة سنوات، الامور تفطر القلب.
مراسلون من اليمين مثل كالمان لبسكين واريئيل سيغال، يحتجون على المعاملة غير الموضوعية للحكومة اليمينية، مثلا في قضية تعيين دافيد زيني في منصب رئيس الشباك. اذا لم يقم زيني نفسه بسحب ترشحه فهو سيتم تعيينه خلافا لموقف الجهاز القضائي.
بالنسبة للمعارضة السياسية على تعيينه، كيف كان سيشعر مراسلو اليمين لو أن حكومة اخرى قامت بتعيين عوفر كسيف كرئيس للشباك؟ لا تقولوا بأن المقارنة ليست ذات صلة. مسموح سؤال هل من الجدير وضع الدفاع عن الديمقراطية في اسرائيل في يد احد تلاميذ الحاخام تسفي تاو، أو أن رئيس الحكومة الذي قام بالتعيين “يقوم بالتعميد وهو نجس؟”.
قيادة اليمين الفاشلة التي قادتنا الى الكارثة الاكبر في تاريخ الدولة، تثبت ان غولان كان محق في تحذيره، وهي تواصل التعامل بتسامح مع كل تحد. شباب مشاغبون يعتدون على العرب في “يوم القدس”، سائقو حافلات عرب يتم ضربهم من قبل مشجعي بيتار القدس، شاب عربي يتم دهسه حتى الموت في القدس، اعضاء كنيست من اليمين يسمعون اقوال تعطي المبرر لكل خطوة دولية ضد اسرائيل. لم نسمع أي ادانة من الحكومة. نتنياهو اغلق فمه. حتى ادارة بيتار القدس لم تقم بادانة مشجعيها. لكن رجال اليمين قاموا بشتم غولان الذي وصف افلاسهم الاخلاقي.
في احتجاجه على السلطة القضائية فان اليمين يحاول التشبث بهبوط مكانتها في اوساط الجمهور (لكن الثقة بها اعلى من الثقة بالكنيست والحكومة). كيف لن تتضرر مكانتها في الوقت الذي فيه وزير العدل يقاطع رئيس المحكمة العليا، والوزراء، وعلى رأسهم نتنياهو المشوب بتضارب مصالح صارخ، يظهرون عدم الثقة بالمستشارة القانونية للحكومة.
رؤساء اليمين لن يصمتوا الى أن تصبح اسرائيل هنغاريا الشرق الاوسط. اليمين المتدين الذي يسجد للترانسفير والضم، يفعل كل ما في استطاعته لتدمير مكانة اسرائيل الدولية. رؤساؤه يعلقون كل الآمال على الحاخامات المقطوعين عن الواقع وعلى عملية الخلاص التي ستجلب الدواء لكل امراضنا.
أي توازن يمكن ان يكون بين حماة الديمقراطية وبين الذين يُحرمون الحرب عليها وهم يرفعون عيونهم نحو السماء.
——————————————-
هآرتس 3/6/2025
82 في المئة مع طرد الغزيين: نحن شعب مريض.. حتى مورغان كشف عن عورتنا
بقلم: إيريس ليعال
تقاطع أحداث مثير للاشمئزاز. ما تفعله إسرائيل في غزة من تدمير شامل، والموكب السنوي لبهائم في يوم القدس، والفتك بسائقي الحافلات العرب من قبل مشجعي بيتار القدس… كل ذلك يدل على أن اليهودية تمر بأزمة عميقة. القصد هنا ليس اليهودية كدين، بل وجهة نظر إنسانية وأخلاق شخصية واجتماعية.
التوثيق الذي يتدفق من المنطقة المنكوبة، غزة والمناطق المحتلة، ومن إسرائيل التي تتفكك من الداخل، تسيء لسمعتها في العالم. كثير من الشخصيات البارزة في السياسة والإعلام الغربي تتخلى عن خوفها من قول ما هو واضح للعيان. وثمة شخصيات يهودية بارزة تحاول إبعاد نفسها عن الدولة التي أنشئت كملاذ لأبناء شعبها.
نجد النموذج التمثيلي في إعلامي يحظى بشرعية، وهو بيرس مورغان، الذي دعم إسرائيل بدون تحفظ منذ بداية الحرب. المقابلة، التي وضع فيها السفيرة الإسرائيلية في بريطانيا، تسيبي حوطوبلي في الزاوية، وأجبرها على الاعتراف بأن “إسرائيل أعلنت عن تدمير ممنهج للمباني والمناطق، وقتل الأطفال أيضاً”، هذه المقابلة وصلت إلى قنوات التيار العام.
لكن ليس هجومه الشديد على حوطوبلي أو الاشمئزاز الذي أثارته فيه هو الذي يجب التركيز عليه، بل اللحظة التي قالت له فيها بأن الأمر يتعلق بفرية، لكنه لم يرتدع.
منذ فترة غير بعيدة، الخوف من الاتهام باللاسامية أسكت الأشخاص، لكن كما قال الصحافي اليهودي – الأمريكي غالن غرينفيلد، لا أحد يتجمد من الخوف عندما تصرخ إسرائيل “فرية”. هذا المفهوم فقد زبانته بسبب استخدامه الزائد. صور لأطفال جرحى وجثث مرفقة بمقال “إسرائيل تدافع عن نفسها مرة أخرى في هذا الصباح”، هي تعبير آخر عن الاستخفاف ببلاغة إسرائيل السائدة، التي تآكلت فائدتها. لم يعد الناس يشترون الادعاء القائل بأن تدمير غزة بلا حدود ينطبق عليه قول “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”.
ليس لوسائل الإعلام الأجنبية سبب يجعلها في حالة رضا عن النفس. فقد أظهرت عدم الشجاعة خشية اتهامها بتغطية أحادية الجانب إلى أن استيقظت. في الحقيقة، منعت إسرائيل دخول المراسلين الأجانب إلى قطاع غزة، لكن لم يتم استخدام تقارير المراسلين المحليين بالشكل المطلوب، ربما شككوا في مصداقيتهم، لكن في كل الحالات لم ينشروا قتل إسرائيل لأكثر من 150 مراسلاً في غزة. وحسب “فورن افيرز”، عندما يدور الحديث عن المراسلين فهذه هي الحرب الأكثر دموية.
إسرائيل لا تغض النظر فحسب، بل تغطي عيون المواطنين برعاية القانون. فالشرطة في عكا منعت المتظاهرين من رفع صور لأطفال قتلتهم إسرائيل في غزة، بينهم الإخوة التسعة، الذين قتلوا في خان يونس. ضابط الشرطة قال للمنظمين بأن رفع الصور “تحريض قومي متطرف”، ويعتبر جريمة جنائية. في الوقت الذي يتقلب فيه جورج أورويل في قبره، علينا الاستيعاب بأن الحقيقة غير قانونية في إسرائيل، لأنها قد تثير أحاسيس مناوئة للوطنية.
هدف الحرب هو تدمير أي إمكانية للعيش في غزة، لإجبار السكان على المغادرة. يجب القول عالياً بأن تدمير غزة تدمير لروحنا. لم يبق لنا أي ذخر أخلاقي. وحتى لو تم إسقاط الحكومة فلا يمكن القول بأن كل ذلك كان خلافاً لرغبة الشعب. 82 في المئة من اليهود يؤيدون طرد سكان غزة. المسيحانية والكهانيون الذين كانوا منبوذين في السابق، هم الآن التعبير الواسع عن روح الانتقام والكراهية العمياء التي جرت الأغلبية الساحقة. حتى رجال الوسط الواسع الذين هم العمود الفقري لليبرالية في جسد الدولة اليهودية، مصابون بذلك. نحن مريضون جداً.
——————————————-
هآرتس 3/6/2025
النقب يضيق على أهالي “السر”.. لن يبقوا في القرية بيتاً واحداً حتى نهاية آب
بقلم: أسرة التحرير
منذ قيام حكومة نتنياهو، تركت مئات المواطنين البدو -بينهم أطفال وشيوخ وذوو إعاقة ومرضى بأمراض عضال- بلا مأوى. يعيش بعضهم في خيام منذ سنة، وآخرون بصعوبة تمكنوا من استئجار شقق. لكن حالة مثل قرية السر لم يشهد لها مثيل بعد؛ فقد بدأت الدولة بهدم تدريجي لقرية كاملة غير معترف بها، حيث يعيش نحو 3 آلاف نسمة، وذلك لتوسيع مستوطنة “سيغف شلوم” المجاورة. ومن المتوقع أن يتواصل الهدم هذا الأسبوع.
إذا ما استكملت خطة الدولة وهدمت كل منازل القرية، ستكون هذه مأساة بمستوى غير مسبوق، ليس فقط بسبب مجرد الهدم بل لأن الدولة لا تقترح على السكان أي حل بديل. ببساطة، تبقيهم تحت قبة السماء. المركز الجماهيري في “سيغف شالوم” تحول في الأسبوع الأخير إلى مخيم لاجئين. عشرات الأطفال والنساء والرجال وجدوا فيه ملجأ مؤقتاً بعد أن هدمت بيوتهم. آخرون ينامون في خيام أو لدى أقرباء عائلة. وتبقى الخيار بين ثلاثة خيارات: خيمة، مركز جماهيري، أو الشارع.
في البداية، اعترضوا سكان السر على خطة سلطة البدو التي وضعت دون مشاركتهم، وإن كانوا في النهاية رضوا لانعدام البديل. فقد رفعوا أياديهم ووافقوا، في ظل تنازل عن نمط حياتهم القروي – الزراعي، على الانتقال إلى حي مديني مكتظ. ولم يحصل هذا إلا حين وجه إلى رؤوسهم مسدس في شكل أوامر هدم مجددة. لكن عندها أيضاً، حتى عندما استسلموا واستجابوا للخطة التي حاولوا منعها، لم يقدم لهم أي حل قابل للتحقق. لا يزال الحل الموعود على الورق. فلا أراض ولا بنى تحتية ولا مكان يلجأون إليه. “هذا ليس هدماً للبيوت فقط، بل هدم للحياة أيضاً”، كتب في يافطات المظاهرة الكبرى التي جرت الأسبوع الماضي أمام مكاتب سلطة تنمية وإسكان البدو في بئر السبع. الآلاف وقفوا هناك لا لكي يوقفوا الجرافات بل ليضعوا مرآة أمام وجه الدولة. دولة ترى في مواطنيها البدو مشكلة تخطيطية.
ياسر الحروبي، معلم للرياضيات وأب لسبعة أطفال، وقف أمام الأنقاض وقال: “إذا كنت أتعاون، فلماذا الهدم؟”. في هذه الأثناء، بدأ السكان يهدمون بيوتهم بأنفسهم ليوفروا “الغرامة” التي تطالب بها الدولة لقاء الهدم. كل القرية ستمحى حتى نهاية آب، كما قدر الحروبي.
يمكن ويجب وقف هذا. وقف الجرافات ووقف التجاهل والتنكر للمسؤولية. قد تجمد الدولة الهدم إلى حين إيجاد حل مؤقت متفق عليه وإنساني.
——————————————-
معاريف 3/6/2025
لقادة إسرائيل وجيشها: لتضعوا حداً لـ “خطيئة أوسلو”.. واهتكوا حرمات قراهم بيتاً بيتاً
بقلم: شاي ألون
ينتقم الرب لدمها، فالحدث الذي قتلت فيه تسالا غاز، أم لثلاثة، وهي في طريقها إلى غرفة الولادة، ثم لحق بها ابنها ربيد حاييم، الذي ولد ولادة قيسرية– لم يكن “حدثاً أمنياً” آخر. هذا فشل أخلاقي وسياسي في غاية الخطورة، صرخنا به وحذرنا منه. القيادة الإسرائيلية لم تستوعب بعد أنها في حرب – في “يهودا والسامرة” أيضاً.
الدولة تسافر في الاتجاه المعاكس. حتى بعد 7 أكتوبر، حين فهمنا مدى كلفة ثمن الأوهام الأمنية والهدوء الوهمي، ها هم أصحاب القرار يواصلون إدارة “يهودا والسامرة” وكأنها ساحة جانبية.
لا يحتمل وضع تلاحق فيه دولة إسرائيل المخربين بيد، وبالأخرى تدعهم يعيشون بسكينة. يجب دخول قرى “يهودا والسامرة” بيتاً بيتاً، ومصادرة الوسائل القتالية واقتلاع البنى التحتية للإرهاب، والقضاء على إمكانية وقوع موجة القتال التالية في “يهودا والسامرة”. يجب وضع حد لخطيئة أوسلو، وحل السلطة الفلسطينية الداعمة للإرهاب والمقوية له، ودفعها إلى الانهيار ونزع سلاحها.
أي قرية فلسطينية تصدر عملية مضادة، يجب أن محاصرتها فوراً. ويجب إعادة الحواجز، وإدخالها إلى مراكز المدن وتطهير الأرض. غيرنا النهج – انتقلنا إلى الهجوم.
يجب تشكيل غرفة حرب أمنية نشطة لكل رئيس سلطة في “يهودا والسامرة”، مع طاقم طوارئ منسق وقدرة عملياتية أولية. في 7 أكتوبر، رأينا أن المستوطنات التي بنت نفسها من ناحية عسكرية مع قدرات قتالية بمستوى عال ويقظة عملياتية إلى جانب قوات الجيش الإسرائيلي في الميدان، نجحت في إنقاذ نفسها أو على الأقل منع ضرر أشد. الأمن أولاً وقبل كل شيء بمسؤوليتنا دون تعلق بالجيش الإسرائيلي أو بالحكومة وبأدائها.
يجب أن نتذكر: طريق 5 هو مركز البلاد. الإرهاب المعربد في أرجاء “يهودا والسامرة” يشبه الإرهاب الإجرامي في مركز البلاد. الإرهاب لا يتوقف، ومن يقف في المكان يستدعي العملية التالية. وكلنا سنتحمل المسؤولية.
الجمهور ينتظر زعامة شجاعة. من العار ملاحقة الدولة لمخربين أفراد بدلاً من اقتلاع جذور الإرهاب في “يهودا والسامرة”.
القيادة الجماهيرية مطالبة ببدء العمل. ثمة جنود وإرادة للحسم، وثمة تفان كبير من أجل الهدف المقدس المتمثل بأمن سكان إسرائيل كلها. لكن زعماءنا ملزمون بإدارة الدفة إلى الاتجاه الصحيح.
——————————————-
استراتيجية هندسة الفوضى

دراسة تحليلية لواقع يرسم ويخطط له
يافي فارشافسكي مسؤولة إعلام الاحتلال تقول:
(المختطفون سيتم إنقاذهم بأعجوبة – الجميع سيعودون إلى منازلهم بحلول عيد الشافوعوت” (خلال 7 أسابيع)
تصريحها ان كان صحيح ودقيق يطرح التساؤلات التالية:
هل سيكون ذلك من خلال العملية البرية؟ هل يعلم الاحتلال أماكن أسرهم؟. ام هل سيتم اخراجهم تحت سيف التجويع وهندسة الفوضى؟ ولماذا بأعجوبة؟.
والخبر ليس هو المهم ولكن يجب ربطه بما ستقراه هنا وهو تحليل استراتيجي عميق عنوانه
هندسة الفوضى:
الفوضى المصطنعة كمرحلة نهائية في استراتيجية الكسر الكامل لغزة.
فليس ما يجري في غزة مجرد حرب عسكرية أو مأساة إنسانية، بل هو تحوّل مفصلي في مفهوم إدارة الشعوب تحت الاحتلال. نحن أمام لحظة تاريخية يتم فيها تنفيذ استراتيجية معقّدة تستهدف ليس فقط إنهاء روح المقاومة، بل تفكيك المجتمع نفسه من الداخل، وإعادة إنتاجه كشكل هش لا يمكنه إعادة التشكل إلا وفق شروط المحتل.
من هنا، لا يمكن فهم حالات الفوضى الغذائية، وأحداث النهب، والقتل، إلا باعتبارها جزءًا من هندسة اجتماعية عنيفة تُنفّذ على مراحل دقيقة ومخططة.
أولًا: الفوضى الغذائية – أداة صلبة في مشروع الهدم الناعم
1. ما معنى “تفريغ الطعام”؟
تفريغ المناطق من الطعام لا يعني فقط تجويع السكان، بل هو عمل رمزي وعيني في آن واحد، يُسقط الأسس التالية:
انهيار مفهوم الأمن الذاتي: لا دولة، لا مؤسسات، لا قدرة جماعية على الاستمرار.
2. تفكك العقد الاجتماعي: الإنسان في غزة لم يعد يرى في محيطه “مجتمعًا”، بل منافسًا في صراع البقاء.
3. قتل الروح الجمعية: عندما ينهار النظام الغذائي، تنهار قيم التكافل والكرامة، ويبدأ الفرد بالتفكير فقط في “أنا” الجائعة.
4. البعد النفسي والسياسي لتجويع الجماعة:
التجويع ليس فقط وسيلة للإخضاع، بل هو عملية “كسر داخلية” تُحطّم تماسك الذات.
في الدراسات الاجتماعية، يُعتبر التجويع أداة لإحداث “تحوّل إدراكي قسري” لدى الجماعات: ليصبح تفكيرها الوحيد الاوحد هو النجاة بأي ثمن ولا تفكر بأي شئ آخر.
الفوضى الناتجة عن الجوع تمهِّد لتقبل حلول كانت مرفوضة تمامًا قبل الأزمة
ثانيًا: الفوضى كمنتَج هندسي – استراتيجية التفكيك الداخلي
1. ما الذي تشير إليه الفوضى؟
انهيار القيم للتماسك الاجتماعي: العدالة، التوزيع،
تحلل مؤسسات المقاومة من بعدها المجتمعي: تتحول الفصائل من “حماة” إلى “عاجزين”، و “مُتهمين”.
إعادة تعريف السلطة: السلطة تنتقل من “القيادة السياسية” إلى من يملك الغذاء والماء.
2. هل هي عفوية؟
التحليل البنيوي للأحداث يظهر أنها ليست فوضى طبيعية، بل:
ناتجة عن بيئة صُنعت عمدًا عبر الحصار والتدمير الشامل.
تُدار بالصمت: الاسرائيلي لا يتدخل في هذه المرحلة لأنه يريد للمجتمع أن “ينهار على ذاته”.
تُستخدم كبروفة لمستقبل القطاع: كيف سيتصرف السكان في حال غياب كل سلطة؟ ومن سيملأ الفراغ؟
ثالثًا: سياقات أعمق – صدمة، إعادة تشكل، إعادة استعمار
1. استراتيجية الصدمة الكبرى (Naomi Klein):
ضربات متتالية تشل القدرة على التفكير الجماعي.
بعد الصدمة، يُعاد تقديم الواقع الجديد كـ”خلاص ضروري”.
في حالة غزة، نحن في مرحلة “تدمير البُنى النفسية والاجتماعية” تمهيدًا لطرح حلول بواجهة إنسانية، لكنها في جوهرها سياسية/أمنية.
2. تفكيك الشعب إلى “بقايا بشرية” (Remnants of Humanity):
عندما يُمنَع الطعام عن الناس، وتُدفعهم قوى الجوع للنهب والفوضى، فإنك لا تجوّعهم فقط بل:
تجرّدهم من الصورة الأخلاقية في أعين العالم.
تخلق سردية جديدة مفادها أن هذا الشعب لا يمكنه إدارة نفسه.
تفتح الباب لـ “إعادة استعمار إنساني” عبر إدارة دولية أو عربية خاضعة لشروط سياسية وأمنية معيّنة.
3. استعمار ما بعد البنية (Post-Structural Colonialism):
نحن أمام استعمار لا يفرض سلطته عبر القوة العسكرية فحسب، بل عبر إعادة كتابة البنية النفسية والاجتماعية للناس.
هذا يتم عبر أدوات ناعمة مثل:
إدارة الغذاء.
التحكم بالمساعدات.
خلق فوضى يُترك لها أن تتفاقم، ثم تُعرض “وصاية” لإنقاذ الناس منها.
رابعًا: الاحتمالات المستقبلية – هل ما زال بالإمكان الصمود؟
1. السيناريو الأسوأ (الاستسلام الداخلي):
استمرار الفوضى والجوع يؤدي إلى حالة من الانهيار الأخلاقي والنفسي العام.
تسويق خارجي لفكرة “إدارة غزة دوليًا”، أو وضعها تحت إشراف إقليمي – كمقدمة للتطويع السياسي الكامل.
2. السيناريو المقاوم (الانبعاث من تحت الركام):
ظهور تنظيمات اجتماعية تنشئ نماذج جديدة للتوزيع، التكافل، إدارة الحياة.
خطاب مقاوم يعيد تعريف الكرامة لا كمواجهة عسكرية فقط، بل كقدرة على الحفاظ على البناء المجتمعي في قلب الجوع والفوضى.
خاتمة: ليس فقط ما يجري – بل ما يُراد له أن يُصبح
إن ما يحدث في غزة اليوم هو لحظة فارقة في التاريخ الفلسطيني، بل وربما في التاريخ العربي الحديث: إنها أكبر تجربة “هندسة اجتماعية عنيفة” تُجرى على شعب كامل داخل أرضه وتحت نير الاحتلال.
الفوضى الحالية ليست عرضًا جانبيًا، بل هي جزء أصيل من مشروع تدمير المجتمع الفلسطيني من الداخل، حتى يُعاد تشكيله إما كجسد بلا روح، أو كشعب يقبل بالعيش دون أفق سياسي.
تحتاج الي تفكير عميق والوقوف بجدية ومقاومة ما يحدث ومحاولة وإعادة تشكيل الهندسة الاجتماعية بما يخدم غزة واهلها.
—————–انتهت النشرة—————–